اضطرابات القلق لدى الرجال.. الأنواع والأعراض وطرق العلاج
قد تُصاب بالقلق من عدم نجاحك أو خوفًا من فقدان وظيفة، أو تفكك علاقة، أو لأي شيءٍ قد يُعرِضك له القدر في الحياة، ثُمّ سرعان ما يُزول ذلك القلق مهما بلغ مدته، لكن أن يتحول القلق إلى جزء شبه دائم من حياتك، بما يُؤثّر في أدائك مهامك اليومية وعلاقتك بالآخرين، بل قد يُسَرّع ضربات قلبك ويجعلك تعاني الأرق ليلًا، فذلك يُشير إلى وجود اضطرابات القلق.
وهي أحد الاضطرابات النفسية الشائعة، والتي تتطلّب علاجًا على يد مُختصين، كما أنّ اضطرابات القلق أنواع مختلفة، لكل منها سماته الفريدة وإن تشابهت طرق علاجهم معًا بنهاية المطاف.
ما هي اضطرابات القلق؟
القلق هو رد فعل طبيعي لتوتر الإنسان إزاء موقفٍ صعب يمرّ به أو حادث قد يُصيبه، فهذا الشعور بالقلق يُساعدك على الانتباه لما حولك، للتعامل مع ما سبّبه ذلك القلق ومواجهة الخطر.
أمّا اضطرابات القلق، فتختلف عن الشعور الطبيعي بالتوتر، فقد يُعاني معها الإنسان قلقًا مفرطًا دون داعٍ حقيقيٍ إليه، ويشعر بخوفٍ ورهبة دون حاجة، بما قد يؤثّر سلبًا في سير حياته اليومية أو عمله أو أداء مهامه، أو بما يصل إلى أعماق مشاعر الإنسان، فتصير ردود أفعاله مُبالغًا فيها أو خارجة عن سيطرته.
ما هو القلق عالي الأداء؟
مصطلح يُطلق على الشخص الذي يتمكن من التعامل مع متطلبات حياته اليومية دون صعوبات رغم القلق، فظاهريًا لا يبدو عليه أي انزعاج، لكن خلف ذلك السلوك الهادئ، تُسري أنهار من القلق بداخله.
وإذا كنت تعاني ذلك النوع من القلق، فقد تبدو انفتاحيًا ومنظمًا وتسعى إلى تحقيق الإنجازات، بل قد تكون نموذجًا مثاليًا لطالب أو موظف. ومع ذلك، يبقى القلق بداخلك موجودًا، وقد يتسبب لك في الأرق أو تشنج العضلات أو غير ذلك.
كلمة السر هنا أنّ ذلك القلق عالي الأداء، بخلاف اضطراب القلق العادي، لا يمنعك ولا يعيقك عن أداء أنشطتك اليومية ولا يؤثر فيها سلبًا.
أنواع اضطرابات القلق
اضطراب القلق ليس له شكل واحد بل هو أنواع مُختلفة:
1. اضطراب القلق العام
اضطراب يُهيمن فيه القلق على مشاعرك، إذ تشعر بخوف مستمر يصرف انتباهك عن أنشطتك اليومية، فالمُصابون باضطراب القلق العام يُعانُون قلقًا مزمنًا، فيشعرون به طوال الوقت تقريبًا، رغم جهلهم بسب إحساسهم بذلك القلق على الحقيقة.
وقد يصحب اضطراب القلق العام أعراض جسدية، مثل الأرق والتعب، واضطراب المعدة، وصعوبة التركيز.
ورغم عدم وجود تهديد ما للمُصاب أو شيء يستدعي القلق فعلًا، إلّا أنه يظل قلقًا بشأن الأحداث اليومية أو الأحداث الجارية في الأخبار، أو الأحداث المُحتملة مستقبلًا، دون حاجةٍ فعليةٍ إلى ذلك.
