من أين يأتي الإنترنت؟ وهل يُمكن أن يتوقف كُليًا يومًا ما؟
يعتقد الكثيرون أن الإنترنت موجودٌ في الهواء. حيث تُرسل أجهزة "الراوتر" موجات راديوية من حولنا. وتحمل هذه الموجات البيانات التي تُشكل الإنترنت. والتي ما أن تستقبلها حواسيبنا وهواتفنا وبقية الأجهزة حتى تُصبح متصلة بالشبكة العنكبوتية. سليم هو هذا التصوير المُختصر والمُخل "لكيفية عمل الإنترنت", إن كنا نتحدث على أضيق النطاقات. أما إذا أردنا رؤية الصورة كاملة فعلينا أن نوسّع منظورنا قليلًا. بل في الحقيقة نوسّعه قدر المستطاع.
من أين يأتي الإنترنت؟
كما يعرف الكثيرون، لا يأتي الإنترنت الذي نستخدمه يوميًا من مصدر واحد، وإنما ينبثق من شبكة عملاقة مُترامية الأطراف، أو بالأحرى "الكابلات - Cables" المُعقدة، الموجودة داخل محيطاتنا والتي يُمكن تشبيهها بعروق كوكب الأرض.
لك أن تتخيل أن سُمك هذه الكابلات، التي تتحمل صفعات الأمواج وتعيش في أعماق المحيطات وتنقل المعلومات والبيانات عبر القارات، يُشبه سُمك خراطيم المياه التي نروي بها الحديقة.
وهناك ما هو أرفع من ذلك بكثير، فبحسب جريدة "نيويورك تايمز"، يمكن أن يُساوي سُمك أسلاك الإنترنت الموجودة بداخل الكابلات نفسها سُمك شعرة الإنسان.
تتضمن عملية مد هذه الكابلات أسفل المحيطات تخطيطًا وتنفيذًا دقيقين لأقصى درجة. حيث تُستخدم السفن والغواصات المُتخصصة لدفنها بعيدًا لئلا تتلف. ولعل أشهر سفينة متخصصة في هذا الأمر هي سفينة "Durable" التي يبلغ طولها 456 قدمًا.
وعلى الرغم من التقدم في التقنيات اللاسلكية والأقمار الصناعية، فإن الكابلات البحرية لا تزال الطريقة الأنسب لنقل البيانات عبر المحيطات بفضل موثوقيتها وكفاءتها.
قدرات "كابلات الإنترنت" الخارقة
تُستخدم كابلات الإنترنت منذ وقت طويل جدًا، تحديدًا منذ خمسينيات القرن التاسع عشر. وتطوّر الأمر كثيرًا بالطبع منذ ذلك الحين. يصل متوسط أعمار هذه الكابلات إلى حوالي 25 سنة. كل "كابل" يحوي داخله أليافًا من الفايبر قادرة على نقل البيانات بسرعة 180 ميلًا في الثانية الواحدة. وتُغلف هذه الألياف بدرعٍ فولاذيّ وعازل وطبقة بلاستيكية.
أما بالنسبة لسرعة نقل البيانات، فمهولةٌ أيضًا، إذ تصل إلى 400 جيجابايت في الثانية الواحدة (أي ما يعادل حوالي 375 مليون مكالمة هاتفية). يحتوي كابل الإنترنت الواحد تحت البحر تقريبًا على 200 من هذه الألياف. ويمكن لثمانية فقط منها أن تنقل محتويات مكتبة بودليان (أحد أضخم المكتبات في العالم) عبر المحيط الأطلسي في حوالي 40 دقيقة فحسب.
وتختلف أطوال كابلات الإنترنت من كابلٍ لآخر بالطبع. ويزيد طول بعض الكابلات الجديدة، مثل الكابل الذي يربط أمريكا بآسيا، وكاليفورنيا بالفلبين، والمعروف باسم "Asia-America Gateway"، عن 10 آلاف ميل.
