"رؤية ثاقبة وإنجاز دائم".. كيف طورت السعودية السياحة الدينية في رمضان 2024؟
عندما وضعت المملكة العربية السعودية رؤية 2030 حددت مستهدفاتها للسياحة الدينية، فقد آمن واضعو تلك الرؤية الاستشرافية الطموح بما تستحقه أرض الحرمين الشريفين من مكانة خاصة على خريطة السياحة بوجه عام، والسياحة الدينية بوجه خاص، إذ تتباهى المملكة بقائمة طويلة من البقاع المباركة، بينما يولي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وجوههم إليها خمس مرات كل يوم، ومن ثم فقد عملت قيادتها على وضع رؤية ثاقبة لتطوير ذلك القطاع المهم، بما يتناسب مع ثقل السعودية ومقوماتها الكبيرة، وهنا تطور الأداء مثلما تطورت صورة السياحة الدينية في رمضان 2024.
خطوات التطور
بعد انتهاء تبعات جائحة كورونا التي فرضت عددًا من الإجراءات والتدابير الاحترازية والقيود، التي انعكست بدورها على السياحة الدينية بالمملكة، عاد القطاع إلى سابق مستويات الأداء الإيجابية، لاستكمال مسيرة التطور باتخاذ خطوات من شأنها تيسير استقبال ضيوف الرحمن، مع برامج وخطط طموحة لتطوير السياحة الداخلية والدينية، إذ تسعى السعودية لتحقيق أرقام قياسية بحلول عام 2030، إذ تتواصل عمليات التطوير في قطاع السياحة الدينية، بما يمكن المملكة من الوصول إلى ستة ملايين حاج، إضافة إلى 30 مليون معتمر بحلول نهاية العقد الجاري، في ظل تقديرات تشير إلى عوائد محتملة لدى تنفيذ مشاريع وبرامج رؤية 2030، قد تتجاوز 50 مليار ريال، فيما يؤكد الخبراء الأهمية الخاصة التي توليها المملكة لهذا القطاع، الذي جاءت الرؤية لتجعل منه القطاع الأكثر استفادة منها.
وفي سبيل تحقيق تلك الرؤية، أطلقت المملكة على مدار السنوات القليلة الماضية عدة مشاريع وبرامج خاصة، من بينها برنامج "خدمة ضيوف الرحمن"، وهو أحد البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، والذي يستهدف تيسير استضافة قاصدي الحرمين الشريفين، وتقديم أفضل الخدمات لهم، مع إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه، وحقق هذا البرنامج المتميز عددًا من المنجزات، لعل من أهمها إتاحة التأشيرات الإلكترونية للحجاج والمعتمرين من جميع الدول، وتمديد فترة موسم العمرة، فيما أُطلقت عدد من المبادرات ضمن البرنامج، منها "إياب"، و"الحج الذكي"، و"حج بلا حقيبة"، إضافة إلى التأمين الصحي الشامل.
فيما يتم وضع الخطط والبرامج التي تصب في إطار تطوير الأداء باستمرار، ومنها على سبيل المثال صدور قرار هيئة السياحة بإنشاء مكتب تحقيق الرؤية، بهدف متابعة تنفيذ المبادرات المطروحة في هذا الشأن، بما يحقق مستهدفات المملكة من هذا القطاع، ومن ثم تنفيذ الخطط الاستراتيجية الموضوعة بتناغم بين جميع الإدارات والهيئات الحكومية، لتوفير الخدمات والبنية التحتية الملائمة، مع تطوير سياسات الوزارات بما يتلاءم مع ذلك، ولعل الأمثلة هنا كثيرة إذ تم تطوير البنية التحتية بشكل لافت، لا سيما فيما يتعلق بالنقل، وتقنية المعلومات والرقمنة، مع مشروع توسعة الحرم المكي وتطوير البنية التحتية المحيطة به، لاستيعاب أكبر عدد من الحجاج والمعتمرين، مع تقديم جميع الخدمات بهدف تحقيق رفاهية ضيوف الرحمن.
اقرأ أيضًا: "تهذيب للنفس وإشباع للروح".. مزارات دينية لا تفوتك بالمملكة في رمضان
رفاهية ضيوف الرحمن
تحقيق رفاهية ضيوف الرحمن لا يبدأ في الواقع من توفير ملاذات الإقامة المريحة والفاخرة، والتي تجاوزت 440 ألف غرفة تستوعب نحو 1.9 مليون زائر، فيما تستمر الزيادة، إذ استطاعت السعودية جعل تجربة الزائر أكثر سلاسة، كتجربة بسيطة تبدأ منذ اللحظة الأولى للتفكير في القيام برحلة دينية إلى المملكة، حيث تنطق الإجراءات من السفارات السعودية في مختلف دول العالم، عبر تقديم تسهيلات في استخراج التأشيرات وغيرها من الأمور التي تستهدف التبسيط في خدمة ضيوف المملكة، فيما تقدم بالتوازي مع ذلك برامج إرشاد للزوار، ضمن البرنامج الثقافي الضخم للتعرف إلى المناطق والوجهات السياحية المختلفة في بلاد الحرمين الشريفين، إذ تهدف الدولة إلى تطوير قطاع السياحة الدينية، وجعله واحدًا من أهم محركات الاقتصاد، كجزء من استراتيجية تعزيز القطاع السياحي.
كما تستهدف رؤية المملكة 2030 تعزيز السياحة الداخلية، وتطوير مناطق جديدة للسياحة الدينية، بما في ذلك تحويل المدينة المنورة إلى وجهة سياحية رئيسة، مع تطوير البنية التحتية السياحية في المملكة عمومًا، من فنادق ومطارات وطرق ومواقع سياحية، مع تطوير قطاع العمرة وتحسين تجربة الحجاج والمعتمرين، وجذب المزيد من السياح الدينيين من جميع أنحاء العالم، بما تمتلكه المملكة من مقومات هائلة كانت الأساس في وضع رحلة التحول نحو السياحة والتراث، التي يُتوقع أن تصل بعدد الزيارات إلى نحو 150 مليون زيارة سنويًا بحلول عام 2030، بعد أن تجاوزت المملكة بنجاح الرقم المستهدف تحقيقه عند إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لرؤية المملكة 2030، الذي تمثل آنذاك في 100 مليون زائر.
ولعل المتابع للمشهد سيلحظ تطوير مواقع ومزارات السياحة الدينية من مساجد ومزارات ومتاحف مختلفة في كل أرجاء المملكة، مثلما سيلمس سلاسة الوصول إليها، وبساطة الاستمتاع بها، وتلك الخدمات الكثيرة التي نبعت من رؤية ثاقبة وفرت كل ظروف الراحة والرفاهية لضيوف المملكة، بدءًا من الطرق والنقل والمواصلات المتطورة مرورًا بمناطق الخدمات التي لا تهمل شيئًا، وصولاً إلى ملاذات الضيافة بكل مستوياتها، مع تلك اللمسات التي تهتم بأدق التفاصيل، ما يجعل من رحلتك إلى المملكة العربية السعودية تبدو كرحلة بين عوالم وأزمنة عدة، نالها من التطور ما يصقلها ويجعلها أكثر بهاءً وإمتاعًا.