على سبيل المثال، قد يلاحظ شخص غير مُصاب باضطراب القلق العام أنّ صديقه لم يرد على رسالته، فيأخذ على عاتقه متابعة ذلك معه لاحقًا.
أمّا المصاب باضطراب القلق العام، فقد يتخيّل أنَّ صديقه مصاب أو حتى ميت بسبب حادثٍ، ما جعله لم يرد على نص رسالته، وربّما يتساءل عمّا إذا كان صديقه غاضبًا منه أو يود قطع الصداقة بينهما، بل قد يفحص الهاتف مرارًا وتكرارًا حتى يُجِيب صديقه على رسالته.
أرأيت شلال الأفكار الذي اندفع في رأس صاحبنا لمّا لم يُجِبه صديقه على رسالته؟ هذا مثال على اضطراب القلق العام، فحتى لو كان مُدرِكًا أنّ خوفه غير عقلاني أو لا يتناسب مع الموقف الحالي، فهو عاجِز عن إيقاف ذلك القلق.
ولأنّ القلق لا يستند إلى واقعٍ حقيقي، فإنّ مواجهته بالمنطق أو الطمأنينة فقط لا تكفي لزواله.
2. اضطراب الهلع
يُصِيب اضطراب الهلع الإنسان بنوبات شديدة ومستمرة، تأتي فجأة على غير توقع لها، مع خوف من التعرّض لنوبةٍ أخرى، وقد يصحب نوبات الهلع بعض الأعراض:
- زيادة معدل ضربات القلب.
- التعرق.
- الارتجاف.
- ألم الصدر.
- ضيق التنفس.
- الدوخة.
- الغثيان.
- الخوف من الوفاة.
ولأنّ أعراض نوبة الهلع تكون شديدة جدًا، فقد يظنُّ بعض المُصابِين بها أنّهم يُعانُون نوبة قلبية أو بعض الأمراض الأخرى التي تُهدِّد الحياة.
وقد لا تأتي نوبة الهلع وحيدة، فقد أشار موقع "psychiatry" إلى أنّ اضطراب الهلع قد يصحب اضطرات نفسية أخرى، مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة.
3. الرهاب
لكل إنسانٍ مخاوفه، لكن الرُّهاب هو خوف شديد من شيءٍ بعينه يُسيطر على عقل الإنسان، ويُصيبه بذعرٍ شديد لدرجةٍ لا تتناسب مع الخطر الحقيقي لما يُهدِّده أو يظنّ أنّه يهدده. فمثلًا، قد يُعانِي بعض الناس رهاب البحر، فلا يقربون الشواطئ أبدًا، رغم أنّ وجودهم على الشاطئ أو حتى قريبًا من البحر لن يُلحق بهم أي ضرر.
المهم أنّه يبتعد ويخاف بشدةٍ من شيءٍ ما كالإبر أو الطائرات أو البحر، أو أيًا كان مصدر خوفه، وقد يُعانِي أعراضًا تظهر على الفور، مثل التعرق والبكاء، والارتجاف، وزيادة مُعدّل ضربات القلب.
4. الرهاب الاجتماعي (القلق الاجتماعي)
لونٌ مختلف من ألوان القلق، وليس رهابًا عاديًا، بل هو خوف من المواقف الاجتماعية التي قد يقع فيها الإنسان، وربّما يكون ذلك الخوف أشدّ تركيزًا على أمورٍ مُعيّنة، مثل الخوف من إلقاء خطابٍ وسط الناس أو التعرّف إلى أشخاصٍ جدد، أو غيره من مواقف اجتماعية.
والمُصابُون برهاب اجتماعي يمتلكون شعورًا مبالغًا فيه بأنّ الآخرين يُدقِّقون في كل ما يفعلونه وفي كل تصرفاتهم، ولذا قد يُسرِفون في انتقاد أنفسهم دون داعٍ إلى ذلك.
وبالنهاية يشعر المرء بتسارع دقّات قلبه واضطراب معدته وخوف هائل إثر تعامله مع بعض الناس أو تعرّضه لبعض المواقف الاجتماعية، ومِنْ ثَمّ يتجنّب المواقف الاجتماعية كُلّما سنحت له الفرصة لذلك.
