بتطبيق "قاعدة العشر دقائق".. كيف تُهيئ عقلك لإنجاز مهامك بسهولة؟
عادة ما يكون البدء بمهمةٍ ما هو أصعب ما في هذه المهمة، فكم من مرةٍ جلست أمام مكتبك للدراسة أو العمل وقلت: "يا إلهي، لديّ الكثير لأنجزه، كيف سأتمكن من إنهاء كل هذه المهام"؟!
يصطدم معظمنا بهذا السيناريو، الذي يؤدي إلى إصابتنا بالجمود الفكري، ويخلق حاجزًا يحول دون العمل والإنجاز، ومن هنا تأتي فكرة قاعدة العشر دقائق 10-Minute Rule، فما هي؟ وكيف يمكن أن تساعدك على الإنجاز؟ وهل لها من بديل؟
ما هي قاعدة العشر دقائق؟
هي قاعدةٌ تهدف لحل مشكلة التسويف، وكسر الحواجز الذهنية التي تحول دون البدء في مهمةٍ ما، وبالتالي زيادة الإنتاجية والكفاءة.
وتدور فكرة قاعدة العشر دقائق حول تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء صغيرة، لا تحتاج سوى 10 دقائق لإنجازها، وبعد انتهاء هذه الدقائق المعدودة، يمكنك أن تُقرر ما إذا كنت ستكمل المهمة أم لا، وغالبًا ستُكمل، إذ لا تحتاج منك الكثير من المهام سوى أن تبدأ، حتى تنخرط فيها وتُنهيها، وهذا ينقلنا إلى الآلية التي تعمل بها.
منشأ قاعدة العشر دقائق
تُصنَّف هذه القاعدة ضمن علم النفس السلوكي، ومبادئ إدارة الوقت، وهي مُستلهمةٌ مما يُعرف بـ"تأثير زيجارنيك Zeigarnik Effect"، والذي يقوم على فكرة أن فرصة نسيان الدماغ للأحداث المُكتملة أكبر من فرصة نسيان المهام غير المُكتملة، أو التي تمت مقاطعتها في مرحلةٍ ما، وذلك لأن الدماغ يُبقي على هذه المهام لحين اكتمالها.
الفكرة هنا أنك بمجرد استخدام قاعدة العشر دقائق والبدء بمهمةٍ ما، فإن "تأثير زيجارنيك" سيعمل على إبقائها في عقلك، ويُذكرك بها بين الحين والآخر حتى تُكملها، وبالتالي ستزداد احتمالية أن تعود إليها وتنجزها بالكامل.
وكانت عالمة النفس الليتوانية، "بلوما زيجارنيك"، أول من وثّق هذا التأثير -الذي سُمي تيمنًا بها- في عشرينيات القرن الماضي، وذلك بعد أن لاحظت أن النُدُل يتذكرون طلبات الزبائن المُعقدة، حتى يتم دفع الحساب، بعد ذلك تتلاشى التفاصيل من الذاكرة، وقد دفعت هذه الملاحظة "زيجارنيك" إلى إجراء تجاربها، لتثبت صحة فرضيتها، وهو ما كان.
كيف تعرف أن قاعدة العشر دقائق مناسبة لك؟
نستطيع طرح السؤال السابق بصيغةٍ أخرى، وهي: من المستفيد من قاعدة العشر دقائق؟
لحسن الحظ، فإن قاعدة العشر دقائق هي قاعدةٌ متعددة الاستخدامات، حيث يمكن أن تفيد مجموعةً واسعةً من الأفراد، بغض النظر عن مجالاتهم، غير أنها مفيدةٌ بشكلٍ خاص لكلٍ من:
- الطلاب: تساعدهم في التغلب على التسويف في الدراسة وتعزيز التركيز.
- المهنيين: في تقسيم المهام والمشاريع الكبيرة إلى أجزاء أصغر يمكن إدارتها.
- رواد الأعمال: من حيث زيادة الإنتاجية في المهام والمسؤوليات المتعددة والكثيرة.
- المبدعين: لكسر عوائق الإبداع وخلق الزخم اللازم للمشاريع الإبداعية.
اقرأ أيضًا: صفحات الصباح: سلاحك السري لصفاء الذهن وزيادة الإنتاجية
وتقدم قاعدة العشر دقائق نهجًا عامًا للتغلب على الكسل، مما يجعلها قابلةً للتطبيق بالنسبة لأي شخص يواجه تحديات، سواء كانت أكاديمية، أو مهنية، أو حتى خاصة.
كيف تستخدم قاعدة العشر دقائق؟
الطريقة مباشرة وسهلة للغاية، وتتلخص في:
- اختر مكتبك المفضل للعمل أو الدراسة.
- أعد مؤقتًا لمدة 10 دقائق.
- أبعد عنك جميع المشتتات.
- ابدأ في إنجاز المهمة تماشيًا مع الثانية الأولى من المؤقت.
- بعد انقضاء العشر دقائق اتخذ قرارك، والذي سيكون إكمال المهمة على الأغلب كما أشرنا.
