"كازابلانكا".. الدار البيضاء المفعمة بالحياة وصاحبة التاريخ الفريد
عندما نتحدث عن السياحة في المغرب فلا بد أن يمتد الحديث إلى الدار البيضاء "كازابلانكا"، تلك المدينة المفعمة بالحياة، إذ تعد المركز الاقتصادي والصناعي للبلاد، والمقر المختار لشركات عالمية كبرى، والميناء الصناعي الرئيس، وقبل كل ذلك المدينة السياحية الأكثر تميزًا وانفتاحًا، مع ما تضمه من تراثٍ معماريٍ فريدٍ، وقائمة طويلة من الأماكن الغنية بالتفاصيل، ورغم صغر المدينة نسبيًا مقارنة بمدنٍ أخرى، إلا أن معالمها وشبكة شوارعها الضيقة ستتركك مفتونًا بسحرها، مثلما ستجذبك معالمها الفريدة من المساجد، والمباني، والطرقات، والساحات، والمشاهد الخلّابة، بينما لن تغيب الشواطئ الممتعة عن رحلتك، فقد اجتمعت كل عناصر المتعة في تلك المدينة التي أُعيد بنائها تقريبًا بشكل كامل خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ومنذ ذلك الحين وهي تختزل قرونًا من عبق الماضي الممتزج بعصريتها وخطواتها المتسارعة نحو المستقبل.
في السطور التالية ستصحبك "مجلة الرجل" في جولة سريعة بين أبرز المعالم في المدينة، التي لن تكتمل رحلتك إلى المغرب دون زيارتها، وقبل ذلك بالتأكيد لا بد من الحديث عن كازابلانكا متعددة الأوجه، تلك الدار البيضاء المتربعة في قلب مملكة الأنوار مثلما يطلق عليها عشاقها.
كازابلانكا متعددة الأوجه
يجتمع في الدار البيضاء، وكما هو متوقع بالنظر إلى تاريخها الحافل، مزيج ساحر من التنوع الثقافي الحضاري، فهنا ستجد كل ألوان الحياة وتبايناتها، وأماكن التنزه والترفيه، والفنادق، والمطاعم، والمقاهي، مع عدد كبير من الأنشطة، بدءًا من التجول الحر، والسير لمسافات طويلة، وممارسة الجولف، وصولاً إلى متابعة سباقات الكلاب، حيث تتجاور الاهتمامات مثلما تتجاور المعالم والثقافات التي تختصر تاريخ المدينة الثري، وربما حاضرها ومستقبلها، بين شواهد مبدعة على الروح الأصيلة لشعبها، والفن الساكن في أركانها، المتجسد في معالم مثل مسجد الحسن الثاني، القصر الملكي، برج الساعة، ساحة محمد الخامس وتلك الفرائد التي تحتويها، ضريح سيدي عبدالرحمن، المدينة القديمة بكل جمالها ورموزها كمنارة العنق، المدينة القديمة للجديدة التي توفر متعة لا نظير لها لعشاق الانغماس في الفنون المغربية الأصيلة والتسوق، محكمة الباشا وبنيانها المذهل، حديقة الجامعة العربية، فيلا الفنون، متحف عبدالرحمن السلاوي، وغيرها الكثير من الأماكن التي يمكن زيارتها للاستمتاع بجمال ذلك الخليط الرائع من الثقافة والفنون.
كما تضم الدار البيضاء مجموعة واسعة من المطاعم التي تمثل معظم ثقافات العالم، حيث الأطباق الفرنسية، واليابانية، والهندية، والمكسيكية وغيرها من الأطباق من كل بقاع الأرض، بالإضافة إلى المأكولات المغربية التقليدية، إذ يمكنك العثور على أبرز الأسماء العالمية، جانبًا إلى جنب مع العلامات المغربية ذائعة الصيت، ومنها مطاعم تخصصت في إعداد شرائح لحوم الأبقار التي تتغذى على عشب جبال الأطلسي مطعم Brasserie La Bavaroise ، وتلك التي تخصصت في الأسماك كمطعم du Port de Pêche، ومقهى Rick's Caféالأسطوري الذي خلدته أفلام هوليود، فيما تقدم كازابلانكا الساحرة مجموعة مميزة لا يمكن حصرها في سطور قليلة من الفنادق فئة الخمس نجوم، والتي تضم أبرز علامات الضيافة حول العالم، مثل Four Seasons Hotel Casablanca، بالإضافة إلى مجموعة متدرجة من الملاذات الفندقية من فئة الأربعة نجوم، بما يناسب كل المستويات ومختلف الأذواق، فيما يتراوح متوسط الأسعار التقريبية لليلة الواحدة بين 430 دولارًا أمريكيًا، هبوطًا أو صعودًا حسب الفندق، وعدد النجوم، ونوعية الإقامة، وشكل ومساحة الغرفة المطلوبة، ودرجات التخصيص المتاحة.
