الإبحار نحو مستقبل مستدام.. دليلك الشامل لليخوت العاملة بالهيدروجين
منذ أكثر من عقد من الزمن يتم تداول فكرة استخدام "الهيدروجين" كمصدر للوقود كبديل عن الوقود الحالي، ورغم أن الفكرة انطلقت من عالم أفلام الخيال العلمي، وتسللت إلى واقعنا المعيش، فإن السؤال الفعلي يتمحور حول مدى فاعليتها؟
حتى الأمس القريب كانت تكنولوجيا الهيدروجين تقتصر على الغواصات وعلى الاستكشافات الفضائية، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية شهدنا استخدامات جديدة، سواء في الشاحنات أو السيارات، وحتى في بعض الطائرات واليخوت.
وحاليًّا، في عالم اليخوت، الذي يُعد هواية مكلفة بيئيًّا لكونه يعتمد وبشكل كبير على الوقود الأحفوري، يلوح في الأفق تحول ثوري نحو اليخوت العاملة بـ الهيدروجين، هذه اليخوت التي يمكنها توليد الطاقة من دون أي انبعاثات ضارة، ومن ثم فإنها الضوء المستدام في نهاية النفق المظلم للانبعاثات الكربونية والتلوث الذي تخلفه اليخوت.
ومما لا شك فيه أن اليخوت العاملة بالهيدروجين لا تندرج تحت خانة "الترقية التقنية" فحسب، بل هي إعادة تصور كاملة لتجربة الإبحار، ومعيار جديد للصناعات البحرية، حيث يمكن الاستمتاع بإبحار فاخر، من دون إلحاق أي ضرر بالبيئة.
كيف تعمل اليخوت الهيدروجينية؟
بشكل مبسط للغاية، تعمل هذه التكنولوجيا من خلال تفاعل كيميائي يؤدي إلى توليد الكهرباء، وهناك نوعان من المحركات العاملة بالهيدروجين: النوع الأول يشبه محركات "البروبان"، ويستخدم الهيدروجين السائل H2، وعندما يتفاعل الهيدروجين مع الأوكسجين O2 الموجود في الهواء يحترق، ويتم إنتاج الحرارة، التي يتم تحويلها إلى الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل محركات اليخت وأنظمته الأخرى، والناتج الوحيد عن عملية التفاعل هذه هو الحرارة وبخار الماء.
أما النوع الثاني، فهو التحليل الكهربائي للماء، وكي نفسر آلية عمله سنعود بكم إلى صف الكيمياء، لتذكيركم بدرس أو درسين على أبعد تقدير، وببساطة فإن التحليل الكهربائي للماء هو تقسيم الماء H2O إلى أوكسجين O2 وهيدروجين H2، باستخدام تيار كهربائي، وتحدث هذه العملية داخل خلية تحليل تحتوي على قطبين "الأنود" و"الكاثود".
"الأنود"، هو الجزء الموجب، حيث تحدث الأكسدة، ما يعني أنه يفتقر إلى الإلكترونات، وهذا التفاعل ينتج الأوكسجين وأيونات الهيدروجين والإلكترونات.
"الكاثود"، وهو الجزء السالب، حيث تكتسب جزئيات الماء الإلكترونات، وهذا التفاعل ينتج غاز الهيدروجين وأيونات "الهيدروكسيد".
وهنا تتحرك الإلكترونات المتحررة، التي تنجذب إلى "الأنود" لتزويد المحرك بالطاقة على شكل كهرباء، في الوقت عينه تمر أيونات +H عبر الغشاء الفاصل إلى "الكاثود"، حيث تتحد مع الأوكسجين والإلكترونات الزائدة من القطب، حين يتكون الماء الذي يمكن إعادة استخدامه، وهكذا تتم العملية المستمرة.
وبشكل عام، إلى جانب خلايا الوقود الهيدروجينية تجمع العديد من اليخوت بينها وبين الأنظمة التقليدية، والبعض يلجأ إلى أنظمة هجينة أخرى، قد تكون عبارة عن استخدام الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى محركات الديزل، كي تتمكن من الانتقال بين مصادر الطاقة المختلفة وفق الحاجة.
