السر وراء "Google Maps".. كيف يعمل تطبيق الخرائط الأشهر في العالم؟
تخيل كيف كان العالم قبل خرائط غوغل Google Maps، أي قبل 20 سنة تقريبًا (تم إطلاق Google Maps في فبراير 2005)؛ لقد كان الوصول إلى مكانٍ ما أمرًا عصيًّا، كان يتوجب على الشخص منا أن يعرف مكان الوجهة بالضبط أو يضطر ليسأل الغرباء، ناهيك عن إضاعة الطريق، أو التيه وسط الزحام بالسيارة. صحيحٌ أنه لا يزال احتمالاً واردًا في ظل وجود خرائط "غوغل"، ولكن نسبته قد قلّت كثيرًا.
لقد سهَّلت علينا خرائط "غوغل" الحياة بشكلٍ أنسانا كيف كانت تبدو الحياة قبله، لك أن تتخيل أن أكثر من مليار شخص يستخدمون هذه الخرائط شهريًا، وأن المسافة المقطوعة في اليوم الواحد بالاستعانة بتطبيق Google Maps تتجاوز المليار كيلومتر! والسؤال هُنا: كيف تعمل هذه الخرائط؟ وكيف استطاعت شركة غوغل أن تُجمّع بها كل هذه المعلومات؟
كيف حصلت غوغل على معلومات الخرائط؟
الأمر مُعقد ويتطلب عديدًا من الخطوات، كما أنه يحدث بفضل مزيج متجانس بين العامل البشري والتكنولوجي، حتى بالنسبة لشركةِ "غوغل" نفسها والتي يمكن اعتبارها شركة البيانات الأضخم في العالم، فإن مسألة الوصول إلى كلِ مكانٍ على الأرض تقريبًا هي مسألة غاية في الصعوبة.. ويجب أن نضع ذلك دائمًا في الحسبان.
بشكلٍ أساسي، تعتمد "غوغل" على عاملين رئيسين لتصل إلى كل هذه المعالم التي نراها على الخريطة، أما الأول فيكون من خلال مشروعٍ يُسمى "Street View"، والذي يشمل سيارات "غوغل" التي تتجول في كل مكان على الخريطة تقريبًا لتلتقط إحداثياته بالكاميرات المُخصصة لذلك، وأما العامل الثاني فيكون من خلال التصوير بالأقمار الاصطناعية.
أطلقت "غوغل" سيارات مشروع "Street View" في الشوارع منذ عام 2007، كما أنها اعتمدت على العامل البشري عن طريق توظيف العديد من الأشخاص وإعطائهم كاميرات مُخصصة يحملونها على أجسادهم لتسجيل إحداثيات الأماكن التي لا تستطيع السيارات أن تصل إليها، وبذلك أصبحنا قادرين على رؤية كل الأماكن الموجودة في العالم تقريبًا -افتراضيًّا- بدايةً من أعماق القارة القطبية الجنوبية وحتى جبل كليمنجارو على حد وصف "غوغل".
واستطاعت سيارات المشروع المذكور، جنبًا إلى جنب مع العامل البشري، أن تجمع أكثر من 170 مليار صورة من 87 دولة حول العالم، والأرقام في ازدياد مستمر.
العامل البشري
ذكرنا سريعًا أن شركة "غوغل" تعتمد على العامل البشري في الوصول إلى الأماكن الموجودة على خريطتها، ولكن عن أي نوعٍ من البشر نتحدث بالضبط؟ هل نقصد بشرًا متخصصين في مجال التصوير؟ هل نقصد شركات مُعينة؟ إلى من تلجأ "غوغل" تحديدًا؟
في الحقيقة، تجمع "غوغل" البيانات من كل المصادر الممكنة، فبينما نجدها تتعاون مع أكثر من 1000 مصدر من المصادر الضخمة للطرف الثالث، مثل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية "USGS"، والمعهد الوطني للإحصاء والجغرافيا في المكسيك "INEGI"، نجدها أيضًا تتعاون مع المُنظمات غير الربحية "NGO"، وصناديق الإسكان والبلديات الصغيرة، ولكنها تفحص بيانات هذه المصادر بدقة كبيرة بالطبع.
وعلى هذه السيرة، فشركة "غوغل" تمتلك مجتمعًا قويًا -بطبيعة الحال- من المُراجعين ومستخدمي "Google Maps" الذين لا ينفكون عن التأكد من صحة المعلومات، فضلاً عن إمكانية إرسال تغذية راجعة "Feedback" من كل المُستخدمين، وهو الشيء الذي تهتم به الشركة للغاية وتحرص على مراجعته والنظر فيه بشكلٍ دوري لكي تُصحح الأخطاء في حالة وجودها، وتُبقي على المعلومات الموثوقة التي تتطابق مع قواعد بياناتها.
