الذكاء الاصطناعي: مدخل إلى أنواعه ومجالاته الفرعية وتطبيقاته وأشهر نماذجه
يُعدّ مفهوم الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence عالمًا واسعًا يضمّ العديد من المفاهيم والمصطلحات المُعقدة، ممّا يجعل من الصعب تناوله من زاوية واحدة. ونظرًا لتطوره المتسارع، يصعب حصر أنواعه ومجالاته وتطبيقاته ونماذجه في مقال واحد. لذا، سنقدم في هذه المقالة نظرة عامة على أربعة جوانب رئيسية للذكاء الاصطناعي:
1. الأنواع: سنُلقي نظرة على الأنواع الرئيسية للذكاء الاصطناعي، مثل الذكاء الاصطناعي الضيق والذكاء الاصطناعي العام.
2. المجالات: سنُركز على مجالين رئيسيين للذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية.
3. التطبيقات: سنستعرض بعضًا من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة، مثل الرعاية الصحية والتمويل والنقل.
4. النماذج: سنقدم نبذة عن أشهر نماذج الذكاء الاصطناعي.
وتهدف هذه المقالة إلى توفير مدخل سريع للمهتمين بمجال الذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على أننا سنُخصص مقالات لاحقة لتناول كل جانب من هذه الجوانب الأربعة بمزيد من التعمق.
أنواع الذكاء الاصطناعي
يُقسَّم الذكاء الاصطناعي، حسب قدراته، إلى 3 أنواع رئيسية هي:
الذكاء الاصطناعي الضعيف Narrow AI
يُعدّ الذكاء الاصطناعي الضعيف، المعروف أيضًا باسم "الذكاء الاصطناعي الضيق"، النوع الأكثر شيوعًا وتركيزًا على أداء مهمة محددة بكفاءة عالية، غالبًا ما تفوق قدرات البشر. يتميز هذا النوع بقدرته على العمل بشكل مستقل دون الحاجة إلى تدخل بشري مستمر، ممّا يجعله مثاليًا لتطبيقات متنوعة مثل السيارات ذاتية القيادة، وروبوتات الدردشة، وأدوات المساعدة الذكية مثل Siri وGoogle Assistant وAlexa، وأنظمة التعرف على الوجه.
الذكاء الاصطناعي القوي Strong AI
يُعدّ الذكاء الاصطناعي القوي، المعروف أيضًا باسم الذكاء الاصطناعي العام Artificial General Intelligence (AGI)، حلمًا يراود العديد من الشركات، مثل OpenAI، يهدف إلى خلق آلة ذات قدرات عقلية مُتطورة تُنافس الذكاء البشري.
في هذا المستوى المُتقدم، ستتمتع الآلة بقدرة على الفهم العميق للعالم من خلال استيعاب المعلومات من مختلف المصادر، وتحليلها، واستخلاص المعرفة منها، والتفكير المنطقي لحل المشكلات واتخاذ القرارات بطريقة مُتناسقة وفعالة، والإبداع في مجالات مختلفة مثل الفنون والعلوم، والتعلم المستمر من خلال التجارب والتفاعلات مع محيطها. ومع ذلك، لا نزال بعيدين عن تحقيق هذا الحلم، حيث لم تتجاوز أبحاث الذكاء الاصطناعي القوي حدود النظرية.
الذكاء الاصطناعي الخارق Super AI
يُمثل الذكاء الاصطناعي الخارق Artificial superintelligence (ASI) ذروة الافتراضات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يتخطى هذا النوع قدرات البشر في جميع المجالات، بما في ذلك التفكير والإدراك والإبداع. يُعدّ هذا النوع من الذكاء الاصطناعي نظريًا بحتًا، ولا يُمكن التنبؤ بإمكانية تحقيقه أو تبعاته على البشرية. ويُعدّ الوصول إلى الذكاء الاصطناعي القوي (AGI) خطوةً أساسيةً على طريق تحقيق الذكاء الاصطناعي الخارق، لكنّ ذلك يظلّ حلمًا بعيد المنال في الوقت الحالي.
