دليل حماية الفن في البحر: كيف يحافظ مالكو اليخوت على قطعهم الثمينة؟
اليخوت الفاخرة تُعد أعمالاً فنية بحد ذاتها، بتصاميمها الخلابة وتفاصيلها المعقدة، ولسنوات طويلة كانت اليخوت تحفًا فنية ومصدر إلهام للفنانين، أما اليوم فهي تحتضن بعض أجمل وأفضل القطع الفنية في العالم.
عالمان متداخلان متشابكان يكمل بعضهما بعضًا، والنتيجة دائمًا تخطف الأنفاس، فكل قطعة فنية يتم استخدامها على متن اليخوت تخدم غاية محددة، وتعزز المساحة، وتعكس الفخامة والرقي وشخصية المالك، ما يجعلها أقرب إلى تجربة حسية خاصة.
وبالتأكيد فإن المجموعات الفنية التي أصبحت جزءاً أساسياً من هذه القصور العائمة تتطلب عناية خاصة، خصوصاً أن بعضها نادر ولا يمكن استبداله، في وقت تعمل فيه الرطوبة العالية والهواء المالح وأشعة الشمس الدائمة، بالإضافة إلى الحركة الدائمة، كبيئة معادية جداً للوحات والمنحوتات وغيرها من الأعمال الفنية الحساسة.
ولأن البيئة هذه مختلفة عن البيئة على اليابسة، فإن المقاربات للمحافظة عليها تتطلب نهجاً مختلفاً عن النهج التقليدي، وهو ما سنقدمه في دليلنا هذا، حيث نتناول آلية المحافظة على الأعمال الفنية، بدءاً من الاختيارات المناسبة للبيئة، وصولاً إلى الاعتناء بالأعمال الفنية التي صممت للبر وليس للبحر.
التحكم في العناصر المناخية
بشكل عام، فإن غالبية اليخوت تملك أنظمة تحافظ على معدلات الرطوبة والحرارة، ولكن يجب معرفة المعدلات الأمثل للمحافظة على الأعمال الفنية التي تملكها.
فالحفاظ على بيئة مستقرة لناحية الحرارة والرطوبة هام للغاية لحماية الأعمال الفنية من التلف، ولذلك يلجأ عدد من أصحاب اليخوت إلى تركيب أنظمة خاصة للتحكم بالمناخ، ولإزالة الرطوبة في المناطق التي يتم فيها عرض الأعمال الفنية.
إذ يمكن للمستويات العالية من الرطوبة أن تؤدي إلى العفن واهتراء الخشب وتمدد قماش اللوحات، أو أي من الأعمال الفنية التي تستخدم هذه المواد.
ولتجنب تلفها يجب الحرص على أن تكون مستويات الرطوبة بين 50% و 55%، بدرجة حرارة لا تتجاوز الـ21 درجة مئوية، كما يجب اعتماد أجهزة تنقية الهواء لتصفيته من جزئيات الملح، التي قد تترسب على الأعمال الفنية وتتسبب بالتلف.
الحماية من الأشعة فوق البنفسجية
التعرض المباشر لأشعة الشمس يتسبب بأضرار كبيرة للأعمال الفنية مع مرور الوقت، بحيث تتلاشي الألوان، وتضعف المواد المستخدمة كالأخشاب والأقمشة.
وعلى متن اليخوت الفاخرة، حيث النوافذ الضخمة جداً معتمدة على نطاق واسع، يمكن للأشعة فوق البنفسجية إلحاق أضرار كبيرة بالأعمال الفنية في هذه المساحات.
هناك مقاربات مختلفة يتم اعتمادها من أجل الحد من الضرر، منها استخدام طلاءات مقاومة للأشعة فوق البنفسجية على اللوحات والمنحوتات، أو تركيب أفلام ترشيح الأشعة فوق البنفسجية على النوافد، ما يؤدي إلى تقليص مخاطرها إلى حدها الأدنى.
فيما يقوم بعض المالكين بتركيب خزائن خاصة بزجاج محمي من الأشعة فوق البنفسجية فوق الأعمال الفنية، لمضاعفة حمايتها من هذه الأشعة.
مكان العرض والتثبت
المكان الذي يتم فيه عرض الأعمال الفنية هام للغاية، ونحن لا نتحدث هنا عن عرضها في مكان يتعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر، لأن ذلك من البديهيات، بل نتحدث عن مناطق أخرى غير مناسبة.
