اضطرابات الشخصية.. الأنواع والأعراض والمضاعفات والعلاج
شخصيتك هي ما يحدد سلوكك وطريقة تفكيرك وتفاعلك مع الآخرين. ولكل إنسان شخصية تُميّزه عن غيره بما تحمله من مزايا أو عيوب. لكن قد يطرأ خلل على شخصية الإنسان في بعض جوانبها، مما يؤدّي إلى المعاناة من اضطرابات الشخصية.
واضطرابات الشخصية أنواع، منها النرجسية، ومنها المعادية للمجتمع، ومنها الوسواسية، وغير ذلك. وكلّ نوع يحمل صفات فريدة، لكن ما يجمع بينها هو صعوبة التعامل مع الآخرين والدخول في علاقات معهم، خاصةً أنّ بعض تلك الاضطرابات يتعمّد أصحابها إلحاق الأذى بمن حولهم.
وهذه ليست نهاية المطاف، فبالإمكان التعامل مع اضطراب الشخصية وعلاجه على يد المختصين. لكن ما أنواع اضطرابات الشخصية أولًا؟ وإلى أي مدى قد تؤثّر تلك الاضطرابات في حياتك، خاصةً أنّ معظم من يُعانون اضطرابات الشخصية لا يُدركون أنّهم مُصابون بها؟
ما هي اضطرابات الشخصية لدى الرجال؟
الشخصية هي طريقة تفكير وشعور وتصرّف الشخص التي تجعله مختلفًا عن الآخرين، فتجربة كل فرد مختلفة عن الآخر، وهي تتأثَّر بالتجارب والبيئة من حوله والخصائص الموروثة، وعادةً ما تظل شخصية المرء كما هي مهما مرّ عليها الزمن.
لذلك فإنّ اضطراب الشخصية يتضمّن تغيّر طريقة تفكير الرجل وشعوره وسلوكه، بما يُؤثّر في قدرته على أداء مهامه، كما أنّ هذا التغير يستمر بمرور الوقت، خاصةً إذا تُرِك دون علاج.
واضطرابات الشخصية هي مجموعة من الاضطرابات النفسية التي تتسم بأنماط غير مرنة من التفكير والشعور والسلوك، وعادةً ما تُسبِّب مشكلات في علاقات الشخص مع الآخرين، وكذلك في مكان العمل، وربّما يشعر بعض المُصابين باضطرابات الشخصية بالعزلة، وهذا بدوره قد يُسبِّب اكتئابهم وقلقهم.
أنواع اضطرابات الشخصية
تختلف أنواع اضطرابات الشخصية، بين شخصيةٍ نرجسية لا ترى إلّا نفسها وتتلاعب بمن حولها، وأخرى معادية للمجتمع لا تتعاطف مع الآخرين، وشخصية حدّية تتقلّب في علاقاتها بشكلٍ مُبالَغ فيه، وغيرها من اضطرابات الشخصية التي تنقسم إلى مجموعاتٍ على النسق التالي:
المجموعة أ
تتميّز اضطرابات الشخصية في المجموعة أ بسلوك غريب الأطوار، وتشترك تلك الاضطرابات في الأعراض وعوامل الخطر الوراثية والبيئية، وتشمل اضطرابات الشخصية في المجموعة أ:
اضطراب الشخصية البارانوية أو الزورانية
جنون العظمة وانعدم الثقة في الآخرين والشك فيهم دون وجود سببٍ يستدعي ذلك هم أبرز سمات اضطراب الشخصية البارانوية، كما لا يكون المُصابون بذلك الاضطراب قادرين على تكوين علاقات وثيقة مع الآخرين.
ويتأكّد التشخيص باضطراب الشخصية البارانوية إذا كان لدى المُصاب أكثر من أربع سمات مِمّا يلي:
- الاشتباه غير المبرر في أنّ الآخرين يستغلونك أو يؤذونك أو يخدعونك.
- الانشغال بشكوكٍ ليس لها مبرر حول مدى موثوقية الآخرين من حولك أو جدوى ثقتك بهم.
- الإحجام عن الوثوق في الآخرين خوفًا من أن تُستخدَم المعلومات ضدهم.