وقد كان اليخت "سافانا Savannah" الذي بنته شركة Feadship عام 2016، أول يخت بمحرك هجين، ومن ثم تمكن من تقليل نسبة الاعتماد على الديزل بنسبة 30%، ورغم أنه كان إنجازاً نوعياً حينها، لكن الهدف كان التخلي وبشكل كلي عن استخدام الديزل، وهذا ما حدث بالفعل بعد سنوات قليلة.
مزايا وتحديات أيضًا!
"الهيدروجين" غير موجود بشكله النقي في الطبيعة، بل يتم استخراجه على نطاق صناعي بعدة طرق: من الغاز الطبيعي و"الميثان"، ومن الفحم باستخدام الطاقة النووية، وحتى من الكتل الحيوية Biomass، بالإضافة إلى الطريقة التي قمنا بشرحها وهي التحليل الكهربائي للماء.
وهناك مزايا كثيرة لمحركات الهيدروجين، فهي:
- أولاً: صديقة للبيئة لكونها لا تنتج انبعاثات "ثاني أكسيد الكربون".
- ثانياً: محركات صامتة، ومن ثم لا تؤدي إلى تلوث سمعي يضر بالحياة البحرية، كما أن الواقع هذا مثالي للمتواجدين على متن اليخت.
- ثالثاً: بعض اليخوت الهيدروجينية التي تعمل حالياً يمكنها السفر لمسافات طويلة تصل إلى 3750 ميلاً بحرياً، دون الحاجة لإعادة التزود بالوقود.
- رابعاً: تولد بعض اليخوت الهيدروجين الخاص بها من خلال التحليل الكهربائي، ما يعني أنها تعتمد على طاقة مستدامة خلال رحلاتها، وتحصل على منتج ثانوي يمكن إعادة استخدامه وهو الماء النقي.
ولكن مقابل هذه المزايا ما تزال اليخوت تواجه عدة عقبات رئيسة تتعلق بالبنية التحتية والتكلفة ومخاوف السلامة، ومنها:
- أولاً: البنية التحتية للهيدروجين: واحدة من أكبر التحديات والمتمثلة بنقص البنية التحتية لتزويد اليخوت بالوقود، فمحطات وقود الهيدروجين ما تزال قليلة جداً، ما يعني أن اليخت عليه القيام برحلات طويلة للوصول إلى المواني أو المواقع التي تحتوي على مرافق تزويد الهيدروجين.
- ثانياً: التخزين والنقل: سواء كان على شكل غاز مضغوط أو سائل، هناك تحديات لوجستية عديدة، فتخزين الهيدروجين السائل يجب أن يكون عند درجات حرارة منخفضة جداً، تصل إلى نحو 253 درجة مئوية تحت الصفر، في خزانات مفرغة من الهواء، وهذا يحتاج إلى تكنولوجيا متطورة ومكلفة للحفاظ على استقرارها.
في المقابل، ورغم أن الهيدروجين المضغوط يسهل تخزينه، ولكنه يتطلب خزانات ذات ضغط عالٍ، عادة تكون ضخمة وثقيلة جداً، فخزان الهيدروجين المضغوط أكبر بنحو 14 مرة، ووزنه 5 أضعاف خزانات الديزل، وهذا يعني الحاجة إلى مساحة أكبر بكثير على متن اليخوت، وطبعاً فإن نقل الهيدروجين إلى محطات التزويد بالوقود البحرية يمثل تحدياً كبيراً جداً، إذ إن أي سوء تعامل قد يؤدي إلى تسربات أو انفجارات.
- ثالثاً: التكلفة: اليخوت العاملة بالهيدروجين مكلفة للغاية، وذلك لأن خلايا الوقود ما تزال مكلفة جداً، كما أن إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي مكلف أيضاً، حتى العثور على فريق لصيانتها مكلف، وذلك لأن التكنولوجيا ما تزال حديثة، ومن ثم فإن المتخصصين في المجال قلة.
