التنقل الذكي.. إحدى الركائز الأساسية برؤية المملكة 2030 للتحول الأخضر
يرتبط مفهوم "النقل الذكي" لدى الكثيرين بـ"المدن الذكية"، أو التطورات التقنية المتلاحقة بمجال النقل، بينما هو أشمل من ذلك بكثير، وربما ينعكس تطبيق حلوله على نجاح المنظمات، ومدى رضا الموظفين حول أداء عملهم، خاصة إذا ما قيّمنا الوضع عبر كون حلول التنقل مريحة، نظيفة، سريعة، مُرضية لكل مستخدميها، وكذلك الوقت الذي يقضيه الموظف في رحلته من وإلى مكان عمله.
قطاع النقل.. قوة دافعة للتنمية
يُعدّ قطاع النقل من أهم القطاعات التي أولتها رؤية المملكة 2030 اهتماماً بالغاً، لما له من تأثير كبير على الاقتصاد الوطني ورفاهية المواطنين، ولذلك ركزت الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي "نُسدي" على هذا القطاع ضمن القطاعات ذات الأولوية القصوى، لتمكينه عن طريق تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي.
وتتولى وزارة النقل والخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية، باعتبارها الجهة المعنية بقيادة سياسة قطاع النقل، مسؤولية وضع أنظمة نقل مستدامة، وتحسين السلامة على الطرق، لما لقطاع النقل من أهمية كبيرة، بوصفه قوة دافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى المملكة بأسرها.
المملكة والاستثمار بالنقل المستدام
قامت المملكة باستثمارات كبيرة في مشاريع النقل الحديثة، بما في ذلك الطرق والنقل الجوي والنقل البحري وأنظمة السكك الحديدية، واضعة في عين الاعتبار الاستدامة، والحاجة إلى وسائل نقل أكثر كفاءة، وصديقة للبيئة، لاستيعاب النمو السكاني والطلب على النقل.
وتتجه السعودية بخطى مدروسة نحو وسائل النقل العام المستدامة، لمواجهة تحديات استهلاك الطاقة والازدحام المروري، والتلوث، وانبعاثات الغازات الدفيئة، والاحتباس الحراري وغيرها، لتعزيز نظام نقل أكثر كفاءة، وصديق للبيئة.
ويُعدّ الاستثمار في أنظمة النقل العام أمراً بالغ الأهمية، لتوفير بدائل قابلة للتطبيق لاستخدام السيارات الخاصة، وتخفيف الازدحام المروري، كما أن توسع المطارات والمواني في المملكة يسهل التجارة الدولية والمحلية، ويدعم النمو الاقتصادي والتنمية.
كما أن تطوير شبكة سكك حديدية شاملة تربط المدن والمناطق الرئيسة داخل المملكة تعتبر وسيلة نقل مستدامة، وتقلل مشكلات المرور وتعزز طرق أكثر أماناً، ومن ثم تحقق مستهدفات رؤية 2030 فيما يخص تنويع الاقتصاد وتحسين نوعية الحياة من خلال مبادرات مختلفة، بما في ذلك تحسين قطاع النقل.
نمو إنترنت الأشياء وتقنيات النقل الذكية
مع نمو إنترنت الأشياء ستدفع حلول النقل الذكية إلى دفع البنية التحتية إلى الأمام، لأن النقل الذكي جزء لا يتجزأ من المدن الذكية، ويشهد قطاع النقل الذكي في المملكة العربية السعودية تحولاً جذرياً استجابةً لرؤية 2030 الطموح، التي تستشرف مستقبلاً مزدهراً، يتسم بالكفاءة والاستدامة والتفاعلية، ما ينعكس إيجاباً على جودة الحياة، ويُعزز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي متسارع النمو.
وتقنيات التنقل الذكية هي حلول ووسائل نقل حديثة، تعتمد التقنية في تشغيلها وإدارتها والوصول إليها، ما يعزز إتاحة تجارب نقل مستقبلية مبتكرة، وتُعدّ السيارات الكهربائية والذكية، والسيارات ذاتية القيادة، والهايبر لوب، والدرونز، من حلول وتطبيقات النقل الذكي المتطورة والمستقبلية في المملكة.