- سوء تفسير الملاحظات أو الأحداث الطفيفة على أنّها تستبطن معنى التقليل أو العداء أو التهديد.
- حمل ضغائن تجاه الآخرين.
- غالبًا ما يعتقدون أنّ شخصيتهم أو سُمعتهم تعرّضت للهجوم، وسُرعان ما يتفاعلون بغضب أو هجوم مضاد حاد على غيرهم.
- شكوك متكررة وغير مبررة بشأن الخيانة الزوجية.
اضطراب الشخصية شبه الفصامية
لا يُعانِي المصابون باضطراب الشخصية شبه الفصامية جنون العظمة ولا الهلاوس كما في حالة الفصام، بل لديهم مجموعة محدودة من المشاعر عند التفاعل مع الآخرين، ويُشخّص اضطراب الشخصية شبه الفصامية بوجود أربعة أو أكثر من الأعراض التالية:
- عدم وجود رغبة في العلاقات ولا التمتّع بها.
- تفضيل ممارسة الأنشطة وحيدًا.
- عدم وجود علاقات وثيقة باستثناء الأقارب من الدرجة الأولى.
- اللامبالاة الواضحة فيما يتعلّق بالثناء أو النقد.
- قلة الاهتمام بالنشاط الجنسي.
- البرود العاطفي.
اضطراب الشخصية الفصامي النوع
يُفضِّل المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي النوع الابتعاد عن الآخرين، كما لا يشعرون بالراحة في العلاقات مع الآخرين، بل قد يكون كلامهم وسلوكهم غريبًا، وأيضًا مشاعرهم محدودة.
ويُشخّص اضطراب الشخصية الفصامي النوع بوجود خمسة أو أكثر مِمّا يلي:
- الأفكار المرجعية (المفاهيم القائلة بأنّ الأحداث اليومية لها معنى أو أهمية خاصة مقصودة شخصيًا أو موجهة لأنفسها).
- المعتقدات الغريبة أو التفكير السحري، مثل الإيمان بالاستبصار، أو التخاطر، أو الحاسة السادسة.
- تجارب إدراكية غير عادية، مثل سماع صوت يهمس بأسمائهم.
- الأفكار والكلام الغريب، مثل الكلام الغامض أو المجازي، أو المفرط في التفصيل أو النمطي.
- الشكوك أو الأفكار الإرتيابية (البارانوية).
- التأثير المتناقض أو المحدود.
- مظهر غريب الأطوار.
- عدم وجود أصدقاء مقرّبين باستثناء الأقارب من الدرجة الأولى.
- القلق الاجتماعي المفرط الذي لا يتحسّن مع الألفة، كما يرتبط بمخاوف جنون العظمة بدلًا من الأحكام السلبية على الذات.
المجموعة ب
تتميّز اضطرابات الشخصة في المجموعة ب بمشكلات التحكم في الاندفاع والتنظيم العاطفي، وعادةً ما يُوصَف الأشخاص الذين يُعانُون اضطرابات الشخصية من تلك المجموعة بأنّهم دراماتيكيون وعاطفيون، ومن أبرز تلك الاضطرابات:
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع
يمتلك المُصابون بذلك الاضطراب سلوكًا سيئًا من استغلال أو انتهاك حقوق الآخرين دون أي ندم، وهذا السلوك قد يُسبِّب مشكلات في العلاقات أو في العمل.
وغالبًا ما تكون الأعمال العنيفة أو العدوانية التي تُؤذي الآخرين، مثل إشعال الحرائق أو القسوة على الحيوانات، دون الشعور بأي ذنبٍ أو أسف علامة تحذيرية لاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
ويُشخّص ذلك الاضطراب مع وجود ثلاثة أو أكثر مما يلي:
- عدم الامتثال للمعايير الاجتماعية فيما يتعلّق بالسلوكيات المشروعة، ويدل على ذلك تكرار القيام بأفعل تُشكِّل ذريعة للسلطات لاعتقال ذلك الشخص.
- السلوك الخداعي، مثل الكذب بشكل متكرر، أو استخدام الأسماء المستعارة، أو خداع الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية أو متعة مُعيّنة.
- التصرف باندفاع أو الفشل في التخطيط للمستقبل.
