اضطراب الوسواس القهري.. الأعراض وعوامل الخطورة وطرق العلاج
هل تُطارِدك بعض الأفكار مرارًا وتكرارًا بلا توقف؟ هل شغلتك عن ما كنت تفعله وأعاقتك عن أداء أنشطتك المعتادة؟ والأسوأ لو ترتب على تلك الأفكار سلوكيات تعجز عن السيطرة عليها، مثل أن تخشى التلوث أو الجراثيم بدرجة مفرطة، فتستمر في غسل يديك مرارًا وتكرارًا كلّما لمست مقبض باب. فهذا هو اضطراب الوسواس القهري الذي يُعدّ من أكثر الأمراض إعاقة لحياة الإنسان الطبيعية. فما أسبابه وكيف يمكن علاجه؟
ما هو اضطراب الوسواس القهري؟
اضطراب نفسي طويل الأمد يُعانِي فيه الإنسان أفكارًا لا يقدر على السيطرة عليها، وتتكرّر باستمرار، أو ينخرط في سلوكيات مُتكرّرة يعجز عن دفعها، أو يُعانِي كلا الأمرين معًا "الأفكار والسلوكيات".
وهذه الأعراض قد تستغرق وقتًا طويلًا، ويُمكِن أن تُؤثّر في قدرة المرء على أداء أنشطته اليومية، ومع ذلك فمن الممكن علاج ذلك الاضطراب وتخفيف أعراضه بما لا يتعارض مع حياة المُصاب.
جديرٌ بالذكر أنّ أي إنسان قد يُعانِي هواجس وسلوكيات قهرية في وقتٍ ما، فمن الشائع أن تتحقّق كثيرًا من الأقفال مثلًا، لكن الوسواس القهري أشد تطرفًا، وهو اضطراب نفسي يجعل صاحبه رهينة أفكاره وسلوكياته، إذ يستغرق ساعات من يوم الإنسان، ويحول بينه وبين نشاطه الطبيعي ويؤثر في صحته النفسية.
أنواع الوسواس القهري
قد يكون الوسواس القهري مرتبطًا بالنظافة أو بترتيب الأشياء مرارًا وتكرارًا، أو باجترار الأفكار، أو غيرها من الأمور، وحسب الأفكار التي تهيمن أو السلوك الذي ينخرط فيه المُصاب يكون نوع الوسواس القهري:
وسواس النظافة
يُعانِي المصاب بالوسواس القهري من ذلك النوع مشاعر غير مريحة مرتبطة بالتلوث، فقد يُفرِط في غسيل أو تنظيف الأشياء لتقليل هذه المشاعر.
مثلًا، قد يشعر المُصاب أنّ يديه متسخة أو ملوثة بعد لمس مقبض الباب أو تخشى أن تلوث الآخرين بالجراثيم، وللتخلص من تلك المشاعر، قد تغسل يديك مرارًا وتكرارًا عِدّة ساعات كل مرة.
وسواس التأكد
أحد أنواع اضطرابات الوسواس القهري، وغالبًا يمتلك صاحبها أفكار متكررة تتعلّق باحتمال أن يضر نفسه أو الآخرين، فمثلًا قد يتخيّل أن منزله يحترق، ثُمّ يقود سيارته بشكل متكرر بجوار منزله للتأكد من عدم وجود حريق.
وسواس الترتيب والتناسق
يشعر المُصاب بوسواس الترتيب والتناسق بحاجةٍ قوية في إعادة ترتيب الأشياء حتى تصبِح صحيحة تمامًا، فقد يشعر بالحاجة مثلًا إلى ترتيب قمصانه باستمرار، إذ يُرتِّبها بدقة حسب اللون.
كما قد يتضمّن ذلك النوع التفكير في قول الجُمل أو الكلمات مرارًا وتكرارًا حتى تُنجَز المهمة التي يقوم بها بطريقة مثالية.
