صيام رمضان.. حصنك المنيع ضد الأمراض العصبية
يُجدِّد الصيام الجسم من أصغر خلية فيه إلى أكبرها، ولا يتوقّف عن حماية الجسم من الأمراض في تلك الرحلة الممتدة، سواء كانت أمراضًا مزمنة، مثل السمنة وأمراض القلب، أو أمراضًا أخرى عصبية كمرض ألزهايمر والصرع، وغيرها، فالصيام يُعزِّز تجديد الخلايا العصبية، ويُساعِد نظريًا حسب الدراسات في السيطرة على كثيرٍ من الأمراض العصبية، لكن كيف يفعل الصيام ذلك تحديدًا؟ وما الأمراض التي يستطيع التغلب عليها؟
كيف يُؤثِّر الصيام في صحة الدماغ؟
تتغيَّر عمليات التمثيل الغذائي في أثناء الصيام، إذ يستهلك الجسم الدهون لإنتاج أجسام كيتونية للطاقة بدلاً من الغلوكوز الذي يغيب في ساعات الصيام، وهذا التغيير له أثره في صحة الدماغ والجهاز العصبي عمومًا بلا شك.
فالأجسام الكيتونية المُنتَجة خلال الصيام، تُعزِّز جينات عامل التغذية العصبي المُشتق من الدماغ "BDNF"، سواء كان ذلك في القشرة الدماغية، أو في الحُصين، وهي مناطق مسؤولة عن التعلُّم والذاكرة، ما يعني أنّ الصيام قد يُعزِّز تلك الوظائف الدماغية.
كذلك للصيام أثره المُفيد على الصحة عمومًا من ضبط لمستويات الكوليسترول في الدم، والسيطرة على ضغط الدم، والوقاية من مرض السكري، وهذه التأثيرات الصحية كلُّها مفيدة لصحة الدماغ.
كيف يُساعِد الصيام في التغلب على الأمراض العصبية؟
يُساعِد الصيام على علاج الكثير من الأمراض العصبية والوقاية منها، حسبما أفادت الدراسات في مجلة "Nutrients" والمجلة الباكستانية للعلوم العصبية "Pakistan Journal of Neurological Sciences" كما يتضح فيما يلي:
الصيام والخرف
الخرف من الأمراض العصبية الشائعة، والمنتشرة بين كبار السن، الذي يُصاحِبه فقدان الذاكرة وقصور معرفي، إلى جانب بعض الإعاقات الوظيفية، ويُعدّ مرض ألزهايمر من أشهر أنواع الخرف.
وأظهرت الأبحاث أنَّ الصيام يُعزِّز عامل التغذية العصبي المُشتق من الدماغ "BDNF"، الذي يُحفِّز تجديد الخلايا العصبية والحفاظ عليها بدلاً من تدهورها بمرور الوقت، والمعاناة من بعض الأمراض، مثل مرض ألزهايمر.
جديرٌ بالذكر أنَّ عامل التغذية العصبي المُشتق من الدماغ، تنخفض مستوياته عند المُصابِين بمرض ألزهايمر، ومِنْ ثَمّ فقد تُساعِد زيادة مستوياته من خلال الصيام في الوقاية من الخرف، الذي يُعدّ ألزهايمر أحد أشكاله.
الصيام والأمراض التنكسية العصبية
الأمراض التنكسية العصبية مُتعدِّدة، ومن أبرزها مرض باركنسون، ومرض ألزهايمر، ومرض هنتنغتون، وإلى الآن لم يُدرَس الصيام كعلاج لهذه الأمراض، ومع ذلك فهناك أدلة غير مباشرة على فوائده العلاجية، مُثبتة بدراسات الحمية الكيتونية.
فالحمية الكيتونية نظام غذائي عالي الدهون ومنخفض الكربوهيدرات، ما يُجبِر الجسم على حرق الدهون بدلاً من الكربوهيدرات، اعتمادًا على الدهون مصدرًا رئيسًا للطاقة، ما يُشابِه حالة التمثيل الغذائي التي يكون عليها الجسم في أثناء الصيام "حرق الدهون مصدرًا للطاقة بدلاً من الكربوهيدرات".
ففي مرض باركنسون، أظهرت سلسلة حالات صغيرة تحسُّن الأعراض الحركية بعد 4 أسابيع من اتباع نظام غذائي كيتوني، كما أظهرت دراسة عشوائية لاحقة تحسُّن أعراضه غير الحركية لكن بعد 8 أسابيع من اتباع النظام الغذائي الكيتوني.
أمّا مرض ألزهايمر، فساعدت حمية الكيتو أيضًا على تخفيف أعراضه وتحسين الإدراك، وهذه الفوائد والتأثيرات تُفسَّر بقيام الجسم بحرق الدهون واستهلاك الجسم للأجسام الكيتونية مصدرًا للطاقة بدلاً من الغلوكوز، وهو نفس ما يحصل للجسم مع ساعات الصيام المُمتدة، ومِنْ ثَمّ فقد يكون الصيام أيضًا علاجًا لاضطرابات التنكُّس العصبي.
اقرأ أيضًا:أهم فوائد الصيام الصحية.. طرد السموم وتقوية المناعة
الصيام والسكتات الدماغية
السكتة الدماغية من الاضطرابات الخطيرة؛ إذ ينقطع تدفُّق الدم عن الدماغ، بما يُؤدِّي إلى فقدان الخلايا العصبية أو التهابها، أو المعاناة من مشكلات عصبية عمومًا.
