اضطراب الشخصية الوسواسية.. الأسباب والأعراض وطرق العلاج
ما يقرب من 7.8% من البالغين يُعانُون اضطراب الشخصية الوسواسية في مرحلة ما من حياتهم، وهو اضطراب ينشغل فيه الإنسان ببلوغ الكمال في أفعاله، ولا يكون مرنًا في سلوكه، ويكون مرتبطًا دائمًا بالعمل حتى لو طغى على علاقاته الشخصية، لكنّه عادةً ما يُؤدِّي ذلك العمل بدقة عالية وتفانٍ لا مثيل له.
ومع ذلك يواجه صعوبة بالغة في إقامة علاقات مع الآخرين، خاصةً أنّه ينشغل بشدة بالترتيب والتنظيم وأن تسير الأمور دومًا وفق طريقته، فما أسباب ذلك الاضطراب؟ وما الفرق بينه وبين اضطراب الوسواس القهري؟
ما هو اضطراب الشخصية الوسواسية؟
اضطراب نفسي يتسم بشِدّة الانشغال بالكمال والنظام والسيطرة، كما يمتلك الشخص الوسواسي معتقدات صارمة وطرقًا مُحدّدة للقيام بمهمات مختلفة، فهو لا يتصف بأي مرونة في سلوكه ولا يستطيع التنازل مع الآخرين، وغالبًا لا يُدرِك المُصاب باضطراب الشخصية الوسواسية أنَّ سلوكه وطريقة تفكيره مشكلة تستدعي العلاج.
أعراض اضطراب الشخصية الوسواسية
المثالية وعدم المرونة، والانشغال الدائم بالعمل من أبرز سمات اضطراب الشخصية الوسواسية، وتشمل أعراضه الشائعة:
- الانشغال الشديد بالتفاصيل والترتيب والتنظيم لدرجة أن يضيع الهدف من العمل أو النشاط الذي يقوم به الإنسان.
- المثالية التي تتعارض مع إنجاز المهمة المطلوبة.
- التفاني المُفرِط في العمل والإنتاجية واستبعاد الأنشطة الترفيهية والصداقات.
- الإفراط في الدقة وعدم المرونة في الأخلاق أو القيم.
- العجز عن التخلُّص من الأشياء البالية، أو التي لا قيمة لها حتى عندما لا يكون لها قيمة عاطفية بالنسبة للإنسان.
- الإحجام عن تفويض المهام أو العمل مع الآخرين ما لم يخضعوا لطريقته الدقيقة في القيام بالأشياء.
- شِدّة الالتزام بالتواجد في الوقت المُحدّد.
- الجمود في اتّباع القواعد واللوائح.
- الاعتقاد بأنَّ طريقته في القيام بالأشياء هي أفضل طريقة.
- صعوبة إقامة علاقات مع الآخرين بسبب المثالية التي يكون عليها المُصاب باضطراب الشخصية الوسواسية.
- قمع العواطف، فهو يُحاوِل التحكُّم في عواطفه أيضًا، وقد يقمع المشاعر التي تجعله يشعر بالضعف، مثل الحزن، بينما المشاعر التي قد تجعله يشعر بأنَّه أقوى، مثل الغضب، يسهل أن يتعاطى معها.
أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية
لا يعرف الباحثون بعد سببًا واضحًا لاضطراب الشخصية الوسواسية، لكن تفترض بعض النظريات أنّه ينشأ عند الأطفال بسبب طريقة تعلقه بغيره، خاصةً الأطفال الذين لديهم:
- آباء يُفرِطون في حمايتهم "شديدو الخوف على أطفالهم".
- لم يتطوّر عاطفيًا كما ينبغي خلال طفولته.
- عجز عن تكوين ارتباط صحي أو آمن مع الوالدين.
عوامل خطر الإصابة باضطراب الشخصية الوسواسية
ليست الأسباب محصورة فيما ذُكِر، بل هناك عوامل قد تزيد خطر الإصابة باضطراب الشخصية الوسواسية، مثل:
- عوامل بيئية: قد يُؤدِّي النمو في بيئة صارمة للغاية إلى أن يُصبِح المرء صارمًا بنفس القدر عندما يكون بالغًا، أو أن يتبنّى السلوكيات نفسها التي كان يراها في منزله، والعكس قد يكون صحيحًا أيضًا، فقد يُؤدِّي الافتقار إلى وجود هيكل أو نظام في الحياة إلى خلق حاجةٍ عميقة إلى إنشاء ذلك، وقد يتطوّر إلى هوسٍ غير صحي بالسيطرة.
- صدمة الطفولة: قد تُؤدِّي معاناة الطفل من بعض الصدمات، التي تجعله يشعر بعدم الأمان، إلى اضطراب الشخصية الوسواسية، وذلك من خلال التركيز على التحكُّم في كل شيءٍ من حوله لمنع الأذى أو الإحساس بعدم الأمان.