وينبغي لتشخيص الرهاب الاجتماعي، أن يُسبِّب القلق مشكلات في أداء الإنسان اليومي المُعتاد، وأن يستمر لمدة 6 أشهرٍ على الأقل.
5. الصمت الاختياري (الخرس الانتقائي)
أحد اضطرابات القلق الذي يتميز بعدم القدرة على الكلام أو التواصل في مواقف اجتماعية معينة، مثل المدرسة أو العمل، أو في المجتمع بشكل عام. وعادةً ما يتم تشخيصه لأول مرة في مرحلة الطفولة.
فالأطفال الذين يعانون من الصمت الانتقائي لا يتحدثون في بعض المواقف الاجتماعية التي يتوقع منهم التحدث فيها، رغم قدرتهم على التحدث في مواقف أخرى. كما يتحدثون في بيوتهم مع أفراد أسرتهم القريبين، لكن قد لا يتحدثون أمام غيرهم، مثل الأجداد على سبيل المثال.
وقد يؤثر هذا الضعف الواضح في الكلام على قدرة الأطفال على التواصل الاجتماعي، كما قد يصيبهم بالعزلة عن من حولهم. بل يعاني هؤلاء الأطفال من خجل شديد وخوف مبالغ فيه من الإحراج الاجتماعي.
لكن الخُرس الانتقائي لا يصيب الأطفال فقط - وإن كانوا هم الأكثر عرضة له - بل قد يصيب البالغين أيضًا، أو بتعبير أدق، يستمر منذ الطفولة وحتى تمام بلوغ الإنسان. ولتشخيصه، يجب أن تستمر أعراضه شهر واحد على الأقل، وأن تؤثر سلبًا في أدائك في العمل أو في قدرتك على التعامل مع المواقف الاجتماعية.
6. اضطراب قلق الانفصال
هنا الخوف مختلف، فاضطراب قلق الانفصال يعني الخوف من انفصال الإنسان من الأشخاص الذين يرتبط بهم، وهو إحساس لا يكون مناسبًا مع سن المُصاب به، ويستمر عند البالغين 6 أشهر على الأقل.
ويعانِي المُصاب باضطراب قلق الانفصال، قلقًا شديدًا مع توقّع انفصاله عمّن يحب، وربّما يُعانِي أعراضًا جسدية أيضًا، مثل الغثيان والصداع.
وقد عرَّف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الإصدار الخامس "DSM-5" أعراض اضطراب قلق الانفصال على النحو التالي:
- الانزعاج الشديد قبل وأثناء الانفصال.
- القلق الشديد بشأن خسارة الارتباط بذلك الشخص.
- شِدّة القلق بشأن الأحداث التي قد تُسبِّب ذلك الانفصال.
- الخوف المستمر من أن تكون وحيدًا.
- تكرر الكوابيس حول الانفصال.
- رفض الابتعاد عن الشخصية التي يتعلّق بها المُصاب.
- تكرر الأعراض الجسدية، مثل الغثيان أو الصداع، في أثناء الانفصال أو مع توقّعه.
7. الهُجاس (القلق بشأن الصحة)
هو قلقل مهووس وغير منطقي بشأن أن تكون مُصابًا بمرضٍ خطير، ويُطلَق عليه أيضًا "القلق من المرض"، ويتسم ذلك الاضطراب بالاعتقاد المستمر أنّك تُعانِي أعراضًا ما أو مرضٍ خطير لدرجة أن يُعطّلك ذلك عن أداء مهامك اليومية أو يُؤثّر في سير حياتك عمومًا.
وربّما تزور الطبيب للاطمئنان على صحتك، لكنّك ستظل منزعجًا وتشعر ضيقٍ شديد بشأن الأعراض الحقيقية أو التي تتخيّلها حتى لو كانت نتائج الفحوصات الطبية سليمة لا تدل على مرض وطمأنك الأطباء بالفعل أنّك تتمتّع بصحة جيدة.