وتواصل السعودية جهودها لإحراز مزيد من التقدم عالمياً بمجال النقل، ويتجلى ذلك بتفانيها في التطوير المستمر لشبكة الحافلات، حيث تعمل المملكة بشكل مستمر على تطوير طرق وشبكات سكك حديدية جديدة لربط المدن والمواني الرئيسة، ما يزيد من سرعة وكفاءة النقل البري والسكك الحديدية، كما تولي السعودية اهتماماً كبيراً للتطورات التكنولوجية، بما في ذلك وسائل النقل في المستقبل، ودمج الحافلات الكهربائية، وتجهيز أنظمة النقل الذكية.
اقرأ أيضًا: مشروع الحفاظ على مدينة الحجر الأثرية في العُلا.. تكامل حقيقي مع رؤية المملكة 2030
التنقل المستقبلي في المملكة
التطور المستمر في كل ما يتعلق بالاستدامة والكفاءة والتسهيلات، يُعيد تشكيل مستقبل النقل في السعودية، التي تعمل على إنشاء نظام بيئي شامل ومترابط للنقل، وذلك لتلبية الاحتياجات المتنوعة للمواطنين والمقيمين والزوار، إذ يعتبر قطاع النقل والخدمات اللوجستية أحد مفاتيح التنمية الشاملة والمستدامة، حيث يعتمد نجاح التنمية على مدى توفر البنية الأساسية للطرق ووسائل النقل بأنماطها المختلفة.
وانطلاقاً من الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي أُطلقت عام 2021، وتتضمن أهدافاً بيئية مهمة تشمل: تعزيز الاستدامة، والحد من استهلاك الوقود بنسبة 25%، وتوفير حلول ذكية لمواجهة تحديات النقل باعتماد تقنيات التنقل العالمية المتطورة والمبتكرة، يأتي تبني أنظمة النقل الحديثة لترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي بقطاع النقل كأحد الأهداف الرئيسة.
تطبيق أساليب النقل الجديدة
وتعمل وزارة النقل والخدمات اللوجستية على رصد وحصر جميع التقنيات الخاصة بمستقبل النقل حول العالم، لجعل المملكة إحدى الدول الرائدة في هذا المجال، كما عملت الوزارة على عدد من المشاريع الخاصة بإصدار أُطر تنظيمية لعدد من التقنيات، منها: المركبات ذات الطاقة النظيفة، والمركبات ذاتية القيادة.
وكذلك إصدار إطار تنظيمي خاص باستخدام طائرات الدرونز في القطاع اللوجستي، ويأتي هذا ضمن مبادرة "تطبيق أساليب النقل الجديدة، والاستفادة من التقنيات الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعي ذات الصلة بقطاع النقل والخدمات اللوجستية"، التي تُعنى بأساليب النقل الحديثة، كما أطلقت الوزارة تجربة خاصة لاستخدام المركبات ذاتية القيادة في مدينة الرياض.
بالإضافة إلى مشروع مستودع البيانات الضخمة، الذي يسهم بدعم مبادرات ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، حيث يتم اتخاذ قرارات مستنيرة ببيانات مجمعة من عدة مصادر، وتحليل البيانات التاريخية، واكتشاف الفجوات، والوصول لحلول مستندة إلى البيانات.
الحافلات الكهربائية والنقل المستدام
يُعدّ دمج الحافلات الكهربائية أحد أبرز التحسينات التي أُدخلت على شبكة الحافلات في المملكة، حيث توفر حلاً واقعياً لخفض انبعاثات الكربون، وتقليل الآثار البيئية، وتعمل هذه الحافلات بالكهرباء، ما يقلل الاعتماد على الوقود، ويسهم في تحقيق أهداف الاستدامة الشاملة للمملكة، التي تُعدّ في طليعة الدول التي تتبنى حلول الطاقة النظيفة بقطاع النقل العام.
أنظمة النقل الذكية وربط المدن
يعتمد مستقبل شبكة الحافلات في السعودية أيضاً على تطوير أنظمة النقل الذكية، التي تستخدم أحدث التقنيات، بما في ذلك أجهزة الاستشعار وتحليلات البيانات والاتصال في الوقت الفعلي، لتحسين كفاءة النقل وتجربة الركاب.
