كيف يُشخَّص الاكتئاب المرضي؟ وهل للاختبارات دور في ذلك؟
الاكتئاب ليس مُجرّد حزن يدوم فترة طويلة وحسب، وليس تشخيصه متوقّفًا على هذا الإحساس وحده، بل يعتمد تشخيص الاكتئاب على مجموعة من الأعراض، تُمثِّل الاكتئاب بمجموعها لا الحزن فقط، وهذا ما يستند إليه الطبيب بصفةٍ رئيسة، ومع ذلك قد تُساعِد بعض الاختبارات المعملية في استبعاد الاضطرابات الأخرى التي قد تكون السبب في أعراض الاكتئاب، مثل فقر الدم "الاضطراب" والإرهاق "العَرَض"، فهل يكتمل تشخيص الاكتئاب بها؟
ما هو الاكتئاب المرضي؟
اضطراب نفسي يتسبَّب في حالة مزاجية سيئة باستمرار، أو فقدان الشغف للأنشطة التي كانت تجلب لك المتعة سابقًا، وقد يُؤثِّر ذلك الاكتئاب في النوم والشهية - زيادةً أو نقصًا - إضافةً إلى تأثيره في القدرة على التفكير بوضوح.
يُعدّ الاكتئاب المرضي حالة مزمنة، لكنه يحدث عادةً في صورة نوبات، قد تستمر أسابيع أو أشهر، وهو مختلف تمامًا عن الاكتئاب الجزئي الذي هو اكتئاب خفيف أو مُتوسّط يستمر سنتين على الأقل.
الفرق بين الاكتئاب المرضي والحزن
من الطبيعي أن يشعر المرء بحزنٍ عندما يُواجِه بعض التحدّيات المعيشية، كفقدان وظيفة أو تفكُّك بعض العلاقات، وهنا يُخطِئ بعض الناس في وسم أنفسهم بأنّهم مُكتئِبون.
كذلك قد يجد الحزين راحته بمُجرّد البكاء أو التنفيس عن ذلك الحزن، وغالبًا ما يكون الحُزن مرتبطًا بمُحفِّزات مُعيّنة يعلمها كل إنسانٍ عن نفسه.
وعادةً ما يزول الحزن بمرور الوقت، أمّا إذا مكث، أو أصبح الإنسان غير قادر على استئناف مهامه الطبيعية، فقد يكون الاكتئاب قد بدأ.
أمَّا الاكتئاب، فهو حزن مستمر يوميًا لمدة أسبوعين على الأقل، وليس هو حزنًا فحسب، بل إنّ له أعراضًا أخرى أيضًا، مثل:
- فقدان الشغف تجاه الممارسات التي كانت تجلب لك متعة سابقًا.
- اليأس.
- زيادة أو تراجُع الشهية، ومِنْ ثَمّ زيادة أو نقص الوزن.
- الأرق أو كثرة النوم.
- التعب وانخفاض طاقة الجسم.
- قد يكون المراهقون أو الأطفال سريعي الانفعال بدلاً من الحزن أو اليأس، حسب "Clevelandclinic".
- التفكير في الانتحار، أو الإقدام عليه في الحالات الشديدة.
هل تُوجَد اختبارات لتشخيص الاكتئاب؟
يبدأ تشخيص الاكتئاب بزيارة الطبيب وتعرُّفه إلى أعراض الاكتئاب التي أصابتك، وهي كافية لتوجيه التشخيص نحو الاكتئاب بكل تأكيد، لكن قد تكون هناك حاجة إلى بعض الاختبارات لاستبعاد الاضطرابات الأخرى التي قد تتشارك مع الاكتئاب في أعراضه، مثل:
اختبارات الدم
قد يطلب الطبيب في زيارتك الأولى إجراء بعض الاختبارات لاستبعاد الأسباب الأخرى وراء بعض أعراض الاكتئاب، مثل التعب والإرهاق "من أعراض فقر الدم"، ومن هذه الاختبارات:
- العدّ الدموي الشامل "CBC": يرصد ذلك الاختبار أعداد خلايا الدم المختلفة، وكذلك حجم كرات الدم الحمراء، وقد يُساعِد في تشخيص فقر الدم أو العدوى، والذي قد يُؤدّي أي منهما إلى الإرهاق، الذي هو من أعراض الاكتئاب.
- اختبار وظائف الغدة الدرقية: قد تُؤدِّي اضطرابات الغدة الدرقية إلى تقلّبات مزاجية تتشابه مع الاكتئاب، ومِنْ ثَمّ فهذا الاختبار قد يُؤكّد وجود مشكلةٍ بها أو يستبعدها، ويُوجّه الأنظار إلى الاكتئاب أكثر.