والفاصل بين القلق غير الطبيعي بشأن صحتك والقلق الطبيعي، أنّ غير الطبيعي يُؤثّر في مهامك اليومية ويعطلك عن أنشطتك، وربّما يؤثر في علاقاتك مع الآخرين.
8. رهاب الميادين
رهاب الميادين أو الخوف من الأماكن المكشوفة أو رهاب الخلاء هو الخوف من الأماكن التي قد يكون الهروب منها صعبًا أو غير متاح إذا ساءت الأمور، فقد تُواجِه صعوبة في مغادرة منزلك، فقد يُعانِي المصابون برهاب الخلاء نوبات هلعٍ متكررة، وقد يُسبِّب تفكيرهم في مغادرة منزلهم قلقًا كبيرًا لدرجة أن يتجنّبوا ذلك التصرّف تمامًا.
وسابقًا كان الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM" يعدُّه أحد اضطرابات الهلع، لكن صارت له معايير خاصّة به في الإصدار الخامس من ذلك الدليل "DSM-5".
9. اضطراب القلق الناجم عن الأدوية أو المواد المخدرة
هو اضطراب قلق يحدث نتيجة تناول بعض الأدوية أو المخدرات أو الكحول، وقد يحدث ذلك الاضطراب خلال مراحل التسمم أو التوقف عن استخدام دواءٍ ما، وظهور أعراض الانسحاب.
وحسب موقع "Psychcentral"، ينبغي لتشخيص ذلك الاضطراب ألّا تكون قد عانيت اضطراب القلق قبل تعاطي تلك المادة أو الدواء.
أعراض اضطرابات القلق
يُؤثِّر القلق في سلوكك وقدرتك على التفكير بما لا يخفى على أحد، كما أنّه يُؤثِّر في جسمك أيضًا، فليس معنى أنّ القلق اضطراب نفسي أنّ الجسم بمنأى عنه، بل تظهر عليه أعراض القلق أيضًا، لذا فإنّ أعراض القلق تنقسم إلى:
أعراض نفسية
وقد تشمل:
- التوتر وعدم القدرة على الاسترخاء.
- شعورٌ بالرهبة.
- صعوبة التركيز.
- سرعة الانفعال.
- اضطراب النوم.
- الإحساس كأنّك لا تستطيع التوقف عن القلق، أو أنّ أشياء سيئة ستحدث إذا توقفت عن القلق.
وقد تُؤدِّي أعراض القلق النفسية إلى الانسحاب الاجتماعي، لتجنب الشعور بالقلق والخوف، وربّما يكون الذهاب إلى العمل صعبًا بالنسبة إلى المُصاب بالقلق أيضًا.
أعراض جسدية
كذلك للقلق آثاره الواضحة على الجسم، التي منها:
- زيادة مُعدّل ضربات القلب.
- التعب.
- آلام العضلات.
- الارتجاف.
- جفاف الفم.
- فرط التعرّق.
- ضيق التنفّس.
- الصداع.
- الدوخة.
- تنميل أو وخز في اليدين أو القدمين.
أسباب اضطرابات القلق
لا يعرف الباحثون بعد السبب الرئيس وراء اضطرابات القلق، لكن تُسهِم العديد من العوامل معًا في القلق، مثل الجينات والبيئة وبِنية الدماغ، وغيرها، ويكتشف الباحثون المزيد عن هذه الروابط طوال الوقت، ومن أهم العوامل التي قد تُسهِم في اضطرابات القلق:
- كيمياء الدماغ: قد يُؤدّي التوتر الشديد إلى تغيّرات في التوازن الكيميائي في الدماغ، وهذه التغيرات قد تُطلِق العنان لاضطرابات القلق.
- تجارب الحياة: ربّما ينشأ اضطراب القلق مع المرور بأحداثٍ صادمة أو مؤلمة في حياتك، مثل وفاة أحد الأقارب، أو التعرّض لتنمر.