ولا تُوجَد دراسات بشرية حول الآثار المباشرة للصيام في الوقاية من السكتة الدماغية، ومع ذلك فإنَّ الصيام يُقلِّل مستويات العوامل المُؤيِّدة للالتهابات، مثل البروتين التفاعلي C، الإنترلوكين 6، والهوموسيستين، وتقليل مستويات هذه العوامل، يمنع تصلُّب الشرايين وانسدادها، ما يحمي الإنسان من السكتات الدماغية "انسداد الشرايين الدماغية هو سبب رئيس للسكتات الدماغية".
الصيام والصرع
ينشأ الصرع عن فرط نشاط الخلايا العصبية، بما يُؤدِّي إلى نوبات الصرع، وعلى الرغم من استخدام الأدوية المضادة للصرع، لا يزال ثلث المصابين بالصرع يُعانُون نوبات مُقاوِمة للأدوية؛ أي لا تُفلِح معها الأدوية.
وما سبق الحديث عنه من النظام الغذائي الكيتوني، وكيف يُغيِّر التمثيل الغذائي للجسم، فهو نفس ما يكون في الصيام أو شبيه به، وقد ثبت تحسين النظام الغذائي الكيتوني للصرع وتخفيف نوباته، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصيام، خاصةً أنّ كلاً منهما يزيد مستويات الأجسام الكيتونية في الدم، وإن كانت نتائج الصيام أضعف أثرًا من النظام الغذائي الكيتوني، لكن يظل أثره جيدًا في تخفيف نوبات الصرع.
الصيام ومرض التصلُّب المُتعدد
التصلُّب المُتعدِّد أحد اضطرابات المناعة الذاتية، وقد دُرِّس تأثير بكتيريا الأمعاء في ذلك المرض؛ إذ هي مُهمّة لتنظيم الاستجابة المناعية، ومِنْ ثَمّ فتغييرات النظام الغذائي قد تكون مُؤثِّرة في بكتيريا الأمعاء، ومِنْ ثَمّ تخفيف مرض التصلُّب المُتعدِّد أو اشتداده على المريض.
ونتائج الصيام في التعامل مع التصلب المُتعدد مُبشِّرة للغاية، إذ وجدت دراسة تجريبية شملت 17 شخصًا، يُعانُون مرض التصلُّب المُتعدد المتكرر الانتكاسي، أنَّ الصيام يُحسِّن ميكروبات الأمعاء، كما أنّه يُحسِّن الدرجات السريرية ونوعية الحياة التي يعيشها المُصابون بمرض التصلب المتعدد المتكرر الانتكاسي.
نصائح للوقاية من الأمراض العصبية
إلى جانب الصيام، فإنَّ هناك بعض النصائح التي تُساعِد على الوقاية من الأمراض العصبية، مثل:
1. ممارسة التمارين الرياضية
تُساعِد ممارسة التمارين الرياضية، حتى لو كان المشي فقط، في تقليل خطر الإصابة بالخرف، فقد أظهرت بعض الدراسات أنَّ ممارسة الرياضة لمدة 15 دقيقة على الأقل 3 مرات في الأسبوع، يخفض خطر الإصابة بالخرف بنسبة 30 - 40%.
اقرأ أيضًا:كيف تتجنَّب ارتجاع المريء مع الصيام؟
2. النوم جيدًا وتقليل التوتر
يُطلِق الجسم هرمون الكورتيزول مع التوتر، ويزداد تأثيره مع تقدُّم العمر، فقد يُحفِّز الالتهابات في الجسم، وفي الدماغ، لذلك من الضروري مكافحة ذلك التوتر قدر المُستطاع، والانخراط في الأنشطة التي تساعد على الاسترخاء، مثل قراءة كتاب، أو التنفُّس العميق، أو غير ذلك.
كذلك قلة النوم من الأمور المُرتبطة ببطء التفكير وزيادة خطر الإصابة بالخرف، لذلك ينبغي النوم جيدًا 7 - 9 ساعات أو 6 ساعات على الأقل، خاصةً مع صعوبة النوم لساعات طويلة في رمضان، لتجنُّب الإصابة بالخرف.
3. الحفاظ على صحة القلب
قد تزيد أمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك عدم انتظام ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لذلك ينبغي الحفاظ على صحة القلب من خلال اتّباع أنظمة غذائية صحية، والتوقف عن التدخين، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
4. تجنُّب إصابات الدماغ
سواء كُنت رياضيًا، أو تُمارِس بعض الأنشطة التي قد تجعل الدماغ عُرضةً للإصابات، فتأكّد من حمايتها جيدًا، لأنّ ارتجاج الدماغ الذي قد ينجم عن إصابتها، قد يضر الدماغ على الفور وعلى الأمد البعيد، إذ ارتبطت إصابات الرأس التي يُعانِيها الشباب بزيادة خطر الإصابة بالخرف في سن الشيخوخة.
5. التوقف عن تناول بعض الأدوية
قد يُؤدِّي تناول بعض الأدوية لفترات طويلة إلى المعاناة من مشكلات الذاكرة والخرف، مثل مضادات الكولين، التي تشمل أدوية الاكتئاب، أو أدوية الحساسية، أو أدوية النوم، لذلك يُفضّل استشارة الطبيب قبل تناول بعض الأدوية لمعرفة مدة تناولها المناسبة دون أن تمسّ صحة الدماغ.