عندما تجتمع الانطوائية والانفتاح.. مواصفات الشخصية المتزنة
ليس انطوائيًّا، يرغب بقضاء أغلب الوقت بمفرده، وليس منفتحًا على الآخرين طوال الوقت.. يحب وجودهم حوله، بل يتمكّن من موازنة أموره، وإظهار سمات الانطوائية أو الانفتاح عند الحاجة إلى ذلك، حسب الموقف الذي يتعامل معه.
الشخصية المتزنة هي شخصية وسط بين الانطوائية والانفتاح، تُنشِئ علاقات مع الآخرين، وتقدّر الاستماع إليهم جيدًا أيضًا، كما أن لديهم القدرة على إتقان بعض الوظائف التي تناسب شخصياتهم، فما سمات تلك الشخصية الفريدة وهل لها عيوب؟
الفرق بين الشخصية المتزنة والمنفتحة والانطوائية
الشخصية المتزنة (Ambivert)، هي شخصية تجمع بين سمات الانطوائية والانفتاح، وقد ظهر تصوّر الانطوائية والانفتاح (الانبساطية) لأول مرة على يد الطبيب النفسي السويسري "كارل جي جونج" في أوائل القرن العشرين.
فالشخص المُنفتِح هو الذي يستمد طاقته من الوجود بالقُرب من الناس، فهو يحبّ أن يحضر المناسبات الاجتماعية ويتفاعل مع الآخرين.
أمّا الانطوائي فهو شخص يستمد طاقته من التفكير الهادئ، فهو سعيد بقضاء الوقت بمفرده أو مع شخصٍ أو شخصَين يشعر بأنّهم قريبون منه، وكثيرًا ما يحتاج إلى قضاء بعض الوقت بمفرده، بعد أن يكون في بيئة اجتماعية أو مناسبة ما.
ويُتهم الانطوائيون أحيانًا بأنّهم خجولون أو غير اجتماعيين، لكن في الواقع قد يستمتع الانطوائي بالوجود مع الناس أيضًا، لكنّه يفضّل التفاعل قليلًا؛ ليس كثيرًا كالمُنفتِح.
ونادرًا ما ينطبق وصف الانطوائي أو المنفتِح على شخصٍ ما بنسبة 100%، بل يكون أقرب إلى الانفتاح أو الانطوائية حسب شخصيته.
والشخصية المتزنة تقع في المنتصف؛ إذ يميل صاحبها نحو السلوك المنفتِح أو الانطوائي، اعتمادًا على الموقف الذي يتعامل معه.
كيف يعرف الشخص نفسه بأنه متزن؟
للشخصية المتزنة سمات تجعلها متميّزة عن غيرها، فلا هي انطوائية تمامًا، ولا منفتِحة لأقصى درجة، وتضمّ أهم سمات وعلامات تلك الشخصية:
1. الشعور بالراحة في المواقف الاجتماعية مع تثمين الوقت الذي تقضيه منفردًا
قد يشعر صاحب الشخصية المتزنة بأنّه في منزله أو في البيئة المناسبة له، عندما يكون الناس حوله، وهو يستمتع أيضًا بقضاء الوقت بمفرده في المنزل.
لنفترض أنّ أحد الأصدقاء يتصل لدعوته لقضاء أُمسية في الخارج، من المُرجّح أن يقبل المُنفتِح دون تردّد، ومن المرجّح أن يتراجع الانطوائي عن القبول، أمّا المتزن، فيضع في حسبانه إيجابيات وسلبيات تلك الأُمسية، ويمكنه تفضيل أي اختيار، ولا يتقيّد باختيارٍ بعينه.
2. حُبّ المشاريع الفردية والجماعية في آنٍ واحد
تُفضِّل الشخصية المتزنة عمومًا مزيجًا من المشاريع الفردية والجماعية في العمل، فقد ينهِي المهمات مستقلاًّ عن الآخرين، وربّما يبدؤها وحده، ولكن في الوقت نفسه، فإن الشخصية المتزنة تُقدِّر التفاعل مع الفريق والجهود الجماعية التي تساعد على حل المشكلات.
اقرأ أيضًا:"متلازمة الشخصية الرئيسة".. عندما تكون بطل روايتك ومحورها!
3. تتقبّل المحادثات البسيطة إلى حدٍ ما
كثيرٌ من الانطوائيين لا يحبون المحادثات البسيطة، لأنّهم يشعرون بالاستنزاف، بينما المنفتحون أكثر تقبلاً ورغبة في التفاعل، لأنّ تلك المحادثات الصغيرة تسهّل التواصل مع الآخرين.
