محمية "حرّة عويرض".. عبق التاريخ في أحضان "العُلا"
عند مشارف محافظة العُلا، حيث تتناغم أصداء الزمان مع سمفونية الطبيعة، تُطل محمية "حرة عويرض" باعتبارها كنزًا مدفونًا من التاريخ الإنساني. تملك في طياتها أسرارًا عائدة إلى العصور الحجرية، وتنبض بروح الأجداد وتروي سيرتهم الأزلية.
توثق المحمية، التي تُعد أحد أقدم مواقع تواجد البشر في المملكة العربية السعودية، في خطوطها العريضة ومساحتها التي تناهز السبعين كيلومترًا عرضًا والمئة طولاً، عبقًا تاريخيًا يستمد جذوره من عمق التاريخ.
الطبيعة الجغرافية والجيولوجية
تستعرض "حرّة عويرض" تضاريسها المتنوعة بين الحقول البركانية السوداء، والوديان الضيقة، والصخور البازلتية التي توفر مأوًى طبيعيًّا لتنوع بيولوجي فريد. وتُظهر الدراسات الجيولوجية أن هذه المنطقة كانت شاهدة على تطورات بيئية وتغيرات مناخية عبر العصور، ما جعلها مسرحًا لحكايات الحياة التي عاشها الإنسان القديم.
الاكتشافات الأثرية
ومع الكشف عن آثار الإنسان القديم، والمزيلات التي تحتوي على غرف للدفن، تتكشف بالفعل الكثير من التفاصيل الحياتية الغنية التي قلّ نظيرها. وإذ يوفر هذا الموقع الأثري نافذة استثنائية لفهم الأنماط اليومية وطبيعة الحياة في العصور الحجرية، كما يسلط الضوء على التحولات الثقافية والاجتماعية التي عايشها أسلافنا.
التسجيل الدولي
تتوّج هذه الأهمية بتسجيل المحمية ضمن برنامج الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" في برنامج الإنسان والمحيط الحيوي "MAB"، ليتم بذلك تسجيل الاعتراف فعليًا بأهميتها الثقافية والطبيعية العالمية؛ وهو إنجاز يبرز جهود المملكة في الحفاظ على إرثها الثقافي والطبيعي.
التنوع البيولوجي
ما يزيد هذه المحمية تميزًا هو تنوعها البيولوجي، إذ تشمل 19 نوعًا من الحيوانات المهددة بالانقراض، وأكثر من 40 نوعًا من الطيور بما في ذلك ثمانية أنواع جارحة. بالإضافة إلى ذلك، تزخر بـ 55 نوعًا من النباتات النادرة، ما يجعلها موطنًا لباقة مدهشة من مشاهد الحياة البرية والأنواع النباتية التي تطرز سجادها الأرضي.
اقرأ أيضًا: مهرجان العُلا للاسترخاء والاستجمام.. فرصة لإنعاش الروح والعقل
الجهود المحلية والدولية
تنسج المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع الهيئات الدولية، شبكة من الجهود المثمرة للحفاظ على هذا الموقع الفريد. وعبر الاستعانة بالتنظيمات البيئية والأبحاث العلمية المتواصلة، يجري العمل على دراسة هذه الحياة البرية وحمايتها، وضمان استمرارية تقديمها للأدوار البيئية المهمة.
تمثل محمية "حرّة عويرض" معلمًا بيئيًّا وأثريًّا منقطع النظير في المملكة، ينبغي حمايته ودراسته بعمق، وإذ تُسهم حقولها البركانية، وغرف الدفن القديمة في سرد حكاية زمنية وبيولوجية عريقة، بينما ترقد تحت رمالها أسرار التاريخ الإنساني العتيق الجدير بالكشف والتقدير.
تُعد محمية "حرّة عويرض"، ملتقى تاريخيًّا عريقًا يحكي أقدم قصص البشرية على الأرض السعودية. وبامتدادها على منطقة شاسعة، تصل لأبعاد تبلغ 100 كم في الطول و70 كم في العرض، تعكس هذه المحمية تكاملاً مثاليًا مع أهداف ومقاصد رؤية السعودية 2030، التي تقوم على التنمية المستدامة والحفاظ على التراث ودعم وتعزيز البحث العلمي والسياحة التراثية.
التراث الأثري والحضاري
يجسد اكتشاف آثار الإنسان القديم ومنشآت الدفن في "حرّة عويرض" أهمية هذا الموقع في ترسيخ مفهوم التنمية الثقافية المستدامة المُوجهة في رؤية 2030.
المحمية تُعطي لمحة عن الحياة اليومية للإنسان الحجري، ما يُتيح الفرصة لإحياء التراث واستلهام العبر من خلال توسيع نطاق البحث والتنقيب الأثري، مع توفير أساس تعليمي وسياحي قوي يمكن من تفعيل الثقافة والتراث كرافد مهم للاقتصاد الوطني.
انطلاقًا من مبدأ الحفاظ على البيئة كركيزة أساسية في رؤية 2030، تُشكل محمية "حرّة عويرض" نموذجًا لهذا المبدأ بتنوعها الأحيائي الغني.
وبوجود 19 نوعًا من الحيوانات المهددة بالانقراض، 43 نوعًا من الطيور، و55 نوعًا من النباتات النادرة، تعبر المحمية عن التزام المملكة بالمحافظة على الحياة الفطرية وحمايتها، الأمر الذي يُتوج بالعمل على توسيع مجالات السياحة البيئية والاستفادة من هذه الثروة في جذب السياح والباحثين.
الاعتراف الدولي والتنمية المستدامة
تسجيل محمية "حرّة عويرض" ضمن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي "MAB" باليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بالجهود التي تبذلها المملكة في استدامة التنمية الثقافية والبيئية، ما ينعكس إيجابًا على صورة السعودية ويقوي موقفها كوجهة سياحية وثقافية عالمية، وفق ما تصبو إليه الرؤية.
محمية "حرّة عويرض" تُمثل مرآة لأهداف رؤية السعودية لعام 2030، فهي تربط الماضي العريق بالحاضر المزدهر، وتُعزز المستقبل الطموح بثرائها الطبيعي والتاريخي. ومن خلال الحفاظ على هذا الموروث الثقافي والطبيعي، تسعى المملكة لبناء جسور التواصل مع العالم، مقدمةً نموذجًا يحتذى به في الاستدامة والتنمية الشاملة.
والحقيقة أنه لا يمكن إسدال الستار على حكاية "حرّة عويرض"، إذ إن كل حجر وكل نبتة تخبئ بين طيّاتها فصولاً لم تُروَ بعد. وتظل هذه الأرض المهيبة، التي نُقش عليها التاريخ بأحرف من اللغز والجمال، تحتضن ثروتها الطبيعية والأثرية بحرص وعناية، مُحتفية بتراث إنساني يتجلى في كل زاوية من زواياها الشاسعة.
ومع كل اكتشاف يطفو على السطح، تتجدد الرؤية إلى الماضي العتيق، وتُعزز الأصالة التي تجسدت بامتياز في محمية "حرّة عويرض"، تلك الصفحة الخالدة من صفحات تاريخ هذا الوطن العريق.