رابعاً: الجاهزية: رغم أن النماذج الأولية ناجحة جداً، فإنها ما تزال في مراحلها الأولى، فالاعتماد على هذه الطاقة لمسافات طويلة، ومعرفة مدى ثباتها عند استهلاكها، والاعتماد عليها بشكل كبير لم يتم اختباره بشكل كافٍ حتى الآن.
اقرأ أيضًا: يخت Heesen Sophia.. توازن الأناقة والثبات والبيئة
اليخوت العاملة بالهيدروجين
- بروجيكت Project 821
استغرق بناء اليخت الذي أنتجته شركة "فيدشيب Feadship" خمس سنوات، ويُعد إنجازاً كبيراً وخطوة للأمام في مجال الطاقة المستدامة، ويصل طول اليخت إلى 119 متراً، وهو الأول في العالم الذي يعمل بالهيدروجين الأخضر، ولم يتم الإفصاح عن تكلفته، ولكن بعض التقارير أشارت إلى أنها وصلت إلى 646 مليون دولار.
وقود الهيدروجين السائل على متن اليخت تطلب مساحة تخزين أكبر بنحو 10 مرات من مساحة وقود الديزل، كما جرى تزويده بـ16 محول طاقة وخزان مزدوج الجدران لحفظ الهيدروجين بدرجة حرارة 253 تحت الصفر.
وإلى جانب كونه الأول في العالم الذي يعمل بالهيدروجين، فهو أيضاً يضم الكثير من المزايا الفاخرة، إذا يتكون من 5 طبقات فوق الماء، واثنين في الأسفل، بالإضافة إلى 14 شرفة تنزلق للخارج عند الحاجة، وغرف النوم وصالة الألعاب، وغرفة معيشة ومكتبين.
سنريف 80 إيكو هيدروجين SunReef80 Eco Hydrogen
اليخت هذا قيد التطوير حالياً، من تصميم "سنريف ياتس Sunreef Yachts" البولندية، وهو يدمج بين تكنولوجيا الهيدروجين الخضراء والألواح الشمسية وأنظمة الدفع الكهربائية.
اليخت سيعمل بواسطة نظام خلايا وقود بقوة 75 كيلوواط، وسيتم تخزين الهيدروجين في ستة خزانات من الكربون، كما يضم 1722 قدماً مربعة من الألواح الشمسية فائقة الرقة، التي تغطي الهيكل والصاري، وتولد طاقة تصل إلى 32 كيلو واط، بالإضافة إلى ذلك هناك نظام توليد الطاقة من الحركة Hedrogenmeration، حيث يتم تحويل حركته في الماء إلى كهرباء إضافية.
ولناحية الفخامة، يملك جميع الخصائص التي تجعل اليخت فاخراً، سواء الغرف والأجنحة ومناطق الاسترخاء والتسلية والمسابح وغيرها.
ورغم عدم الإفصاح عن تكلفته، فإن التقارير تتحدث عن 9.7 مليون دولار، ولكن الرقم هذا أولي، وهو لليخت بشكله الحالي من دون تخصيص، ما يعني أن الرقم مرجح للارتفاع بشكل كبير.
أكوا Aqua
من تصميم "سينو يات ديزان Sinot Yacht Design"، ويصل طوله إلى 122 متراً، فيما يستخدم خلايا وقود الهيدروجين والهيدروجين السائل لتشغيل محركاته وأنظمته الكهربائية. أكوا يمكنه الإبحار لمسافة تصل إلى 3750 ميلاً بحرياً، بسرعة متوسطة تتراوح بين 10 و 12عقدة، دون الحاجة إلى التزود بالوقود.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اليخت فاخر وخلاب، يملك منصة مراقبة مغلقة، توفر إطلالة بانورامية، وقد ارتبط اسم "بيل جيتس" به في عدد كبير من التقارير، التي تحدثت عن بنائه بطلب منه، ولكن الشركة نفت هذه التقارير.