وفي بعض الأحيان يُفكِّر المصاب في إعادة ترتيب وتنسيق بعض الأشياء لدرء خطرٍ مُحتمل - من وجهة نظره - فمثلًا يظنّ أنّه إذا قام بترتيب مكتبه بشكلٍ مثالي، فلن يموت قريبه في حادث سيارة!
وسواس الاكتناز
اضطراب الاكتناز الآن تشخيص مُستقل حسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5"، ويتضمّن الاكتناز جمع العناصر التي يعدّها الآخرون ذات قيمة محدودة، مثل المجلات القديمة أو الملابس أو الإيصالات أو البريد غير المرغوب فيه أو الحاويات، وغالبًا ما تشغل غرفة معيشتك بشكلٍ فوضوي لدرجة أن يُصبِح من المستحيل العيش فيها.
ويميل المتأثرون باضطراب الاكتناز إلى أن يكونوا أكثر عُرضةً للقلق والاكتئاب من الأنواع الأخرى لاضطراب الوسواس القهري.
وقد يصحب اضطراب الاكتناز هواجس مخيفة بشأن فقدان المتعلقات التي قد يحتاجها يومًا ما، وكذلك التعلق العاطفي المبالَغ فيه بالأشياء.
وسواس اجترار الأفكار
أمّا اجترار الأفكار، فهي أفكار مهووسة على غير رغبة من الإنسان تُهيمن على تفكيره، وتدور حول موضوعٍ مُعيّن، وغالبًا ما تنطوي على مواضيع محرمة أو محظورة، مثل العنف أو الجنس.
وغالبًا ما تتخذ تلك الأفكار التطفلية أشكالًا عديدة، منها:
- اجترار الميول الجنسية.
- التشكيك باستمرار في الهوية الدينية.
- القلق باستمرار من أنّهم سيخدعون شريكهم.
- القلق من أنّهم سيؤذون أنفسهم أو أي شخصٍ آخر.
ويُعانِي آخرون صورًا ذهنية عنيفة تكون مزعجة بالنسبة لهم أو غير مناسبة، وغالبًا ما يرتبط الاجترار بهوس أساسي بالذنب واتّهام النفس بالمسؤولية بشكل مفرط عن الضرر.
وقد يمارس الذين يُعانُون أفكارًا دخيلة عليهم طقوسًا قهرية في محاولة لتحييد تلك التصورات والأفكار الدخيلة.
وسواس العلاقات
يرتبط ذلك النوع من الوسواس القهري المتعلقة بالعلاقة الرومانسية للشخص، وغالبًا ما يتسم بمخاوف شديدة وشكوك حول العلاقة، بما في ذلك ما إذا كان شريكهم يحبهم، أو ربّما يقومون بسلوكيات، مثل الاهتمام المفرط بسعادة الشريك، أو التساؤل عمّا إذا كان بإمكانهم العثور على شريكٍ أفضل.
وسواس الذاكرة الكاذبة
يُعانِي المصابون بهذا النوع الفرعي من الوسواس أفكارًا تشككية متكررة، مثلًا قد يقلقون بشأن الأشياء التي ربما فعلوها عن طريق الخطأ في الماضي، مثل ما إذا كانوا قد سرقوا شيئًا عن طريق الخطأ، أو نسوا دفع ثمن شيءٍ ما في المتجر.
وسواس التفكير السحري
ينخرط المُصابون بهذا النوع من الوسواس القهري في التفكير السحري؛ مُعتقِدين أنّهم إذا لم ينخرطوا في سلوكيات معينة فستحدث لهم أمورًا غير مرتبطة أصلًا، فمثلًا قد يعتقدون أنّ شيئًا فظيعًا سيحدث لأحبائهم إذا لم ينظروا إلى هواتفهم في الساعة 8:20 كل ليلة!
الوسواس الجسدي
الوساوس الجسدية هي الانشغال بأعضاء الجسم أو وظائفه أو مرضه، فمثلًا قد يُعانِي المُصاب من هواجس جسدية بالتركيز المفرط على طريقة تنفسه أو ابتلاعه أو مراقبة نفسه بحثًا عن علامات المرض.
