القرى التراثية في الباحة.. رحلة عبر الزمن إلى ثقافة وإرث الأجداد
تشكل القرى التراثية الموجودة في الباحة جوهر التاريخ السعودي، إذ تندمج العمارة الفريدة مع جهود الترميم لإعادة زوارها إلى تجربة ساحرة وفريدة من نوعها تعود لما قبل 400 عام.
وتعد منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية مكانا يتسم بالتنوع الثقافي والتاريخي، إذ تضم 72 قرية تراثية وأكثر من 194 موقعًا أثريًا وتراثيًا. والحقيقة أن هذا التراث الغني يمثل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية، ويجذب زوار الباحة لاستكشاف الحضارات التي نشأت قبل نحو 400 عام.
تنوع التضاريس والمعمار
تتنوع القرى التراثية في الباحة بين التضاريس الوعرة والسهلة، وتظهر بشكل مذهل على امتداد المنطقة. وتُسجل هذه القرى والمواقع التاريخية "باركود" يعكس تصنيفها وتمييزها من قبل هيئة التراث.
وإذ تعتمد المباني الأثرية على مواد البناء المحلية مثل الأحجار والأشجار والرمل، حيث يُستخدم العرعر والسدر والطلح والزيتون البري لبناء الهياكل بأشكال فنية رائعة. والمميز أن تلك المواد تُنقش بأشكال وأنماط مختلفة، وتُلون بمادة القار الأسود، ما يُضيف جمالاً لا مثيل له للمباني.
دور الهيئة المحلية والدعم الحكومي
تحظى القرى الأثرية والمواقع التاريخية بدعم كبير من صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز، أمير منطقة الباحة، وإذ يرى سموه أهمية هذا التراث الثقافي كجزء من الهوية الوطنية، وهو ما يعكس مدى حرصه والتزامه بالمحافظة على هذا التراث وتطويره.
أبرز القرى والمواقع
1. قرية ذي عين الأثرية:
- تأسست قبل أكثر من 400 عام.
- تضم 58 بيتًا أثريًا حجريًا.
- محاطة بالنخيل وأشجار الموز والريحان والليمون.
2. قرية الأطاولة التراثية:
- تحتضن سوق ربوع قريش وحصن مشيخة آل عثمان.
- تضم أول مدرسة نظامية ومسجدًا تاريخيًا.
- يشمل تطوير المساجد التاريخية ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان.
3. قلعة بخروش بن علاس:
- تقع شمال غرب محافظة القرى.
- قلعة قديمة ذات أسوار عالية مع برجين.
4. قصر ابن رقوش التاريخي:
- يتكون من خمسة منازل كبيرة بتصميم معماري فريد.
- يضم مجلسًا للقبيلة ومسجدًا ومهاجعًا للخدم.
دور المجتمع المحلي وتوجيهات الأمير
تشدد توجيهات أمير المنطقة على أهمية العناية بالقرى التراثية، وضرورة تطويرها لتكون وجهة سياحية، مع إشادة سموه بالجهود المبذولة في بعض القرى مثل ذي عين والأطاولة، ما يجعلها نموذجًا للتطوير السياحي.
ويمكن القول في هذا السياق أيضًا إن القرى التراثية والمواقع التاريخية الموجودة في الباحة تعد مصدرًا غنيًا للتراث والثقافة، إذ إنها تروّج للهوية الوطنية وتجلب السياح والزوار. بينما يعكس الدعم الحكومي واهتمام المجتمع المحلي مدى الاهتمام بالحفاظ على هذا الإرث الثقافي الذي يعود لأكثر من 400 عام.
اقرأ أيضًا: "إرثنا مسؤوليتنا".. احتفاء خاص بالتراث الثقافي والتاريخ الغني للمملكة في العُلا
تجربة فريدة في رحلة عبر الزمن
تلعب قرى التراث والمواقع التاريخية في منطقة الباحة دورًا فعّالاً في جذب زوارها وإعادتهم لتجربة فريدة تأخذهم في رحلة عبر الزمن، حيث تنعكس في هذه القرى بعض الأثار التاريخية التي تعود إلى أكثر من 400 عام، في الوقت الذي يتبوأ فيه هذا الإرث الثقافي المتنوع والغني مكانة مهمة في قلوب السكان المحليين، ويستقطب أنظار الزوار من داخل المملكة وخارجها على مر السنين.
هيئة التراث والسلطات المحلية تقوم بدعم وتطوير هذا الإرث الثقافي بجهود مستمرة، وقد صنفت أكثر من 194 موقعًا أثريًا وتراثيًا، مع إعطاء كل قرية تراثية هويتها الفريدة من خلال رموز "باركود".
ويُبرز هذا التصنيف الدقيق الثروة الثقافية المتنوعة في المنطقة، حيث تتنوع المواقع بين القلاع والحصون والمساجد، وتظهر تقنيات البناء التقليدية باستخدام المواد المحلية كالأحجار والأشجار.
