محمد نصار يكتب : الاعتذار.. ثقافة
تروي حكاية تراثية أن ملكًا كان يهتم بتعليم ابنه الوحيد، استدعى له أفضل معلم في مملكته، وبذل المعلم جهده لتحقيق نجاح باهر، وبالمقابل لم يفتقر الابن إلى الذكاء والاجتهاد ليكون متميزًا. لم يخطئ ولم يقصر في الاختبارات، كان مثاليًا إلى حد كبير. في أحد الأيام، قرر المعلم أن يعاقب الابن دون سبب واضح، فأثر ذلك على الطفل وأغضبه، لكنه اكتفى بكبت غضبه.
توالت الأيام وأصبح الابن ملكًا بعد وفاة والده، وأول ما فعله كان استدعاء المعلم إلى القصر، ليسأله بعد كل تلك السنوات عن سبب معاقبته. أجاب المعلم بابتسامة قائلًا: "عرفت أنك ستصبح ملكًا في يوم من الأيام، وأنك لن تنسى عقابي لك، لأنه كان عقابًا ظالمًا، دون سبب. أردت أن أعلمك درسًا أن الظلم لا يُنسى، مهما طال الزمن. لذا، أسألك أن تغفر لي وأن تحكم بالعدل والرحمة، ولا تظلم أحدًا".
شاهدت مؤخرًا فيلمًا قصيرًا مدته 4 دقائق، يروي قصة تلميذ في الابتدائية يصل كل يوم متأخرًا الى مدرسته، يسأله المعلم عن السبب فلا يجيب، يغضب منه ويعاقبه بالضرب على يده بالمسطرة. وكل صباح يتكرر مشهد تأخّر التلميذ وعقاب المعلم له. وفي يوم ما يتأخر المعلم، فيرى -وهو يقود دراجته إلى المدرسة- التلميذ في الطريق يدفع كرسيًا للمقعدين، عليه سيدة مقعدة، ويدخل بها إلى دار الرعاية، قبل أن ينطلق مسرعًا إلى المدرسة.
وعندما يدخل التلميذ إلى الصف متأخرًا مثل كل يوم، يمد يده كعادته ليتلقى ضربات المعلم، غير أن المعلم، الذي كشف سر تأخره، يضع العصا بخشوع في يد الطفل الممدودة وينحني ليقبل كفّه ثم يحضنه بحزن واعتذار.
اقرأ أيضًا: محمد نصار يكتب : SRMG وروح العصر
كل منا تعرض -ولو لمرة واحدة في حياته- لنوع من العقوبة الظالمة وغير المبررة، مثل كلمة جارحة أو حكم جائر من شخص عزيز، أو سوء فهم أدى لردة فعل مفرطة، أو ربما تصرف بغير مكانه من زميل في العمل، مهما كانت التجربة، فإن هذا لا ينسى حقًا.
عشت مشاعر ابن الملك، وذكرني فيلم المعلم والتلميذ بما حدث معي عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي. دفعني زميل دون قصد، وقعت على آخر وتسببتُ له بجرح في يده، كانت هذه أول مرة أتعرض فيها للعقاب من معلمي أمام زملائي، فأجبرت على الوقوف ووجهي للحائط لمدة 10 دقائق. كانت هذه اللحظات كافية لتجعل دموعي تتدفق بصمت وألم.
ما أثر فيّ هو أن المعلم لم يمنحني فرصة للدفاع عن نفسي. كان عقابه ظالمًا، وهذا بالضبط ما يجعلني أتذكر هذه الحادثة بعد كل تلك السنوات.
وعلى الجانب الآخر قد نكون نحن مصدر هذا العقاب، فتشوا في زوايا ذاكرتكم جيدًا، لأن من يُعاقِب من السهل أن ينسى، وإذا وجدتم أن هناك من تعرض لظلم من طرفكم، بكلمة أو موقف أو تصرف، فسارعوا إلى مفاتحته ومصارحته مهما بدا الزمن طويلًا. علموا أولادكم هذه الثقافة في هذا الشهر الفضيل، فليس من دواء أفضل من الاعتراف بالظلم والاعتذار من المظلوم.