- التهيج والعدوانية، كما يتضح من خوض المعارك الجسدية المتكررة.
- تجاهل سلامة الذات أو الآخرين بتهورٍ واضح في الأفعال.
- التصرف بشكلٍ غير مسؤول باستمرار، مثل ترك الوظائف بدون خطط أو عدم دفع الفواتير.
- عدم الندم، فلا يكترث بأي إساءة معاملة أو سرقة من شخص آخر، فضلًا عن أن يُبرِّر أذيته للآخرين.
اضطراب الشخصية الحدية
يتسم ذلك الاضطراب بتقلبات مزاجية مختلفة، وسلوكيات اندفاعية، بما يُسبِّب مشكلات في العلاقات، ويُشخّص اضطراب الشخصية الحدية بوجود خمسة أو أكثر مِمّا يلي:
- الخوف من الهجران.
- عدم استقرار العلاقات، متناوبة في علاقة المرء مع الآخر بين المثالية وتقليل قيمة الشخص الآخر.
- اهتزاز صورة المرء عن نفسه.
- الاندفاع في مجالين على الأقل قد يكون لهما ضرر عليه، مثل الجنس غير الآمن، أو الأكل بنهم، أو القيادة المتهورة.
- تكرر السلوك الانتحاري أو التهديدات، أو سلوك تشويه الذات.
- التغيرات السريعة في المزاج، وتستمر بضع ساعاتٍ فقط عادةً، ونادرًا ما تزيد عن بضعة أيام.
- الشعور المستمر بالفراغ.
- الغضب الشديد أو صعوبة السيطرة على الغضب.
- أفكار جنون العظمة المؤقتة، أو الأعراض التفارقية الشديدة الناجمة عن التوتر.
اضطراب الشخصية الهستيرية
يتصرّف المُصابون باضطراب الشخصية الهستيرية بطريقة عاطفية ودرامية للغاية، تلفت الانتباه إلى أنفسهم، ويتطلّب تشخيص اضطراب الشخصية الهستيرية وجود خمسة أو أكثر من الأعراض التالية:
- الشعور بأنّك غير مرتاح في المواقف التي لا تكون فيها مركز اهتمام وتفاعل الآخرين.
- التفاعل مع الآخرين بسلوكٍ استفزازي غير لائق أو سلوك جنسي مُغرٍ.
- التحوّل السريع في المشاعر والسطحية في التعبير عنها.
- المسرحية في التعامل، والتعبيرات المُبالغ فيه.
- يسهل التأثير عليه من قِبل الآخرين.
- يعتبر العلاقات أكثر حميمية مما هي عليه بالفعل.
اضطراب الشخصية النرجسية
يُولِي هؤلاء أنفسهم عناية بالغة، فلا يشعرون بأهمية أحدٍ سواهم، وينشغلون بأنفسهم بشِدة، ولا يتعاطفون مع الآخرين. ويتطلّب تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية وجود خمسة أو أكثر من الأعراض الآتية:
- الإحساس المبالغ فيه بالأهمية الذاتية (تضخيم الذات)، مثل المبالغة في الإنجازات والمواهب، أو توقّع أن يُعترَف به على أنّه متفوق دون إنجازات تتناسب مع ذلك.
- الانشغال التام بأوهام النجاح اللا محدود أو التأثير أو القوة أو الذكاء أو الجمال.
- يعتقد أنَّه مُميّز بشكلٍ لا يُوصَف، ولا يمكن له الارتباط إلا بأشخاص رفيعي المستوى.
- يتوق دومًا إلى الإعجاب بدرجةٍ مفرطة.
- يمتلك شعورًا بالاستحقاق؛ أي توقّعات غير معقولة بامتثال الآخرين التلقائي لتوقعاتهم أو رغباتهم.
- استغلال الآخرين لتحقيق أهدافهم الخاصة.
- الافتقار إلى التعاطف، وعدم الرغبة في التعرّف إلى مشاعر واحتياجات الآخرين.
- حسد الآخرين واعتقاد أنّهم يحسدونه.
- الغطرسة والتعجرف في السلوك.