- تاريخ الأسرة: إذا كان أحد أفراد أُسرتك يُعانِي أعراض اضطرابات القلق، فربما تكون أنت أيضًا مُعرّضًا لنفس الاضطراب.
- العوامل الوراثية: قد يكون لبعض الجينات علاقة بزيادة خطر الإصابة باضطرابات القلق.
- الأمراض: ثمّة بعض الأمراض التي قد تزيد فرص الإصابة باضطرابات القلق، مثل الألم المزمن، وأمراض القلب، والسكري، ومشكلات الغدة الدرقية.
- الشخصية: بعض السمات الشخصيات أميل لاضطرابات القلق، مثل الشخصية الانطوائية أو العصبية.
تشخيص اضطرابات القلق
لا تُوجَد اختبارات معملية مُحدّدة لتشخيص اضطرابات القلق رغم أنّ الطبيب قد يُجرِي بعض الاختبارات لاستبعاد المشكلات الصحية التي قد تُسهِم في القلق، مثل اضطراب الغدة الدرقية.
بعد ذلك يطرح عليك اختصاصي الصحة النفسية بعض الأسئلة كما يستخدم بعض أدوات التقييم لتشخيص الاضطراب، فمن الممكن أن يسألك عن الأعراض التي تُعانِيها، ومدة استمرارها، ومدى شدتها، وهل هذه الأعراض تؤثر في قدرتك على أداء مهامك اليومية أم لا.
ويصف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5" القلق باشتماله على قلقٍ مفرط وتوقعات مخيفة للإنسان تحدث في أغلب الأيام لمدة 6 أشهر على الأقل، وذلك بشأن بعض الأحداث في حياته أو الأنشطة، مثل العمل أو الأداء المدرسي.
وهذا القلق يرتبط بثلاثة أو أكثر من الأعراض الستة التالية خلال الـ 6 أشهر الماضية وفي أغلب الأيام:
- التوتر وسرعة الانفعال.
- سرعة الإرهاق.
- صعوبة التركيز.
- تشنج العضلات.
- اضطرابات النوم، مثل صعوبة الدخول في النوم أو البقاء نائمًا.
علاج اضطرابات القلق
ثمّة خيارات مُتنوّعة لعلاج اضطرابات القلق، يُحدِّد الطبيب منها ما يُناسِبك ويُحقِّق أفضل نتيجة لصحتك النفسية، ومن الخيارات العلاجية المطروحة:
1. العلاج النفسي
يستخدم الطبيب العلاج النفسي لمواجهة مخاوفك التي قد تكون سبب اضطراب القلق لديك، فهذا النوع من العلاج مُصمّم حسب احتياجاتك وإمكانية الطبيب لتوظيفه في علاجك بأفضل طريقةٍ ممكنة، ومن سبل العلاج النفسي:
العلاج المعرفي السلوكي
أحد أنواع العلاج النفسي، ويهدف إلى مساعدة المُصاب بالقلق على التعود على طرق مختلفة للتفكير والتفاعل مع المواقف التي تُحِيط به، لأجل تقليل شعوره بالقلق والخوف.
ومن طرق العلاج المعرفي السلوكي العلاج بالتعرّض، وهو علاج يُركِّز على مواجهة المرء لمخاوفه التي قد تكون سبب اضطراب القلق، وذلك لمساعدته على الانخراط في الأنشطة التي كان يتجنّبها؛ حذرًا من القلق، لكن ذلك العلاج تدريجي وليس من جلسةٍ واحدة، فلا يُوجَد إنسان يُواجِه مخاوفه كاملة من أول مرة.
كما يُستخدَم العلاج بالتعرض إلى جانب تمارين الاسترخاء في علاج اضطرابات القلق، وذلك للمساعدة على تخفيف التوتر.
