رغم اكتساحه للمشهد.. هل استخدام تطبيق DeepSeek آمن؟
اكتسح DeepSeek مشهد الذكاء الاصطناعي، بل المشهد التقني مؤخرًا، لا سيما بعد الكشف عن النموذج الجبّار R1 في 20 يناير، ووصل اكتساح التطبيق، الذي تربع على عرش قائمة تطبيقات App Store، إلى الدرجة التي جعلت المحللين وخبراء التكنولوجيا يتساءلون: هل ستستطيع أمريكا الحفاظ على ريادتها أو على الأقل الصمود في وجه هذا التطبيق الصيني الذي صعد إلى السطح فجأة؟
يستحث هذا السؤال أكثر من سؤالٍ آخر مثل: كيف ظهر DeepSeek؟ وكيف تمكن من الوصول إلى العالمية بهذه السرعة؟ وهل من الآمن استخدام التطبيق؟
ما تطبيق Deepseek؟

DeepSeek عبارة عن بوت دردشات يعمل بالذكاء الاصطناعي، أطلقته شركة صينية تأسست عام 2023، تحمل الاسم نفسه، ويشبه هذا التطبيق تطبيقات الذكاء الاصطناعي المنتشرة مثل ChatGPT، Gemini، Claude وغيرها، ولكنه يختلف عنها في تفوقه في كثير من الأمور، على رأسها أنه مجاني تمامًا.
من هو مؤسس Deepseek؟
مؤسس شركة DeepSeek هو رائد الأعمال الصيني "ليانج وينفينج"، البالغ من العمر 39 عامًا، وقد بدأ "ليانج"؛ وهو المؤسس المشارك لصندوق التحوط الكمي High-Flyer، العمل في التداول وهو طالبٌ في "جامعة تشجيانج". وفي عام 2019، أطلق صندوق التحوط High-Flyer Capital Management، الذي كان تركيزه الأساسي مُنصبًّا على تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتطويعها في الاستثمار.
وفي عام 2023، أسس High-Flyer مختبر DeepSeek، كمشروعٍ منفصل للبحث في أدوات الذكاء الاصطناعي، بعيدًا عن القطاع المالي، ليستقل بعد ذلك ويتحول لشركةٍ مستقلة تحمل الاسم نفسه.
منذ اليوم الأول الذي تحولت فيه DeepSeek إلى شركة مستقلة بذاتها، بدأت تبني مراكز بيانات خاصة لتدريب نماذجها، ولكن مثلها مثل بقية شركات الذكاء الاصطناعي الصينية، اصطدمت بحائط الحظر الأمريكي، الذي يحول دون تصدير كروت الشاشة المتطورة إلى الصين، وبعض الدول الأخرى للحفاظ على ريادة أبناء العم سام في هذا المجال.
اضطُرّت DeepSeek إلى استخدام كروت الشاشة Nvidia H800، وهي بطاقات رسومية أضعف من الشريحة العملاقة H100 المتاحة للشركات الأمريكية، لكن رُغم ذلك، تألّقت DeepSeek بفضل سياستها التي تعتمد على استقطاب الباحثين الحاصلين على الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي من أكبر الجامعات الصينية.
وبفضل توظيفها لأشخاصٍ من خلفيات غير تقنية أساسًا، إيمانًا منها بأن ذلك يوسع من نطاق فهم نماذجها لمجالات مختلفة، وباختصار، تُركز DeepSeek على العقول والبحث العلمي أكثر من أي شيء آخر؛ أكثر حتى من العتاد التقني.
كيف وصلت DeepSeek لهذا النجاح السريع؟

أطلقت شركة DeepSeek المجموعة الأولى من نماذجها، وهي DeepSeek Coder، DeepSeek LLM، وDeepSeek Chat، في نوفمبر 2023، لكن الشركة لم تبدأ في جذب انتباه قطاع الذكاء الاصطناعي عالميًّا إلا بعد إطلاقها الجيل الجديد من نماذجها، المتمثل في DeepSeek-V2 بحلول الربيع الفائت.
حيث استطاعت عائلة DeepSeek-V2 أن تلفت أنظار الجميع، لما قدمته من أداءٍ قوي للغاية في اختبارات الذكاء الاصطناعي، وبسعرٍ تشغيليّ أقل بكثير من النماذج المنافسة، وقد أجبر هذا النجاح الشركات الصينية العملاقة مثل ByteDance وAlibaba على تقليل أسعار استخدام نماذجها، بل وطرح بعضها بشكل مجاني تمامًا، وهذه لم تكن سوى البداية.
في ديسمبر 2024، زادت شهرة DeepSeek بإطلاقها نموذج DeepSeek-V3؛ وبحسب الاختبارات الداخلية، استطاع هذا النموذج أن يتفوق على النماذج مفتوحة المصدر مثل Llama من Meta، وحتى بعض النماذج مُغلقة المصدر التي لا يمكن الوصول إليها سوى عبر واجهة برمجية API، مثل GPT-4o من OpenAI، وكل هذا كان لافتًا للانتباه، لكن DeepSeek كان لديها المزيد.
في النصف الثاني من شهر يناير 2025، أطلقت DeepSeek نموذجها الجبار بكل ما تحمله الكلمة من معنى DeepSeek R1، ويُعرف هذا النموذج بقدرته العالية على الاستدلال المنطقي، وبحسب الشركة الصينية، فإنه يحقق نفس مستوى أداء نموذج o1 من OpenAI، بينما جاء النموذج R1 مجانيّ!
لكي تعرف مدى تجبر نموذج DeepSeek R1، ألقِ نظرة على تكلفة استخدام o1 بشكلٍ لا نهائي؛ فبينما يمكنك استخدام DeepSeek R1 مجانًا متى أردت دون أن تدفع فلسًا واحدًا، سيتعين عليك أن تدفع 200 دولار شهريًا لـ OpenAI، وإحقاقًا للحق، فإن DeepSeek R1 لا يعمل أحيانًا بسبب الضغط الشديد على السيرفرات، لكن يتوقع أن تُحل هذه المشكلة عاجلًا أم آجلًا.
اقرأ أيضًا: DeepSeek حوت الذكاء الاصطناعي (فيديوجراف)
مخاطر استخدام DeepSeek

