التكيف مع المتعة.. لماذا لم تعُد تشعر بالسعادة؟
كثيرًا ما تشعر بسعادةٍ عارمة مع هوايةٍ ممتعة، خاصةً في المرة الأولى، أو مع خبرٍ سارٍ تتلقاه، أو مع لقاء بمن تحبّ أول مرة، لكن هذا الإحساس يخفت بريقه وتتراجع وتيرته لاحقًا رويدًا رويدًا، ثُمّ تجد نفسك مفتقدًا للشعور الأول بالسعادة!
نعم، قد تكون سعيدًا لكن ليس كما كان شعورك بالسعادة سابقًا، فلماذا حدث هذا "التكيّف مع المتعة"؟ وكيف تستعيد إحساس السعادة من جديد؟
لماذا لم تعُد تشعر بالسعادة؟
"التكيف مع المتعة"، مصطلح يصف كيف يصبح البشر غير حسّاسين للمحفزات الجديدة، إذ سُرعان ما يتكيّفون مع الحد الأدنى من المشاعر، لذا يجب أن يكون الحافز اللازم لخلق سعادة أو إثارة، أكثر حدّة من الحافز الأخير، حتى يشعر المرء بتأثيراته، فيسعد.
ومن الأمثلة على تلك الظاهرة، ميل الأشخاص الذين يفوزون باليانصيب للعودة إلى مستوى السعادة الأصلي تقريبًا بعد تلاشي حداثة الفوز، فبالطبع تكون الفرحة على أشدّها في البداية، لكن بعد مرور سنة مثلًا، يكون شعور السعادة اليومي هو المُعتاد، وليس كالذي ظهر أول مرة بعد الفوز، وربما يكون أقل أحيانًا بسبب التغييرات المتلاحقة في علاقاتهم بغيرهم.
كذلك من تعرّضوا لحادثٍ كبير وصاروا عاجزين عن استخدام أرجلهم، فقد يكون هذا الحادث مدمرًا لهم في البداية، لكنهم يعودون لاحقًا إلى مستويات السعادة التي كانوا عليها قبل الحادث بعد فترةٍ من التعود.
كما وجدت الأبحاث أنّ القضمة الأولى لشيءٍ لذيذ، أكثر متعة من المرة الثالثة أو العاشرة، فالناس يعتادون المتعة بسرعة إلى حدٍ ما، وسُرعان ما لا تجلب القضمة الصغيرة نفسها الفرح والسعادة التي شعرت بها في المرة الأولى.
الملذات والتكيف مع المتعة
قد يكون المرء أكثر عرضةً لـ"التكيف مع المتعة" في بعض الأنشطة؛ إذ تتبدّد السعادة بسرعة أكبر، وتُعرف بعض هذه الأنشطة من قِبل الباحثين وعلماء النفس باسم "الملذات"، التي يمكن أن تجلب لك دفعات سريعة من المتعة التي تتوقّعها.
والملذات هي المتعة التي تحتوي على مكونات حسية قوية وعاطفية واضحة، ويمكن للملذات أن تحسّن مزاجك، لكن آثارها تكون عابرة نسبيًّا، وسُرعان ما تعتادها.
فمثلاً إذا كُنت تتناول الوجبة نفسها كل يوم لمدة أسبوع، فمن المحتمل أن تكون أقل متعة بحلول نهاية الأسبوع، والأمر نفسه ينطبق على الزهور الطازجة أو شرب الشاي أو الاستماع إلى أغنية مفضلة أو غيرها من الملذات الأخرى.
مراحل التكيف مع المتعة
يمرّ التكيف مع المتعة بعدّة مراحل، وهي:
1. تغيير مستويات التكيّف:
يشير ذلك إلى ارتفاع عاطفي طفيف، ثم العودة إلى نقطة البداية في الشعور بالسعادة، ومع ذلك فإنّ التعرّض اللاحق للموقف نفسه يمكن أن يوفّر التعزيز العاطفي نفسه.
مثلاً يشعر العديد من لاعبي البيسبول بدفعة ابتهاج في كل مرة يركضون فيها على أرضهم، رغم أنّ سعادتهم قد تعود إلى المستوى الأساسي بين مراحل اللعب.
2. إزالة الحساسية بالمتعة:
قد تحدث "إزالة الحساسية" عندما يكون لديك الكثير من الأشياء التي استمتعت بها حقًا، فقد يؤدي التعرّض المعتاد إليها إلى إزالة الحساسية، بمعنى أنّك تبحث عن أنشطة أكثر إمتاعًا لتحقيق ما شعرت به سابقًا.
