كيف بدأت ألعاب الفيديو من المختبرات العلمية؟
على الرغم من أن أجهزة الحواسيب لم تُصنَع لأغراض ترفيهية بالأساس، إلا أن البعض وجد طُرقًا للاستمتاع بها منذ الأيام الأولى لظهورها، خاصةً وأن المبرمجين أنفسهم كانوا يسعون لزيادة شعبية هذه الأجهزة، التي كانت تملأ غرفًا كاملة، وتُشترى بمبالغ طائلة من قِبل الشركات الكُبرى والجامعات فقط.
خلال تلك الفترة، ونحن نتحدث عن الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كان فهم الناس لأجهزة الحواسيب قاصرًا، ولهذا السبب، كانت ألعاب مثل "إكس أو Tic-Tac-Toe" و"لعبة التنس Tennis for Two"، وسيلة مثالية لجذب اهتمام الجمهور وقلبه في آنٍ واحد، فما قصة ألعاب الفيديو؟
البدايات الأولى لألعاب الفيديو

هل تعلم أن ألعاب الفيديو -رُغم طبيعتها الترفيهية- بدأت من مختبرات العلماء؟
نعم؛ إنها الحقيقة، فلعبة "إكس" أو "Tic-Tac-Toe"، طُوِّرَت من قِبل البروفيسور البريطاني "إيه إس دوجلاس"، كجزء من أطروحته للدكتوراة في "جامعة كامبريدج" عام 1952.
بعد ذلك بستة أعوام، ابتكر "ويليام هيجنبوثام" اللعبة الثانية التي ذكرناها في المقدمة، وهي لعبة التنس الشهيرة "Tennis for Two"، وذلك على حاسوبٍ ضخم مُستخدمًا شاشة "راسم الذبذبات Oscilloscope"، الذي يُستخدم في المستشفيات لعرضها، وذلك بمناسبة اليوم السنوي للزوار في "مختبر بروكهيفن الوطني- Brookhaven National Laboratory" في نيويورك.
لكن لعل اللعبة الأشهر وقتها، أو على الأقل الأحدث والأكثر تطلّبًا، كانت لعبة "حرب الفضاء Spacewar"، التي ابتكرها "ستيف راسل" عام 1962 في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT"، وقد طُوِّرَت هذه اللعبة على أحدث الحواسيب المتوفرة آنذاك PDP-1، وكانت أول لعبة فيديو يمكن لعبها عبر أكثر من جهاز حاسوب.
عصر الكونسول

حتى ذلك الوقت كانت تلك العناوين المحدودة تعمل على أجهزة الكمبيوتر الضخمة فقط، لكن في عام 1967، تغيّر هذا الأمر عندما عمل مطورون في شركة "Sanders Associates, Inc"، على أول نظام ألعاب متعدد اللاعبين يُمكن تشغيله على شاشة التلفزيون، وأُطلق عليه "الصندوق البُني The Brown Box".
على رأس الفريق الذي عمل على هذا الابتكار كان المهندس والمخترع الألماني "رالف باير"، الملقب بـ"أبو ألعاب الفيديو The Father of Video Games"، إذ رخَّص ابتكاره لشركة Magnavox، التي طرحت النظام في الأسواق عام 1972 تحت اسم "Odyssey"، ليكون أول كونسول (جهاز ألعاب منزلي) في التاريخ، وإن كان سيموت سريعًا خلال السنوات القليلة اللاحقة.
لكن على الرغم من فشل "Odyssey"، فإنه امتلك واحدة من الألعاب التي ألهمت الأيقونة "Pong"؛ أول لعبة آركيد في التاريخ.
وصدرت لعبة Pong في عام 1972، وفي عام 1975، أصدرت Atari النسخة المنزلية منها، والتي نجحت هي الأخرى.
نجاح Atari جعل شركة Magnavox تقاضيها بتهمة انتهاك حقوق الملكية، غير أن الأولى قامت بتسوية الأمر وأصبح لها الحق في استخدام براءات اختراع Odyssey، وخلال العشرين عامًا اللاحقة، ربحت Magnavox أكثر من 100 مليون دولار من الدعاوى القضائية وحقوق الملكية الفكرية.
الجيل الثاني من أجهزة ألعاب الفيديو