- بعض الاضطرابات النفسية: قد تزيد بعض الاضطرابات النفسية خطر الإصابة باضطراب الشخصية الوسواسية، مثل الاكتئاب أو اضطرابات الأكل أو القلق المرضي.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الوسواسية والوسواس القهري؟
جديرٌ بالذكر أنّ بعض الناس قد يُعانُون كلا الاضطرابين معًا؛ اضطراب الشخصية الوسواسية والوسواس القهري، إذ ما يقرب من 15 - 28% من المُصابِين باضطراب الوسواس القهري يُعانُون أيضًا اضطراب الشخصية الوسواسية.
تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية
لا يُوجَد اختبار مُعيَّن لتشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية، لكن قد يسأل الطبيب المريض بعض الأسئلة حول الأعراض التي لديه، بما قد يساعده على الوصول إلى أدقّ تشخيص.
ويتطلَّب تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية اتصاف الإنسان باستمرار بالمثالية، والرغبة في النظام والسيطرة سواء على نفسه، أو المواقف، أو الآخرين، كما يجب أن يصحب ذلك أربعة على الأقل من الأعراض المذكورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5" ومنها:
- الانشغال الشديد بالعمل وتفضيله حتى على الأسرة والأصدقاء.
- الحاجة الشديدة إلى بلوغ الكمال أو المثالية، وكذلك للسيطرة على البيئة والعلاقات الشخصية للإنسان.
- عدم القدرة على أن يكون كريمًا مع الآخرين.
- عدم القدرة على تفويض الأعمال للآخرين.
- العجز عن التخلص من الأشياء القديمة أو البالية حتى لو لم تكُن ذا قيمة عاطفية.
- وجود ضميرٍ عالٍ لديه في أداء المهام.
- الانشغال الشديد بالتفاصيل والقواعد والنظام، بما قد يُؤدِّي إلى عدم التركيز على الهدف الرئيس من العمل أو المهمة.
- الصلابة وعدم المرونة فيما يتعلَّق بالأخلاق والقيم، أو التزام القواعد.
كذلك، هناك علامات إضافية لاضطراب الشخصية الوسواسية، تتضمّن المثالية الصلبة وصفتين على الأقل من الصفات التالية:
- تجنُّب المقربين أو العلاقات الوثيقة.
- التشبُّث ببعض الأفكار.
- قلة التعبير عن المشاعر.
وليكتمل التشخيص؛ لا بُدّ أن تكون الأعراض مُؤثِّرة في حياة الشخص بما يتعارض مع عمله، أو علاقاته، أو حتى حياته الأُسرية.
كيفية علاج اضطراب الشخصية الوسواسية
غالبًا لا يظن المُصابون باضطراب الشخصية الوسواسية أنّ سلوكياتهم تُمثِّل مشكلة، لذا فقد يكون صعبًا أن يطلبوا مساعدة أو علاجًا.
ويُعدّ العلاج النفسي الخيار الرئيس للتعامل مع اضطراب الشخصية الوسواسية، ويهدف إلى مساعدة الإنسان على فهم دوافعه والمخاوف التي تُصاحِب سلوكياته وأفكاره، بما يساعد في التخلص منها والتعامل بطريقةٍ أكثر إيجابية.
1. العلاج النفسي الديناميكي
يستهدف ذلك النوع من العلاج النفسي الجذور النفسية وراء المشكلات العاطفية لدى الإنسان، بما يساعده في معرفة المشكلات التي يُواجِهها في العلاقات بسبب سلوكه، ومساعدته أيضًا على فهم نفسه بصورةٍ أفضل وكيف يتعامل مع الناس والبيئة من حوله بصورةٍ مُغايرة.
2. العلاج المعرفي السلوكي
يساعد العلاج المعرفي السلوكي المريض على معرفة أفكاره ومشاعره وكيف يمكن أن تُؤثِّر في سلوكه، كما يتعلّم كيف يُفكِّر بطريقةٍ إيجابية بما يساعد في التغلب على اضطراب الشخصية الوسواسية.
3. العلاج المُخطط
يستخدم العلاج المعرفي السلوكي للعمل على شخصية المرء كاملةً، وليس فقط الأعراض التي يُعانِيها، ويُحدِّد الطبيب الموضوعات الأساسية التي تهيمن على شخصية الفرد للعمل عليها، مثل المعايير الصارمة للشخص أو العزلة عن الآخرين "بسبب تفضيل العمل" أو غيرها.
4. العلاج السلوكي الجدلي المنفتح بالكامل
برنامج علاجي مُطوّر من العلاج السلوكي الجدلي، مُصمَّم لمساعدة الناس الذين يتصفون بالسيطرة الشديدة أو التحكم في غيرهم، بما في ذلك المُصابون باضطراب الشخصية الوسواسية.
5. الأدوية
لا تُوجَد أدوية مُعتمدة لعلاج اضطراب الشخصية الوسواسية، لكن قد تساعد بعض الأدوية في تخفيف أعراض قد يُعانِيها بعض المُصابِين، مثل الاكتئاب أو القلق، وإن كانت ليست علاجًا رئيسًا لاضطراب الشخصية الوسواسية.