قد لا يكون الشخص المتزن رافضًا تمامًا للمحادثات الصغيرة، بل يدرك دوره في المحادثات اليومية البسيطة، وليس شديد الحب أو الكراهية لتلك المحادثات.
4. لا ترغب دومًا في قضاء الوقت بمفردك
قد يميل صاحب الشخصية المتزنة إلى قضاء الوقت بمفرده، ومع ذلك فهو مرن في وجوده بالقُرب من الناس، فإذا انقطع وقته الذي يقضيه بمفرده لسببٍ ما، فلن يشعر بالانزعاج كثيرًا كما هو الحال مع الانطوائي، كما قد يقضي فترات كبيرة من الوقت مع الآخرين دون أن يشعر بالاستنزاف.
5. تنوّع الأصدقاء
يستمتع صاحب الشخصية المتزنة باجتماعيته، وقد يكون لديه مزيج من الأصدقاء الانطوائيين والمنفتحين، والمتزنين مثله.
ومن المحتمل أيضًا أن يكون لديه دائرة أصدقاء مقرّبة جدًا، وآخرون يراهم أصدقاء أيضًا، لكن ليسوا مقرّبين جدًّا، فهو لا يقتصر على نوعٍ واحدٍ من الأصدقاء أو الصداقات.
6. الاستمتاع بالأضواء أحيانًا
لا يكره أصحاب الشخصية المتزنة أن يكونوا في مركز الاهتمام أو أن تكون الأضواء مُسلَّطة عليهم، ومع ذلك فهم لا يريدون دائمًا أن يكونوا كذلك.
كما أنّهم لا يمانعون القيام بدورٍ قد يلفت الانتباه عندما يتطلّب الوضع الاجتماعي ذلك، وفي أغلب الوقت فإن صاحب هذه الشخصية مرن جدًا في البيئات الاجتماعية المختلفة.
اقرأ أيضًا:اضطرابات الشخصية.. الأنواع والأعراض والمضاعفات والعلاج
مزايا الشخصية المتزنة في الحياة الاجتماعية
إذا افترضنا أنّ شخصية المرء ثابتة لن تتغيّر، أو أنّ سمات الشخصية المتزنة هي الغالبة عليه، فستجتمع له بعض المزايا؛ إذ يمكن لأصحاب الشخصية المتزنة التمتّع بإيجابيات الانطوائية والانفتاح، فمثلًا قد يكون قادرًا على إحياء حفلةٍ ما بحكي قصص مثيرة للاهتمام تجذب الجمهور، كما أن بإمكانه أيضًا الاستماع بعناية إلى الآخرين.
لذا فإنّ صاحب الشخصية المتزنة يكوّن علاقات أعمق مع الآخرين، إذ تساعد السمات المنفتِحة لديه على التفاعل مع المزيد من الأشخاص، في حين أنّ السمات الانطوائية تساعد على رعاية الصداقات الوثيقة وعدم إهمالها.
مزايا الشخصية المتزنة في الأدوار القيادية
يمكن لكل من المنفتحين والانطوائيين أن يكونوا رؤساء جيدين، لكن ذلك يعتمد غالبًا على السياق والأشخاص الذين يقودونهم.
ويدلّ على ذلك دراسة نُشِرت عام 2015 في "Harvard Business Review"، فحصت سلسلة توصيل بيتزا أمريكية بها 57 متجرًا، لمعرفة ما إذا كان وجود شخص مُنفتِح أو انطوائي قائدًا، يُؤدِّي إلى أرباح أعلى.
وقد وجدت الدراسة أنّ القادة المنفتحين حقّقوا أرباحًا أعلى عندما قادوا موظّفين سلبيين، مما يعني أنّ العُمّال يُفضّلون مزيدًا من التوجيه والتعليمات، لكن كانت أرباحهم أقل عندما كان الموظفّون استباقيين، ما يعني أنّ العمّال فضّلوا تحمل المزيد من المسؤولية بأنفسهم.
ومن المرجّح أن يستفيد العمال الاستباقيون أكثر من القائد الانطوائي، لأنّه لديه قدرة أكبر على الاستماع إلى الآخرين ومساعدتهم على التعرّف على نقاط قوتهم.
والشخصية المتزنة هي الأكثر تفوقًا فيما يتعلّق بالإدارة، فهم قادرون على إظهار صفاتٍ أكثر انفتاحًا أو انطوائية بناءً على احتياجات موظّفيهم.