في عام 1977، أصبحت شركة Atari في موضع القوة، الذي مكنها من إطلاق الكونسول الخاص بها Atari 2600؛ وهو جهاز ألعاب منزلي امتلك عصي تحكم Joysticks وشرائط قابلة للتغيير، كانت هذه الأمور ثورية وقتها، وأوصلتنا للجيل الثاني من ألعاب الفيديو.
حظيت ألعاب الفيديو في السبعينيات والثمانينيات بعدة محطات بارزة، مثل إصدار لعبة الآركيد الشهيرة Space Invaders في عام 1978، وتأسيس شركة Activision العملاقة في عام 1979 (تُعد أول شركة تطوير ألعاب غير مُصنّعة لأجهزة الكونسول أو الآركيد)، ودخول اللعبة الشهيرة Pac-Man إلى الأسواق الأمريكية وانتشارها في أماكن كثيرة، وإصدار لعبة Donkey Kong التي قدَّمت لنا لعبة Mario، إصدار أول لعبة من سلسلة Flight Simulator من "مايكروسوفت" وغيرها، ولعل هذه المحطات القوية أعمت المطورين تلك الهزة القادة لعرش الألعاب، والتي كادت أن تُجهز عليه للأبد.
اقرا أيضًا: كيف بدأت أجهزة الألعاب المنزلية "الكونسول"؟
انهيار صناعة الألعاب
شهدت صناعة الألعاب في عام 1983 انهيارًا كبيرًا، نتيجة عوامل عدة على رأسها تشبع السوق، ودخول ألعاب الحاسوب على الخط ومزاحمتها لأجهزة الكونسول، وكثرة العناوين الرديئة ذات الجودة المتدنية، والتي كان يُروَّج لها بشكل مبالغ فيه مثل لعبة E.T، التي طُورت من قبل شركة Atari والمقتبسة من الفيلم الشهير، الذي يحمل الاسم نفسه.
لقد انخفضت أسهم الصناعة بنسبة 97%، والوضع أصبح مزريًا للغاية، إلى جانب الأسباب التي ذكرناها، كان طمع الناشرين والمطورين من أهم الأسباب أيضًا، حيث تدافع الكل لدخول هذه الصناعة التي وجدوا فيها فرصًا عالية للنجاح، بعد القفزات التي تحققت في السبعينيات والثمانينيات، وهذا يُفسر سبب وجود الألعاب المتدنية، ومنها Quaker Oats، وPurina Dog Food، وغيرها الكثير.
نينتندو تنقذ صناعة الألعاب

استمر هذا الانهيار لسنتين تقريبًا، مؤديًا إلى إفلاس العديد من المطورين والناشرين، لكن لحسن الحظ، استعادت الصناعة عافيتها في عام 1985، عندما حط جهاز Nintendo Entertainment System (NES) (يُعرف بالـ Famicom في اليابان) قدمًا في الولايات المتحدة.
امتلك هذا الجهاز واجهة رسومية محسنة، وبالتالي ألوانًا أفضل، وتجربة أفضل على مستوى الجيم بلاي والصوت وكل شيء تقريبًا، مقارنةً بما سبقه من أجهزة الكونسول.
شركة "نينتندو" كانت واحدة من أبرز الشركات التي يُنسب لها الفضل في عودة صناعة الألعاب إلى زخمها، وكانت هذه الشركة اليابانية تُصنّع كروت أو بطاقات اللعب في البداية؛ سنة 1889، غير أنها سرعان ما دخلت إلى عالم ألعاب الفيديو، وباتت من أبرز الأسماء الموجودة فيه.
طوَّرت "نينتندو" ونشرت سلاسل بارزة في عالم الألعاب، ما زلنا نتغنى بجودتها حتى اليوم مثل: Super Mario Bros، وThe Legend of Zelda، وMetroid.
بالإضافة إلى ذلك، كانت "نينتندو" تحرص أشد الحرص على وضع قيود صارمة على شركات الطرف الثالث، لئلا تُطوّر ألعابًا رديئة مثلما كان الحال في سنتي انهيار الصناعة.
لهذا السبب، رأينا عناوين ما زالت مبهرة إلى اليوم مثل Castlevania من كونامي، وFinal Fantasy من سكوير إينكس، وMega Man من Capcom، وغيرها الكثير.
وفي عام 1989، أصدرت "نينتندو" جهاز Game Boy، وأشاعت فكرة أجهزة الألعاب المحمولة handheld consols بين اللاعبين، وعلى مدار السنوات اللاحقة، ستصدر "نينتندو" مجموعة من أجهزة الألعاب الأيقونية، التي يُعرف آخرها بالـNintendo Switch (نحن الآن ننتظر الـNintendo Switch 2).
كانت هذه قصة ألعاب الفيديو باختصار؛ منذ ظهور أول الألعاب على الساحة كتجارب علمية، ومرورًا بالانهيار الذي كاد أن يُجهز على الصناعة قبل أن تبدأ، وأخيرًا الانتعاش الذي حصل بفضل شركات تتصدرها "نينتندو"، بعيدًا عن الحديث حول أجهزة البلايستيشن والإكس بوكس، رغم ما أحدثاه من ثورة حقيقية في صناعة الألعاب، ربما لأننا جميعًا عاصرنا هذه الأجهزة واستمتعنا بها.