مجالات الذكاء الاصطناعي الفرعية
يضمّ الذكاء الاصطناعي العديد من المجالات الفرعية، مثل تعلم الآلة ML ومعالجة اللغة الطبيعية NLP وعلم الروبوتات Robotics والتعلم العميق Deep learning والمنطق الضبابي Fuzzy Logic وغيرها. في هذه المقالة، سنُسلّط الضوء على مجالين رئيسيين يتصدران المشهد حاليًا:
تعلم الآلة Machine Learning
يُعدّ تعلم الآلة فرعًا من فروع الذكاء الاصطناعي يُركّز على تمكين الآلات من التعلم من البيانات واتخاذ القرارات دون الحاجة إلى برمجة صريحة، على عكس البرمجة التقليدية، التي تعتمد على تعليمات محددة مُسبقًا.
على سبيل المثال: إذا أردت من الآلة (الحاسوب) أن تتعرف على الصور التي تتضمن قططًا؛ بدلًا من إمدادها بمعلومات تصف شكل القطة، نُغذيها بآلاف الصور التي تحتوي على قطط وهي ستستخدم الخوارزميات لتكتشف الأنماط المتشابهة والقواسم المشتركة لتفهم ماهية هذا الحيوان وتتعرف عليه بسهولة في المستقبل.
معالجة اللغة الطبيعية NLP
يُعدّ معالجة اللغة الطبيعية (NLP) مجالًا فرعيًا للذكاء الاصطناعي يركّز على تمكين الآلات من فهم واستخدام اللغة البشرية. يُتيح هذا المجال للآلات فهم اللغة البشرية، وإنشاء نصوص وترجمة اللغات وكتابة أنواع مختلفة من المحتوى الإبداعي، والتفاعل مع البشر بطريقة طبيعية.
الحقيقة أن مُعظمنا تعامل مع أنظمة تستخدم معالجة اللغة الطبيعية دون أن يدري، ومنها على سبيل المثال Siri وCortana (مُساعد ميكروسوفت الرقمي الذكي) وبالطبع ChatGPT وGoogle Gemini وغيرها.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي
بعد أن تعرفنا على أنواعه ومجالاته، أو بالأحرى مجالين من مجالاته الفرعية الكثيرة، حان الوقت لنستشهد ببعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل:
الصحة
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً هائلة في مجال الرعاية الصحية، مُغيّرًا مفهومنا للتشخيص والعلاج ومتابعة حالة المرضى، إذ يمكنه تحليل كميات هائلة من البيانات السريرية بطرق مبتكرة، مما يؤدي إلى تشخيصات أكثر دقة، وابتكار علاجات أكثر تخصصًا.
فرعٌ مثل تعلم الآلة ML يُمَكن الأنظمة الذكية من اتخاذ قرارات طبية أفضل، في حين أن تعلم اللغة الطبيعية NLP يجعل البشر يألفون تعامل الآلة معهم، وفي الوقت نفسه يُمَكن الأنظمة الذكية من استيعاب احتياجات المرضى بشكل أفضل، وبالتالي مساعدتهم بالطرق المثلى.
ومع ذلك، لم نتطرق لاستخدام الأطباء نظارات الواقع المُختلط، مثل نظارة Apple Vision Pro، لمحاكاة القلب مثلًا وتخيل سيناريوهات العمليات الجراحية قبل تنفيذها بمساعدة هذه الأدوات، الأمر الذي يزيد من فرص نجاح العمليات الجراحية.
التعليم
بفضل الذكاء الاصطناعي، أصبحت العملية التعليمية أسهل من أي وقتٍ مضى؛ الآن لم يعد على الطالب أن يحتار في فهمِ المسائل الحسابية أو المعادلات الكيميائية المُعقدة، وكل ما عليه فعله هو فتح ChatGPT أو أي روبوت دردشات آخر والمطالبة بالتفسير.
علاوة على ذلك، فهناك بوادر لاقتحام الروبوتات العاملة بالذكاء الاصطناعي الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات؛ ربما لتسهيل تخيل المواد المشروحة للطلبة، وجعلهم يتعاملون معها بشكلٍ عملي، وربما لمساعدة المعلمين أو حتى استبدالهم تمامًا، وإن كان هذا السيناريو غير مُرجح.
أيضًا يمكن أن يُساعد الذكاء الاصطناعي الضعيف Narrow AI المُعلمين والمحاضرين في تحضير الدروس وتصحيح الاختبارات، ويكون بمثابة "السكرتير" الخاص بهم، لا سيما في المهام التي يمكن أن تُنَجز بالأتمتة Automation، أي التي لا تحتاج إلى إبداع.
