د.هاني القحطاني لـ"الرجل": العمارة فقدت بساطتها.. وخط المصحف الشريف بيدي طيف يراودني
ولد في مدينة الضباب بأبها، وعلى ضفاف واديها قرية المفتاحة التشكيلية تكونت الرؤية الفنية الفكرية للفنان د.هاني القحطاني الذي شغف بالصحراء والفن، وانعكست على أعماله الفنية والمعمارية بمزيج بين الخط العربي والعمارة بطريقته الخاصة لتأسيس مدرسة جديدة في الفن العربي الحديث.
وأكد في لقاء حصري لـ"الرجل" أهمية عقد بروتوكول تعاون بين الجامعات والجهات الحكومية لبناء عمارات يرى الناس أفرادًا وجماعات فيها أنفسهم.
مزيد من التفاصيل في الحوار التالي:
- تركز أعمالك الفنية بمعرض"تجريد" على جمالية الخط العربي والعمارة.. بهذا المزج بين الحرف والعمارة ما الرسالة التي تحملها؟
الخط العربي والعمارة هما الجناحان اللذان حلّقت بهما الحضارة الإسلامية في سماء الفن، واللغة العربية سواء كانت نصًا مقدسًا أم أدبيًّا، شعرًا كان أم نثرًا مادة هذا الفن.
هذه الصورة المجازية للعمارة والخط احتضنتهما الصحراء بكثبانها ذهبية اللون، وسمائها الزرقاء، وبحكم الخلفية الأكاديمية الصارمة المتراكمة عبر السنين، تم التوليف بين الثنائيات من منظور معماري صرف، وكل عمل يعبر عن هذا المنهج بطريقته الخاصة.
- أخبرنا عن أحدث التقنيات بالعمارة والفنون وتأثيرها العميق على الممارسات التعليمية والمهنية والمجتمعية؟
العمارة كالموضة، متغيرة باستمرار، فما أن يظهر توجه عام بتأثير الأكاديميات، أو السوق والتصنيع، أو نتيجة للنقد الاجتماعي يتم تداوله إلى أن يظهر توجه جديد وهكذا، وظهر في سياق محلي العودة للتراث والموروث الشعبي، بأواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، أعقبها الهندسة القيمية، فالاستدامة والأنسنة، وأخيرًا استخدام البرامج الحاسوبية المتقدمة بالعمارة كالتفكيكية، والبارومترية، والكسرية "fractures" والرقمية. وعلى الرغم من تعدد المدارس واختلافها تبقى العمارة بجميع مستوياتها نشاطًا إنسانيًّا حيويًّا فطريًّا وفي الوقت ذاته فإنها فن السهل الممتنع.
أما عن تأثيرها على الممارسات التعليمية والمهنية والمجتمعية، فإنه يختلف باختلاف الزمان والمكان، وبدءًا من التعليم إلى التطبيق على أرض الواقع، وصولاً إلى التأثير على المجتمع.
وتمر العمارة بمراحل متعددة ومعقدة، إن تكاملت المراحل بسلاسة حسن البناء، وإن تعثرت بدا ذلك واضحًا على الواقع، ثم يصدر المجتمع حكمه على العمارة ومنتسبيها من مقاعد تعلمها بالجامعة، وصولاً إلى مواد التشطيب، مرورًا بقائمة طويلة من الأنظمة والقوانين التنموية ومنها كود البناء على سبيل المثال.
- هل يمثل الذكاء الاصطناعي تغييرًا لمسيرة الحضارة البشرية؟ولماذا؟
الذكاء الاصطناعي ثمرة محصلة طويلة من الإنجازات العلمية المتسارعة بمجال البرمجيات، لكن اعتماد الإنسان على التقنية هو ما جعل من الذكاء الاصطناعي سيفًا ذا حدين، وإذا استمر الإنسان باعتماده على التقنية فإنها ستحول حياته إلى روتين رقمي، يفقد معها كيانه الإنساني ويتحول الانسان إلى كائن رقمي، وليس إنسانًا من لحم ودم وله مشاعر وأحاسيس.
اقرأ أيضًا: الخطاط السعودي سعود خان: تعلمت الفن لأرسم طريقًا لنفسي.. وصنعت ريشتي من صناديق الشاي
دون المأمول
- بوصفك أستاذ العمارة والفن.. كيف يمكن إبراز التجارب والمشروعات ذات العلاقة بالعمارة والتصميم والاستفادة منها؟
هذا سؤال وجيه، فالأكاديميات مصانع العقول، وبنهاية كل فصل دراسي تتحول كليات العمارة إلى معارض مؤقتة لمشاريع الطلبة في أثناء المناقشة، ما يمثل حصاد فصل دراسي كامل، أو سنة بكاملها.
أما بالنسبة للمجتمع خارج الكلية فإن بعض المشاريع تمثل إضافة نوعية وجودة للمجتمع لو تم بناؤها، لكن تكمن المشكلة بغياب التنسيق والتواصل والتعاون بين الجهات المعنية التنمية البشرية والعمرانية على وجه الخصوص بهذه المشاريع مع الجامعات، وبالرغم من بعض مذكرات التعاون والاتفاقيات تبقى دون المأمول.
- شملت العمارة والفنون مناحي حياتنا في الماضي.. فهل ما زالت حاضرة في زمن العولمة؟
في الماضي كانت العمارة منتجًا اجتماعيًا، الكل منخرط به، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. على سبيل المثال كان أهالي القرية، يبنون بيوتهم كفريق عمل واحد، وعند الانتهاء من البناء يزف البناة البيت لصاحبه بصورة احتفالية مبهجة من الحياة الاجتماعية وقس على ذلك مختلف أوجه الحياة.