المجموعة ج
تتسم المجموعة ج من اضطرابات الشخصية بالقلق الشديد والخوف لدرجة تتعارض مع قدرة الشخص على ممارسة حياته اليومية، واضطرابات الشخصية من المجموعة ج هي الأكثر شيوعًا في المجموعات الثلاث، وتشمل:
اضطراب الشخصية الاجتنابي
يُعانِي المُصابون باضطراب الشخصية الاجتنابي تحديات في علاقاتهم الاجتماعية يُغذّيها خوفهم من الرفض والشعور بالنقص، وفرط الحساسية للنقد.
ويُشخَّص اضطراب الشخصية الاجتنابي بوجود أربع أو أكثر من العلامات الآتية:
- تجنّب الأنشطة المتعلقة بوظيفة العمل، التي تنطوي على اتصال شخصي بأحدٍ ما، بسبب الخوف من النقد أو الرفض.
- غير راغبين في التورط في علاقات مع الناس ما لم يكونوا متأكدين من أنّهم محبوبون.
- إظهار ضبط النفس في العلاقات الوثيقة؛ خوفًا من السخرية أو الإذلال.
- الانشغال الدائم بالخوف من الانتقاد أو الرفض في المواقف الاجتماعية.
- تجّب المواقف الاجتماعية الجديدة للإحساس بالنقص أو الدونية.
- النظر إلى الذات على أنّها غير كفؤة اجتماعيًا أو غير جذّابة أو أدنى من الآخرين.
- الإحجام عن المخاطرة أو المشاركة في أنشطة جديدة؛ خشية الإحراج.
اضطراب الشخصية الاعتمادي
يشعر المُصابون باضطراب الشخصية الاعتمادي بالعجز ولا يقدرون على الاعتناء بأنفسهم، بل قد يُواجِهون صعوبة في اتخاذ قرارات بسيطة وغالبًا ما يعتمدون على الآخرين لتلبية احتياجاتهم الجسدية والعاطفية.
ويُشخَّص اضطراب الشخصية الاعتمادي بوجود خمس أو أكثر من الصفات الآتية:
- صعوبة اتخاذ القرارات اليومية دون استشارة الآخرين.
- احتياج الآخرين ليكونوا مسؤولين عن أهم جوانب حياتك.
- صعوبة التعبير عن الخلاف أو الرفض، بسبب الخوف من فقدان دعم الآخرين.
- صعوبة بدء المشاريع الذاتية، لأنّهم ليسوا واثقين في حكمهم أو قدرتهم.
- الاستعداد لبذل جهود كبيرة للحصول على الدعم من الآخرين.
- الشعور بعدم الارتياح أو العجز عندما يكونون بمفردهم؛ خوفًا من عدم قدرتهم على الاعتناء بأنفسهم.
- الحاجة المُلحّة لإنشاء علاقة جديدة للحصول على الرعاية والدعم عند انتهاء العلاقة الوثيقة بمن كان يعتني به..
- انشغال غير واقعي بالمخاوف من تركهم وحدهم للاعتناء بأنفسهم.
اضطراب الشخصية الوسواسية
يتسم اضطراب الشخصية الوسواسية بالانشغال الدائم بالنظام والقواعد وبلوغ الكمال، فالمُصابون بذلك الاضطراب غير مستعدين لتقديم تنازلات وغير قادرين على تغيير آرائهم، ما قد يُعرِّض حياتهم أو علاقاتهم المهنية للخطر نتيجة ذلك.
وتفكير هؤلاء إمّا أبيض أو أسود، فلا يُوجَد قبول للمناطق الرمادية، ويتطلّب تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية وجود أربع أو أكثر من السمات الآتية:
- الانشغال بالتفاصيل والقواعد والجداول والتنظيم.
- السعي لفعل شيء مثالي يتعارض مع إكمال المهمة التي يقوم بها.
- التفاني المفرط في العمل والإنتاجية (ليس بسبب الضرورة المالية)، ما يؤدي إلى إهمال الأنشطة الترفيهية والأصدقاء.
- الإفراط في الاجتهاد وعدم المرونة فيما يتعلّق بالقضايا والقيم الأخلاقية.
- عدم الرغبة في التخلص من الأشياء البالية أو التي لا قيمة لها، حتى تلك التي ليس لها قيمة عاطفية بالنسبة له.