أسباب الإصابة باضطراب الوسواس القهري
لا يعرف الخبراء سبب الوسواس القهري بالضبط، لكن قد يُسهِم التاريخ العائلي في الإصابة به؛ أي إصابة أحد أفراد الأسرة به من قبل، فهذا مِمّا يزيد خطر الإصابة باضطراب الوسواس القهري.
كذلك ارتبط النمو غير المنتظم بضعف مناطق مُعيّنة في الدماغ بذلك الاضطراب، كما تُوجَد بعض الأدلة على أنّ الوسواس القهري مرتبط جزئيًا بكيفية استجابة الدماغ للسيروتونين، وهو ناقل عصبي مُرتبط بالحالة المزاجية.
عوامل خطر الإصابة باضطراب الوسواس القهري
رغم جهل سبب اضطراب الوسواس القهري، إلا أنّ هناك بعض العوامل التي قد تزيد خطر الإصابة به، مثل:
- الجينات: أظهرت الدراسات أنّ وجود قريبٍ من الدرجة الأولى (والد أو شقيق مثلًا) مُصاب بالوسواس القهري، يزيد خطر إصابتك بنفس الاضطراب، ولم يتمكّن العلماء من تحديد جينًا بعينه أو مجموعة من الجينات تؤدي إلى الوسواس القهري بصفةٍ مُؤكّدة.
- بِنية الدماغ: بيّنت دراسات تصوير الدماغ أنّ المُصابين بالوسواس القهري، لديهم اختلافات في القشرة الأمامية والهياكل تحت القشرية للدماغ، وهي المناطق المتحكّمة في السلوك والاستجابة العاطفية، ولا تزال تجرى الأبحاث لفهم العلاقة بين أعراض الوسواس القهري وأجزء الدماغ بشكلٍ أفضل.
- الطباع: وجدت بعض الأبحاث أنّ الأشخاص ذوي السلوك المُتحفظ وتظهر عليهم أعراض الاكتئاب والقلق، أكثر عُرضةً للإصابة باضطراب الوسواس القهري.
- صدمة الطفولة: ربطت بعض الأبحاث بين التعرض لصدمة في مرحلة الطفولة وأعراض الوسواس القهري، لكن هناك حاجة إلى مزيدٍ من البحث لفهم هذه العلاقة.
- متلازمة باندز: تصف اضطرابات المناعة العصبية النفسية للأطفال المرتبطة بعدوى المكورات العقدية، فهي مجموعة من الاضطرابات التي قد تصيب الأطفال المصابين بالتهابات بكتيرية، مثل التهابات الحلق والحمى القرمزية، والوسواس القهري أحد سماتها، إذ يبدأ فجأة بعد العدوى.
أعراض الإصابة باضطراب الوسواس القهري
يُعانِي المصاون بالوسواس القهري هواجس أو سلوكيات قهرية أو كلا الأمرين معًا. والهواجس أو الوساوس هي أفكار متكررة تشغل ذهن المُصاب، وربّما تأتي في شكل صورة ذهنية تتطفّل على عقل الإنسان وهو لا يرغب بها، ما يُصِيبه بقلقٍ جم، كما أنّ هذه الأفكار غير منطقية، ومن الوساوس الشائعة:
- الخوف من ملامسة المواد والاشياء، حذرًا من تلوثها بالجراثيم.
- الخوف من نسيان شيء ما أو خسارته أو وضعه في غير مكانه.
- الخوف من فقدان السيطرة على سلوكك.
- أفكار عدوانية تجاه نفسك أو الآخرين.
- أفكار غير مرغوب بها أو محرمة تنطوي على الأذى أو الجنس.
- القلق المفرط بشأن كونك على صوابٍ أو خطأ.