الآن فقدت العمارة بساطتها "فطرتها"، وأصبحت صناعة مهنية واقتصادية وثقافية بامتياز، وحدث الخلل. باختصار الحنين للماضي الجميل يسكن أعماقنا، وتحقيق الحنين بضوء الواقع الجديد للبناء والأعمار اختلف تمامًا، للعولمة والثقافة الغربية تأثير، ولها محاسنها، عملية البناء "العمارة" معقدة وطويلة وتمس كافة شرائح المجتمع، ولكل مجتمع خصوصية، والقطاع العقاري بالمملكة يبذل جهودًا جبارة بالعمارة، واقتراح تطوير الخطط العقارية بالتعاون مع الجهات الحكومية لبناء عمارات يرى الناس أفرادًا وجماعات فيها أنفسهم.
الصبر والمثابرة
- ما التحديات التي واجهتها؟ وكيف تغلبت عليها؟
واجهت تحديات كثيرة، للتمكن من التخصص والإبداع، فمنذ المجيء إلى المنطقة الشرقية بأواخر القرن المنصرم، ثم التخرج، وتكبد مشقة الذهاب والإياب والتحاقي بالجامعة نفسها والابتعاث لدرجتي الماجستير والدكتوراه. أما الانكسارات فكثيرة منها وفاة الوالد ومشرف رسالة الدكتوراه وتغييرها بغضون شهر واحد فقط عام 1995. وعلى المستوى الخاص إصابة ابنتي الكبرى بمرض وراثي نادر منذ الصغر وتبعاته العائلية، "واصبر" هو عنوان لوحة غالية عليّ تجمع بين الخط العربي والصحراء. هذه اللوحة تختصر إيمانًا عميقًا لدي بمواجهة التحديات التي تغلبت عليها ولله الحمد.
اقرأ أيضًا: المخرج السعودي توفيق الزايدي لـ "الرجل": مهرجان البحر الأحمر يسابق الزمن وأفلامي ليست للمشاهدة فقط
- ممن تلقيت الدعم والتشجيع؟
كان لوالدي -رحمه الله- الفضل الأول في ترسيخ مفهوم طلب العلم منذ الصغر، ولا أنسى اصطحابه لي صبيحة أول أيام الدراسة بالمدرسة بأبها، مازال عالقًا بذاكرتي إلى الآن، ومعالي مدير جامعة الملك فيصل الأسبق د. محمد القحطاني، والمهندس هاني أبو غزالة مستشار أمير منطقة مكة المكرمة، كان لهما الفضل الكبير بعد الله بمسيرتي الأكاديمية. ولا أنسى عبارة "أخلص لمنهجك" لفقيد الأدب والفكر مؤخرًا وصديق الطفولة محمد الألمعي، وشقيقي التربوي فؤاد وتحمله تبعات ابتعادي عن بيت العائلة للدراسة، ولا أنسى أصدقاء الدراسة عبدالله الأحمري وناصر عسيري، هناك من لا تسعفني الذاكرة بسردهم جميعًا فلهم الشكر والامتنان.
يُبنى المجتمع بالمرأة
- ما دور المرأة في حياتك؟
المرأة سكن الرجل، وهي الصاحب، والصديق والجليس والونيس، إنها ظل الرجل أينما حل وارتحل، هذا على مستوى الفرد، أما على مستوى المجتمع، فالمرأة هي الأم والأخت والابنة والزوجة وهكذا يُبنى المجتمع من لبنة الرجل وزوجة.
- ما الإنجازات التي تفخر بها؟
على المستوى الأكاديمي، أعتز بالحصول على جائزة منظمة المدن والعواصم الإسلامية المركز الثاني لعام 2013، والمساهمة بتوسعة الصحن بالمسجد الحرام ضمن فريق هندسي بالكلية عام 2008.
وعلى المستوى التربوي، كل خريج ناجح تشرفت بتعليمه يعتبر مصدر فخر لي.
وعلى المستوى الأسري، فإن تعليم الأبناء والاستثمار فيهم إنجاز صامت.
وعلى المستوى الثقافي يعد كل مقال أسبوعي أكتبه بناءً فكريًا، مثله مثل أي مشروع بناء؛ إنه عمارة بحد ذاته.
موسوعة جديدة
- ما طموحاتك المستقبلية؟
طموحاتي كثيرة أهمها تحويل ما درسته لتلامذتي بمختلف المراحل بالجامعة من نظريات وتاريخ العمارة إلى مبان واقعية، بجانب تأليف موسوعة جديدة عن العمارة الإسلامية وفق منظور معرفي وأكاديمي جديد، ومتابعة خوض التجربة بعالم الفن، وإنشاء مكتب هندسي وأكاديميات متخصصة في مجال الفنون والعمارة، وتبقى فكرة خط المصحف الشريف بيدي طيفًا يراودني بين حين وآخر.
بطاقة تعريف:
الاسم: هاني محمد علي القحطاني.
الحالة الاجتماعية: متزوج.
تاريخ الميلاد: 1960م.
التعليم:
بكالوريوس عمارة وتخطيط جامعة الملك فيصل.
ماجستير العمارة، جامعة واشنطن سانت لويس الولايات المتحدة الأمريكية.
دكتوراه العمارة جامعة أدنبرة المملكة المتحدة.
الوظيفة الحالية:
وكيل كلية العمارة والتخطيط للدراسات العليا والبحث العلمي.
رئيس مركز الدراسات والاستشارات العمرانية.
عميد كلية العمارة والهندسة بجامعة اليمامة بالرياض.
المؤلفات:
العمارة والناس.
من المساكن التقليدية إلى ناطحات السحاب "العمارة في المملكة".
مبادئ العمارة الإسلامية وتحولاتها المعاصرة.