فهناك العديد من المناطق على متن اليخوت الفاخرة التي يجب تجنبها، لكونها تسهم في تلف الأعمال الفنية بسرعة، فأي منطقة قريبة من المطبخ أو مناطق السبا أو الحمامات، تُعد من مناطق الخطر، لارتفاع معدلات الرطوبة العالية والحرارة فيها، كما يجب تجنب وضع الأعمال الفنية بجانب مرشات المياه أو في الجزء السفلي من اليخت، لأن هذه البيئة عدائية جدًّا للأعمال الفنية.
وغالباً ما يقوم أصحاب اليخوت الفاخرة بوضع أعمالهم الفنية ضمن خطط تصميم يخوتهم، ويقومون بالتعديلات الضرورية خلال عملية البناء، وهذه المقاربة هي الأفضل، لكونها تضع العديد من الأمور بالحسبان، كالوزن والأبعاد، خصوصاً إن كنا نتحدث عن منحوتات ضخمة، ناهيك بضرورة توافقها مع النمط العام لليخت.
أما تثبيت القطع الفنية فهو ضروري، وذلك بسبب الاهتزازات الناجمة عن حركة اليخت، سواء كنا نتحدث عن اللوحات أو التحف والمنحوتات، ولكن الأمر لا يتوقف عند الاهتزازات، فهناك أيضاً حركة الأمواج، التي قد تصبح عنيفة في حال العواصف، وهذا يتطلب مقاربة مختلفة كلياً سنتحدث عنها لاحقاً .
وتثبيت الأعمال الفنية يفرض تحديات مختلفة، فهنا العديد من الأمور اللوجستية التي يجب وضعها بالحسبان، خصوصاً أننا نتحدث عن جدران منحنية ومناطق فيها الكثير من الزوايا، وغالباً ما يتم تثبيت المنحوتات أو لصقها باستخدام غراء المتاحف، والبعض قد يستخدم دعامات أو الاستعانة بأنظمة بحرية مصممة على نحو خاص لتحمل الاهتزازات والحركة.
ولكن البحار الهائجة تتطلب مقاربة مختلفة وحلولاً مبتكرة، خصوصاً إن كنا نتحدث عن أعمال فنية باهظة الثمن. وفي هذه الأوضاع يصعب كثيراً المحافظة على معدلات الحرارة أو الرطوبة، خاصةً في حال تطلبت الأوضاع إيقاف تشغيل التكييف.
في هذه الحالة ينصح بإزالة الأعمال الفنية مؤقتاً، وتخزينها في صناديق عرض مصممة على نحو خاص، تحتوي على مواد تمتص الصدمات. أما عملية الإزالة والتخزين فتنقلنا إلى النقطة التالية المهمة جدًّا.
اقرأ أيضًا: الحدائق على متن اليخوت.. فخامة تحتضن الطبيعة
تدريب العاملين على متن اليخت
الطواقم العاملة على متن اليخوت، وخاصة الطواقم المتخصصة بالعناية باليخت ومحتوياته، غالبًا ما تملك خبرة في التعامل مع العناصر الفاخرة والثمينة، مثل الخزف الصيني والأواني الزجاجية الفاخرة، ولكنهم قد يفتقرون خبرة التعامل مع الأعمال الفنية.
ومن الضروري بمكان تدريب بعض العاملين على آلية التعامل مع القطع الفنية، سواء لناحية العناية بها، أو ما يجب القيام به في حالات الطوارئ.
وهذه الدورات هامة لأنها أيضاً تثقيفية، ومن ثم سيملكون فكرة عن تاريخ القطع الفنية تلك وندرتها وثمنها، ومن ثم تتفادى أن تكون قصصك الفريدة عن لوحات لا تقدر بثمن، مخزنة بجانب طاولات الطعام.
التنظيف المنتظم
النتظيف المنتظم ضروري للحفاظ على الأعمال الفنية، وذلك لمنع تراكم الملح والأوساخ، فالملح بشكل خاص يفسد الأعمال الفنية بشكل سريع، خصوصاً عند التفاعل مع الهواء، ما يحلق الأضرار الكبيرة بالمعادن والأخشاب.
