تأثير المتفرج.. لماذا لا نُساعد شخصًا يُعاني أمام أعيننا؟
في 13 مارس 1964، تعرضت كيتي جينوفيز، البالغة من العمر 28 عامًا، لعملية طعن وحشية أودت بحياتها خارج منزلها في حي كوينز بمدينة نيويورك. وحدثت هذه الجريمة المروعة في وضح النهار، واستمر الهجوم الوحشي لمدة 30 دقيقة تقريبًا. خلال ذلك الوقت، كانت كيتي تصرخ وتستغيث بكل ما أوتيت من قوة، لكن لم يتدخل أحد من بين 38 متفرجًا، بحسب التقارير الصحفية.
أثارت هذه الحادثة غضب الرأي العام، وأصبحت رمزًا وتجسيدًا واضحًا لظاهرة اللامبالاة في المجتمع الحديث. لكن السؤال الأهم هو: لماذا لم يتدخل أحد لإنقاذ كيتي؟
تأثير المتفرج Bystander effect
من رحم تلك الحادثة المروعة وُلِدَ المصطلح الشهير في علم النفس "تأثير المتفرج - Bystander effect" أو "لامبالاة المتفرج - Bystander Apathy"، اللذين يشيران إلى امتناع الشخص عن مد يد العون للأشخاص الواقعين في مأزق إذا كان هناك غيره من الحضور القادرين على المساعدة.
صاغ المصطلح، تأثير المتفرج Bystander effect، الباحثان في علم النفس الاجتماعي "جون دارلي - John Darley" و"بيب لاتاني - Bibb Latané"، وأرجعا سبب حدوثه إلى عاملين رئيسيين: "توزيع المسؤولية - Diffusion of Responsibility" و"قوة التقاليد الاجتماعية - The Power of Social Norms".
أما العامل الأول؛ "توزيع المسؤولية"، فيُقصد به إلقاء الشخص المتفرج حمل مسؤولية التدخل على عاتق متفرجٍ آخر، والمتفرج الآخر على متفرجٍ آخر، وهكذا، لدرجة تدفع الجميع للتجمد في مكانهم وترك الضحية تعاني دون أن يحركوا ساكنًا.
بالنسبة للعامل الثاني؛ "قوة التقاليد الاجتماعية"، فالمقصود به مراقبة الشخص لتصرفات غيره من الأشخاص حتى يتصرف وفقها، لا سيما إذا كان يفتقد لروح القيادة. وكما في العامل الأول؛ يراقب الجميع تصرفات الآخرين حتى ينتهي المطاف بالضحية مقتولًا أو معذبًا بطريقة بشعة، أو بأي مآل كان يمكن تجنبه بتدخلٍ شجاع.
ومع ذلك، قد يُلام الأشخاص الذين لا يتدخلون لمساعدة غيرهم اعتبارًا للأخلاقيات، ولكن من الناحية البيولوجية أو النفسية، يقول العلم إن تجمد الأشخاص أو دخولهم في صدمة عند رؤية معاناة الآخرين المتجسدة في موقف طارئ هو أمر طبيعي ويحدث نتيجة لما يُسمى بالاستجابة للخوف (response to fear)؛ الخوف من أن يكون المتفرج ضعيفًا ولا يستطيع تقديم يد العون مما سيعرضه شخصيًا للخطر.
اقرأ أيضًا: "عندما يُصبح الشغف هوسًا".. ما هو اضطراب الحب الاستحواذي؟
تأثير المتفرج في زمن وسائل التواصل
مع ظهور وسائل التواصل وزيادة عدد مستخدميها، أخذ مفهوم تأثير المتفرج أبعادًا جديدة تؤثر على كيفية تفاعل المستخدمين مع من يحتاجون إلى يد العون في الحقيقة وفي العالم الافتراضي، الذي يواجه فيه البشر تنمرًا وتحرشًا وغيرهما من أساليب الإيذاء المختلفة.
ورغم التشابه الظاهري بين تأثير المتفرج في الحقيقة وعلى وسائل التواصل، إلا أن بينهما اختلافات شاسعة، إذ يكون من السهل في الحقيقة تقييم مدى خطورة الموقف قياسًا على لغة الجسد وتعبيرات الوجه وغيرهما، وهذا يناقض وسائل التواصل التي يستخدمها الأفراد من وراء شاشاتهم التي تطمس الهوية. ومع ذلك، على الرغم من صعوبة تقييم مدى خطورة المواقف على Facebook مثلًا، فإن فرص مد يد العون فيه تكون أكبر من الحقيقة نظرًا لتلاشي العوامل الثلاثة المذكورة أعلاه.
المتفرج في هذه الحالة يكون وحيدًا، يشعر بالمسؤولية مدفوعًا بالوازع الأخلاقي، ناهيك عن أنه لا يهاب شيئًا، إذ ما احتمال أن يصل إليه المجرم ويعاقبه على تدخله؟ أقل من الفرص على أرض الواقع لا ريب.
الجدير بالذكر أن إهمال المتفرج الرقمي -عدم تدخله لمساعدة الآخرين- له عواقب وخيمة على سلوك الجمع على الإنترنت، فبالتوازي مع تجاهل الأشخاص المستمر، تزداد حالات التنمر والتحرش الإلكتروني. وفقًا لمسح أجرته منظمة UNICEF، فإن التنمر يؤثر على أكثر من 33% من المستخدمين في 30 دولة مختلفة.
لسوء الحظ، فإن تشجيع الممارسات السلبية على الإنترنت أمر سهل للغاية؛ سهل كسهولة الإعجاب بمنشور مسيء أو يحض على الكراهية والتصيد. هذا الإعجاب يُشجع المجرمين والمختلين عقليًا على التمادي في ممارساتهم المؤذية، وبالتالي يجب الانتباه.
كيف تكون مُتفرجًا مُباليًا/ إيجابيًا؟
قبل أي شيء عليك أن تكون واعيًا؛ واعيًا بأن التدخل في المواقف التي يحتاج فيها الآخرون إلى المساعدة هو الحل الوحيد لإيقاف الممارسات الإجرامية من تنمرٍ وتحرشٍ وإيذاء لفظي وتعدي جسدي. لا نقول ألقِ بنفسك إلى التهلكة بكل تأكيد، ولكن ما نقصده هو أن الشخص عليه أن يُقيم الموقف جيدًا أولًا، وإذا وجد نفسه قادرًا على التدخل والمساعدة، فليفعل، خصوصًا لو كان مُحاطًا بمجموعة من الأشخاص؛ عليه أن يتمتع بروح القيادة ويحثهم على التدخل.
إذا كنا سنلخص الجواب على هذا السؤال، فسنقول: "لا تنتظر من الآخرين أن يتصرفوا أولًا"، تدخل أنت بشكلٍ ذكي؛ اتصل بالشرطة، اطلب المساعدة، اصرخ من بعيد.. الخيارات كثيرة، افعل أي شيء.
هل من الخطأ ألا يُساعد المتفرج غيره؟
الأمر يعتمد على أخلاقيات كل فرد منا والموقف الذي نتحدث عنه، فإذا كان المتفرج قادرًا على المساعدة ولم يفعل، يُعتبر مذنبًا من الناحية الأخلاقية. ولكن لا يجب أن ننسى أن تدخل المتفرج ليس إلزاميًا، بل هو تفضلٌ منه ويُشكر عليه، أو على الأقل هكذا يرى البعض.