"المواقف الحياتية تؤثر بشدة".. هل يمكن أن يغير الإنسان شخصيته بعد النضج؟
فترة المراهقة هي الفترة التي تبدأ فيها الشخصية الفريدة في الظهور، وقبل ذلك يكون كل اعتماد الطفل على والديه، ومع ذلك فإن الطفل عندما يدخل في فترة المراهقة ويبدأ في الانفصال تدريجيًا عن والديه، فإنه يبدأ في تكوين شخصيته الخاصة، وبجانب النضج الجسدي والعقلي، فإنه يبدأ في النضج الفكري كذلك، إذ يبدأ في وضع المبادئ الخاصة به والتفكير والتخطيط للمستقبل، ويجب على الوالدين في هذه المرحلة عدم الشعور بالرفض من تغير طفلهم، بل عليهم توجيهه إلى الطريق الصحيح طوال هذه الفترة الحرجة.
تعتمد الشخصية على 3 عوامل وهي: المزاج الذي يُتحكم فيه بواسطة الجينات التي يولد بها الشخص، والطابع الذي يُحدد بواسطة طريقة التفكير والشعور والتصرف، والبيئة وهي مجموعة الخبرات الحياتية التي يحصل عليها الشخص طوال حياته. وبالنسبة للمراهقين فإنهم يزدادون ثقة بأنفسهم مع مرور الوقت، ويُصبحون أكثر استعدادًا لخوض تجارب مختلفة، حتى يجدوا ما يناسبهم، وتتغير شخصياتهم بناءً على الموقف الذي يتعرضون له، أو الأصدقاء الذين يصاحبونهم.
تتكون شخصية المراهق من مزيج من المعتقدات الدينية، والطموحات الوظيفية، والمعايير الأخلاقية، والهوية الجنسية. وبمرور الوقت تتوسع نظرتهم إلى العالم فتجدهم يهتمون بالقضايا العالمية، كما أنهم يفهمون القيود التي كانوا ينتقدون والديهم عليها، ولكن هل شخصية الإنسان شيء ثابت، وهل يمكن للإنسان تغيير شخصيته بالكامل بعد البلوغ وعمر النضج؟
ما هي الشخصية وعلاقتها بالأفكار والسلوكيات؟
الشخصية هي نمط الأفكار والمشاعر والسلوكيات الفريدة لكل شخص، ويعتقد الكثير من الناس أن الشخصية أمر ثابت ولكن طبقًا لعلماء النفس فهذه ليست الطريقة التي تعمل بها الشخصية، فوفقًا لعالم النفس في جامعة إلينوي "برنت روبرتس" فإن الشخصية هي ظاهرة تطورية وليست مجرد شيء ثابت لا يمكن التغلب عليه.
وهذا الكلام لا يعني أن الشخص سوف يستيقظ كل يوم بشخصية مختلفة، ولكن على المدى القصير قد تكون التغييرات في شخصية الفرد شبه ملحوظة، وطبقًا للدراسات التي يدرس فيها العلماء شخصية المشاركين على مدى سنوات بانتظام، فإن شخصية الفرد تميل إلى الاستقرار على مقياس الأوقات القصيرة.
ما هي أنواع الشخصيات؟
توجد 4 أنماط للشخصية، والفرد هو مزيج من هذه الأنماط الأربعة، ويُطلق على هذه الأنماط اسم A وB وC وD، وكل منها له سماته الخاصة به، ونقاط قوة ونقاط ضعف.
النمط A
الأشخاص الذين يندرجون تحت هذا النمط يتميزون بحبهم للسيطرة على كل جوانب حياتهم، وحبهم للتنافس وتوكيل الآخرين لأداء أعمالهم، لكنهم قد يغفلون عن بعض التفاصيل، ويهتم هؤلاء الأشخاص بالنتائج، ويحددون الأهداف الخاصة بهم، وحلولهم دائمًا عملية.
نقاط قوة هذا النمط تتمثل في حبهم للتغيير، والطموح، والرغبة، والتنافسية العالية، أما نقاط ضعفهم فتشمل العناد، والجدية الزائدة في العمل، وعدم التسامح، وسهولة الغضب.
النمط B
يتميز هؤلاء الأشخاص بالمرونة وحبهم للاسترخاء، وحبهم لقضاء الوقت مع الأصحاب، ورغبتهم في تكوين علاقات جديدة، كما يتميز هؤلاء بعدم اهتمامهم بالحياة، وتجنبهم الدائم للصراعات أو المواقف التي تحتاج إلى بذل الجهد.
نقاط قوة هذا النمط تتمثل في أن هؤلاء الأشخاص:
- محبون للمرح.
- ودودون.
- جذابون.
- حالمون.
أما نقاط ضعفهم فتتمثل في أنهم:
- غير صبورين.
- سريعو الملل.
- منغمسون في أنفسهم.
اقرأ أيضًا:ما هي صفات الرجل الشهواني؟ وكيفية العلاج
النمط C
شخصيات هذا النمط يتميزون بحبهم للتفاصيل، واعتمادهم على المنطق والتفكير العقلاني عند اتخاذ أي قرار، وهي شخصيات تحليلية وموضوعية، وتعتمد على الأبحاث والحقائق بدلاً من الآراء المبنية على العاطفة.
نقاط قوة هذا النمط تتمثل في أن هؤلاء الأشخاص:
- مبدعون.
- جديرون بالثقة.
- مستقلون.