الترفيه
لا يحتاج الذكاء الاصطناعي توصية فيما يتعلق بتطبيقاته في مجال الترفيه، على سبيل المثال، قلب الـAI طاولة صناعة المحتوى رأسًا على عقب، وذلك سواء كنا نتحدث عن صناعة المحتوى أم تحليل أدائه؛ فباستخدام أداة مثل SORA من شركة OpenAI (مطور ChatGPT) بات بإمكاننا أن نُنشئ مقطع فيديو كاملاً وواقعيًا باستخدام الأوامر الكتابية Prompts، والأمثلة على ذلك لا تُحصى.
أشهر نماذج الذكاء الاصطناعي
ChatGPT
سيد "بوتات" الدردشات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والذي أحدث ثورة عندما أُطلق من قِبل OpenAI في نوفمبر 2022. استمر هذا النموذج العملاق بالتطور إلى أن وصل GPT-4 القادر على التعامل مع النصوص والصور على حدٍ سواء كونه نموذجًا متعدد الاستخدامات أو الوسائط Multimodal. النسخة المذكورة هي نسخة مدفوعة، ولكن توجد نسخة مجانية مُتاح للجميع استخدامها الآن دون حسابٍ إلكترونيّ حتى، وهي نسخة الـGPT-3.5.
Google Gemini
نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بجوجل كان يُعرَف بـ"Bard"، ولكنه تحول لاحقًا إلى هذا الاسم الجذاب "Google Gemini" وأصبح قادرًا على فعل أشياء مهولة تجعلنا نتساءل: إذا كان الـ"AI" الذي لدينا الآن يفعل كل هذه الأشياء، فما الذي سيستطيع الذكاء الاصطناعي العام، فضلًا عن الخارق، أن يفعله؟ هناك 3 نسخٍ أساسية من Google Gemini؛ الأولى Gemini Nano وهي الأضعف والموجهة للهواتف المحمولة، وGoogle Gemini Pro التي يمكننا أن نستخدمها مجانًا بدلًا من Bard، وأخيرًا Gemini Ultra المدفوع والقادر على فعل العجب العجاب؛ مثل GPT-4.
Copilot
إذا كنت تريد أن تستخدم نظام GPT-4 المدفوع (تكلفته 20 دولارًا شهريًا) بشكلٍ مجاني، فيمكنك أن تفعل ذلك من خلال بوابة Copilot؛ روبوت الدردشات الخاص بميكروسوفت، والأفضل من ذلك أنه يستطيع الوصول إلى الإنترنت على عكس ChatGPT المحدود بتاريخٍ معين. وإذا كنت تتساءل عن مشروعية استخدام GPT-4 من خلال هذا النموذج، فالأمر يعود إلى استثمارات ميكروسوفت الضخمة في OpenAI مقابل الحصول على خدماتها.
Perplexity
مشكلة معظم أدوات الذكاء الاصطناعي أن مصادر معلوماتها مشكوكٌ في أمرها، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في الكثير من الأمور. نستطيع أن نقول إن Perplexity ليس كذلك، فهو- في معظم الأحيان- لا يُدلي بمعلومات دون ذكر مصدرها؛ مثل Copilot بالمناسبة، ولكن الفرق أنك تستطيع توجيهه في اتجاهٍ معين، فإذا كنت تبحث في مسألة علمية، استخدم النسخة الأكاديمية منه، وإذا كانت المسألة عامة، فاجعله يجوب الإنترنت كاملًا لا بأس، وهكذا.
Claude
طورت شركة Anthropic عائلة مُعقدة من نماذج اللغات الكبيرة وأطلقت عليها اسم Claude AI ثم طرحتها للعامة في مارس 2023، مع إصدار نموذج Claude وآخر إصداراته Claude 3 في وقت لاحق. لا يختلف نموذج الذكاء الاصطناعي هذا، كثيرًا عن النماذج السابقة، والحقيقة أنه تخطى GPT-4 في بعض المواجهات المباشرة، ولكن تظل مسألة استخدام نموذج Anthropic أو OpenAI أو غيرهما مسألة تفضيل شخصي.
مرةً أخرى، ما هذا سوى نقطة في محيط الذكاء الاصطناعي الذي لا ولن ينضب؛ لكل قسم من الأقسام التي تناولنا المزيد والمزيد، لذلك سنُعزز ما تحدثنا عنه بالمزيد في المستقبل.