نعم، قد يشعر بالراحة عندما يكون في الصدارة إذا لزم الأمر، لكنّه يعرف أيضًا متى يتراجع ويستمع إلى الآخرين.
هل توجد عيوب للشخصية المتزنة؟
رغم مرونة أصحاب الشخصية المتزنة بقدرتهم على التنقّل بين الانفتاح والانطوائية؛ اعتمادًا على الموقف، فإنّ ذلك قد يضع ضغطًا إضافيًا عليهم، لأنّ الحفاظ على هذا التوازن قد يكون مُتعبًا لهم.
كذلك قد لا يعرف صاحب تلك الشخصية كيف يعِيد شحن نفسه وطاقته، فقد يجهل ما يحتاج إليه في هذه اللحظة، فمثلًا قد يعتقد أنّه يريد قضاء فترة ما بعد الظهيرة بمفرده، لكنّه قد يشعر بالقلق بمجرد ابتعاد الجميع عنه.
أو قد يفترض أن تناول وجبة الفطور أو الغداء مع الأصدقاء فكرة جيدة، ولكن عندما يحين الوقت، يخشى فعل ذلك.
أمثلة على وظائف تناسب الشخصية المتزنة
إنّ العمل في وظيفة تناسب شخصيتك يساعد على الشعور بالرضا في حياتك المهنية، ويستفيد أصحاب الشخصية المتزنة من الأدوار التي توازِن بين العمل الجماعي والعزلة، فهو لا يريد أن يكون قُرب الآخرين طوال الوقت، وفي الوقت نفسه قد يؤدي العمل بمفرده تمامًا إلى تفاقُم الشعور بالوحدة.
لكن ثمّة وظائف يُتوقّع أن يكون أصحاب الشخصية المتزنة ناجحين بها، ومنها:
1. المبيعات:
يحتاج موظّفو المبيعات إلى أن يكونوا مقنعين، مع مراعاة احتياجات العميل أيضًا، فهو يمتلك قدرة طبيعية على المبادلة بين الحديث مع العميل والاستماع إليه بعناية.
وقد وجدت دراسة نُشِرت عام 2013 في "Journal Psychological Science"، أنَّ أصحاب الشخصية المتزنة أكثر قدرةً على البيع، مقارنةً بالمنفتحين أو الانطوائيين.
اقرأ أيضًا:ما الفرق بين الرهاب الاجتماعي والشخصية الانطوائية؟
2. مدير مشروعات:
يتولّى مديرو المشاريع إدارة المشروع ويوجّهون الفريق العامل عليه، لذلك يجب أن يكونوا قادرين على إعطاء التوجيهات، وبالوقت نفسه الاستماع إلى الأشخاص في فريقهم، وهو ما يتصف به أصحاب الشخصية المتزنة.
3. مُصمِّم داخلي:
يحتاج المصممون الداخليون إلى معرفة رغبات عملائهم، وتقديم المشورة بناءً على أُسس التصميم وتفضيلات العملاء، فهم يقضون بعض الوقت في التعاون مع العميل، وبعض الوقت بمفردهم في العمل على ما سيُقدِّمونه للعميل؛ أي جمع بين الانفتاح والانطوائية، لكن كلٌ في سياقه.
4. مُعلِّم:
كذلك يجب أن يتمتّع المعلمون بمرونة التعامل مع طلاب بشخصيات مختلفة ومن خلفيات متنوّعة، وبالوقت نفسه أن يكون مرتاحًا عند التحدّث أمام حشدٍ من الناس، فهو مُعلِّم لطُلّابه في فصل ما، وكذلك يقابِل الطلاب وأولياء الأمور.
كيف تنمّي الشخصية المتزنة وتحافظ عليها؟
قد تجتمع بعض المزايا للشخصية المتزنة، تجعل المرء قادرًا على التعامل مع مختلف المواقف التي يمرّ بها على مدار اليوم، ويمكن الحفاظ على سمات تلك الشخصية من خلال:
- وضع حدودٍ صحية مع الآخرين: فيجب على أصحاب الشخصية المتزنة الانتباه إلى الأشخاص أو المواقف التي تستنزف طاقتهم باستمرار أو تُسبِّب استياءهم.
- الحفاظ على صحتك: وذلك بتناول طعامٍ صحي وممارسة الرياضة، مما يعزّز الصحة النفسية، ويساعد على الحفاظ على توازنك.
- التأمل: قد يساعدك التأمل على الشعور بذاتك بصورةٍ أعمق ومعرفة شخصيتك بغض النظر عن الظروف الخارجية.