- فيتامين ب12 وحمض الفوليك: يُؤدِّي انخفاض مستويات فيتامين ب12 أو حمض الفوليك إلى فقر الدم الخبيث، الذي تتشابه بعض أعراضه مع أعراض الاكتئاب، مثل التعب والإرهاق؛ لذا إن كشف الاختبار نقص أي من هذه الفيتامينات، فإنَّ العلاج بتعويض النقص قبل التحدُّث عن الاكتئاب.
اقرأ أيضًا:هل يمكن أن يكون الاكتئاب وراثيًّا؟
اختبارات منزلية
جمعت الجمعية الأمريكية لعلم النفس "American Psychological Association" قائمة بأدوات الفحص عبر الإنترنت التي تدل على الاكتئاب، وبعضها متاح يمكن استخدامه، وهذه الاختبارات تسأل الإنسان عن مجموعة من الأعراض، وما إذا كان عانى منها خلال الأسبوعين الماضيين أم لا:
- الشعور بالإحباط، أو الاكتئاب، أو اليأس.
- الإحساس بالتعب، أو انخفاض طاقة الجسم.
- صعوبة النوم أو البقاء نائمًا، أو النوم أكثر من المُعتاد.
- احتقار الذات، أو الشعور بأنّك خذلت نفسك أو عائلتك.
وحسب الإجابات تحصل على مؤشر لدرجة الاكتئاب التي لديك وما إذا كان موجودًا أم لا، ومثل هذا الاختبار استرشادي فحسب، فهو لا يُغنِي عن زيارة الطبيب النفسي؛ للحصول على أدقّ تشخيص لحالتك، وتلقّي العلاج المناسب.
كيف يتأكّد تشخيص الاكتئاب؟
يعتمد اختصاصيو الرعاية النفسية على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الطبعة الخامسة "DSM-5" في تشخيص الاكتئاب الذي يستند إلى العوامل الآتية:
- المعاناة من 5 من أعراض الاكتئاب على الأقل.
- استمرار هذه الأعراض يوميًا، في غالب أوقات اليوم، ولمدة أسبوعين على الأقل.
- لا بُدّ من أن يكون المزاج سيئًا، أو أن يجد المرء نفسه فاقدًا للشغف أو المتعة في كافة الأنشطة تقريبًا.
تختلف هذه المعايير اختلافًا طفيفًا بالنسبة للأطفال والمراهقين، فبدلاً من الشعور بالاكتئاب، يبدون سريعي الانفعال.
هل يمكن تشخيص الاكتئاب مستقبلاً بالتحاليل؟
ربّما لا يُوجَد اختبار معملي مباشر لتشخيص الاكتئاب بعدُ، لكن هناك اهتمامًا كبيرًا في مجال الرعاية النفسية في محاولة إيجاد ذلك الاختبار الذي يرصد المؤشرات الحيوية الدالّة على الاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية، وقد استمرت الأبحاث في رصد ارتباط الدماغ والجسم معًا بصورة لا يمكن فصلها، حيث تُؤثِّر صحة أحدهما على الآخر مباشرةً.
وقد حاولت بعض الدراسات بحث الصلة المحتملة بين مستويات الالتهاب في الجسم والاكتئاب، وأبحاث أخرى تناولت تأثير ميكروبيوم الأمعاء "البكتيريا النافعة" على الصحة النفسية.
كذلك حاولت بعض الأبحاث استكشاف إمكانية وجود صلة بين زيادة مستويات هرمون الكورتيزول "هرمون التوتر" والاكتئاب.
ورُبّما نتمكّن في يومٍ من الأيام من فحص المعلومات الجينية للشخص، وقياس مستويات العلامات الالتهابية في الدم، والبحث عن أي تغييرات بنيوية في الدماغ؛ لتحديد مخاطر الإصابة بالاكتئاب وتشخيصه، والعثور على أكثر العلاجات فعّالية، لكن ذلك لم يصر واقعًا بعد.
واليوم أفضل طرق تشخيص الاكتئاب من خلال الطبيب النفسي وتقييمه لحالة المُصاب بالاكتئاب، استنادًا إلى معايير تشخيص الاكتئاب، أمّا الاختبارات الأخرى فقد تُساعِد في استبعاد الاضطرابات الأخرى التي قد تكون هي سبب الأعراض الماثلة على المريض لا الاكتئاب.