فقط تذكر أن تظل مُنتبهًا قدر المستطاع طوال العشر دقائق، حتى تحصل على أقصى استفادة ممكنة، وحتى تستطيع أن تتخذ القرار الصحيح، والذي سيكون إما بإكمال المهمة، إذا تملكتك الرغبة وشعرت بالدافع، أو بالعزوف عنها إذا كُنت مُحبطًا، والأهم من ذلك ألا تشعر بتأنيب الضمير.
وبشكل عام لا حاجة لقراءة كتابٍ كامل، أو الجري لمسافة 5 كيلومترات، أو إنجاز العرض التقديمي المطلوب منك في هذه العشر دقائق؛ فقط اقرأ الصفحات الأولى، أو جهز عدة الجري، أو افتح برنامج PowerPoint، وستجد الحافز يُخلق داخلك بشكلٍ أو بآخر.
الفلسفة وراء قاعدة العشر دقائق
تستمد قاعدة العشر دقائق فلسفتها من فكرة الإنتاجية الدقيقة، أو الـ"micro-productivity"، والتي تفيد بأن الجهود الصغيرة، مهما كانت صغيرة، هي التي تؤدي إلى الإنجازات الكبيرة، بشرط أن تستمر.
ولا تكمن الفكرة وراء قاعدة العشر دقائق في إنجاز مهامٍ كاملة، وإنما البدء فيها فقط لتجاوز العقبات الذهنية، واكتساب الحافز، والشعور بالدافع والإنجاز.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن إنشاء بيئة عمل صحية؟ إليك هذه النصائح لزيادة الإنتاجية
وبشكلٍ عام، فإننا نميل إلى الشعور بمقاومةٍ كبيرة إزاء المهام المختلفة، لأننا نبالغ في تقديرها، وهذا يرجع بشكلٍ أساسيّ إلى جهازنا الحوفي (أو "الجهاز اللمبي- Limbic system)، الذي يحاول حمايتنا من المجهود ويوفر طاقة أجسامنا.
مميزات وعيوب قاعدة العشر دقائق
المميزات
- التغلب على التسويف: بمجرد أن تُحدد المهمة، وتبدأ بالعمل عليها لمدة 10 دقائق، ستكون قد تخطيت مرحلة التسويف، التي تتسبب في إحباط الكثير من المهام.
- إيجاد الحافز: تساعد قاعدة العشر دقائق الأشخاص على إيجاد الحافز، والاستمرار لجلسات عمل مطولة ومُنتجة.
- زيادة الإنتاجية: بتقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاءٍ أصغر، يمكنك أن تُخفف من الضغط الواقع عليك وزيادة إنتاجيتك.
العيوب
- احتمالية التشتت: أن تُقسم المهام الكبيرة إلى مهامٍ أصغر هو شيء جيد في كثير من الحالات، ولكن أحيانًا يكون هذا الأمر مدعاةً للتشتت وعائقًا أمام التركيز المستمر.
- غير مناسبة للبعض: لا يستطيع بعض الأشخاص الجلوس لفترات قصيرة لإنجاز مهمة ما، ناهيك أن بعض المهام لا تكون مناسبةً لقاعدة العشر دقائق أصلًا، فهل من بديل؟
بديل قاعدة العشر دقائق
كان لدى "ستيف جوبز" حلاً مبتكراً لمشكلة التسويف أو العَطَب أو الجمود الفكري الذي يصيب أذهاننا، إذ كان يستخدم المشي ليس لأنه يحب الطبيعة أو ممارسة الرياضة فقط، ولكنه كان يعلم -كما أثبتت علوم الأعصاب الآن- أن المشي يُحسن من عمل الدماغ، ويساعد على حل المشكلات وتخطي العقبات التي تعوقك عن العمل.
وإذا لم تكن من هواة المشي، فإليك بعض البدائل الأخرى:
- تقنية البومودورو Pomodoro Technique: تقوم فكرتها على العمل لمدة 25 دقيقة، وأخذ استراحة لمدة 5 دقائق، وبالتالي فهي تساعدك على التركيز، مع توفير فترات راحة منتظمة لإعادة شحذ طاقتك.
- قاعدة 52/17: وتُعرف بنسبة الإنتاجية السحرية Magic Productivity Ratio، وتُشبه تقنية البومودورو من حيث العمل لمدة معينة، وهي 52 دقيقة هنا، ثم الاستراحة لمدة 17 دقيقة، ولمن يتساءل عن هذه الأرقام، فهي مبنيةٌ على أبحاثٍ وتجارب كثيرة.
- قاعدة الدقيقتين: وتنص على أنه إذا كانت المهمة تحتاج أقل من دقيقتين لإنجازها، فقم بها فورًا لأنها قد تتراكم وتحتاج وقتًا أطول في المستقبل.
في النهاية، يجب أن تعلم أنه لا توجد قاعدة ثابتة للإنجاز، فما قد يُجدي معك قد لا يجدي مع غيرك، ناهيك أن الأمر يعتمد على طبيعة المهمة وحجمها، ولكن في كل الأحوال، جرّب أن تأخذ قاعدة العشر دقائق بالاعتبار في المرة القادمة التي تُقبل فيها على مهمةٍ معينة، فربما تأتي بثمارها معك، مثلما فعلت مع الكثيرين.