تطور لغة تصميم Porsche من التراث الكلاسيكي إلى الحداثة المميزة
منذ عام 1948، الذي شهد إطلاق أول سيارة تحمل اسم الصانع الألماني العريق، وحتى الأمس القريب الذي شهد عرض طراز Mission X ذي النظرة المستقبلية، لطالما تمتعت سيارات Porsche بخطوط خارجية مميزة تجعل المرء قادرًا على تحديد انتمائها إلى مصانع زوفنهاوزن من النظرة الأولى، حتى لو لم تكن تحمل أي شعار يحدد هويتها.
وبذلك، تركت Porsche إرثًا في عالم السيارات بلغة تصميم تردد صداها بعمق، لتنقل تراثًا غنيًا من التميز الهندسي جيلًا بعد جيل، وسيارة بعد أخرى.
فعلى مدار العقود، عملت لغة تصميم الصانع الألماني بدقة على تحسين جمالية مميزة تدمج بشكلٍ لا تشوبه شائبة بين الأناقة والأداء الذي لا مثيل له، والابتكار الرائد.
ويحكي كل طراز من طرز Porsche قصة التطور، حيث تشكّلت رحلة تصميمها من خلال التقاء عوامل مؤثرة، تتراوح من الجذور التاريخية للعلامة التجارية إلى مبادئ الهندسة الأساسية التي تدعم إبداعاتها.
البداية
بدأت لغة تصميم Porsche عندما كشفت العلامة التجارية المرموقة عن أول سيارة إنتاج تجاري تحمل اسم 356، وهي سيارة خفيفة الوزن رشيقة الحركة، مع محرك مثبت في الخلف يُغذي العجلات الخلفية بالطاقة اللازمة لدفع السيارة، التي تقوم على جسم ببابين يتوفر ضمن صيغتين: كوبيه مع سقف صلب ومكشوف مع سقف قماشي قابل للطي. ومع هذه السيارة، استمرت الابتكارات الهندسية خلال سنوات التصنيع، ما أسهم في نجاحها وشعبيتها في رياضة السيارات.
بدأ الإنتاج في عام 1948 في غموند، النمسا، حيث قامت Porsche ببناء 50 سيارة، قبل أن ينتقل الإنتاج إلى مصنع الشركة في زوفنهاوزن، ألمانيا، في عام 1950.
واستمر الإنتاج العام لسيارة 356 حتى أبريل 1965، بعد فترة طويلة من ظهور طراز 911 البديل لأول مرة في سبتمبر 1964. ومن بين 76,000 سيارة تم إنتاجها في الأصل، نجا النصف.
وكان السعر الأصلي لـ Porsche 356 كوبيه في عام 1948 نحو 4000 دولار أمريكي، ما يعادل 47 ألف دولار أمريكي اليوم، أي 175 ألف ريال سعودي. وهو سعر منخفض حتى مع احتساب الفرق في مستويات التضخم بين أربعينيات القرن الماضي والزمن الحاضر.
ولكن لتفسير هذا السعر، علينا أن لا ننسى أن السيارات في الماضي لم تكن مجهزة بالتجهيزات التي تتمتع بها اليوم، فضلًا عن التغييرات التي طالت آلية تطوير السيارات وآلية الاختبارات التي يجب على صانعي السيارات إجراؤها قبل نيل الترخيص لإنتاج سيارة جديدة، وغيرها من العوامل الأخرى.
وبالعودة لموضوع التصميم، تميزت 356 بخطوطها الجميلة التي تدمج بسلاسة التصميم الناعم مع التفاصيل مفتولة العضلات، لابتكار إحساس بالأناقة والرشاقة المعززة بمواصفات ميكانيكية وديناميكية متفوقة.
ومن جهته، أضاف غطاء المحرك الأمامي المستدير، الذي يتشابه مع ما كان يتوفر للأسطورية Volkswagen Beetle، ضمن لمسة تعكس الحنين إلى الماضي، كان من شأنها ترسيخ مكانة 356 كواحدة من أبرز السيارات في التاريخ.
ومن ثم، مهدت 356 الطريق لتجربة قيادة استثنائية أصبحت مرادفة لاسم Porsche، في الوقت نفسه الذي وضعت فيه أساسات لغة التصميم التي يعتمدها الصانع الألماني حتى يومنا هذا.
فسواء نظرت إلى كل من طراز 911 Carrera، Taycan، Cayenne أو Macan، فإنك تجد بعض السمات التي تجمع ما بين الطرازات التي ذكرناها وطراز 356.
Porsche Carrera 911
وفي عام 1963، قدمت Porsche للعالم سيارة من شأنها أن تغير إلى الأبد مشهد السيارات عالية الأداء. هذه السيارة كانت 911 Carrera، التي تحولت إلى تحفة فنية ورمز دائم للتميز في صناعة السيارات.
وفي قلب جاذبيتها كان العبقري صاحب الرؤية فرديناند ألكسندر بورشه، حفيد مؤسس الشركة فرديناند بورشه، الذي ورث إرثًا من الإبداع. ومن ثم، شرع في إنشاء سيارة تأسر القلوب والعقول وتجسد الجمال والدقة، فكانت النتيجة مزيجًا من الجمال والهندسة، حيث يخدم كل خط ومحيط غرضًا يتجاوز حدود الجماليات.