وتلعب أنظمة النقل الذكية دوراً مهماً في تزويد الركاب بالمعلومات في الوقت الفعلي، ما يسمح لهم باتخاذ قرارات سفر واضحة، ومن خلال دمج أنظمة النقل الذكية في بنيتها التحتية، حيث تعمل المملكة على تنفيذ استراتيجية تنقل ذكية تعطي الأولوية لربط المدن، والموثوقية وراحة المستخدم.
السيارات ذاتية القيادة
هذه التقنيات صارت واقعاً ملموساً، فيما يبذل مصنعو المركبات جهوداً واستثمارات ضخمة، لتطوير وضمان سلامة المستخدمين والمشاة عند تبني ذلك النوع من حلول النقل الذكي على نطاق واسع، كما تقوم كثير من دول العالم بإجراء تطويرات لتحسين البنية التحتية، وتعزيز سلامة النقل، ورفع كفاءة المواصلات.
وفي هذا الشأن، تتميز السعودية ببنية تحتية وتقنية رائدة على مستوى العالم، ما يؤهلها لتكون في صدارة الدول الأعلى جاهزية لتبني التقنيات الحديثة والتطورات التقنية في مختلف المجالات، وخاصة قطاع النقل، من أجل بناء اقتصاد متين ومستدام، وتوفير بيئة خصبة لرفاهية المواطنين، وتعزيز وسائل الراحة والأمان في جميع نواحي الحياة.
اقرأ أيضًا:الرياض وجهة عالمية.. المنتدى الاقتصادي العالمي يجَمع قادة العالم ويُسلّط الضوء على رؤية 2030
الهايبرلوب.. أنماط ذكية للتنقل فائق السرعة
رحلتك من الرياض إلى جدة خلال 50 دقيقة فقط، ومن جدة إلى مكة في 7 دقائق، هكذا بالفعل ستكون مدة الرحلات عبر نظام الهايبرلوب للنقل، تلك النقلة التي أطلقها "إيلون ماسك" رجل الأعمال الأمريكي، وتعتزم المملكة العربية السعودية ضمها لمنظومتها في مجال النقل.
وفي فبراير 2020، تعاقدت وزارة النقل السعودية مع شركة "فيرجن هايبرلوب ون"، لإجراء دراسة أولية حول استخدام تكنولوجيا هايبرلوب في نقل الركاب والبضائع، إضافة إلى إجراء بحوث مشتركة في علوم وتقنيات الهايبرلوب، وتبادل الزيارات الفنية للمسؤولين والمختصين في مجال النقل، وذلك ضمن أهداف الوزارة للتخطيط المستقبلي لأنظمة النقل الحديثة، واستقطاب التقنية الحديثة لتسهيل وتوفير عدة أنماط ذكية للتنقل ضمن رؤية المملكة 2030.
وتقوم فكرة الهايبرلوب على إطلاق كبسولات "تشبه عربة القطار" تستوعب كل منها 20 راكباً، وتعتمد على محركات كهربائية تولّد موجات كهرومغناطيسية تدفعها بسرعات فائقة، دون استخدام أي نوع وقود، داخل أنابيب منخفضة الضغط ومفرّغة من الهواء، تربط بين المحطات أو نقطتي الرحلة، وهي محمية بفعل حقل مغناطيسي حتى لا تحتك بجدران الأنبوب، ويتوقع أن تصل سرعتها إلى 1200 كم في الساعة، ما يضاهي 3 أضعاف القطار فائق السرعة، أو 10 أضعاف القطارات التقليدية.
"نيوم" مدينة مستقبلية "بلا سيارات"
إن التزام المملكة العربية السعودية بالتنقل الأخضر يصل إلى حدود بعيدة، فمخططات وتصاميم "المدن الذكية" الجديدة مثل مدينة نيوم NEOM تنطوي على تراجع الحاجة للمركبات التقليدية، والمحركات التي تعمل بالاحتراق الداخلي، إذ تبشرنا نيوم بمدينة "بلا سيارات، وبلا طرق تقليدية"، ويتمثل الطموح الكامن وراءها في إنشاء أول نظام للتنقل في العالم يتسم بالاستدامة، وسلاسة الاتصال، ويعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وعلى استخدام مركبات عديمة الانبعاثات.