متلازمة الموهوب.. ماذا تعرف عنها؟ وما علاقتها بالتوحد؟
براعة منقطة النظير، وموهبة تُذهِل العقول، وذاكرة مُتّقدة لا تكاد تفلت منها معلومة، ذلك ما يتمتّع به أصحاب "متلازمة الموهوب"، وهي حالة نادرة يصحبها قدرٍ عالٍ من المواهب رغم الإعاقة الذهنية، وقد ارتبطت هذه المتلازمة باضطراب التوحد عند الأطفال، وقد أبرز أصحابها قدرات استثنائية، إذ فاقوا أقرانهم في موهبتهم، سواء كانت فنية، أم موسيقية، أم حسابية، فما أسباب تلك المتلازمة؟ وهل تُوصَف بالحُسنِ بما أمدّت به أصحابها؟
ما هي متلازمة الموهوب؟
متلازمة الموهوب "Savant Syndrome" هي حالة نادرة يُبدِي فيها الإنسان موهبة هائلة رغم الإعاقة الذهنية لديه، وقد تحدث هذه المتلازمة منذ الولادة أو تتطوّر خلال مرحلة الطفولة المبكرة، إذ يمتلك ذوو "متلازمة الموهوب" قدرات استثنائية في مهارة واحدة أو أكثر، سواء في الفن، أو الرياضيات، أو غيرها.
علاقة متلازمة الموهوب باضطراب التوحد
ناقش المتخصصون "متلازمة الموهوب" وعلاقتها بالتوحد، بسبب انتشارها النسبي بين المُصابِين بالتوحّد، إذ إنّ 10 - 30% من المُصابِين بالتوحد لديهم متلازمة الموهوب بدرجةٍ ما، وعادةً ما تكون مهارته الكبرى هي امتلاك ذاكرة شاسعة.
وقد أظهرت الأبحاث أنَّ المُصابِين بالتوحّد و"متلازمة الموهوب" في الوقت نفسه لديهم مهارات معرفية وسلوكية تُميِّزهم عن غيرهم من المُتوحّدين، مثل:
- زيادة الحساسية الحسّية "زيادة حساسية الجهاز العصبي تجاه المحفزات الجسدية، أو العاطفية، أو الاجتماعية كأن يتأثّر الإنسان بالضوضاء بشدة أو الملابس غير المُهندمة، أو التأثُّر العميق بالجمال سواء كان في شكل فن أو مظهر طبيعي أو منحوتة أو غير ذلك".
- تصرُّفات مهووسة، أو سلوك استحواذي.
- القدرات التقنية والمكانية "القدرة على فهم العلاقات البصرية والمكانية بين الأجسام والمساحات، وهي تتضمّن الإدراك المكاني والتصور المكاني وغير ذلك".
- التنظيم "systemizing"، أو الرغبة في تحليل أو بناء النُّظم.
أسباب متلازمة الموهوب
لم يعرف الباحثون بعد السبب الرئيس وراء "متلازمة الموهوب"، لكن ثمّة نظريات عديدة تُفسِّر هذه المتلازمة، منها على سبيل المثال:
- النظرية البيولوجية التنموية: تعتمد على أنَّ التلف الجيني والكيميائي العصبي للفصّ الجبهي والصدغي للدماغ "الفص الأمامي والجانبي" يُسهِم في تطور "متلازمة الموهوب".
- فرضية نمطية العقل: تفترض هذه النظرية أنّ الاضطرابات في الوظائف السلوكية تُؤدِّي إلى إعادة تنظيم قسرية غير عادية داخل العقل، ما يُؤدِّي إلى بروز مواهب خاصّة يتمتّع بها ذوو "متلازمة الموهوب".
- النظرية المعرفية: تفترض أنَّ العجز في الوظيفة التنفيذية والتفكير المُجرّد إلى جانب وجود ذاكرة قوية ومتقدمة للغاية يدفع إلى بروز "متلازمة الموهوب" عند بعض الناس.
اقرأ أيضًا:كيف تعرف أنك مصاب بـ"متلازمة البطة"؟ إليك الأعراض وطرق المواجهة
أعراض متلازمة الموهوب
يتمتّع أصحاب "متلازمة الموهوب" بقدرات استثنائية في مجالٍ واحد أو أكثر من المجالات الآتية:
- الفن: رُصِدت كثيرٌ من الحالات يمتلكون مهارات استثنائية في الرسم حول العالم.
- الموسيقى: قد يمتلك بعضهم قدرات موسيقية فذّة، إذ يُمكِنهم تشغيل مقطوعة موسيقية بأكملها بعد سماعها مرة واحدة فقط.
- التقويم والحساب العددي: يمتلك بعض أصحاب "متلازمة الموهوب" القدرة على إجراء العمليات الحسابية سريعًا، بما في ذلك عمليات الضرب، والجذور التربيعية، والطرح، وتحديد الأعداد الأولية، وما إلى ذلك.
- الذاكرة والاستذكار: من السمات البارزة لمتلازمة الموهوب هي الذاكرة الفائقة، بل هناك حالات يستطيع فيها صاحب المتلازمة أن يحفظ إحصاءات السُكّان، والأرقام الموجودة في دفاتر الهواتف، وكتب الموسيقى، وجداول الحافلات وما إلى ذلك.
