أيقونات الغضب الميكانيكي.. سر لغة التصميم الهجومية في لامبورجيني

في معرض الحديث عن لغة التصميم الخاصة بـ"لامبورجيني Lamborghini"، قد يكون من السهل علينا أن نكرر الرواية نفسها التي تتحدث عمّا حدث خلال الزيارة الشهيرة التي قام بها "فيوروتشو لامبورجيني" لـ"أنزو فيراري"، واعتبارها هي السبب الذي يفسر روحية الغضب والعدوانية التي تسيطر على خطوط سيارات الثور الهائج.

إلا أنّ الحقيقة ربما في مكانٍ آخر، أولاً، لأن إدارة الصانع الإيطالي، التي هي بالمناسبة الأكثر درايةً بتاريخ الشركة وتراثها، لم تؤكد يومًا أنّ ما حدث خلال تلك الزيارة الشهيرة قد حدث بالفعل، وثانيًا، لأن هناك شبهة بأنّ الإعلام آنذاك أعطى الموضوع أكبر من حجمه، الذي لو فرضنا أنه حدث فربما كان من باب المزاح؛ إذ إنه من الطبيعي على صانعين إيطاليين كبيرين كـ"فيوروتشو" و"أنزو" أن يعايرا بعضهما بعباراتٍ تأتي من منطلق المناكفات التنافسية الودية لا أكثر ولا أقل.

شعار الثور الهائج

في الحقيقة، اختار السيد "لامبورجيني" شعار الثور الهائج لمشاريعه الميكانيكية قبل أن يشتري أي سيارة فاخرة. وبطبيعة الحال قبل أن يشتري سيارة "فيراري"، ويشتكي من رداءة بعض مكوناتها الميكانيكية، ليسمع عبارة "اترك صناعة السيارات الرياضية لي واهتم أنت بالجرارات الزراعية"، من الكومنداتوري ابن مدينة "مودينا".

علمًا بأنّ الثور الهائج، الذي تنطبق صفاته على صفات "فيوروتشو" المفعم بالعنفوان، هو بطبيعة الحال ثور غاضب تمامًا كما هي خطوط طراز Countach، الذي أسس للغة التصميم التي نعرفها على Lamborghini، والتي تتميز بالغضب الراقي المفعم بمزيح رائع من الجمال والعنفوان.

وإذا كانت سيطرة لغة التصميم الهجومية ذات الزوايا الحادة المنبثقة من غضب الثور الهائج، تخللتها في الماضي بعض التصاميم الأنيقة، كتلك التي انبثقت من طراز 350 GT الذي سنأتي على ذكره لاحقًا، لتعود وتظهر مجددًا على خطوط طراز Diablo، الذي له قصة أخرى يمكنك أن تطلع عليها في الأسفل، فهي تسيطر اليوم بشكلٍ كامل على خطوط جميع سيارات Lamborghini بشكلٍ واضح ومحبب، خاصةً أنها تُعتبر خير ممثل للعظمة المنبثقة من روحية الفنون التي ازدهرت خلال حقبة الرومان. 

الحداثة بروح رياضية

بالإضافة إلى التصاميم الغاضبة، تعتمد الشركة الإيطالية اليوم وبشكلٍ مكثّف على الأشكال الهندسية السداسية، وتلك المستوحاة من الحرف Y، سواء على صعيد مصابيح الضباب الأمامية، أو التوقف الخلفية، والعديد من العناصر الداخلية، وهذا ما يعطي سيارات الثور الهائج صبغة رياضية عصرية مميزة.

وبعد سنوات طويلة من التعاون مع مصممين يعملون لدى دور تصميم منفصلة عن Lamborghini، كدار Bertone التي أبدع "مارسيلو جانديني" خلال سنوات عمله لديها، بطرازي Miura وCountach، ومن ثم طراز Diablo بشكل منفصل، أسست الشركة خلال عام 2004 قسم Lamborghini Centro Stile، بهدف تصميم السيارات في أروقة الشركة الأم، انسجامًا مع ما هو رائج حاليًّا لدى معظم صانعي السيارات حول العالم.

سيارات تعكس عظمة تصاميم Lamborghini

كونه من الصعب علينا أن نتحدث عن جميع الطرز التي وفرتها Lamborghini  منذ عام 1963 وحتى اليوم، لذا سنستعرض لكم فيما يلي عددًا من السيارات التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الصانع الإيطالي:

Lamborghini 350 GT

بخطوطها الخارجية الناعمة، وتركيبتها الهندسية غير المتطرفة، التي تحاكي بشكلٍ ما نمط التصميم التقليدي للسيارات الرياضية السياحية التي تعود لحقبة الستينيات من القرن الماضي، قد يصعب على المرء وصف 350 GT على أنها تنسجم مع فكرة الغضب التي تقوم عليها سيارات الثور الهائج، إن كنا لا نريد القول إنه يستحيل عليه ذلك، خاصةً أنّ النمط الاختزالي الأنيق والناعم الذي أبدعه الثلاثي "جيوتو بيزاريني"، و"جانبالو دلارا" و"باولو ستانزاني"، وهو أبعد ما يكون عن الخطوط الهجومية الشرسة. 

لتنجح أول سيارة في تاريخ Lamborghini بأن تكون واحدة من أجمل السيارات في العالم، ولكنها فشلت في المقابل برسم الصورة المميزة للصانع الإيطالي، التي أتت لاحقًا مع وصول طراز Countach إلى خطوط الإنتاج.