3. التحسس:
قد تستعيد شعورك بالسعادة عندما تتكيّف مع شيءٍ جديد، فمثلًا إذا عملت لسنوات لكنك بالكاد حققت ما يكفيك للبقاء على قيد الحياة، فمن المحتمل أن يثير بدء وظيفة جديدة بعشرة أضعاف الراتب ابتهاجك، لشعورك بالقدرة على دفع جميع الفواتير وزيادة المدخرات.
ومع ذلك بمرور الوقت، قد تصبِح حساسًا (أقل شعورًا بالسعادة) لزيادة الداخل، ويمكن أن يساعدك الوقت الذي قضيته في الدخل المنخفض في الحفاظ على مشاعر الامتنان والسعادة لمستوى الاستقرار الذي بلغته، ما قد يؤثر في المستوى الأساسي للسعادة، خاصةً مع زوال ضغوطات الدخل المنخفض.
اقرأ أيضًا:هل العمل 4 أيام في الأسبوع يجعلك أكثر سعادة؟ (فيديوجراف)
كيف تستعيد إحساس السعادة وتتغلب على "التكيف مع المتعة"؟
التكيف مع المتعة إحدى حقائق الحياة التي قد لا يمكن تجاوزها، لكن عندما تكون على درايةٍ بكيفية عملها، تكون أكثر قدرة على التغلب على السلبيات والانخراط في أنشطة تجعل ذلك التكيّف بعيدًا عنك، وربّما تبعث في نفسك شعور السعادة المفقود.
وفيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها الابتعاد عن الآثار المحدودة للتكيف مع المتعة، والمشاركة في الأنشطة التي يمكن أن تخلق بالفعل مستوى أكبر من السعادة في حياتك، ومنها:
1. تجربة العديد من الملذات:
يبغي أن تحاول التخطيط لذلك طوال يومك، مثل احتساء فنجان من القهوة أو أي مشروبٍ تُفضّله، أو الاتصال بصديقك لتبادل الضحك، وإذا كنت تشعر بأنّك لا تمتلك ما يكفي من الوقت لهذه الملذات، فاهدف إلى تنظيم وقتك لإدراجها في يومك.
2. تدوير ملذاتك حتى تشعر دائمًا بأنّها جديدة:
إنّ تنويع الملذات أكثر متعة من تجربة الملذات نفسها لأيامٍ متتالية، فإذا بدأت تشعر بالملل مع الأنشطة التي كنت تستمتع بها، فربما يُفضّل تغييرها وتجربة أنواعٍ مختلفة قبل العودة إلى النشاط الأول نفسه الذي تفضّله.
3. تدوين ما تشعر بامتنان تجاهه:
تتمثّل إحدى طرق تعظيم تأثر تجاربك الإيجابية في كتابة الأشياء التي استمتعت بها في ذلك اليوم، ويمكنك تحديد 3 أمور في اليوم؛ إذ ستستعيد هذه التجارب الإيجابية وأنت تكتب عنها، ويمكنك استعادتها واستعادة شعورك بالسعادة مرة أخرى عندما تقرأ دفتر يومياتك.
4. السعي وراء النمو الشخصي والتعلّم:
قد يُسهِم تحديد الأهداف وممارسة الأنشطة التي تتماشى مع قِيمك ومصالحك في الشعور بالرضا، لذا حاول أن تتحدّى نفسك باستمرار، وأن تتعلّم مهارات جديدة، وابحث عن فرص للنمو باستمرار.
5. الحد من المساعي المادية:
قد توفّر الممتلكات المادية متعة مؤقتة، لكنّها غالبًا ما تُسهِم بشكلٍ ضئيل في سعادتك على المدى الطويل، لذا تجّب البحث عن السعادة من خلال المساعي المادية، بل اجعل الأولوية للتجارب والعلاقات الهادفة والنمو الشخصي على تراكم الثروة المادية.
6. التذوق والاستمتاع الواعي:
تعلّم تذوّق التجارب الإيجابية ولحظات الفرح في حياتك اليومية، واستخدِم حواسك قدر المُستطاع، وقدِّر الملذات البسيطة من حولك، كما يمكنك ممارسة الاستمتاع الواعي من خلال الانغماس الكامل في الأنشطة التي تستمتع بها، سواء كان ذلك في ممارسة هواية أو الانخراط في الطبيعة أو تذوق وجبة لذيذة أو غير ذلك مما يُسعِدك.