- اللغة: القدرات اللغوية الفذّة نادرة إلى حدٍ ما، لكن رُصِدت حالة لمتلازمة الموهوب مع تلف الجهاز العصبي منذ الولادة، ومع ذلك يُمكِنها القراءة والكتابة وحتى ترجمة 15 - 20 لغة! كما وُثِّقت حالة أخرى لإنسان من أصحاب "متلازمة الموهوب" وهو شاعر ماهر.
تتجاوز مهارات أصحاب "متلازمة الموهوب" عموم الناس في هذه المجالات، فمثلاً يُمكِن لشخصٍ ألمّت به "متلازمة الموهوب" أن يُجرِي حسابات رياضية سريعة، أو يُنتِج رسومات دقيقة التفاصيل، مِمّا لا يسع غيره من الناس عمله بالسرعة نفسها أو الدقة.
لكن الموهبة ليست كل شيءٍ في "متلازمة الموهوب"، وإنّما هناك أعراض أخرى عقلية وتنموية متزامنة، فقد يُعانُون التوحد وبعض المشكلات الأخرى، مثل:
- ضعف مهارات التواصل: قد يتجنَّب المُصابون بالتوحد و"متلازمة الموهوب" التواصل البصري، أو بالأحرى قد يفتقرون إلى رسم تعابير الوجه المناسبة في المواقف المُحِيطة بهم، كما قد لا يستطيعون فهم مشاعر الآخرين أو استيعابها.
- السلوكيات المُتكرِّرة أو الاستحواذية: وهذا أيضًا مع التوحد، فقد يُركِّزون بصورةٍ مُكثّفة على أجزاء مُعيّنة من بعض الأشياء، أو يميلون إلى التأرجح الجسدي للخلف والأمام باستمرار.
هل متلازمة الموهوب أمر إيجابي؟
من الشائع أن يظنّ آباء الأطفال المُصابين بالتوحد أنّ أبناءهم يمتلكون أو سوف يمتلكون ذكاءً عاليًا، ومع ذلك فإنّ قلة من المُصابين بالتوحد هم في الواقع من المتفوقين، حسب "verywellhealth".
ومن المُغرِي أن نرى "متلازمة الموهوب" على أنّها شيء إيجابي، فالأذكياء المهرة ذوو القدرات الاستثنائية هم أشخاص رائعون، وتتجاوز قدراتهم غيرهم من الناس، لكن مع الأسف فإنّ هذه المهارات لا تجعل الحياة أسهل بالضرورة، بل قد تكون أصعب، فعلى الرغم من المهارات الفريدة، فإنّ بعضها قد لا يُستخدَم أصلاً في الحياة اليومية، إذ إنّ حِفظ صفحات دفتر الهاتف في الذاكرة قد لا تخدم أي غرضٍ ذي مغزى في الحياة اليومية، وإن كان إنجازًا مثيرًا للإعجاب، لكن من جهة خرى فإنّ بعض المهارات الفريدة التي يتمتّع بها هؤلاء قد تُساعِدهم على جلب المال، وتحقيق نجاحٍ كبير كعادة أي إنسان استثنائي.
لكن قد يُواجِه المُصابون بتلك المتلازمة صعوبةً في أداء المهام اليومية العادية بسبب ضعف مهارات التواصل، وممارسة بعض السلوكيات بصورةٍ مهووسة.
هل يمكن أن تؤدي متلازمة الموهوب إلى تلف الدماغ؟
لا تُوجَد أدلة على أنّ تلك المتلازمة قد تُؤدِّي إلى تلف الدماغ، لكنّ ذوي المتلازمة قد يُعانُونها بفعل بعض الإصابات الدماغية أحيانًا.
بِم تُعرَف "تُشخَّص" متلازمة الموهوب؟
عندما يمتلك الطفل قدرة هائلة في مجالٍ واحد أو أكثر مقارنةً بالأطفال الآخرين من العمر نفسه، أو يمتلك مستوى ذكاء مرتفعًا مقارنةً بأقرانه، فقد يكون ذلك دليلاً على "متلازمة الموهوب"، لكنّ المتلازمة تفتقر -إلى الآن- إلى أي معايير تشخيصية رسمية، ورغم القدرات الهائلة في بعض المجالات، فإنّ أصحاب تلك المتلازمة قد يُعانُون إعاقة إدراكية أو تنموية في مجالات مُعيَّنة في الوقت نفسه.
اقرأ أيضًا:"السوشيال ميديا" تتمدد.. كيف هيمنت مواقع التواصل الاجتماعي على عقولنا؟
هل تحتاج متلازمة الموهوب إلى علاج؟
هذا ليس ضروريًا، فصاحب "متلازمة الموهوب" يمتلك قدرات استثنائية في مجالٍ واحد أو أكثر، ما لا يستدعي أي حاجةٍ إلى علاج، لكن قد تُشعِر هذه القدرات الفريدة المرء باختلافه عن أقرانه، ما قد يُفضِي به إلى العُزلة عنهم أو الاكتئاب.
وقد يتلقّى أصحاب "متلازمة الموهوب" أنواعًا من العلاج حسب أي مشكلةٍ أخرى مصاحبة، مثل التوحّد، وهذه العلاجات تختلف حسب نوع المشكلة وشِدّة الأعراض، وقد تشمل أيًا مما يلي:
- العلاج السلوكي.
- العلاج المعرفي السلوكي.
- برامج التدريب الاجتماعي والنطقي.