من البدايات حتى نجاح أول عملية روبوتية كاملة في السعودية.. تاريخ زراعة القلب
نجح مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في إجراء أول عملية زرع قلب كامل بالروبوت، في سابقة هي الأولى من نوعها في المجال الطبي حول العالم، وذلك دون حاجةٍ إلى شقّ القفص الصدري، وإجراء تدخلٍ جراحيٍ كبير، وذلك لمريضٍ لم يتجاوز السادسة عشرة من العُمر، فكيف تحقّق هذا الإنجاز؟ وكيف كانت محاولات عمليات زراعة القلب قبل ذلك في العالم؟
لماذا قد يحتاج بعض الناس إلى زراعة القلب؟
تُعدّ عملية زراعة القلب هي الملاذ الأخير لمن يُعانُون قصور القلب في المرحلة النهائية، فهذا يعني أنّ القلب عانى ضرراً دائماً أو ضعفاً واضحاً يمنعه من ضخّ ما يكفي من الدم إلى الجسم.
وقد يحدث قصور القلب لأسبابٍ متنوّعة، وأغلب من يحتاجون إلى زراعة القلب يُعانُون واحدة من المشكلات الآتية:
- اعتلال عضلة القلب: وهو أي مرضٍ يُتلِف عضلة القلب، بما يُؤدّي إلى ضعف قدرته، وقد يكون سبب ذلك عدوى أو أمراض وراثية.
- مرض الشريان التاجي: قد يؤدي انسداد الشرايين التاجية التي تُغذّي القلب إلى نوباتٍ قلبية، قد تُسبِّب ضرراً لا يمكن إصلاحه، ومِنْ ثَمّ تكون الحاجة أحياناً إلى زراعة القلب.
- أمراض القلب الخلقية: وهو عيب في بِنية القلب يُولَد به الإنسان، وقد تُؤدِّي بعض تلك العيوب إلى قصور القلب الشديد، الذي يتطلّب عملية زراعة القلب.
- مشكلات صمامات القلب: وهي التي تحدث عندما تتلف بعض صمامات القلب بغض النظر عن سبب ذلك.
لماذا تندر عمليات زراعة القلب؟
جديرٌ بالذكر أنّه في عام 2020، أُجريت نحو 8,200 عملية زراعة للقلب في جميع أنحاء العالم، وترجع قلّة عدد عمليات زراعة القلب لما يلي:
- قلّة المتبرّعين بالقلب: إذ تتطلّب زراعة القلب متبرعاً بالطبع، كما يجب أن يتوافق نسيج المتبرّع مع المتلقي، وهذا صعب؛ إذ يجب أن يكون لكلا الشخصين فصيلة دم متوافقة وحجم جسم مماثل، وإلّا فسيرفض جهاز المناعة لدى المتلقّي قلب المتبرّع، فيشرع في مهاجمة القلب الجديد وتفشل نتائج العملية برمتها.
- تعقيد العملية: تُعدّ عملية زراعة القلب من أعقد العمليات الجراحية التي يمكن إجراؤها، ومِنْ ثَمّ فهي من العمليات التي يندر إجراؤها.
تاريخ عمليات زراعة القلب
يرجع تاريخ عمليات زراعة القلب إلى القرن الماضي؛ إذ كانت البداية مع نجاح مؤقت لبعض العمليات في أول الأمر، ولكن سُرعان ما كان المريض يتوفّى، ومن هذه العمليات:
1. العملية الأولى
في الثالث من ديسمبر 1967، تأثّر العالم بالتقرير الصحفي عن أول عملية زرع قلبٍ بشرية؛ أجراها "كريستيان بارنارد" في "كيب تاون" بجنوب إفريقيا، على "لويس واشكانسكي" البالغ من العُمر 54 عاماً، والذي عانى اعتلال عضلة القلب الإقفاري "ضعف تدفّق الدم إلى عضلة القلب".
وقد جاء قلب المتبرّع من شخصٍ تعرّض لصدمةٍ فأُصيب بجروح دماغية شديدة، وقد حصل المتلقّي على مزيج من الإشعاع الموضعي وبعض الأدوية لتثبيط رد فعل جهاز المناعة ومنع فشل الزراعة.
ورغم كل تلك الجهود، تُوفّي المريض بسبب التهابٍ رئوي، ورفض حاد للجهاز المناعي للقلب الجديد في اليوم الثامن عشر بعد الجراحة.
2. العملية الثانية
في السادس من ديسمبر عام 1967، قام "كانترويتز" من مركز "ميمونيدس" الطبي في بروكلين بنيويورك بإجراء عملية زراعة القلب، وقد حصل على قلب من متبرّع مُصاب بانعدام الدماغ، وزرعه في طفل حديث الولادة يبلغ من العمر 17 يوماً، يُعانِي "شذوذ إبشتاين"، وهو أحد أمراض القلب الخلقية.