وقد وجدت الأبحاث وفقًا لمجلة علم الأعصاب السريري "Clinical Neuroscience" أنَّ العلاج المعرفي السلوكي فعال في علاج اضطرابات القلق، بما في ذلك:
- اضطراب القلق العام.
- اضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي).
- الرهاب.
- القلق الذي يحدث مع الوسواس القهري أو اضطراب ما بعد الصدمة.
العلاج بالقبول والالتزام
أحد الخيارات الإضافية لعلاج اضطراب القلق هو العلاج بالقبول والالتزام، وهو نهج مختلف عن العلاج المعرفي السلوكي؛ إذ يُركّز على تخفيف القلق والضيق النفسي من خلال قبول الأفكار والمشاعر دون حكمٍ عليها، واتخاذ إجراءات بناءً على القيم لا المخاوف أو الأفكار المثيرة للقلق.
فهذا العلاج يُساعِد المُصابِين بالقلق على أنّ يكونوا أكثر مرونة عقليًا وغير مرتبطين بأفكارهم، بل يساعدهم على الانفصال عن أفكارهم المثيرة للقلق من خلال معرفة أنّها ليست حقيقة مطلقة، كما يُعلِّم مهارات تحمل القلق دون الحكم على الذات.
2. الأدوية
لا تشفي الأدوية من اضطراب القلق، ولكنّها تساعد في تخفيف الأعراض، وقد يصفها الطبيب لهذا الغرض ومن أنواع الأدوية المُستخدَمة في تخفيف اضطراب القلق:
مضادات الاكتئاب
تُستخدَم مضادات الاكتئاب لعلاج الاكتئاب بصفة رئيسة، لكنّه قد يكون مفيدًا في علاج اضطرابات القلق، إذ يُحسِّن المزاج ويتحكّم في التوتر بضبط مستويات بعض المواد الكيمائية في الدماغ.
لكن قد تحتاج إلى تجربة العديد من الأدوية المختلفة المُضادة للاكتئاب قبل العثور على الدواء الذي يُناسِبك ، والذي لا يُسبِّب أعراضًا جانبية عديدة.
وقد تستغرق مضادات الاكتئاب عِدّة أسابيع لبدء العمل، لذلك إن بدأت في تناول مضادات الاكتئاب، فلا تتوقّف عن تناولها دون استشارة الطبيب أولًا.
وقد يُعانِي الأطفال والمراهقون والبالغون الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا زيادة الأفكار الانتحارية في الأسابيع الأولى من تناول مضادات الاكتئاب، لذلك يجب مراقبة المرضى الذين يتناولون مضادات الاكتئاب عن كثب، خاصةً خلال الأسابيع الأولى من العلاج.
الأدوية المضادة للقلق
تساعد الأدوية المضادة للقلق في تخفيف أعراض القلق ونوبات الهلع، والأكثر شيوعًا من تلك الأدوية تُسمّى "البنزوديازيبينات"، وهي لها فوائد وعيوب.
نعم، هي فعالة في تخفيف القلق ويسري مفعولها أسرع من مضادات الاكتئاب، ومع ذلك فإنّ الدواء قد يتطلّب جرعات أعلى بمرور الوقت للحصول على التأثير، لذلك قد يصفها الأطباء لفترةٍ قصيرةٍ من الوقت.
ولو توقّف المرء عن تناول البنزوديازيبينات، فقد تظهر عليه أعراض الانسحاب أو يعود قلقه، وبمقدور الطبيب مساعدتك في تقليل جرعتك تدريجيًا.
حاصرات بيتا
حاصرات بيتا هي أدوية تُستخدَم في تقليل ضغط الدم المرتفع وأمراض القلب، وهي تساعد في تخفيف الأعراض الجسدية للقلق، مثل زيادة مُعدّل ضربات القلب والارتجاف، وتُستخدَم هذه لأدوية لفتراتٍ قصيرة، كما أنّها تُستخدَم حسب الحاجة لتخفيف القلق الحاد عند المرضى.