كذلك قد يُعانِي بعض الناس سلوكيات قهرية، لا يرغبون بها، ومع ذلك يشعرون بالحاجة إلى تكرار تلك السلوكيات استجابةً للوسواس عادةً، ومن السلوكيات القهرية الشائعة بين المُصابين باضطراب الوسواس القهري:
- الإفراط في تنظيف أو غسل اليدين مرارًا وتكرارًا.
- ترتيب الأشياء بطريقة محددة ودقيقة للغاية.
- تكرار فحص بعض الأشياء، مثل التأكّد من أنّ الباب مغلق.
- جمع اكتناز العناصر التي ليس لها قيمة.
- التحقق باستمرار من أنّك لم تسبَّب في أذى شخص ما.
- قول كلمات معينة في أثناء القام بمهام ليست لها صلة بما تقوله.
لكن ليست كل السلوكيات المتكررة دلالة على اضطراب الوسواس القهري، لكن يتسم المُصابون باضطراب الوسواس القهري عمومًا بـ:
- عدم القدرة على التحكم في الوساوس أو السلوكيات القهرية، حتى مع علمهم بأنّهم يُغالون في تصرفاتهم وأفكارهم.
- قضاء أكثر من ساعة واحدة في اليوم على وساوسهم أو الأفعال القهرية.
- عدم الشعور بالراحة مع الانخراط في السلوك القهري.
- مواجهة مشكلات كبيرة في الحياة اليومية وصعوبة أداء مهامهم وأنشطتهم بالمعتادة، بسبب هذه الأفكار أو السلوكيات.
وقد تبدأ أعراض الوسواس القهري في أي وقت، لكنّها تبدأ عادةً بين أواخر الطفولة والشباب، كما قد تبدأ الأعراض بطيئة، أو يمكن أن تختفي لفترة من الوقت قبل أن تعود مجددًا، أو قد تزداد سوءًا بمرور الوقت. وفي الأوقات العصيبة التي يمر بها الإنسان، غالبًا ما تزداد وتيرة أعراض اضطراب الوسواس القهري.
وقد يميل المصابون بالوسواس القهري إلى تجنّب المواقف التي تُسبِّب الأعراض، وفي حالاتٍ أسوأ قد يتعاطون المخدرات أو الكحول للتعامل معها.
ومن أمثلة تجنب المواقف التي تُثِير الوساوس، أن يرفض شخصٌ ما المصافحة أو لمس الأشياء التي يلمسها الآخرون مكثيرًأ، مثل مقابض الأبواب، وهذا مثال على وسواس الخوف من الجراثيم.
التشخيص
لا يُوجد اختبار مُين لتشخيص الوسواس القهري، لكن يسأل الطبيب المريض بعض الأسئلة عن الأعراض وحالته الصحية والنفسية، كما يعتمد الأطباء على معايير التشخيص في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسي "DSM-5" لتشخيص الوسواس القهري، وتشمل تلك المعايير:
- وجود وساوس أو سلوكيات قهرية أو كليهما.
- استغراق الوساوس أو السلوكيات القهرية كثيرًا من وقت الإنسان (أكثر من ساعة في اليوم).
- أن تُسبِّب الوساوس أو السلوكيات القهرية صعوبة في أداء مسؤولياتك اليومية في العمل أو في الأنشطة الاجتماعية، أو غيرها من أمور الحياة المُعتادة.
- ألّا تكون الأعراض ناتجة عن تناول أدوية أو كحول أو نتيجة المعاناة من مرضٍ آخر.
- ألّا يكون هناك اضطراب نفسي آخر مُسبِّب للأعراض، مثل اضطراب القلق العام، أو اضطراب تشوه الجسم، أو اضطراب الأكل أو اضطراب النوم أو اضطراب انشقاقي.
المضاعفات
يُعدّ اضطراب الوسواس القهري واحد من بين 10 اضطرابات تعيق الإنسان عن ممارسة حياته الطبيعية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، إذ يميل مرضى الوسواس القهري إلى تجنّب المواقف التي تُشعِرهم بعدم الراحة أو تُشعِل الوسواس في أعماقهم.