اقرأ أيضًا: كيف تسبب مؤسس "فيراري" في تأسيس "لامبورغيني" بطريقة غير مباشرة؟
ولكن كيف تعمل خرائط غوغل؟
بعد أن عرفنا كيف تُجمّع "غوغل" المعلومات الموجودة على "Google Maps"، يتبادر سؤالٌ آخر إلى الذهن؛ وهو "كيف تعمل خرائط غوغل بالضبط؟" أو بصيغة أخرى: كيف تُحدد خرائط غوغل الأماكن بدقة؟
بدايةً، تستفيد "غوغل" من خدماتها الأخرى مثل "Google Earth" و"Street View"، كما تستفيد أيضًا من صور الأقمار الاصطناعية والصور الجوية لإنشاء خرائط تفصيلية لعالمنا، ومن ثم توفّر هذه الخرائط للمستخدمين من خلال تطبيقها على الجوال أو النسخة المتوفرة على الويب، والمستخدم بإمكانه أن يبحث عن مكانٍ بعينه أو يستكشف منطقة كاملة، فضلاً عن الاستخدامات الأخرى التي نعرفها جميعًا مثل الحصول على الاتجاهات، وحفظ الأماكن التي يتردد عليها كثيرًا، ومعرفة أسرع طريق للوصول ومشاركة الموقع وما إلى ذلك.
وتلعب الخوارزميات دورًا كبيرًا في عمل خرائط "غوغل"، فعلى سبيل المثال:
1. يستخدم التطبيق خوارزميات التعرف على الصورة image recognition algorithms لكي يستخرج المعلومات المفيدة من الصور المأخوذة من الأقمار الاصطناعية ومشروع "Street view" لإنشاء خريطة تفصيلية، وهذه المعلومات تشمل: التعرف على الأماكن، والطُرق، والمباني، وغيرهم بدقة شديدة.
2. أيضًا يعتمد تطبيق "Google Maps" على خوارزميات تعلم الآلة ML لتحليل وتفسير البيانات المتنوعة، مثل الصور المُشار إليها أعلاه، ما يُقلل من فرص الأخطاء في الخرائط ويُجعلها مُحدَّثة باستمرار.
3. النوع الثالث من الخوارزميات التي يعتمد عليها تطبيق "Google Maps" بشكلٍ كبير هو خوارزميات تحليل البيانات الجغرافية، والذي يشمل أنظمة المعلومات الجغرافية "GIS"، وبفضله تظهر كميات هائلة من البيانات المكانية على الخريطة.
بتفصيلٍ أكثر، هناك خوارزميات أكثر تخصصًا من المذكورة، مثل "خوارزمية ديكسترا Dijkstra’s algorithm" وخوارزمية "A* Search algorithm"، اللتين تعملان على إيجاد أقصر طريق مُختصر بين نقطتين على الخريطة، وهناك عديد من الخوارزميات الأخرى التي يدمج "غوغل" بينها لكي يصل إلى أقصر طريق، ناهيك عن أن ذلك يعتمد على عوامل عدة مثل تقدير المسافات وتحديد نوع التضاريس بدقة.
مستقبل خرائط غوغل
مع تصدر الذكاء الاصطناعي للمشهد، كان لزامًا على "غوغل" أن تُسلح خرائطها به، وتحديدًا بالذكاء الاصطناعي التوليدي "Generative AI"، إذ أُعلِن في بدايات فبراير المُنصرم أن تطبيق خرائط "غوغل" سيستخدم النماذج اللغوية الكبيرة "LLMs" ليُحسن من اقتراحاته للأماكن والأشياء التي يبحث عنها المستخدمون بشكلٍ عام.
على سبيل المثال، إذا أراد شخصٌ ما أن يجد متاجر رائعة للبيع بالتجزئة في مدينة سان فرانسيسكو، يمكنه أن يبحث عن: "أماكن أيقونية في مدينة سان فرانسيسكو" بدلاً من: "متاجر رائعة للبيع بالتجزئة في سان فرانسيسكو"، وسيُظهِر له التطبيق نتائج مُرضية جدًا بالصور ومراجعات الآخرين، هكذا تقول "غوغل". وعلى الرغم من أن الفائدة من هذه الميزة قد لا تكون واضحة الآن، فإن المستخدمين سيعرفون قيمتها عند استخدامها للبحث عن شيء أو أماكن نادرة ومُحددة.
جدير بالذكر أن شركة "غوغل" قد حدَّثت -في أكتوبر الماضي- تطبيق الخرائط ليكون أشبه بالأداة البحثية، كاشفةً النقاب عن عديد المميزات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وهذه ليست سوى البداية، ففي ظل انتشار تقنيات الواقع المُعزز والواقع الافتراضي قد تُصبح خرائط "غوغل" مزودة بمميزات عجيبة تُمكن المستخدمين من خوض تجارب غامرة من خلال المشي الافتراضي في بيئات وعوالم بعيدةً عنهم، بل حتى التفاعل مع السُكان المحليين ليكون العالم أشبه بغرفة واحدة، ولكنها شاسعة كفاية لتسعنا جميعًا.