هل تؤثر الثروة في صفات الأثرياء أم أنّ صفاتهم جلبت ثرواتهم؟
بذل طويل وعمل شاق ورحلة عصيبة يقطعها الأثرياء لبلوغ ما يطمحون إليه، إذ يتمتعون بصفات حازمة، ويُركّزون جهودهم على الأهداف طويلة الأمد دون أن تلهيهم فرصة هنا أو أخرى هناك. ومع ذلك فقد يكون الأثرياء أقل تعاطفًا مع الآخرين، فهل أثرت الثروة في صفاتهم أم أن ما يتحلون به من صفاتٍ جلب إليهم ثروتهم؟
الصفات التي يتمتع بها الأثرياء
رغم أن المال قد يؤثر في السلوك والتفكير، لكن الأثرياء يتمتعون ببعض الصفات التي ساعدتهم على جني ثروتهم، ويأتي في مقدمة تلك الصفات، حسب دراسةٍ أجراها باحثون في الجامعة المفتوحة والكلية النرويجية للإدارة، إذ قيموا سمات 3,200 شخص:
1. الوعي
وجدت الدراسة أن الأشخاص الأكثر ثراءً يميلون إلى أن يكونوا أكثر وعيًا وإحساسًا بالمسؤولية والتنظيم، ورغم أن بعض الناس قد يكتسبون الثروة سريعًا، لكن بالنسبة للأثرياء فإن اكتساب الثروة عملية طويلة الأجل تتطلب تخطيطًا دقيقًا واتخاذ قرارات ذكية على مدى سنوات، لا مجرد أسابيع أو شهور.
كذلك يتمتع الأثرياء بقدرة عالية على ضبط النفس، ويُفكرون في الصورة الأكبر عند اتخاذ القرارات، فإدراك الأهداف والوعي بما يتطلبه الوصول إليها من أهم الصفات التي يتصف بها الأثرياء والتي ساعدتهم على زيادة ثروتهم بالفعل.
2. غير اندفاعي
وجدت الدراسة أنّ الأثرياء أقل عرضة لأن يكونوا اندفاعيين، فالاندفاعيون أكثر عرضة لاتخاذ قرارات سريعة بشأن الإنفاق، بل وجد الباحثون أنّهم يميلون إلى الحصول على مدخرات أقل ولكنهم ينفقون أكثر على السلع غالية الثمن.
وهذا الاندفاع قد يؤثر على مجالات التمويل أيضًا، فمثلًا عند الاستثمار، قد يكون متخذ القرارات السريعة أكثر ميلًا لمواءمة توقيت السوق بدلًا من الالتزام بخطة طويلة الأجل، وهذا يعني أنّه قد يفوت فرص النمو طويلة الأجل.
وهذا على النقيض من الأثرياء الذين يخططون لبناء ثرواتهم بخطط طويلة الأجل، ولا يميلون إلى الإسراف في الإنفاق بينما هم بصدد تعزيز ثرواتهم أو بنائها.
3. أقل قبولًا
تُشِير الدراسة إلى أنَّ كونك مقبولًا مرتبط بامتلاك ثروة أقل، ويقترح الباحثون أنّ سبب ذلك هو أنّ الأشخاص المقبولين أكثر عرضة للإنفاق بسخاء وشراء الهدايا القيّمة لأحبائهم.
نعم، قد يكون دعم عائلتك وأصدقائك أمرًا مهمًا بالنسبة لك، لكن ينبغي الموازنة بين ذلك وبين تطلّعاتك الأخرى طويلة المدى.
اقرأ أيضًا:هل تؤثر أمراض القلب على الأغنياء بشكل مختلف عن الفقراء؟
4. عدم الانفتاح
الانفتاح له آثار إيجابية أو سلبية على النجاح المالي، فالمنفتحون يهتمون بشكلٍ أكبر عند اختيار المنتجات المالية، ومع ذلك من غير المُرجّح أن يُخطِّطوا للمستقبل.