وهذا قد يؤدي إلى تجنّب التعامل مع الآخرين وعدم المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، وتدنّي جودة الحياة عمومًا، فمعظم الذين يُعانُون الوسواس القهري لم تُعرَف إصابتهم به لسنوات، وما لم يُعالَج الوسواس القهري، يصعب كسر النمط الجديد الناشئ في الدماغ والتفكير مع حدوث تغييرات هيكلية في الدماغ مع استمرار الوسواس القهري، لذلك فإنّ العلاج المبكر ضروري للغاية.
الاضطرابات المرتبطة بالوسواس القهري
هناك بعض الاضطرابات المرتبطة بالوسواس القهري، حسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5":
- اضطراب كشط الجلد النفسي: يُعانِي المصابون بذلك الاضطراب سحب جلدهم باستمرار، وهذا قد يُؤدّي إلى مشكلات متنوعة، مثل الآفات الجلدية والاضطرابات العاطفية، وأيضًا العزلة الاجتماعية.
- هوس نتف الشعر: يمتلك المصابون بهذا الاضطراب دافعًا مستمرًا لا يتوقف ولا يقدرون على السيطرة عليه لشدّ شعرهم أو انتزاعه، فقد يسحبون الشعر من الحاجبين أو الرموش أو فروة الرأس، أو أي شعر في الجسم، ومِنْ ثَمّ قد يُعانُون تساقط الشعر، أو اضطراب عاطفي، أو تدنّي احترام الذات.
- اضطراب التشوه الجسمي: يتضمّن ذلك الاضطراب انشغال الإنسان بجسمه ومظهره بشكلٍ مفرط، فيُنفق قدرًا كبيرًا من وقته وماله وطاقته لتحسين مظهره، بسبب وسواس بشأنه.
ما الفرق بين اضطراب الوسواس القهري والشخصية الوسواسية؟
اضطراب الوسواس القهري اضطراب نفسي يُسبِّب وساوس أو أفعالاً قهرية أو كليهما معًا، ويعجز المرء عن السيطرة على تلك الأفكار أو الأفعال.
أمّا اضطراب الشخصية الوسواسية، فهو أيضًا من الاضطرابات النفسية، يُعانِي المصاب به جمودًا في التفكير والسلوك، وتفانيًا مفرطًا في الحفاظ على القواعد والمثالية، لكن ليس به وساوس أو أفعال قهرية كالأول، وهو يشترك مع الوسواس القهري في بعض الأعراض، لكن كل منهما اضطراب مختلف عن الآخر.
طرق علاج الوسواس القهري
يُعالَج اضطراب الوسواس القهري بالعلاج النفسي أو الأدوية أو غيرها من أنواع العلاجات التي تساعد في تخفيف الأعراض وتحسين احالة المريض، ويختار الطبيب نوع العلاج المناسب حسب حالة المُصاب.
لكن عمومًا ينبغي التحلّي بالصبر، لأنّ العلاج النفسي والأدوية قد يستغرقوا بعض الوقت كي يظهر أثرهم، ورغم عدم وجود علاج جذري يستأصل الوسواس القهري، لكن تلك الطرق العلاجية فعالة للغاية في تخفيف أعراضه ومساعدة المريض على الانخراط في أنشطته اليومية المُعتادة دون منغصات:
1. العلاج النفسي
أظهرت الأبحاث أنّ أنواعًا مُعيّنة من العلاج النفسي، مثل العلاج المعرفي السلوكي، فعالة كالأدوية لكثيرٍ من المُصابين باضطراب الوسواس القهري.