اقرأ أيضًا: الذكاء الاصطناعي يصل إلى محطة "ويندوز 11".. مزايا عديدة تنتظر المستخدمين
هل يمكن للإنترنت أن يتوقف؟
نظريًا يمكن ذلك، ولكن من الناحية العملية فالأمر شبه مُستحيل لأن هذه الكابلات مدفونة بأعماق هائلة أسفل المحيطات، ولا يمكن المساس بها. وكما يقول لويس فيلازون Luis Villazon، وهو صحفي بجريدة BBC Science Focus، فإنّ الأمر أشبه بسؤال "هل يمكن إيقاف جميع أنهار العالم مرة واحدة؟".
صحيح أنه يمكنك سد أو تحويل مسار تيار مائي فردي، ولكن من المستحيل تعميم ذلك مرة واحدة وفي نفس الوقت على جميع المسارات المائية لأنها دائمًا ما ستجد مسارًا جديدًا. نفس الشيء ينطبق على شبكة الإنترنت الضخمة والمعقدة التي تديرها الهيئات الحكومية والتجارية، فضلًا عن مليارات الأشخاص. وكما قُلنا، لا يوجد مصدر واحد للإنترنت، ولقد تم تصميم بروتوكول الإنترنت ليتماشى مع هذه الحقيقة.
ومع ذلك، يجدر بالذكر أن الإنترنت ليس مُحصنًا أيضًا، إذ قد تحدث كارثة طبيعية تُودي بالاتصال لدى بعض الأشخاص، وليس لدى الجميع بالطبع. هذا ما حدث عندما ثار بركانٌ في يناير/كانون الثاني 2022، وأدى إلى قطع الكابل الوحيد الموصّل للإنترنت في دولة تونغا، مما أدى إلى قطع جميع الاتصالات لمدة 5 أيام كاملة. ثم عادت الخدمة باستخدام الأقمار الصناعية، وشيئًا فشيئًا بدأت الأمور تعود لطبيعتها.
وبسبب الأضرار التي تحدث بشكلٍ دوري على مدار العام، يتم قطع ما يُقدَّر بـ 100 إلى 150 كابلًا كل عام. والطريف أن معظم الحوادث تكون بسبب معدات الصيد الثقيلة ومراسي السفن، لا سيما مع كثرة التعرض. ولكن، لا تتسبب هذه الممارسات البسيطة في توقف الإنترنت، فمعظم الدول تحسب حساب ذلك بامتلاكها لعشرات الكابلات البديلة. لذلك، في حالة تلف واحد أو اثنين، يمكن إعادة توجيه البيانات دون انقطاع.
ما الذي سيحدث لو توقف الإنترنت فجأة؟
الأمر في غاية التعقيد والسيناريوهات المطروحة مُخيفة جدًا. تعود معظمنا على الإنترنت لدرجة أننا لم نعد نعلم كيف تبدو حياتنا بدونه، ولا نعلم كيف يبدو العالم خارج حواسيبنا وهواتفنا الذكية. ليلة واحدة بدون إنترنت والعالم سينقلب رأسًا على عقب. سيتعين علينا إيجاد طرق جديدة للتواصل، وسنعود لأساليب الاتصال العتيقة وسنشقى من أجل إيجاد معلومة واحدة. ستكون الجرائد مصدر الأخبار، ولن يكون هناك ما يُسمى العمل عن بعد. بل في الحقيقة، قد لا يكون هناك عمل أساسًا، حيث تحتاج جميع الأعمال -تقريبًا- إلى وجود إنترنت في عصرنا هذا. لا شك أنه بدون الإنترنت سنحتاج إلى إعادة هيكلة الأعمال، وكل شيء آخر تقريبًا.
