رمضان والاكتئاب.. هل للصيام علاقة بالحالة المزاجية للإنسان؟
لا تنقضي عجائب الصيام، بل في كل مرة نجد له فائدة جديدة لم تكُن تخطر لنا على بال، فالصيام وسيلة طبيعية لردع الاضطرابات النفسية وعلى رأسها الاكتئاب، إذ يُخلِّص الصيام الجسم من الخلايا البالية، ويُخفِّف الالتهابات المُشتعلة في الدماغ، بما يُساعِد على الوقاية من الاضطرابات النفسية، وبمساهمة الصيام في خسارة الوزن الزائد، فإنَّ وتيرة الاكتئاب تتراجع، فإلى أي مدى يرتبط الصيام بمزاج الإنسان؟ وهل هناك أطعمة تُحسِّن المزاج لتناولها على الإفطار؟
كيف يُؤثِّر الصيام في الدماغ؟
يبدأ الحديث عن تأثير الصيام في الحالة النفسية للإنسان بمعرفة ما يُحدِثه الصيام في الدماغ على وجه التحديد، ويشمل ذلك:
1. تحفيز الالتهام الذاتي
يُحفِّز الصيام عملية الالتهام الذاتي "autophagy"، وهي عملية تنظيف ذاتي للجسم، تُخلِّص الدماغ من السموم، وتزيل الخلايا البالية والتالفة، وهذه فائدة جليلة للصيام، إذ إنَّ خلل عملية الالتهام الذاتي مُرتبط بعديد من الأمراض، مثل مرض ألزهايمر، والاكتئاب والفصام والاضطراب ثنائي القطب، وغيرها من الاضطرابات العصبية والنفسية.
لذلك فإنَّ دور الصيام في تنشيط الالتهام الذاتي، وتخليص الجسم من "القمامة"، يحميه من الأمراض النفسية والعصبية على حدٍ سواء.
2. تخفيف الالتهابات
قد تُؤدِّي الالتهابات المزمنة إلى المعاناة من عديد من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب، واضطراب الوسواس القهري، وحسب دراسةٍ أُجريت في مجلة "Nutrition Research"، فإنَّ الصيام يُخفِّف الالتهابات، ما يُعزِّز صحة الدماغ وكذلك الصحة النفسية.
3. حرق الدهون الزائدة
يُساعِد الصيام على حرق مزيدٍ من دهون الجسم، وقد وجدت مجموعة متزايدة من الأبحاث، بما في ذلك دراسات في أرشيف الطب النفسي العام والطب النفسي الجسدي، أنَّ السمنة تضرُّ صحة الدماغ، ومُرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب، ونوبات الهلع، وغيرها.
لذلك فقد يُساعِد الصيام بحرق الدهون الزائدة في الجسم، على تحسين الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية المُختلفة.
اقرأ أيضًا:الجوع ليس الوحيد.. اعرف أسباب الصداع خلال الصيام وتجنبها
4. منع زيادة مستويات السكر في الدم
أشارت بعض الدراسات إلى أنَّ خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق يزداد 2 - 3 مرات مع المعاناة من مرض السكري من النوع الثاني.
وبيّنت دراسةٌ في المجلة البريطانية للتغذية "British Journal of Nutrition" أنَّ الصيام يُعزِّز حساسية الأنسولين، ويمنع زيادة نسبة السكر في الدم، كما يحمي من مرض السكري من النوع الثاني، وهذا قد يُساعِد بدوره على الوقاية من الاكتئاب والقلق.
هل يُؤثِّر الصيام في الاكتئاب؟
أظهرت الأبحاث نتائج مُتباينة حول أثر الصيام في الاكتئاب، فقد بحثت دراسةٌ صغيرة عام 2018 التغيُّرات المزاجية بعد صيام لـ 72 ساعة عند 15 امرأة، ووجد الباحثون أنّه أدّى إلى زيادة الحُزن وصعوبة اتخاذ القرارات.
وعلى عكس ذلك تمامًا، في مراجعة أدبية عام 2021، وجدت العديد من الآليات العصبية الحيوية التي تحدث خلال الصيام، تُساعِد في تخفيف أعراض الاكتئاب.
وفي دراسةٍ أكبر عام 2022، ركَّزت على المُصابين باضطراب الاكتئاب الشديد، وجدت أنّ الصيام أدَّى إلى انخفاض الأعراض عند المُصابِين باكتئاب متوسط إلى شديد.
كيف يُساعِد الصيام على دحر الاكتئاب؟
كانت تلك مُحصِّلة الدراسات التي بحثت أثر الصيام في التغلُّب على الاكتئاب، لكن كيفية قيام الصيام بذلك فُسِّر ببعض النظريات، ومنها:
1. خسارة الوزن
وجد الباحثون، حسب موقع "Psychcentral"، علاقة بين السمنة والاكتئاب، ومِنْ ثَمّ فقد يُساعِد الصيام من خلال خسارة الوزن في تخفيف أعراض الاكتئاب.
2. تغيُّرات التمثيل الغذائي
يُساعِد الصيام كل يوم في إحالة الجسم إلى استخدام الأجسام الكيتونية بدلاً من الغلوكوز لإنتاج الطاقة، وهذا بدوره يُحفِّز تأثيرات مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة، تُساعِد الجسم في مواجهة التوتر.
وحسب بحث عام 2022 في "Disease markers"، فإنَّ الصيام يُغيِّر التمثيل الغذائي في الجسم من عِدّة نواح من بينها:
- تحسين مستويات الكوليسترول والدهون في الدم.
- زيادة مستويات الأجسام الكيتونية في الدم.
