السفر الواعي.. أسلوب جديد يستحق التجربة فكيف تخطط له؟
يعد السفر الواعي أو الفعّال conscious travel بديلاً ممتازًا للسفر أو السياحة بمفهومها التقليدي، فهو لا يقتصر على مجرد زيارة المعالم السياحية في جميع أنحاء العالم، بل إنه يُشجع المسافرين على اتخاذ قرارات مدروسة تَعُم بالفائدة على المُسافر وعلى الوجهة التي يزورها، بل على الكوكب ككل. فما هو السفر الواعي؟ ولماذا يجب أن تهتم به؟ وكيف تُصبح مسافرًا واعيًا؟ وما هي الأمثلة على وجهات هذا النوع من السفر؟ كل هذا وأكثر سنعرفه في السطور القادمة.
ما هو السفر الواعي؟
السفر الواعي هو نوع من أنواع السفر يُركز على احترام الثقافات، والممارسات الأخلاقية، والأهم من ذلك الاستدامة البيئية ومراعاة كل اختيار أو فعل وما يترتب عليه من عواقب على البيئة، ما يضمن اتخاذ قرارات واعية تقلل من الآثار السلبية على الوجهات السياحية، وتعزز رفاهية المجتمعات المحلية.
تشمل المبادئ الأساسية للسفر الواعي تقليل البصمات الكربونية، ودعم الاقتصاد المحلي، واحترام الممارسات الثقافية المختلفة. واكتسب السفر الواعي زخمًا في السنوات الأخيرة، لا سيما مع تزايد وعي الناس بالتبعات البيئية والاجتماعية للسياحة بمفهومها التقليدي، وساعد على ذلك ظهور عدد متزايد من الوجهات الصديقة للبيئات، فضلاً عن منظمي هذا النوع من الرحلات المستدامة.
لماذا يجب أن تكون مُسافرًا واعيًا؟
في 2019؛ قبل جائحة كورونا، قام نحو 1.4 مليار شخص برحلةٍ دولية. هذه الرحلات، رُغم متعتها وفوائدها الجمة على المستوى الفردي، فإنها تؤذي كوكبنا بشكلٍ كبير. ووفقًا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة UNWTO، فإن صناعة السفر والسياحة مسؤولة عن نحو 5% من مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وهذا الرقم لا يأتي من السفر الجوي فحسب، وإنما من الجوانب السياحية الأخرى كالإقامة والأنشطة المختلفة.
يواجه العالم اليوم تحديًا كبيرًا بسبب انبعاثات الغازات الدفيئة، والمشكلة أن البصمات الكربونية تتفاقم عامًا بعد عام، والجميع يلاحظ ذلك، خاصة في فصل الصيف. وإذا استمرت الممارسات البيئة الضارة على نفس المنوال، فمن المتوقع أن تُمثل الانبعاثات المرتبطة بقطاع النقل السياحي وحده 5.3% من مجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول 2030، وهذا يرجع بشكلٍ أساسي للسفر الدولي والمحلي وذلك لأنه من المتوقع أن يشهد إجمالي عدد المسافرين زيادةً هائلة من 20 إلى 37 مليار شخص تقريبًا بحلول العام المذكور.
هناك أرقام أخرى كثيرة، وكلها مخيفة، والشاهد منها أننا يجب أن نفعل شيئًا لنقلل من عواقب السياحة التقليدية على كوكبنا. وفي حال نسيت الهدف من وراء التطرق للغازات الدفيئة وكل هذه الأمور، فكان للإجابة عن سؤال: "لماذا يجب أن تكون مُسافرًا واعيًا؟"، والجواب باختصار لأنه واجب أخلاقي تجاه كوكب الأرض.
اقرأ أيضًا: وجهات فاخرة للإقامة بأناقة: أفخم الفيلات في العالم للمسافر العربي الراقي
كيف تصبح مسافرًا واعيًا؟
1. ثقّف نفسك بشأن الوجهة التي ستزورها: وذلك بالتعرف على العادات والثقافات المحلية، فمثلاً في إندونيسيا يجب أن يُغطي الشخص ركبتيه وكتفيه عند زيارة المعابد، وفي الصين يُعتبر التجشؤ علامةً على الامتنان، إلخ. ويجب أيضًا أن تتعلم بعض الكلمات والعبارات الأساسية للغة البلد مثل "مرحبًا" و"شكرًا"، واقرأ عن تاريخ البلد وقوانينه، فكل هذه الأمور تنم عن احترام الثقافات والممارسات الأخلاقية، التي تعد من الركائز الأساسية للسفر الواعي.
2. ابتعد عن الفنادق الكبيرة، قدر الإمكان: والتي غالبًا ما تنتج نفايات غزيرة وتستهلك الكثير من الطاقة. عوضًا عن ذلك، ركز على البدائل المحلية مثل بيوت الضيافة واستخدم مواقع Booking.com، وhomestay.com، أو استأجر شقة أو حتى فيلا عبر Vrbo أو Airbnb.
3. ادعم الاقتصاد المحلي: أي اقتصاد الدولة التي ستزورها، وذلك بتناول طعامهم المحلي سواء كان السوشي أو الرامن في اليابان، أو التاكو في المكسيك، أو الموساكا في اليونان، إلخ. تجنب سلاسة المطاعم العالمية قدر الإمكان، والشيء نفسه ينطبق على التبضع، إذ لا يجب على المسافر الواعي أن يشتري أغراضه من السلاسل أو "البراندات" العالمية، وبدلاً من ذلك، عليه أن يدعم الأعمال المحلية الصغيرة وكل ما يرفع من شأن الاقتصاد، وهذا بغض النظر عن أن السياحة في حد ذاتها تُعلي من الاقتصاد.