وبشكلٍ عام، وجدت الأبحاث أنّ الأشخاص الأقل انفتاحًا على التجارب الجديدة يميلون إلى أن يكونوا أكثر ثراءً.
وفي حين أنّ التجارب الجديدة قد تُوفّر فرصًا لتكوين ثروة، أشارت الدراسة إلى أنّ المنفتحين أقل عرضةً لأن يكونوا مُقيّدين بشيءٍ ما، فمثلًا كان عدد ممتلكات المنفتحين أقل من غيرهم، وهذا قد يعني أنّ ذلك الانفتاح قد يُفقِد بعض من هم على طريق الثراء النمو المحتمل على المدى الطويل.
5. قلة التواصل الاجتماعي
ارتبط التواصل الاجتماعي والحزم بالتأثير على الثروة بطرقٍ إيجابية أو سلبية، لكن الأثرياء عمومًا يميلون إلى أن يكونوا أقل انفتاحًا.
وقد كان هناك دليل على أنّ الانفتاح مرتبط بالنجاح الوظيفي، لا سيما في الصناعات التي يكون فيها إقامة العلاقات أمرًا مهمًّا، لذا فإنّ كونك اجتماعيًّا قد يُعزِّز دخلك.
ومع ذلك، فقد ربطت الدراسة أيضًا الانفتاح الاجتماعي بالاندفاع الذي قد يُؤدّي إلى نتائج مالية أسوأ، مثل الإنفاق الباهظ، ومِنْ ثَمّ فقد يضر الانفتاح الاجتماعي ببناء الثروة.
كيف يغيّر المال طريقة التفكير؟
ربّما كانت تلك أبرز صفات الأثرياء التي أعانتهم في بناء ثرواتهم، لكن بعد مراكمة تلك الثروة، ألم يكُن لها آثار نفسية أو أبعاد أخرى عليهم؟
الثروة والتعاطف مع الآخرين
أظهرت العديد من الدراسات أنّ الثروة قد تتعارض مع التعاطف، كما وجدت الأبحاث المنشورة في مجلة العلوم النفسية "Psychological Science"، أنّ الأشخاص الأقل ثراءً، كانوا أفضل في قراءة تعابير وجه الآخرين، وهي علامة على التعاطف، وذلك مقارنةً بمن هم أثرى.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة مايكل كراوس لمجلة تايم: "تختلف بيئات الطبقة الدنيا كثيرًا عن بيئات الطبقة العليا، إذ يتعيّن على أفراد الطبقة الدنيا الاستجابة بشكل مزمن للعديد من نقاط الضعف والتهديدات الاجتماعية. تحتاج حقًا إلى الاعتماد على الآخرين حتى يخبروك ما إذا كان هناك تهديد اجتماعي أو فرصة قادمة، وهذا يجعلك أكثر إدراكًا للعواطف". بينما ليس الأثرياء بحاجةٍ إلى ذلك عادةً.
وقد وجدت أبحاث جامعة كاليفورينيا أنّه حتى الأموال المزيفة قد تجعل اهتمام الناس بالآخرين أقل.
ولاحظ الباحثون أنّه عندما لعب طالبان لعبة "Monopoly"، حصل أحدهما على أموال أكثر بكثير من الآخر، وأعرب اللاعب الأكثر ثراءً عن عدم ارتياحه الأوّلي، لكنّه استمر بعد ذلك في التعامل بعدوانية، وتحريك قِطعه بصوتٍ أعلى وحتى السخرية من اللاعب الذي يملك مالاً أقل.
الثروة والإدمان
قد يتحوّل السعي وراء الثروة إلى إدمان أو سلوك قهري، وقد أوضح عالِم النفس الدكتور تيان دايتون أنّ الحاجة القهرية لاكتساب المال غالبًا ما تُعدّ جزءًا من السلوكيات المعروفة باسم "إدمان العمليات" أو "الإدمان السلوكي".