وتُختار الأدوية المناسبة بجرعاتها من قبل طبيب مُختص، كما أنّها تستند إلى احتياجات المُصاب وحالته الطبية، ومِنْ ثَمّ قد تُجرِّب مع الطبيب عِدّة أدوية قبل العثور على الدواء المناسب.
كيف تتعامل مع اضطراب القلق؟
لا يُتعامل مع اضطراب القلق من خلال العلاج النفسي والأدوية فحسب، بل تحتاج إلى بعض النصائح للتعامل مع ذلك الاضطراب:
1. تخفيف التوتر
الضغوطات اليومية التي تمرّ بها، مثل الأعباء المالية أو العلاقات الأُسرية، قد تُفاقِم قلقك، لذلك فإنّ محاولة تخفيف التوتر من شأنها أن تساعدك في التعامل مع اضطراب القلق، وذلك من خلال:
- تقليل المسؤوليات قدر المُستطاع بقول "لا" عند الحاجة إلى ذلك، أو طلب المساعدة من أفراد أُسرتك عندما تشعر بالإرهاق.
- ممارسة تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق والتأمل اليقظ.
2. الاعتناء بجسمك
مثلّما اعتنيت بجسمك وحافظت على صحته، قلّ احتمال شعورك بالتوتر والإرهاق طوال اليوم، ومِمّا يُعِين على ذلك:
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: أحد أفضل الطرق الطبيعية لتخفيف التوتر والقلق، ولتحقيق أقصى فائدة، ينبغي ممارسة التمارين الرياضية 30 دقيقة على الأقل في معظم أيام الأسبوع (يمكن تقسيم الثلاثين دقيقة إلى فترات قصيرة إن كان ذلك أسهل).
- الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم: أظهرت الأبحاث أنَّ قلة النوم قد يُؤدّي إلى تفاقم القلق، لذلك ينبغي الحصول على 7 - 9 ساعات من النوم الجيد كل يوم.
- تجنّب الكافيين: قد يُفاقِم الكافيين القلق، وهو المُكوّن الرئيس للقهوة، لذلك ينبغي تقليل تناولها وعدم الإسراف فيه؛ منعًا لتفاقُم القلق.
3. تغيير تصوراتك عن القلق
قد يخشى المُصاب بالقلق الأعراض الجسدية المصاحبة له، مثل الارتجاف أو سرعة ضربات القلب، لكن بدلًا من العيش في خوفٍ دائمٍ من تلك الأعراض، ينبغي قبولها وتعلّم التجاوب معها.
لذلك ينبغي تغيير تصوراتك عن القلق، فلعلّك لاحظت أنّ القلق يعتمد على بعض الأسئلة التي تدور في خلدك، مثل "ماذا لو؟" أو "ماذا لو لاحظ الجميع ارتجافي؟"، وتغيير التصور يبدأ بالإجابة عن تلك الأسئلة بـ "وماذا في ذلك؟ أو ما المشكلة في ذلك؟" أو أن تُذكّر نفسك بأنّ القلق ضار فلا تنخرط فيه بشدة، وأنّك قد عانيته من قبل فما الأمر الجديد الذي سيحدث؟
الأمر الثاني قبول ما تشعر به حقيقة دون أن تحاربه، فلست مُضطرًا إلى التحكّم في دقات قلك السريعة، بل اتركها على حالها.
وبمجرد أن يزول القلق وتهدأ لا تُركِّز على مشاعرك في هذا التوقيت، بل انتقِل إلى نشاطٍ جديد، وركِّز كل حواسك على ما تفعله.
4. التواصل مع الآخرين
الوحدة والعزلة تُفاقِم القلق أو تُثِيره على الأقل، وربّما يساعدك الحديث عن مخاوفك وجهًا لوجه مع شخص ما في تخفيف قلقك، لذلك لا بأس بالإفضاء إلى صديقك أو أحد أفراد أسرتك أو زوجتك أو أي شخصٍ تثق به، لكن لا تترك نفسك فريسة للوحدة والقلق الذي سيتصاعد معها.