4. راجع عاداتك في السفر: على المسافر الواعي أن يسأل نفسه: كم مرة يسافر بالطائرة سنويًا؟ هل تَنتج عن رحلاته انبعاثات كربونية كبيرة؟ كيف يمكنه أن يُعوض هذا الضرر على البيئة؟ هناك مواقع تحسب للمسافر كمية الانبعاثات التي تسبب بها، وتوفر له خيارًا للتبرع بمبلغ معين يتم استخدامه في المشاريع الخيرية حسب كمية الانبعاثات، ومن هذه المواقع Atmosfair وGold Standard.
5. راقب استهلاكك للطاقة: كونك مسافرًا واعيًا، عليك أن تطبق ممارسات الاستدامة المتعلقة باستخدام الطاقة حتى في أثناء السفر؛ تأكد من إطفاء الأضواء عند مغادرة الغرفة، لا تُشغل جهاز التكييف إذا كنت لا تحتاج إليه، رشّد استهلاكك للماء، إلخ من الممارسات المستدامة.
6. استخدام المواصلات العامة: في أوروبا مثلاً يمكنك استخدام تذكرة الـ "Interrail Global Pass"، التي تسمح لحاملها بالسفر حول أوروبا بأسعارٍ معقولة. داخل المدن، يُسهل المترو التنقل بسرعة وكفاءة. يمكنك أيضًا استئجار سيارة كهربائية أو مشاركة رحلاتك مع الآخرين لتقليل بصمتك الكربونية.
7. حافظ على البيئة: وذلك بوعيك بمدى تأثير التلوث على البيئة والحياة البرية عمومًا؛ تأكد من إعادة تدوير النفايات ولا تتركها على الشواطئ أو في الحدائق أو الغابات، شارك في حملات التنظيف كلما أُتيحت لك الفرصة، وتذكر أن النفايات البلاستيكية بالتحديد تحتاج إلى وقت طويل كي تتحلل.
8. تجنب السفر في المواسم: إذا كان جدول أعمالك يسمح بذلك طبعًا، فمعظم الأماكن تكتظ بالسياح والمسافرين في المواسم المختلفة، وهذا بدوره يؤذي النظام البيئي بشكلٍ عام. ستتضاعف قيمة هذه النصيحة لديك إذا لم تكن من محبي الأماكن المزدحمة، وهذا ينقلنا إلى النصيحة التاسعة.
9. اختر وجهتك جيدًا: ما رأيك أن تزور وجهات أقل شهرة؟ هناك الكثير من الوجهات الرائعة التي تنتظر فقط من يكتشفها؛ ركز على هذه الوجهات لتجمع أيضًا بين السفر الفعّال ولتتجنب الزحام والوجهات التقليدية التي يعرفها الجميع.
10. اعرف أهمية السفر الواعي: بدون هذه النصيحة، لن يستطيع الأثرياء مقاومة السياحة التقليدية، فمن سيرشّد من الاستهلاك ويحرم نفسه من الكثير من الملذات حتى يحافظ على كوكبه؟ بدون معرفة أهمية السفر الواعي، سيقول الكثيرون: "لن تتأثر البيئة بسببي وحدي"، والحقيقة أنها تتأثر لأن الجميع يقول ذلك. الحل في الوعي.
أمثلة على وجهات السفر الواعي
1. منتجع "Bawah Reserve": منتجع صديق للبيئة في إندونيسيا، يستخدم شبكة ميكروية للطاقة المتجددة، ويتميز بمنصاته الشمسية العائمة. يُركز المنتجع على الحفاظ على البيئة وتوظيف المحليين، مع التزام قوي بالممارسات الصديقة للبيئة.
2. رواندا: صحيحٌ أنها دولة إفريقية من دول العالم الثالث، لكنها تُعرف بجهودها الكبيرة في الحفاظ على البيئة، وتدعم السياحة المسؤولة من خلال مبادرات عدة.
3. شبه جزيرة باباجايو، كوستاريكا: تُركز "Peninsula Papagayo" أو شبه جزيرة باباجايو على الطاقة المتجددة وتوريد الطعام المحلي، فضلاً عن الزراعة المستدامة التي تمتد على مساحة 1400 فدان.
4. جبال لينجن: أو Lyngen Alps؛ هي جبال نرويجية تشجع على الاستدامة، وتقدم تجارب فاخرة وفريدة من نوعها.
5. بحيرة لوسيرن: يحظى منتجع بيرغنستوك Bürgenstock المُطل على بحيرة لوسيرن Lake Lucerne بالتقدير لجهوده في الاستدامة البيئية والاجتماعية، حيث يستخدم أنظمة طاقة مبتكرة ويقدم تجارب تبرز التزامه بالممارسات الخضراء.
ختامًا، هناك أمثلة كثيرة أخرى على الوجهات الصديقة للسفر الواعي، وكلها تقريبًا رائعة مما لا يدع حجة لمحبي السفر بالتفكير جديًا في انتهاج هذا النوع من السفر في الرحلات القادمة.