كيف يمكن للرجل الاستشفاء من الطلاق وبدء حياة جديدة؟
يُعتقد بشكل شائع أن النساء هن الأكثر تأثرًا بعد انتهاء العلاقات، حيث يتعرضن لتأثيرات نفسية وعقلية وجسدية أكثر من الرجال، ولكن دراسة حديثة أجراها أطباء نفسيون من "جامعة كولومبيا" البريطانية ضربت بكل هذه المعتقدات عرض الحائط، حيث أظهرت أن الرجال عند انتهاء العلاقة، يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الصحة العقلية، مثل القلق والاكتئاب والانتحار، وفقًا لما ذكره موقع "news.ubc.ca".
فيما تمثل تجربة الطلاق بالنسبة للرجل، واحدة من أصعب المراحل التي قد يمر بها في حياته، فهي ليست مجرد انفصال عن شريك حياة، بل تحول جذري في أسلوب الحياة والتوازن النفسي والاجتماعي، حيث تتباين مشاعر الرجل في هذه المرحلة بين الحزن والغضب والقلق من المستقبل، وغالبًا ما يتطلب منه التعامل مع هذه المشاعر دون إظهارها بوضوح، ما يزيد من التحديات النفسية التي يواجهها.
منصة "الرجل" تسلط الضوء على ضرورة تخطي هذه التجربة، وبدء حياة جديدة من خلال اتباع بعض النصائح، التي نفردها في السطور التالية مستعينين بالمستشار الأسري والاجتماعي "أحمد المحمدي"، الذي بدأ حديثه حول تأثير الطلاق علي الرجل من الناحية النفسية والعاطفية، قائلاً: "يعد الطلاق أو الانفصال من أكثر الأحداث الصعبة والمؤلمة، التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان خلال حياته، حيث يترتب عليها تأثيرات نفسية وصحية سلبية عديدة، ويمكن أن تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والصحة العامة للشخص المتأثر بهذه الأحداث".
وأضاف: "في الوقت الذي يتأثر فيه الزوجان بتفكك علاقتهما وأسرتهما، يمكن أن يتعرضا لضغوط نفسية كبيرة تؤثر على حياتهما الشخصية والاجتماعية، وتزيد من مستويات التوتر وأعراض القلق، ثم الاكتئاب ومشاعر الرفض والغضب والشعور بالذنب، وتدني احترام الذات، وتقلب المزاج".
شعور بالفقد والألم
وتابع المحمدي: "يمر الإنسان بعد الطلاق من الناحية العاطفية بحالة من الحزن، وشعور غامر بالفقد والألم، ولا يعرف البعض أن تأثير الطلاق مؤلمًا إلى حد كبير عاطفيًا، حيث يبرد الإحساس نحو كل ما هو جميل بالحياة، وندخل مرحلة فقد المتعة بالجديد والجميل، والتفاعل عاطفيًا مع الأحداث حولنا، لذا من المهم جدًا أن نركز على سلامة الحالة النفسية بعد الطلاق، حتى لا تتطور الحالة إلى التقلبات التي ذكرناها".
ويستطرد: "من الجيد والمطلوب أن نتجاوز كل هذه العقبات، ونبدأ بالتفاعل مع المحيط الاجتماعي من حولنا، ونركز على بناء علاقات جيدة وجميلة وإيجابية، مع أشخاص لهم نظرة تفاؤل للحياة، يأخذون بنا إلى حياة سعيدة قدر الإمكان، والالتفاف حول من يشعرنا بالأمان العاطفي، ويعوضنا عما سبق بكلمة حلوة أو موقف جميل أو مشاركة وجدانية".
ويوضح أنه "عندما يتعلق الأمر بتعامل الرجال مع الطلاق، قد يكون الأمر مرهقًا، ليس فقط لأنه يجعلهم يفقدون إحساسهم بالهوية، ولكن أيضًا لأنهم لا يزالون موصومين من قبل المجتمع".
الرجال لا يظهرون دموعهم
ويرى الدكتور أحمد المحمدي أن "المجتمع يجبر العديد من الرجال الذين يواجهون الطلاق على التظاهر بالهدوء والثقة بالنفس، بينما يعانون ألمًا عميقًا داخليًّا، ونحن نعلم أن الطلاق يضر الرجال أيضًا"، مشيرًا إلى أن "هذا الأسلوب في التعامل مع الطلاق ضار بصحتهم النفسية، لأن ذلك يعني أنه لا يمكن إظهار الدموع في العلن، وفي الوقت نفسه، يستمر العذاب الداخلي الذي لا يستطيع أحد رؤيته خلال هذه المراحل العاطفية".