اقرأ أيضًا: Lamborghini Urus SE.. "الغضب الأنيق"

Lamborghini Miura

دخلت Lamborghini Miura التاريخ على أنها أول سيارة رياضية خارقة، وقد اكتسبت هذا الوصف، الذي أطلقه عليها أحد الصحفيين المتخصصين في مجال السيارات عند ظهورها لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، كونها أول سيارة مرخصة للسير على الطريق مع هندسة المحرك المثبّت في الوسط، تلك الهندسة التي كانت قد أثبتت فاعليتها فوق حلبات السباق.

على صعيد التصميم ومع Miura، لم يكن "مارسيلو جانديني" يرغب بتحدي الذوق العام، ويستفيد مما تتيح له هندسة المحرك المثبّت في الوسط من خلال توفير مقدمة قصيرة للسيارة، إذ إنّ مقاييس الجمال في عالم السيارات وقتها كانت تفيد بأنّ السيارة الأنيقة يجب أن تتمتع بمقدمة طويلة، وهذا ما يبرر تمتع Miura بمقدمة طويلة، رغم أنّ هذا الأمر لم يكن ضروريًا، كون السيارة تستضيف محركها خلف مقصورة القيادة مباشرةً لا أمامها.

Lamborghini Countach

يُعتبر الدور الذي تلعبه هذه السيارة لدى الصانع الإيطالي، هو نفسه الدور الذي تلعبه Porsche 911 بالنسبة للصانع الذي يتخذ من مدينة "زوفنهاوزن" مقرًّا له،  فمثلما تكون 911 هي أول ما يخطر على البال عند ذكر كلمة Porsche، كذلك Countach التي تختصر تراث Lamborghini.

ورغم أنها قد لا تكون أجمل سيارة من إنتاج الشركة على الإطلاق، فإنها هي التي حوّلت الشركة من مجرد محاولة ناجحة لابتكار علامة تجارية متخصصة في إنتاج السيارات الرياضية عالية الأداء، إلى أسطورة من أساطير الفن الميكانيكي في بلاد أحفاد الرومان.

وعندما جلس "جانديني" ليصمم طراز Miura ذا المحرك الوسطي، لم يرغب الرجل بأن يتحدى الذوق العام كما ذكرنا، أو ربما لم يتمتع بالجراءة اللازمة لذلك، ولكنه مع Countach قام بأكثر من مجرد تحدٍّ، يتمثل بتصميم سيارة تتبع أبعادها النمط الذي تسمح به هندسة المحرك الوسطي، بل رسم خطوط سيارة تبدو في يومنا هذا كمركبة فضائية مستقبلية التصميم، فما بالك بسبعينيات القرن الماضي.

اللافت للنظر في تصميم Countach هو فكرة الغضب المسيطرة على خطوطها ذات الزوايا الحادة، والزجاج الأمامي المتراجع إلى الخلف بنسبة شديدة، تجعله يندمج بشكلٍ شبه مباشر مع زاوية انحناء الغطاء الأمامي، وطبعًا الأبواب التي تُفتح إلى الأعلى على شكل المقص.

LM 002

إن تصميم سيارة ذات أبعاد رياضية خارقة تتمثل بسقف منخفض، مقابل محاور أمامية وخلفية عريضة، وخطوط خارجية انسيابية لا تهدف سوى لشق الهواء بسلاسة هو أمر صعب، ولكن الأصعب منه هو تصميم سيارة بأبعاد مركبة دفع رباعي متعددة الاستخدام ذات جذور عسكرية، وجعلها تتمتع بسحرٍ تصميمي مميز، ولكن هذا تمامًا ما تمكن المصمم "جيوليو ألفيّري" من تحقيقه في Lamborghini LM002 مع خطوط بعيدة عما عودتنا عليه الشركة في تاريخها، ولكنها تتمتع بالمستوى نفسه من التميز.

تزهو مقدمة Lamborghini LM002 بمصابيح دائرية، ضمن حاويات مربعة الشكل بتصميم يمتد على الرفارف الأمامية، ثم لينسحب النمط الصندوقي على كامل خطوط السيارة الأخرى، فيما تلعب العجلات الأربع الكبيرة دور البطولة بالتأكيد على قدرات السيارة العالية في المناطق الوعرة.

اقرأ أيضًا:Lamborghini Huracan STJ الوداع الهادر

Diablo

مهمة الحلول محل طراز Countach لم تكن قط مهمة سهلة، فالسيارة التي يجب أن تحل محل أعظم سيارات Lamborghini وجب عليها أن تكون مميزة فعلاً، وهكذا كانت Diablo مع خطوط تحاكي التصميم العام لـ Countach وأبعادها المميزة، ولكن مع جرعات مكثفة من الحداثة الممزوجة بأناقة لافتة.

جدير بالذكر أنّ خطوط النموذج الأولي للسيارة التي رسمها "جانديني" أتت بروحية هجومية، ضمن تصميم معزز بزاوية حادة، لم تنل الإعجاب الكبير من قبل مسؤولي Chrysler، التي كانت وقتها تمتلك شركة Lamborghini، لذا طُلب من المصمم "توم جايل" تعديل التصميم الأساسي الذي رسمه "جانديني" لتظهر Diablo بحلتها النهائية على الشكل الذي نعرفه، فيما ذهب تصميم النموذج الأساسي (تصميم جانديني) إلى طراز Cizeta-Moroder V16T، الأمر الذي يفسر التشابه الكبير بين السيارة الأخيرة وبين Diablo.

في النهاية، لا بد من التنويه بأنّ الروحية الهجومية الغاضبة عادت بقوة بعد ذلك إلى تصاميم Lamborghini،  بدءًا من طراز Gallardo، مرورًا بـAventador  ووصولاً إلى Urus و Revuelto.