- تقليل مستويات الغلوكوز في الدم.
وأشارت بعض الأبحاث أيضًا إلى أنَّ الصيام يُعزِّز البكتيريا النافعة في الأمعاء بتخفيف التهاباتها، وصحة الأمعاء مرتبطة بالدماغ بشكلٍ وثيق، إذ تُساعِد بعض أنواع البكتيريا النافعة في تخفيف الاكتئاب والقلق.
اقرأ أيضًا:9 نصائح للتغلب على الإرهاق أثناء الصيام
3. تقييد السعرات الحرارية
وجدت إحدى الدراسات أنَّ تقييد السعرات الحرارية عبر الامتناع عن تناول الطعام خلال ساعات الصيام من شأنه أن يُساعِد على علاج الاكتئاب، نتيجة التغيّرات في مستويات الأحماض الدهنية والنواقل العصبية إلى جانب تأثيرات التمثيل الغذائي الأخرى المُصاحبة للصيام.
هل يُساعِد الصيام في التغلب على القلق؟
يُحسِّن الصيام الصحة النفسية، ومن شأنه أن يُخفِّف أعراض القلق؛ إذ يُعزِّز الالتهام الذاتي في الجهاز العصبي، كما يُساعِد الصيام لفترات طويلة على الوصول إلى الكيتوزية، التي يبدأ معها الجسم في حرق الدهون بدلاً من الغلوكوز للحصول على الطاقة، وهذا قد يُعزِّز وظائف الدماغ ويُخفِّف القلق.
فوائد الصيام للصحة النفسية
يُساعِد الصيام على مكافحة الاكتئاب والقلق دون أن يزيد الشعور بالتعب، لكن لا تزال هناك حاجة إلى مزيدٍ من الأبحاث لتأكيد هذه المعلومة، وقد ربطت العديد من الدراسات بين صيام رمضان وتحسُّن الحالة النفسية للإنسان، حسب موقع "medicalnewstoday".
كما وجدت دراسة أنَّ الذين يصومون شهر رمضان، لديهم مستويات أقل من الاكتئاب والقلق والتوتر بعد الصيام، وذلك إلى جانب فوائد الصيام للصحة الجسدية أيضًا، مثل خسارة الوزن، وتقليل مستويات الكوليسترول وغيرها.
ماذا تأكل على الإفطار لتحسين المزاج؟
بالنهاية يُمكِنك تناول بعض الأطعمة التي تُساعِد على تحسين المزاج وتجنُّب الاكتئاب على الإفطار أو السحور، ومن تلك الأطعمة:
1. السمك
كشف بحثٌ نُشر في حوليات الطب النفسي العام "Annals of General Psychiatry" عن ارتباط الاكتئاب بنقص فيتامين د، وأنَّ من يحصل من الناس على كفايته من فيتامين د تتراجع عنده أعراض الاكتئاب، ومن الأطعمة الغنية بفيتامين د السمك، خاصةً التونة والماكريل والسلمون.
كذلك يحتوي السمك على أوميغا 3، الذي يرتبط نقصه بالاكتئاب أيضًا، ومِنْ ثَمّ فقد يُساعِد الحصول على فيتامين د وأوميغا 3 عبر تناول السمك على الإفطار في رمضان في التمتُّع بمزاجٍ طيب وصحة نفسية أفضل.
اقرأ أيضًا:إليك 7 هدايا.. هكذا يحميك الصيام من السرطان
2. المكسرات
المكسرات، مثل الكاجو والبندق والمكسرات البرازيلية غنية بأوميغا 3، والجوز أفضلهم على الإطلاق، إذ يُعزِّز صحة الدماغ، وأغنى تلك المكسرات بأوميغا 3، كما أنَّه زاخر بالبروتين الذي يُحافِظ على مستويات السكر في الدم.
ووجدت دراسة، حسب موقع "verywellmind"، أنَّ مُؤشِّرات الاكتئاب كانت أقل بنسبة 26% مع تناول ¼ كوب من الجوز يوميًا.
3. الدواجن
الدجاج والديك الرومي من مصادر البروتين الخالي من الدهون، ويُساعِدان في الحفاظ على مستويات السكر في الدم، بل يحفظان مزاج الإنسان أيضًا، فمثلاً تُوفِّر صدور الديك الرومي كمية مناسبة من التريبتوفان، الذي يستخدمه الجسم لإنتاج السيروتونين، الذي يُساعِد في تحسين المزاج، ونفس الأمر ينطبق على صدور الدجاج.
4. الخضراوات
نعم، الخضراوات مشهورة بالفيتامينات والمعادن والألياف، لكنّها أيضًا تُساعِد على تخفيف الاكتئاب، فالخضراوات، خاصةً الداكنة غنية بالألياف وحمض الفوليك، وقد تبيَّن أن من يُعانُون نقص حمض الفوليك أكثر عُرضةً للاكتئاب، لذلك لا يجب أن تخلو مائدة الإفطار في رمضان من بعض الخضراوات.
5. الشاي الأخضر
ربطت بعض الأبحاث، حسب موقع "everydayhealth"، بين تناول الشاي الأخضر وتحسين المزاج، خاصةً مع احتوائه على الحمض الأميني ل-ثيانين، ذي التأثيرات الإيجابية في صحة الدماغ، كما يُساعِد على الهدوء والاسترخاء.
ورغم الحاجة إلى مزيدٍ من الأبحاث، فإنَّه من المتوقع الحصول على فوائد قيِّمة للشاي الأخضر على صعيد الصحة النفسية والجسدية مع احتساء كوب واحد على الأقل كل يوم في رمضان مع الحذر في حالة مرض الكلى أو القلب.