- الإحجام عن التفويض أو العمل مع أشخاص آخرين ما لم يوافِق هؤلاء الأشخاص على القيام بأشياء تمامًا كما يريد المرضى.
- البخل في الإنفاق على أنفسهم والآخرين، لأنّهم يرون المال شيئًا يجب توفيره للكوارث المستقبلية.
- الجمود والعناد.
أسباب الإصابة باضطرابات الشخصية
لا يُوجد سبب معروف لاضطرابات الشخصية، ومع ذلك يظنّ الباحثون أنّها تحدث نتيجة تأثيرات جينية وبيئية معًا، وتأتي صدمة الطفولة ضمن أبرز العوامل المحتملة، حسب موقع "healthline".
وعادةً ما تظهر اضطرابات الشخصية في سنوات المراهقة أو مرحلة البلوغ المبكرة، لكن تختلف الأعراض تبعًا لنوع اضطراب الشخصية، وهناك بعض العوامل التي قد تزيد خطر الإصابة باضطرابات الشخصية.
عوامل خطر الإصابة باضطرابات الشخصية
تشمل عوامل خطر الإصابة باضطرابات الشخصية:
- صدمة الطفولة: قد تؤدي صدمة الطفولة إلى عجز عن الدخول في العلاقات أو اضطراب الثقة بالآخرين، وهذا قد يُفضِي إلى اضطراب الشخصية الحدية أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
- الإهمال أو الإساءة: قد يُؤدّي الاعتداء الجسدي أو العاطفي أو الجنسي إلى بروز اضطرابات الشخصية أو تفاقمها.
- سمات شخصية مُعيّنة: ترتبط معظم اضطرابات الشخصية عمومًا ببعض الصفات، مثل العصبية وعدم الانسجام مع الآخرين، ومِنْ ثَمّ فقد تكون أميل للحدوث عند من يتصفون بهذه الصفات.
- الجينات (العوامل الوراثية): قد تُؤثِّر الجينات في حدوث اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، أو اضطراب الشخصية الحدية، أو غيرها، وذلك بمشاركتها في تنظيم النواقل العصبية، مثل السيروتونين والدوبامين والنور أدرينالين.
- بِنية الدماغ: قد ترتبط بعض اضطرابات الشخصية بتشوهات بِنية الدماغ، فغالبًا ما تكون هناك اخلافات في مناطق الفص الجبهي والأمامي الحوفي عند المصابين باضطراب الشخصية الحدية، وهي مناطق تشارك في تنظيم العاطفة والذاكرة والوظيفة المعرفية.
- المُؤثِّرات الثقافية: قد تُسهِم بعض المُؤثّرات الثقافية في حدوث اضطرابات الشخصية، فحالات اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع منخفضة في الصين واليابان وتايوان، لكن انتشار اضطرابات الشخصية من المجموعة ج هناك أعلى.
أعراض الإصابة باضطرابات الشخصية
تختلف أعراض اضطرابات الشخصية حسب نوع الاضطراب الذي أصاب الإنسان، فلكلٍ نوع صفاته وأعراضه التي ينفرد بها عن غيره، لكن بشكلٍ عام تتضمّن اضطرابات الشخصية:
- مشكلات الهوية والإحساس بالذات: يفتقر المُصابون باضطرابات الشخصية عمومًا إلى صورة واضحة أو مستقرة عن أنفسهم، وغالبًا ما تتغيّر طريقة رؤيتهم لأنفسهم اعتمادًا على المواقف أو الأشخاص الذين يتعاملون معهم، فقد يكون تقديرهم لذاتهم مرتفعًا جدًا، كما في اضطراب الشخصية النرجسية، أو منخفضًا بشدة كما في حالة اضطراب الشخصية الاجتنابي، وذلك بشكل غير واقعي.
- مشكلات العلاقات: يُكافِح المُصابون باضطرابات الشخصية لتكوين علاقات وثيقة ومستقرة مع الآخرين بسبب معتقداتهم وسلوكياتهم التي قد تُنفِّر الناس منهم، فقد يكونون مُفتقرِين إلى التعاطف أو احترام الآخرين.