أما الرجل الذي يريد بداية حياة زوجية جديدة بعد الطلاق، فهي "تعد خطوة جديدة نحو حياة زوجية جديدة، وهي مساحة زمنية آمنة لإعادة ترتيب الأفكار ودراسة الخيارات"، بحسب المحمدي.
ونصح بأنه "يجب أن نتعلم من سلبيات التجربة السابقة وكيف نعالجها مستقبلاً، وألا نرفع سقف الطموحات عاليًا، حتى لا نصطدم بواقع أقل من المأمول، وألا نجلد أنفسنا كثيرًا، فالهدف هو خوض تجربة جديدة جميلة، لا أن نعاتب على ما مضى، و نستخير ونستشير حتى نجد الراحة النفسية، والإلمام الكامل بمواصفات شريك الحياة القادم، ومن كل النواحي، بشكل يضمن لنا حياة زوجية ناجحة".
اقرأ أيضًا: بداية الحياة الزوجية.. أسرار رحلة زواج لا تنتهي بالطلاق
القدرة على التحمل
أما الدكتورة "أميمة السيد" استشاري العلاقات الزوجية والأسرية اجتماعيًا ونفسيًا، فترى أن تأثير الطلاق على الرجل من الناحية النفسية والعاطفية لا يختلف عن المرأة، مشيرة إلى أن الاختلاف الأساسي يكمن في أن الرجل يستطيع التحمل أكثر من المرأة، مفسرة ذلك بـ"كثرة انشغاله وانخراطه في العمل"، قائلة: "لذلك نجده يغلب العقل على القلب، وتأتي التأثيرات النفسية من بعض الظروف الاجتماعية التي تتبع الطلاق أو الانفصال. فمثلاً إذا كان الرجل سيتحمل مسئولية تربية الأولاد، بالطبع سيكون محملًا بالأعباء والمسؤوليات، إضافة إلى إنه يحتاج إلي زوجة معه تهتم بتفاصيله وترتب له حياته وتنظم له كل أموره، من ملبس ومأكل ومشرب، كما أن نفسية الزوج تسوء لعدم وجود العلاقة الحميمة نتيجة الانفصال، فهذا يؤثر عليه تأثيرًا نفسيًّا كبيرًا".
وأضافت: "نستطيع القول إن الرجل نادرًا ما يدخل في مود اكتئاب، لأن هناك مؤثرات خارجية كثيرة تؤثر فيه إيجابًا، تساعده على أنه يتخطى هذه المرحلة بخلاف المرأة، لذلك أرى أن الزوجين حتى إذا كانا يحبان بعضهما، وانفصلا لظروف اقتصادية أو لأسباب أخرى، فالرجل يتخطى هذه المرحلة أسرع من المرأة".
نصائح لتعافي الرجل بعد الطلاق
وتابعت استشارية العلاقات الزوجية: "الزوجة المنفصلة غير الرجل، نظرًا للاعتبارات الاجتماعية التي تضعها في هذا الموقف، فلقب مطلقة يوثر عليها مجتمعيًا ونفسيًا، فيما يستطيع الرجل أن يشفى سريعًا من تداعيات عملية الطلاق، إذا كان الطلاق وقع بسبب سيدة أخري ظهرت في حياته كحب قديم، أو ارتباطه عاطفيًا بسيدة أخري، فهي هنا ستملأ فراغه العاطفي".
فيما قدمت "السيد" نصائح لتعافي الرجال من تأثيرات الطلاق، نلخصها في الآتي:
- الاهتمام بصحته النفسية، لأنها مرتبطة بصحته الجسدية، ولأن 90% من الأمراض العضوية تأتي نتيجة الضغوط النفسية.
- عدم التسرع في اختيار الزوجة الثانية، لأنه يهرب بها من الزواج الأول.
- فترة التعافي من أثار الانفصال لا ينبغي أن تكون أقل من سنة أو سنة ونصف، حتى لا يعود بالسلب عليه وعلى الطرف الجديد.
في النهاية ترى الدكتورة "أميمة" أن الانتظار يكون في صالح الرجل والمرأة، لأنه قد يكون سببًا في عودتها إلى بعضهما، خصوصًا بعد أن جربا البعد ومشكلاته، قائلة: "يمكن أن يكون الانفصال فرصة لمراجعة كل منهما لنفسه، والوقوف على أصل المشكلة، وإيجاد حل لها".
واختتمت حديثها بالاستشهاد بالحديث الشريف: "... كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يعول".