وقد حصل الطفل على إيقاعٍ تلقائي للقلب بعد 10 دقائق من زراعته، لكن بعد 6 ساعات ونصف الساعة، أُصِيب الطفل بحماضٍ شديد (زيادة نسبة الأحماض في الدم)، وعلى الرغم من تدابير الإنعاش، فإنّ الرضيع توفّي.
اقرأ أيضًا:زراعة الرئة عند الرجال.. أمل متجدد للمصابين بأمراض الرئة والفشل الرئوي
2. العملية الثالثة
رغم الانتقادات الشديدة التي تلقّاها الدكتور "كريستيان بارنارد"، نتيجة إجرائه للعملية الأولى، فإنّه أجرى تجربته الثانية لزراعة القلب بعد أقل من شهر، في 2 يناير 1968.
ولكن في هذه المرة عاش المريض "فيليب بليبرج" لمدة 593 يوماً، قبل أن يتوفى بسبب تصلب الشرايين التاجية للقلب الجديد، لكن حاله كان أفضل من المريض الأول الذي عاش 18 يوماً فقط بعد الجراحة.
3. العملية الرابعة
في السادس من يناير عام 1968، توقّع الكثيرون أن يكون "نورمان شومواي" أول من ينجح في زراعة قلبٍ بشري، لكن مريضه "مايكل كاسبيراك" البالغ من العمر 43 عاماً، لم يعش أكثر من 15 يوماً فقط بعد العملية.
وحول العالم كانت هناك فرق جراحية مختلفة في 14 دولة، تحاول إجراء عملية زراعة القلب عام 1968، إذ أُجريت أكثر من 100 عملية زراعة للقلب في هذا العام وحده، كانت نتائجها صادمة، إذ استمر 40 مريضاً فقط على قيد الحياة حتى اليوم التاسع بعد العملية.
تطوّر عمليات زراعة القلب
تحدّيات كثيرة واجهت عمليات زراعة القلب، خاصةً مع نقص أعداد المتبرّعين، وذلك لأنّ كثيراً من الناس يموتون في ظروف من شأنها أن تجعل أعضاءهم غير مناسبة لزراعتها في أجسام غيرهم.
ومع ذلك في عام 2015، أجرى الجرّاح "ستيفن لارج" في "مستشفى بابوورث" أول عملية زرع في أوروبا من متبرع بقلبٍ لا ينبض، وقد استُخدِمت هذه التقنية لأول مرة في أستراليا في العام السابق، واستُخدِمت آلة لتزويد القلب بالدم الدافئ المُؤكسج بمجرّد إزالته من جسم المتبرّع، ما ساعد على تحسين تدفّق الدم إلى أعضاء الجسم، لكن ليس بما يكفي.
واليوم يُبحَث عن طرق جديدة لزراعة القلب، وإنشاء قلوبٍ اصطناعية فعّالة لمن يحتاجون إلى زراعة القلب؛ إمّا كحل طويل الأمد، أو كحل قصير الأمد حتى يتمكّنوا من العثور على متبرّع.
ولا تزال تموّل العديد من المشاريع البحثية حل مشكلة رفض الجسم للقلب الجديد، الذي قد يُؤدِّي إلى فشل نتائج العملية، وذلك لتطوير أدوية أفضل لتحييد أثر الجهاز المناعي على القلب دون التأثير على وظائفه الأخرى للجسم، ما يُطِيل عُمر القلب الجديد ومِنْ ثَمّ حياة المريض.
المملكة تنجح في إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة بالروبوت
وفي إنجازٍ طبي غير مسبوق، نجح مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة بالروبوت في العالم، لمريضٍ لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر، وقد كان مُصاباً بقصور القلب من الدرجة الرابعة.
وقد استغرقت العملية 3 ساعات، ونفّذها الفريق الطبي بقيادة استشاري ورئيس قسم جراحة القلب، الجرّاح السعودي الدكتور "فرّاس خليل"، عقب تحضيرات استمرّت أسابيع، وابتكار منهجية جراحية للوصول إلى القلب وإتمام العملية دون حاجةٍ إلى شقّ القفص الصدري للمريض.
وتُمثِّل تلك العملية تحوّلاً جذرياً في عمليات زراعة القلب؛ إذ إنّ شق القفص الصدري، يتطلّب وقتاً أطول للتعافي، كما يمتنع المريض عن كثيرٍ من الأنشطة الحياتية إلى أن تنتهي فترة التعافي، بخلاف تقنية الروبوت وإمكانية إجراء العملية بتدخلٍ جراحيٍ محدود دون شقّ القفص الصدري، ما يُقلِّل فترة التعافي، ويُمكِّن المريض من استئناف أنشطته الحياتية في وقتٍ أقل مقارنةً بالجراحة المفتوحة بشقّ القفص الصدري.
وقد صُنَّف مستشفى الملك فيصل التخصصي بمركز الأبحاث الأول في الشرق الأوسط وإفريقيا، كما أنه يحتل المرتبة الـ20 عالمياً، للسنة الثانية على التوالي، ضمن قائمة أفضل 250 مؤسسة رعاية صحية أكاديمية حول العالم.