- منظمون.
أما نقاط ضعفهم فتتمثل في أنهم:
- يبدون غير اجتماعيين.
- لديهم سلوك منفصل.
- قلقون بشأن التطور.
النمط D
تتميز شخصيات هذا النمط بحبهم للتقدم البطيء والآمن في حياتهم وعملهم، ويسعون دائمًا لتحقيق الأمان، ويرغبون في إطالة أعمارهم، ويجدون راحتهم في الأعمال الروتينية، ويميل هؤلاء إلى الابتعاد عن الآخرين، بدلاً من الانخراط في المواقف الاجتماعية المختلفة، ولا يحب هؤلاء التغيير أبدًا.
تتمثل نقاط قوة هؤلاء في:
- الهدوء.
- المراعاة.
- الصدق.
- ملاحظة التفاصيل.
أما نقاط ضعفهم فتتمثل في:
- قلة الحزم.
- سهولة الإيذاء.
- الخجل.
- مقاومة التغيير.
تجدر الإشارة إلى أن الفرد هو خليط من كل هذه الأنواع الأربعة بنسب متفاوتة، لذلك فإن كل شخص له شخصية فريدة ومميزة عن الآخرين، ولا يتشابه شخصان في كل تفاصيل وجوانب الشخصية نهائيًا، ولكن لكل شخص نمط معين هو الذي يبدو كأنه المسيطر على شخصية الفرد، وبالنسبة إلى اختبار الشخصية فتوجد العديد من الاختبارات التي وضعها العلماء، والتي من خلالها يستطيع الشخص تحديد نمط أو نوع شخصيته.
هل يمكن للإنسان تغيير شخصيته بالكامل؟
في إحدى الدراسات التي نُشرت في عام 2000 في مجلة "Psychological Bulletin"، حلل العلماء نتائج 152 دراسة حول شخصية الإنسان، وفي هذه الدراسات تراوح عمر المشاركين من أشخاص في عمر الطفولة، وأشخاص في بداية السبعينيات من عمرهم، وكل دراسة اعتمدت على صفات الشخصية الخمس الكُبرى التي تشمل الانبساط "extroversion"، التوافق "agreeableness"، الضمير "conscientiousness"، الانفتاح على التجارب المختلفة "openness to experience"، والعصبية "neuroticism"، ووجد العلماء أن سمات الشخصية لكل فرد كانت تميل للبقاء ثابتة في كل عقد من الحياة.
يبدأ نمط سمات الشخصية في الثبات منذ سن الثالثة وربما أبكر من ذلك، ولا يقيس العلماء الشخصية في الأطفال بطريقة البالغين أنفسهم وكبار السن، ولكنهم يعتمدون على المزاج "جزء الشخصية التابع للجينات"، وكيفية رد وتفاعل الطفل مع الحياة من حوله، ويوضح العلماء أن شخصياتنا "مزاج" كأطفال تتوافق مع سمات الشخصية البالغة، فطفل في سن الثالثة لن يكون خجولاً بالطريقة نفسها التي يتصرف بها شخص في العشرين من عمره، ولكن ما يجب توضيحه هو أن شخصية "مزاج الطفولة" تؤثر على حياة الشخص فيما بعد.
في دراسة نُشرت في 1995 في جريدة "Child Development" تتبع العلماء الأطفال من عمر الثالثة إلى عمر الـ 18 عامًا، ووجد العلماء أن الأطفال الخجولين أصبحوا مراهقين تعساء.
وأوضح العلماء أن الشخصية تستمر في التغير ولكن ببطء، ولا يمكن قياس التغير على مدى 5 إلى 10 سنوات، ولكن يمكن قياس التغير على مدى أكبر من ذلك، وفي استطلاع رأي أُجري في 1960 لنحو 440 ألف طالب ثانوي، وبعد 50 سنة أعاد العلماء الأسئلة نفسها على 1952 طالبًا في الستينيات من عمرهم، ووجد العلماء أن الطلاب عندما وصلوا لعمر الستينيات سجلوا نقاطًا أعلى مما كانوا مراهقين، وكانت الأسئلة تقيس الهدوء، والثقة بالنفس، والقيادة، والحساسية الاجتماعية.
كما وجدت العديد من الدراسات أن شخصية الفرد تتحسن بمرور الوقت، ويُعرف العلماء هذه الظاهرة باسم "مبدأ النضج"، فبعض الأشخاص قد تتغير شخصياتهم أكثر من شخصيات أخرى، لكن لماذا تتغير شخصياتنا؟ يوضح العلماء أن المواقف التي نتعرض لها طوال حياتنا من اختبارات، وحب، وزواج، وإنجاب، بالإضافة إلى وفاة الأقارب، وضغط العمل وغيرها من الأمور تؤثر على شخصياتنا، وتقوي جوانب منها وتضعف جوانب أخرى.
لذلك فإن الشخص يتغير حتى بعد البلوغ وعمر النضج، ولكن لا يتغير بالكامل وذلك لأن جزءًا من شخصيتنا مرتبط بجيناتنا، كما أن شخصياتنا في الطفولة تؤثر وبشدة على شخصياتنا بعد البلوغ، ولكن تستمر شخصياتنا في التحسن والتغير طوال الوقت، وقد لا نلاحظها إذ أجرينا مقارنة بين شخصياتنا وشخصيات أصدقائنا، وذلك لأن شخصياتهم هي الأخرى تتغير بالتوازي معنا.