إن طرح نماذج DeepSeek مجانًا يُلزمنا أن نسأل أنفسنا: هل هذه النماذج آمنة؟
تُشبّه بعض التقارير DeepSeek بتطبيق TikTok من ناحية سياسة الخصوصية، والنشاط، وطبعًا موقع السيرفرات، وهو الصين، تُرى ما المقابل الذي تدفعه لتحصل على خدمات نموذج مثل R1 ففي نهاية المطاف لا شيء مجاني، أليس كذلك؟
تقول سياسة الخصوصية بتطبيق DeepSeek: "عند استخدامك للخدمات، من الوارد جمع بياناتك النصية، أو الصوتية، أو الملفات التي ترفعها، أو تاريخ الدردشات، أو أي محتوى آخر على المنصة، المعلومات الشخصية التي نجمعها قد تُخزَّن على سيرفرات خارج البلد الذي تعيش فيه، نحن نُخزّن هذه المعلومات على سيرفرات آمنة في الصين".
وعلى الرغم من أن هذه السياسة قد تبدو مخيفة بعض الشيء، فإن هذا هو "العُرف" السائد في معظم التطبيقات والبرامج والمنصات التي نستخدمها، سواء كانت تعمل بالذكاء الاصطناعي أم لا، فإذا استخدمت ChatGPT مثلًا، سواء النسخة المجانية أو المدفوعة، فإن OpenAI قد تُطوّع بياناتك في تدريب نماذجها، صحيحٌ أن الشركة تتيح خيارًا لمنع هذا الأمر، لكن من يدري أين الحقيقة؟
بالعودة لتطبيق DeepSeek، سنرى أن بيانات مثل اسمك، وتاريخ ميلادك، وإيميلك، والبيانات التي تُدخلها إلى المنصة (سواء صوتية أو نصية أو أيًا كان)، والمعلومات التقنية عن جهازك مثل عنوان الـIP الخاص بك ونظام التشغيل؛ كل هذه قد تُجمَع وتُخزَّن على سيرفرات صينية، والمشكلة أيضًا أن الشركة لا تُوضّح مدة معينة للاحتفاظ بهذه المعلومات، صحيحٌ أنها تقول إن بياناتك قد تُستخدم لمراجعة، أو تطوير، أو تحسين الخدمة، لكن هذا ليس مبررًا لعدم الإفصاح عن مزيدٍ من التفاصيل بشأن سياسة الخصوصية.
لكن نعاود القول، ينطبق هذا الأمر على بياناتنا في الكثير من التطبيقات والبرامج والمنصات الأخرى التي نستخدمها، وإن كان هذا لا يُبرر جمع بيانات المستخدمين والتصرف فيها كما يحلو للشركات.
وبعيدًا عن التحيزات السياسية وبعض الأمور المريبة بشأن DeepSeek، مثل رفض الشركة مناقشة مواضيع سياسية معينة على حد قول أحد الخبراء السيبرانيين بشركة NordVPN، فإنك تستطيع استخدام خدماتها وأنت مُطمئن، شريطة ألا تشارك معلومات أو بيانات حساسة تخصك؛ كما هو الحال مع ChatGPT وبقية نماذج الذكاء الاصطناعي.
ويجب ألاّ ننسى أيضًا أن الكثير من الشركات والتقارير تحاول "شيطنة" الصين وأي منتجٍ صيني ناجح، لكن في الوقت نفسه، يجب ألاّ نغفل مدى صرامة الصين وحرصها في التعامل مع بيانات المستخدمين.
في النهاية، إذا كانت الحاجة لاستخدام DeepSeek وغيره من تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليست مُلحة، فلا تستخدمه أساسًا، وطبّق هذه القاعدة على كل البرامج والتطبيقات على هاتفك وجميع أجهزتك، وكن حذرًا بشأن المعلومات التي تشاركها مع الخدمات التي تستفيد بها، وكل شيء سيكون على ما يرام، إلى حدٍ ما!