ولا يمكن للمرء أن يتجاهل الشكل المميز لسيارة 911، حيث تمتزج مؤخرتها المستديرة بشكل متناغم مع خط السقف المنحدر برشاقة ضمن تصميم لا يشبه أي تصميم آخر لأي سيارة. الأمر الذي ساهم في جعل 911 تحلق لوحدها خارج سرب السيارات الرياضية الأخرى، وهذا بالإضافة طبعًا إلى تصميم المقدمة المزوّدة بمصابيح دائرية تنبض بجاذبية جمالية صرفة.
سرعان ما استلمت 911 مهمة تجسيد لغة تصميم Porsche، ضمن فلسفة ترفع لواء الأداء دون التضحية بالشكل. أظهر كل شبر من الجزء الخارجي للسيارة الالتزام بالكفاءة الديناميكية الهوائية، حيث يتعايش الجمال مع القوة التي تشعل الحواس، مع خطوط نهجها الشغف والدقة ضمن تصميم يبهج السائقين والمتفرجين على حدٍّ سواء.
وبالإضافة إلى مظهرها الخارجي الساحر، أظهرت 911 إبداعًا تحت السطح، حيث تفتخر بالهندسة المتقدمة التي وضعت معايير جديدة للسيارات الرياضية، معايير تجاوزت رؤية صانعها الذي كان يسعى لمجرد توفير سيارة جميلة.
إذ انتهى الأمر بمركبة يمكنها دفع حدود الأداء وإثارة سائقيها على أي طريق أو مضمار سباق. وبذلك، حفرت 911 لنفسها اسمًا مكتوبًا بحروف من ذهب وحالة لا مثيل لها في تاريخ السيارات، لتواصل مسيرتها كرمز للتميز الذي ظل شامخًا عبر العصور.
وأدى الحمض النووي لـ Porsche 911، الذي تطور على حلبات السباقات، إلى ظهور سمات جذابة تمزج الشكل مع الوظيفة، حيث تتدفق التقنيات المتطورة التي تم تطويرها لحلبة السباق بشكلٍ لا تشوبه شائبة إلى الجماليات الجذابة لطرازات Porsche المخصصة للطرق.
اقرأ أيضًا: Porsche 911 2025 حمى التقنية الهجينة تصل إلى أسطورة الصانع الألماني
للحلبات دورها في التصميم
ومن أبرز مظاهر هذا المزيج الجناح الخلفي الأيقوني، وهي ميزة مبتكرة تم توفيرها في الأصل لسيارات السباق لتعزيز قوة الضغط الهوائي نحو الأسفل التي تساعد على إبقائها ثابتة على الطريق بسرعات عالية.
وتجاوز الجناح الخلفي أصوله المنبثقة من الرغبة بتحقيق أداء عالٍ، وأصبح علامة مميزة لتصميم Porsche، حيث ينقل إحساسًا بالذوق الديناميكي مع خدمة غرض وظيفي حاسم في توفير ثبات محسّن وبراعة في اجتياز المنعطفات.
وتبرز مداخل الهواء الهادفة التزام Porsche بالتوفيق بين الجماليات والأداء. وباستلهام الإشارات من حلبة السباق، تضمن مداخل الهواء هذه تبريدًا مثاليًا للمحرك وتعظيم إمداد الهواء لمجموعة نقل الحركة.
ومع مضي Porsche في رحلتها إلى القرن الحادي والعشرين، شهدت العلامة التجارية الأيقونية تحولاً تميز بسلسلة من التحولات التصميمية الرائدة التي تزامنت مع إطلاق ما يحلو للبعض تسميته بسيارات Porsche العائلية مع وصول طراز Cayenne إلى الأسواق.
أعادت هذه الخطوة الجريئة تعريف لغة تصميم الشركة، حيث قامت بتكييفها ببراعة لتناسب هذه العناصر مع الحفاظ على الجوهر الذي أصبح يحدد سيارات Porsche.
ودمجت Cayenne ببراعة بين الواجهة الأمامية الكلاسيكية المميزة لسيارات Porsche والمصابيح الأمامية الأيقونية مع أبعاد جريئة لسيارات الدفع الرباعي. وكانت النتيجة إبداعًا مذهلاً ومثيرًا للإعجاب، يمزج ببراعة بين الأداء الرياضي والعملية في تناغم تام.
مهمة صعبة مهدت الطريق
وبعد التمكن من الحفاظ على الحمض النووي لـ Porsche مع Cayenne، أصبحت المهمة سهلة، إذ إن مركبات الدفع الرباعي متعددة الاستخدام هي من أكثر السيارات التي تفرض تحديًا هندسيًا كبيرًا على من يسعى لتصميمها وجعلها تتمتع بإطلالة رياضية جذابة بالمطلق.
فكيف إذا كان الأمر يتعلق بجعلها تعكس السمات الخاصة والحصرية لـ Porsche؟ وبذلك، وأثر هذا الإنجاز التصميمي الكبير، تمكّنت دوائر صناعة القرار لدى Porsche من استقبال رسومات جذابة وفية لتراث الصانع الكبير وهي تستعد للموافقة على المخططات التي ترسم شكل طرازات Panamera، Macan وحتى الكهربائية Taycan.