ومن طرق العلاج النفسي المُتّبعة في التعامل مع ذلك الاضطراب:
- العلاج المعرفي السلوكي: يُساعِد الطبيب المريض على التعرّف إلى أنماط تفكيره الضارة أو غير الواقعية، بما يساعده على فهم ما يتعرّض له بصورةٍ أفضل والتعامل بطريقة مناسبة مع الموقف المحيط، كما يُعلِّم ذلك النوع من العلاج المريض كيف يُواجِه الأفكار السلبية، ويُعلِمه مدى تأثيرها السلبي على أفعاله، ويُعدّ العلاج المعرفي السلوكي حجر الزاوية في العلاج النفسي لاضطراب الوسواس القهري وكذلك علاج اضطراب ما بعد الصدمة.
- العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة: هو نوع من أنواع العلاج المعرفي السلوكي، يُخفِّف السلوكيات القهرية التي يفعلها المريض، حتى لو لم يكُن مُستجيبًا للأدوية، وفي هذا النوع من العلاج، يقضي المريض بعض الوقت في بيئة آمنة، ثُمّ يُعرَّض تدريجيًا للمواقف التي تُحفِّز السلوكيات القهرية لديه، مثل لمس الأشياء المتسخة، مع منعه من الانخراط في السلوك القهري الناجم عنه، وهو غسل اليدين. نعم، قد يقلق المريض بسبب ذلك العلاج في البداية، لكن السلوكيات القهرية تتراجع مع تقدّم المريض في العلاج وإكماله خطة العلاج الموضوعة له.
2. الأدوية
يصف الأطباء بعض الأدوية لعلاج اضطراب الوسواس القهري، وأكثر تلك الأدوية شيوعًا مضادات الاكتئاب، التي تستهدف السيروتونين، وهو ناقل عصبي في الدماغ مرتبط بالاكتئاب واضطراب الوسواس القهري، وكذلك الاضطرابات الذهانية.
لكن قد تستغرق مضادات الاكتئاب 8 - 12 أسبوعًا قبل أن يظهر مفعولها وتتحسّن أعراض المريض، كما قد يتطلّب العلاج بمضادات الاكتئاب استخدام جرعات أكبر لعلاج اضطراب الوسواس القهري، مقارنةً مع استخدامها في علاج الاكتئاب.
ولا يخفى عليك أيضًا أنّ للأدوية بعض الآثار الجانبية المحتملة، مثل الغثيان والصداع، أو صعوبة النوم، وغالبًا ما يكون مزيج العلاج النفسي مع الأدوية فعال جدًا في علاج اضطراب الوسواس القهري عند معظم المُصابين.
جديرٌ بالذكر أنّه يمتنع التوقف عن تناول مضادات الاكتئاب فجأة دون الرجوع إلى الطبيب، وإلّا فقد تظهر عليك أعراض الانسحاب، فيجب استشارة الطبيب لضبط الجرعة وتقليلها تدريجيًا حتى تتمكّن من التوقف عن تناول الدواء بأمان.
3. التدخل الجراحي
أفادت بعض الدراسات الجديدة، حسب موقع "Psychiatry" أنّ بضع المحفظة الأمامية بأشعة غاما أحد الإجراءات الفعالة جدًا للمرضى الذين لا يستجيبون للعلاجات، لكن استخدام ذلك النوع من العلاج غير شائعٍ.
كذلك هناك التحفيز العميق للدماغ، الذي يتضمّن زرع جهازٍ في الدماغ للتحفيز بالكهرباء، فهو لا يُدمِّر أنسجة الدماغ بصورةٍ دائمة كما هو الحال في بضع المحفظة، ومع ذلك فهي عملية شديدة التوغل في الدماغ، ومُعقّدة، وهناك عدد محدود من مُقدّمي الخدمات وأنظمة المُستشفيات المُدرّبين جيدًا على تقديم هذا النوع من العلاج، فضلًا عن متابعته على المدى الطويل.