بعد يومٍ واحد فقط من توقف الإنترنت، سيخسر كلٌ من Facebook وGoogle أكثر من 300 مليون جنيه إسترليني من عائدات الإعلانات بينهما فقط. بعد أسبوع، ونظرًا لاعتماد شبكات الكهرباء الحديثة على الإنترنت لتنسيق محطات توليد الطاقة ومحطات الكهرباء الفرعية، سينقطع التيار الكهربائي في الكثير من المناطق. والغاز بالتبعية لأن خطوطه تعتمد على الكهرباء والإنترنت.
توقف الكهرباء يعني توقف محطات البنزين التي تعتمد على الطاقة الكهربائية وعلى الإنترنت لمراقبة مستويات الخزانات وإجراء المعاملات. وبدون وقود أيضًا، لن تتمكن محلات السوبر ماركت الكبيرة من توصيل الطلبات. وستندلع أعمال الشغب في مختلف أنحاء العالم. ولأن سيارات الشرطة تعمل بالوقود، فسيتغلّى اللصوص الفرصة.
لن يحتاج العالم سوى عام واحد فقط حتى يعود إلى سابق عهده البدائي. وربما يموت قرابة مليار شخص حول العالم نظرًا لما سنعانيه على مستوى الاقتصاد، والذي سيكون بالمناسبة كما كان في الثلاثينيات أو ما شابه. الشاهد أن العالم سيشهد كارثة لم يشهدها من قبل، والسيناريوهات التي طرحناها قد تكون الأكثر تفاؤلًا.
اقرأ أيضًا: "صنع في الصين".. كيف نجحت بكين في فرض سيطرتها على قطاع التكنولوجيا؟
كيف يمكن للإنترنت أن يتوقف؟
استكمالًا لفقرة "هل يمكن للإنترنت أن يتوقف؟"، نُريد الإشارة إلى أن هناك سيناريوهين أو وسيلتين يُمكن للإنترنت أن يتوقف بسببهما؛ الأول أن يتم استهداف البُنية التحتية وذلك بقطع أسلاك الإنترنت أو بإتلاف الأقمار الصناعية وما إلى ذلك، وذكرنا كيف أن الكوارث الطبيعية يمكن أن تتسبب في ذلك بسهولة، والسيناريو الثاني أن يتم استهداف السوفتوير نفسه وذلك بالفيروسات أو البرمجيات الخبيثة التي تستطيع إيقاف بروتوكولات الإنترنت عن العمل.
كما تُلاحظ نحن هُنا نتكلم عن النطاقات المحلية وليس عن الإنترنت عمومًا لأنه كما تناولنا أعلاه؛ من شبه المُستحيل أن يتوقف الإنترنت في العالم أجمع. وعلى ذكر النطاقات المحلية، ففي عام 2011 كانت امرأة مُسنة تنقّب عن النحاس وعن طريق الخطأ قطعت جزءًا كبيرًا من كابل الألياف الضوئية مما تسبب بقطع الإنترنت في أجزاءٍ من جورجيا وأذربيجان وأرمينيا! في نفس تلك الفترة أيضًا، تحديدًا بعد مرور عام، انقطع الإنترنت مرةً أخرى بسبب إعصار ساندي.
جدير بالذكر، أن هناك نوعين من توقف الإنترنت؛ في النوع الأول وهو التوقف التام لا يعمل الإنترنت كُليًا. جميع الخدمات تكون محظورة ومُعلَّقة، وهذا على مستوى المنطقة المحلية أو حتى الدولة، ومهما فعل الأشخاص فلن يكون بمقدورهم أن يستعيدوا الاتصال بأي شكلٍ من الأشكال.
أما النوع الثاني، وهو الانقطاع الجزئي للإنترنت، فيكون هناك أملٌ من استعادة الاتصال، حيث تحظر الحكومات أو الشركات أشخاصًا بعينهم -لأسباب مختلفة مثل العيش في دولة محظورة- من الوصول إلى المواقع والخدمات، أو استخدام بعض التطبيقات، أو حتى تصفح الإنترنت نفسه، وهنا يمكن للشخص أن يتغلب على ذلك باستخدام برامج الـ VPN مثلًا.