وفي حين أنّ إدمان العمليات ليس إدمانًا كيميائيًا، لكنّه يتضمّن سلوكًا قهريًا، وهو إدمان الشعور الجيد الذي يأتي من تلقّي المال أو الممتلكات، ما قد يؤدي إلى عواقب سلبية.
كذلك، فالإدمان على إنفاق الأموال - المعروف أحيانًا باسم إدمان التسوق - هو نوع آخر أكثر شيوعًا من إدمان العمليات المرتبطة بالمال.
اقرأ أيضًا:متلازمة الثروة المفاجئة.. كيف ستتصرف لو أصبحت غنيًّا؟
قد يكون الأطفال الأثرياء أكثر اضطرابًا
عندما تطل على أطفال نشأوا في أسر ثرية، قد تظن لأول وهلة أنّهم حصلوا على كل شيء يريدونه في حياتهم، لكن كل شيء له ثمن على الحقيقة.
إذ يميل الأطفال الأثرى إلى أن يكونوا أشدّ حزنًا من الأطفال الذين نشأوا في أُسرٍ أقل دخلًا، كما أنّهم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والغش والسرقة، بل تعاطي المخدرات.
وقد كتبت عالِمة النفس "سونيا لوثار" في "ثقافة الثراء": "على المستوى العاطفي، قد تنشأ العزلة غالبًا من تآكل وقت الأسرة معًا بسبب متطلبات الالتزامات المهنية للآباء الأثرياء وأنشطة الأطفال العديدة بعد المدرسة".
وقالت أيضًا: "في المجتمعات المتنقلة الصاعدة، غالبًا ما يُضغَط على الأطفال للتفوق في المساعي الأكاديمية والخارجية لتعظيم آفاقهم الأكاديمية طويلة الأجل، وهذا قد يُولِّد ضغطًا عاليًا عليهم".
الثروة والشر
غالبًا يرى ذوو الدخل المنخفض الأثرياء بأنّهم باردون، وحسب "Scientific American"، فإنَّ الأثرياء قد يكونون مصدر حسد وانعدام ثقة، لدرجة أنّ ذوي الدخل المنخفض قد يسعدون بصراعاتهم.
وحسب دراسةٍ أجرتها جامعة بنسلفانيا بعنوان "هل الربح شر؟ جمعيات الربح مع الضرر الاجتماعي"، فإنّ معظم الناس يميلون إلى ربط الأرباح المُكتسَبة بالضرر الاجتماعي المُتصوّر.
وعندما طُلِب من المشاركين تقييم العديد من الشركات والصناعات (بعضها حقيقي وبعضها افتراضي)، صنّف كل من الليبراليين والمحافظين المؤسسات التي يُنظَر إليها على أنّها تتمتّع بأرباحٍ أعلى بأنّها على قدرٍ أكبر من الشر والخطأ في جميع المجالات، بغض النظر عن تصرفات الشركات أو الصناعة في الواقع.
هل تؤثر الثروة في صفات الأثرياء أم أنّ صفاتهم جلبت ثرواتهم؟
لرُبّما كان عدم انفتاح بعض الأثرياء على الآخرين أحد أسباب نجاحهم في مُراكمة الثروات، وبنفس الوقت قد يكون ذلك أيضًا سبب رؤية الآخرين لهم على أنّهم أقل تعاطفًا.
كذلك، فإنّ الأثرياء أكثر وعيًا بأهدافهم طويلة الأمد، وخلال تلك الرحلة قد يتولّد الإدمان السلوكي للأموال - سالف الذكر - خاصةً مع تحقيق النجاحات واحدة تلو الأخرى في مُراكمة الثروة، فالإجابة نسبية بنهاية المطاف والمرء يتغيّر سلوكه بين الحين والآخر حسب مُستجدات الحياة والخبرات التي اكتسبها.