كيف تتعامل مع اضطراب الوسواس القهري؟
يُقدِّم الطبيب ما سبق ذكره من طرقٍ علاجية، لكنّك قد تكون بحاجةٍ إلى بعض النصائح للتعامل مع اضطراب الوسواس القهري، والمساهمة في إنجاح العلاج أيضًا، ومن أهم تلك النصائح:
1. معرفة مُحفّزات أعراض الوسواس القهري
إنّ أول ما ينبغي فعله هو معرفة المُحفّزات، سواء كانت مواقف مُعيّنة أو أفكار ما، التي تجلب الوساوس والأفعال القهرية، لذلك ينبغي أن تُسجّل قائمة بالمحفزات التي تجرّبها كل يوم والوساوس التي تُثِيرها تحديدًا.
على سبيل المثال، إذا كنُت خائفًا من التلوث بالجراثيم، فإنّ لمس أي درابزين في مركزٍ تجاريٍ مثلًا، قد يُولّد خوفًا شديدًا عندك تُقدّر شدته بـ3، بينما لمس أرضية الحمام في مركز تجاري، قد يُولّد خوفًا تُقدّر شدته بـ10، ويتطلّب 15 دقيقة من غسل اليدين لتخفيف قلقك!
وبمتابعة ما يُحفّز تلك الوساوس أو السلوكيات القهرية، وتوقّعك لأفعالك القهرية قبل ظهورها، فقد يُعِينك ذلك في تخفيفها، فإذا كان سلوكك القهري مثلًا يتضمّن التحقق من إغلاق الأبواب، فحاوِل إغلاق الباب باهتمام مُكثّف في المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك.
2. تعلّم مقاومة الأفعال القهرية
قد تظنّ أنّ تجنّب المواقف التي تُثير الوساوس هو المطلوب، لكن الحقيقة أنّه كُلّما زاد تجنّبك لها، زاد شعورك بالخوف عند وقوعها.
وعلى النقيض من ذلك، فإنّ تعريض نفسك بصفةٍ مُتكرّرة لمُحفّزات الوسواس القهري، يساعدك على تعلّم مقاومة الرغبة في إكمال الوساوس أو الأفعال القهرية، وهو نوع من العلاج النفسي سبق التحدث عنه، وهو العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة.
فمثلًا إذا كُت تغسل يديك بشكلٍ قهري إثر لمس مقبض باب في دورة مياه عامة، فحاوِل أن تُعوِّد نفسك على عدم غسل يديك بهذه الصورة بعد لمس مقبض الباب، وبمرور الوقت ستتراجع رغبتك في غسل يديك تدريجيًا.
3. مواجهة الأفكار الوسواسية
لكل منّا مخاوفه وأفكاره التي تُعكّر صفو مزاجه من وقتٍ لآخر، لكن اضطراب الوسواس القهري يجعل الدماغ عالقًا في يفكرة معينة تُثِير القلق باستمرار، وكُلّما كانت الفكرة مزعجة بالنسبة لك، زادت شراستك في محاولة قمعها، لكن قمع الأفكار يكاد يكون مستحيلًا، وعادةً ما يكون لذلك أثر عكسي؛ أي أنّ الأفكار تزداد وتتكرر بشكلٍ أكثر إزعاجًا من ذي قبل.
لذلك من المهم أن تُذكّر نفسك أنّ هذه الأفكار لا تعني أنّك شخص سيء، كونها موجودة في ذهنك، فالأفكار مجرد أفكار، حتى لو كانت غير مرغوب بها، فالأهمية التي تُولِيها لها فقط هي التي تحولها إلى وساوس ضارة.
كتابة الأفكار وتدوينها
وتساعد بعض الاستراتيجيات في التعامل مع تلك الوساوس، بدايةً من كتابة كل أفكارك أو أفعالك القهرية، سواء باستخدام ورقة وقلم أو على هاتفك الذكي، بهدف تسجيل ما تفكر فيه بالضبط، ومعرفة مدى تكرار الأفعال.
كما أنّ كتابة الأفكار عمل أصعب من مجرد التفكير فيها، فهذا قد يساعد بعض الشيء في اختفاء الأفكار الوسواسية في وقتٍ أقرب.