كيفية تشخيص اضطرابات الشخصية
تشخيص اضطرابات الشخصية ليس يسيرًا، لأنّ مُعظم المُصابين بها لا يعتقدون أنّ هناك مشكلة في سلوكهم أو طريقة تفكيرهم، ولذلك لا يسعون للحصول على المساعدة لتشخيص اضطرابهم، بل قد يُحِيلهم أحباؤهم إلى اختصاصي الصحة النفسية لأنّ سلوكهم يُؤذي الآخرين.
ويعتمد الأطباء على تشخيص اضطراب شخصية مُعيّنة بناءً على المعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5"، الصادر عن جمعية الطب النفسي الأمريكي، الذي يشمل معايير تشخيص اضطرابات الشخصية، واضطرابات النوم، واضطراب الأعراض الجسدية، وغيرها من اضطرابات الصحة النفسية.
وعندما يشتبه الطبيب في أنّ شخصًا ما مُصابًا باضطراب الشخصية، فقد يبدأ في طرح أسئلة عامّة لا تستفز استجابة دفاعية أو مُعادية من المُصاب.
كما يعمل الطبيب مع عائلة الشخص أو أصدقائه، لأنّ المُشتبَه في إصابته باضطراب الشخصية قد لا يرى عواقب أفعاله ولا أنّ سلوكه أو تفكيره غير طبيعي.
مضاعفات الإصابة باضطرابات الشخصية
غالبًا ما تُؤدّي اضطرابات الشخصية إلى مشكلات مع العائلة والأصدقاء، بل وحتى في مكان عمل الشخص، بما يُحدِث مشكلات كبيرة في حياته وعلاقاته، كما قد يُعانِي هؤلاء أيضًا اضطرابات نفسية أخرى مصاحبة، مثل الاكتئاب أو القلق أو إدمان المخدرات.
ومن المضاعفات التي قد تنجم عن اضطرابات الشخصية:
- إيذاء النفس: ينخرط أكثر من 75% من المُصابِين باضطراب الشخصية الحدية في إيذاء أنفسهم، وقد يتفاقم ذلك الأمر أحيانًا مع محاولة تغيير مفهوم الذات لديهم.
- التفكير في الانتحار: الأشخاص الذين شُخِّصوا باضطرابات الشخصية هم أكثر عُرضةً للوفاة المبكرة بسبب الانتحار.
- اضطرابات الأكل: أحيانًا يُعانِي المصابون باضطرابات الشخصية اضطرابات الأكل بالتزامن، فمثلًا يُصاب من يُعانِي اضطراب الشخصية الحدية باضطراب الأكل، وقد يُعانِي المُصاب باضطراب الشخصية الوسواسية اضطراب عادات الأكل بسبب النزوع نحو المثالية.
- إدمان المخدرات: تزداد معدلات تعاطي المخدرات لدى المُصابين باضطرابات الشخصية.
- اضطرابات المزاج: قد يصحب اضطرابات الشخصية اضطرابات المزاج أيضًا، كالاكتئاب.
- اضطرابات القلق: يُعانِي بعض الناس قلقًا مُقاوِمًا للعلاج؛ أي لا ينجح معه العلاج، خاصةً في حالة المعاناة من اضطرابات الشخصية من المجموعة ج.
- ضعف العلاقات: أحد المضاعفات الناجمة عن أغلب اضطرابات الشخصية هو ضعف العلاقات الشخصية، بسبب صعوبة التعامل الاجتماعي، كما أنّ المُصابين باضطرابات الشخصية لديهم معدلات أعلى للانفصال أو الطلاق.
- عدم الستقرار الوظيفي و السكني: كذلك يُعانِي المُصابون باضطرابات الشخصية مُعدّلات أعلى من البطالة والتشرد.
- النشاط الإجرامي: غالبًا ما يتجاهل المُصابون باضطرابات الشخصية من المجموعة ب سلامة الآخرين، ومِنْ ثَمّ فقد يرتكبون جرائم كالحرق العمد أو القسوة على الحيوانات، أو المشاجرات الجسدية مع الآخرين.
- العنف الأُسري: يمتلك المُصابون باضطرابات الشخصية مُعدّلات أعلى من العنف المنزلي مُقارنةً بعموم الناس.