وتشهد القرى التراثية في الباحة جهودًا مستمرة للحفاظ على هويتها وتطويرها، وقامت هيئة التراث بمشروع إعادة تأهيل قرية ذي عين على مرحلتين، ما يسهم في جعلها وجهة سياحية متميزة. كما يجري العمل على تسجيلها ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، ما يسلط الضوء على أهميتها العالمية.
وتأكيدًا للدور المحوري للمجتمع المحلي، تشدد الهيئة على ضرورة التعاون مع الأهالي في عمليات التأهيل والترميم، وتوفير الاشتراطات والمعايير اللازمة. ويتم ذلك بهدف تعزيز الهوية الثقافية السعودية ونشر الوعي الثقافي والحفاظ على الإرث الثقافي والقيم الاجتماعية.
وتشير التقارير إلى أن الأمانة والبلديات المحلية في منطقة الباحة قامت بتحسين البنية التحتية للمواقع التراثية وتطوير المناظر الطبيعية المحيطة بها، بما في ذلك تسجيل قرية ذي عين وتحويل قصر بن رقوش إلى مزار سياحي. كما أُجريت أعمال ترميم وتطوير للطرق وتحسين الإنارة لتسهيل وصول الزوار إليها.
من جهة أخرى، فقد قامت الأمانة والبلديات بمشاركة فعّالة في مبادرة سمو ولي العهد لترميم المساجد الأثرية، ما سيعزز الجهود الوطنية للحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي.
وقد تحولت تلك القرى التراثية إلى مواقع مخصصة للفعاليات والمهرجانات، ما دفع بزيادة التوجه السياحي نحو المنطقة. وتستضيف هذه الفعاليات محطات تعريفية بالثقافة السعودية من خلال الفنون والعروض الشعبية، وتسليط الضوء على التراث الحضاري والحياة الاجتماعية للأجداد.
وبهذا السياق، أكد الدكتور علي السواط، أمين منطقة الباحة، على الجهود المبذولة لتطوير وتنمية القرى التراثية، مشيرًا إلى سعي الأمانة لتحسين البنية التحتية والطرق المؤدية إليها، ما يسهم في تحقيق التنمية السياحية والتراثية في المنطقة.
فيما تظهر القرى التراثية في منطقة الباحة كمحطات سياحية متميزة، تحمل بين جدرانها قصصًا حية عن حضارات الماضي وتعكس جمال التراث السعودي.
وبفضل الجهود المشتركة بين الحكومة والمجتمع المحلي، تستمر هذه القرى في استقطاب الزوار والسياح، ما يعزز دورها كمحرك اقتصادي قوي ويساهم في تحقيق رؤية المملكة الطموح في مجال السياحة.
رؤية المملكة 2030
تعكس الجهود الحثيثة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية في قطاع السياحة رؤيتها الطموح التي تمثلت بمبادرة "رؤية المملكة 2030". وإذ يهدف هذا البرنامج الوطني الشامل إلى تحويل الاقتصاد السعودي وتنويعه، حيث يلقي الضوء على السياحة كقطاع استراتيجي لتحقيق أهدافه.
وتبرز قرى التراث والمواقع التاريخية في منطقة الباحة كعنصر مهم في استراتيجية التنمية السياحية، حيث تعمل المملكة على تطويرها وإبرازها كجزء لا يتجزأ من العرض السياحي. ويسعى القطاع السياحي إلى توفير تجارب فريدة للزوار، وتعظيم الاستفادة من الثروة الثقافية والتاريخية المتاحة.
ومن خلال مشاركتها في مبادرة سمو ولي العهد لترميم المساجد الأثرية، تؤكد المملكة على التزامها بالمحافظة على الإرث الثقافي والديني، وهو ما ينسجم تمامًا مع رؤية 2030 التي تهدف إلى جعل المملكة وجهة رائدة على الخريطة العالمية للسياحة، بالاعتماد على التنوع والتميز.
وتعد القرى التراثية في الباحة أحد المكونات الحيوية لرؤية المملكة 2030، حيث تُعَزز هذه القرى السياحة الثقافية وتقدم تجارب سياحية فريدة تعكس تراث المملكة. وتسعى المملكة إلى استغلال تلك الأصول الثقافية وتسويقها على الصعيدين المحلي والدولي، وذلك من خلال استثمار مواردها الطبيعية والتاريخية.
وفي إطار تطوير قطاع السياحة، تقوم الهيئة الوطنية للسياحة بتطوير البنية التحتية والخدمات السياحية المقدمة في تلك القرى، ما يعزز جاذبيتها ويسهم في تحسين تجربة الزوار. ويتيح هذا التطوير فرصًا اقتصادية جديدة ويشجع على مشاركة القطاع الخاص في دعم هذه المبادرات.
وفي ختام الحديث عن قرى التراث في منطقة الباحة، يتضح أن المملكة تولي اهتمامًا كبيرًا للمحافظة على التراث الثقافي والتاريخي، وتستثمر بقوة في تطويره وتسويقه كموروث فريد وجذاب على مستوى العالم. وهي الجهود التي تعكس الرغبة في تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في بناء اقتصاد متنوع ومزدهر، يتماشى مع تطلعات المملكة للمستقبل.