إعادة الجدولة
وبدلًا من محاولة قمع الوساوس، أعِد جدولتها، باختيار فترة واحدة أو فترتين في اليوم مدة الواحدة 10 دقائق، تُكرِّسه لهذه الوساوس، وخلال تلك الفترة، ركّز فقط على الأفكار السلبية، ولا تحاول تصحيحها.
وفي نهايتها، خُذ بعض الأنفاس الهادئة، ودع الأفكار الوسواسية تذهب، وعُد إلى أنشطتك العادية، لكن يجب أن تجعل بقية اليوم خاليًا من الوساوس، وهذا هو معنى إعادة الجدولة، فعندما تأتي الأفكار في رأسك أثناء النهار، اكتبها وأجلِّ الانشغال بها إلى الفترة التي حدّدتها مسبقًا.
مواجهة الأفكار الوسواسية
تأتي بعد ذلك مواجهة الأفكار الوسواسية، وهو الهدف من تحديد فترة للتركيز على تلك الأفكار، وهنا ينبغي أن تسأل نفسك عِدّة أسئلة:
- ما الدليل على أن تلك الفكرة صحيحة؟
- هل هناك طريقة أكثر إيجابية وواقعية للنظر إلى الوضع الحالي؟
- ما احتمال أنّ ما أخاف منه سيحدث بالفعل؟
- هل الفكرة مفيدة؟ كيف سيساعدني الهوس بها وكيف ستؤذيني؟
- ماذا سأقول لصديق لديه هذه الأفكار التي لدي؟
تسجيل أفكارك
الآن ركِّز على نوعٍ واحدٍ فقط من الوساوس، وسجِّلها على شريط تسجيل أو هاتف ذكي، ثُمّ اسرد العبارة أو القصة التي تشغل ذهنك كلما تبادرت إلى ذهنك تمامًا.
وشغِّل الشريط مرة أخرى لنفسك، مرارًا وتكرارًا لمدة 45 دقيقة كل يوم، حتى تصل إلى مرحلة أنّ الاستماع إلى وساوسك لا يجعلك تحزن حزنًا شديدًا، فمن خلال مواجهة قلقك أو وساوسك باستمرار، ستُصبِح تدريجيًا أقل قلقًا، ويمكنك تكرار نفس الأمر مع وساوس مختلفة.
4. تواصل مع أُسرتك وأصدقائك
يزداد الوسواس القهري سوءًا عندما تشعر بالعجز أو تكون وحيدًا، لذلك ينبغي أن يكون هناك من يدعمك، فكُلّما كنت أشد ارتباطًا بأناس من حولك، كُنت أقوى، ومجرد التحدث إلى شخص مُتفهِّم لمخاوفك، يجعلها أقل تهديدًا لك، لذلك ابق على اتصال بعائلتك وأصدقائك، ولا تترك نفسك معزولًا، فالعزلة الاجتماعية قد تُفاقِم أعراض الوسواس القهري.
5. تغيير نمط المعيشة
يساعد نمط المعيشة الصحي في تخفيف القلق والحد من اضطراب الوسواس القهري ولو بدرجةٍ قليلة، ومِمّا يُوصَى به في ذلك الجانب:
- ممارسة التمارين الرياضية: هي علاج طبيعي وفعال مضاد للقلق، يُساعِد في التحكم في أعراض السواس القهري، ويُنصَح بممارسة الرياضة 30 دقيقة في اليوم على الأقل.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم: القلق الناجِم عن الوسواس القهري قد يُسبِّب الأرق وقلة النوم، وهذا بدوره قد يُفاقِم القلق الناجم عن الوسواس القهري، لذلك فالنوم الجيد ضروري لتجاوز ذلك الاضطراب إلى جانب العلاج الذي يُوصِي به الطبيب.
- تجنّب التدخين والكحول: قد يُخفِّف الكحول القلق مؤقتًا، لكن بمجرد زوال تأثيره يعود القلق كما كان، وكذلك التدخين يُفاقِم القلق، لذلك فالإقلاع عنهما أساسي في مواجهة الوسواس القهري.