عمليات تنظيف المنحوتات يمكنها أن تتم من قبل الفرق المدربة العاملة على اليخت، باستخدام المواد الخاصة التي تزيل الشوائب، من دون إلحاق ضرر بالمنحوتات، إما للأعمال الفنية الحساسة كاللوحات، فمن الأفضل استشارة الخبراء، وإما الحصول على خدماتهم لضمان استخدامهم لتقنيات التنظيف المناسبة.
المختصون أيضاً سيقومون بالفحوصات الدورية للكشف عن علامات التلف المبكرة، والتي لا يمكن رصدها بالعين المجردة، فالرعاية الوقائية هذه يمكنها أن تزيد من عمر الأعمال الفنية وتحميها.
التأمين والتوثيق
التأمين على الأعمال الفنية باهظة الثمن أمر ضروري جداً، ويمكن أن توفر بوالص التأمين البحري المخصصة للفن حماية ضد المخاطر، التي تواجهها الأعمال الفنية على اليخوت.
وهناك العديد من العوامل التي يتم وضعها بالحسبان عند التأمين على الأعمال الفنية، سواء التأمين "كقطع" منفصلة أو على المجموعة ككل، ثم هناك عوامل أخرى تتعلق بعمليات نقل القطع الفنية، والتي تُعد العدو الأول لها، مثلاً بعض بوالص التأمين تغطي الأضرار الناجمة عن النقل للذين يملكون مجموعات فنية كبيرة، ولكنها لا تغطي ذلك للذين يملكون قطعة أو قطعتين.
ثم هناك القيمة الخاصة بكل عمل فني، فبعض الأعمال الفنية باهظة جداً، وهنا قد لا يتمكن مالك اليخت من تضمين القطع الفنية ضمن بوليصة تأمين اليخت، وقد يحتاج إلى بوليصة مختلفة للقطع الفنية.
اختيار أعمال فنية مصنوعة خصوصًا لليخوت
في عالم اليخوت الفاخرة غالباً ما يسعى أصحابها إلى تزيينها بأفخم وأجمل الأعمال الفنية، وبينما يقوم البعض باعتماد اللوحات الأصلية، يقوم بعض المالكين بعرض نسخة عن اللوحة أو المنحوتة التي يملكونها، والتي تكون معروضة في منازلهم.
المقاربة هذه يتم اعتمادها عندما يكون العمل الفني ثمينًا ونادرًا للغاية، ولا يريد المالك تعريضه لأي نوع من أنواع المخاطر، وهي مقاربة عملية ومنطقية، ولكنها تحتاج إلى تصريح خاص، يوضح بأنها نسخ، وإلا تمت مصادرتها وإتلافها من قبل الجمارك.
ولكن عرض النسخ ليس الخيار الوحيد المتاح، فهناك إمكانية لعرض أعمال فنية صممت للبيئة البحرية، التي تستخدم مواد مقاومة للرطوبة والمياه المالحة وتقلبات درجات الحرارة.
ولعل المعادن المقاومة للصدأ كالفولاذ والبرونز تستخدم على نطاق واسع هنا، بالإضافة إلى الألياف الكربونية والأخشاب المقاومة للعوامل الجوية، أو تلك المعالجة التي تضمن الجمال ومتانة القطع الفنية.
فيما قد يلجأ البعض إلى الفن المدعوم بالتكنولوجيا، والذي يكون عبارة عن لوحات رقمية مذهلة، مدعومة بإضاءة تجعلها تبدو كأعمال فنية فعلية.
ومن أشهر هذه الأعمال، القطع الفنية التي صممها "داميان هيرست" ليخت "الوهم Illusion V"، حيث استخدام مواد تتناسب مع البيئة البحرية، وتم دمجها مع الخطط الأصلية لتصميم اليخت، ما جعلها تبدو كأنها جزء منه.
كما تقوم شركة "بانيبرج آند رويل Bannenberg & Rowell"، بإنتاج أعمال فنية مخصصة لليخوت، كالتماثيل واللوحات، بالإضافة إلى اللوحات الضوئية، للتتكامل مع المفروشات التي هي اختصاص الشركة الأصلي.
الفنون الضوئية أيضًا من المقاربات المعتمدة حالياً، والتي تتغير وتتبدل وفق معدل الضوء وحركة اليخت، كعمل "جيزلا كولن" لليخت "لومينستي Luminosity"، بينما يستمر الإبداع في هذا المجال.