طرق علاج اضطرابات الشخصية
يعتمد علاج اضطرابات الشخصية على التشخيص ونوع الاضطراب الذي يُعانِيه الإنسان، ويعتقد العديد من الخبراء أنّ اضطرابات الشخصية يصعب علاجها، لأنّها أنماط شخصية طويلة الأمد، ومع ذلك فقد تساعد بعض أنواع العلاج على تخفيف أعراضها.
ويهدف العلاج عمومًا إلى:
- تقليل الضيق الذاتي والأعراض الأخرى، مثل القلق أو الاكتئاب.
- مساعدة الإنسان على فهم مشكلاته الداخلية.
- تغيير السلوكيات غير المرغوب بها اجتماعيًا، بما في ذلك التهور والعزلة الاجتماعية، ونوبات الغضب.
- تعديل السمات الشخصية غير المطلوبة، مثل التبعية وعدم الثقة، أو الغطرسة والتلاعب بالآخرين.
وتشمل طرق العلاج:
العلاج النفسي
ثمّة أنواع مختلفة من العلاج النفسي مفيدة في علاج اضطرابات الشخصية:
- العلاج السلوكي الجدلي: يُعلِّم المرء مهارات التأقلم للتعامل مع رغبات إيذاء الذات أو الانتحار كما يساعده في تنظيم مشاعره وتحسين علاقاته مع من حوله، كما يساعد المصابين باضطراب الشخصية الحدية في الحد من اندفاعاتهم.
- العلاج المعرفي السلوكي: يهدف إلى معرفة المريض بالأفكار السلبية لديه ومعرفة كيفية التعامل معها، بما يُسهِم في تحسين سلوكه ومشاعره.
- العلاج القائم على التعقّل: يتعلّم المُصاب من خلاله كيف يُلاحِظ ويفكّر في حالته الداخلية وكذلك حالات الآخرين وعقولهم بما قد يساعد في تغيير سلوكه لنجاح التعامل مع من حوله.
- العلاج النفسي الديناميكي: يُركِّز على العقل اللاواعي؛ مقرّ المشاعر المزعجة والأفكار المؤلمة التي لا يمكننا النظر إليها مباشرةً.
- العلاج بالتحليل النفسي: يُركّز على الأسباب الجذرية وراء سلوكيات الشخصية، وهو مفيد لأولئك الذين يُعانُون اضطراب الشخصية الوسواسية.
- العلاج الأُسري: يتعلّم أفراد الأسرة تغيير ردود الفعل غير الصحية تجاه بعضهم البعض، وتعلّم مهارات التواصل الفعّالة للمساعدة في التعامل مع المُصاب باضطراب الشخصية بأفضل طريقة ممكنة.
الأدوية
ليست هناك أدوية بعينها موصوفة لعلاج اضطرابات شخصيةٍ، لكن قد يصف الطبيب بعض الأدوية لتخفيف الاضطرابات الأخرى أو الأعراض الأخرى المُصاحبة.
فمثلًا يستفيد المُصابون باضطرابات الشخصية من المجموعة أ من مضادات الذهان التي تتعامل مع الأفكار الوهمية، بينما يستفيد المُصابون باضطرابات الشخصية من المجموعة ج من مضادات الاكتئاب لتخفيف قلقهم، ويرجع اختيار الدواء المناسب عمومًا إلى تقييم الطبيب لحالة المريض.
أي أنواع اضطرابات الشخصية أصعب في العلاج؟
حسب موقع "Psychologytoday"، فإنّ اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع تحدّيًا استثنائيًا من بين الاضطرابات الشخصية الأخرى، لأنّ المُصابِين به يميلون إلى ادّعاء أنّهم تغيّروا ظاهرًا من أجل الحصول على ما يريدون (مثل الخروج من السجن).
هل يمكن أن تختفي اضطرابات الشخصية نهائيًا؟
قد لا تختفي الميول التي تُشكّل اضطرابات الشخصية تمامًا، لكن تُشِير الأبحاث إلى أنّ الشخص قد تتناقص أعراضه بمرور الوقت، كم أنّ العلاج قد يكون مفيدًا في تخفيف اضطرابات الشخصية.