اقرأ أيضًا:السياحة في قبرص.. مزيج من المعالم الكلاسيكية والعصرية
مسجد الحسن الثاني
يعد مسجد الحسن الثاني معلمًا أساسيًا للدار البيضاء، ورمزًا حقيقيًا للمدينة لا يمكن تفويت زيارته، فهذا البناء المهيب يعد واحدًا من أكبر المساجد في العالم، بينما ترتفع مئذنته الشاهقة لنحو 210 أمتار تقريبًا بجانب المحيط الأطلسي، ومن ثم يمكن رؤيتها على بُعد أميال من حوله، فيما تختصر الإبداع المغربي في تلك التفاصيل المعمارية شديدة التميز، مع الزخارف التي أبدعها خيرة الحرفيين المغاربة في القرن العشرين، باستخدام الحفر اليدوي على الخشب والحجر، بينما تكتمل اللوحة بالأرضيات الرخامية، والأرضيات المصنوعة من الزجاج، والأسقف المزينة بأوراق الذهب، والجدران المغطاة بالسيراميك الملون.
كما أن المسجد الذي تم بناؤه على الطراز المغربي لإحياء الذكرى الستين لميلاد الملك الحسن الثاني، الذي حكم المغرب بين عامي 1961 و1999، يتسع لنحو 25,000 مصلٍّ في الداخل، و80,000 في ساحته الخارجية، فيما يتيح للمصلين فرصة الصلاة على أرضية زجاجية، ما يعطي شعورًا فريدًا بالصلاة مباشرة فوق البحر، بينما يمكن للزوار الاستمتاع بزيارته من خلال جولات إرشادية تدوم لنحو ساعة، ولعل إحدى الحقائق المثيرة للاهتمام هنا هي أن مئذنة المسجد تحتوي على ليزر يوجه شعاعه، الذي يمكن رؤيته على بُعد عدة كيلومترات، نحو مكة المكرمة.
كورنيش وشواطئ كازابلانكا
بعد زيارة مسجد الحسن الثاني ربما سيكون من المناسب أن تكمل تلك المتعة بنزهة طويلة على الكورنيش، وفي الدار البيضاء ومثل الكثير من المتنزهات الساحلية الغربية، تحاط منطقة الشاطئ التي تمتد لمسافة تصل إلى نحو ميل، بالفنادق والمقاهي والمطاعم وغيرها من المرافق الترفيهية والأنشطة والخدمات التي تصطف على طولها، إذ تعد المكان المثالي للاستمتاع بنسيم المحيط الأطلسي وأمواجه الهادرة، بينما تمتلئ الشواطئ هنا بمتصفحي الأمواج القادمين من جميع أنحاء العالم لتجربة ركوب أمواج محيط كازابلانكا، فيما يمكن تغطية طول الكورنيش سيرًا على الأقدام في ممشى الكورنيش، أو على الزلاجات، أو بالدراجة، حيث الأجواء الخلّابة والمعالم الساحرة، التي تتفاعل في رومانسية شديدة مع الطبيعة ومشاهد غروب الشمس التي تخطف الأنفاس.
وبشكل عام تعد الدار البيضاء أو كازابلانكا مكانًا مثاليًا لكل من يتطلع إلى الجمع بين قضاء عطلة في المدينة والشواطئ، حيث المناخ الجاذب الذي يجمع بين الدفء والرطوبة على مدار العام، والأماكن الرائعة للسباحة وركوب الأمواج، فيما ينصح خبراء السفر باستخدام العديد من الشواطئ الأكثر هدوءًا كطماريس وبوزنيقة، للابتعاد عن التعرض للأمواج القوية.
ساحة محمد الخامس
عندما صُممت ساحة محمد الخامس خلال النصف الأول من القرن العشرين، وُضعت في بقعة مختارة بعناية لتكون مركزًا لمدينة الدار البيضاء، حيث يمكن من هذه النقطة الفريدة رؤية أبرز المعالم المميزة في الشوارع الرئيسة، التي تصطف على جانبيها المباني الجميلة، والساحات الكبيرة، ومناطق المشاة، والحدائق العامة، حيث يسود الاسترخاء والترفيه حول المعالم البارزة كتمثال المارشال "هوبير ليوتي"، والنافورة الكبيرة بما تقدمه من عروض للمياه والموسيقى، ومن ثم يمكنك التوقف في أوقات معينة من اليوم لمشاهدة تلك العروض والاستمتاع بها.
كل هذه الأجواء بالطبع تتناغم مع التأثيرات الرائعة، التي تجسد بدورها ذلك العناق المغربي الفرنسي لفنون العمارة، وهي تلك الروح التي تسيطر على الساحة، وتبرز في المباني العامة المحيطة كقصر العدل والبنك الوطني، وغيرها الكثير من المباني التي تشهد تصاميمها وكل تفاصيلها على روعة المكان، في محيط حي الآرت ديكو الذي يحتل وسط المدينة والمنطقة المحيطة بالسوق، بما يشكل متعة للزائر يحتضنها الهواء الطلق القادم من محيطها البحري، ما يضفي بُعدًا آخر يضاف إلى طبيعة المدينة الساحرة.
اقرأ أيضًا:السياحة في فيتنام.. أفضل الأماكن والمدن التي تستحق الزيارة
حديقة الجامعة العربية
تقع حديقة الجامعة العربية جنوب ساحة محمد الخامس، وهي تعد الرئة الخضراء لمدينة الدار البيضاء، وأكبر مساحة مفتوحة في المدينة، فيما تكتمل بشارع تصطف على جانبيه أشجار النخيل، كما أنها المكان الذي يمكنك فيه العثور على بعض الهدوء والسكينة من صخب حياة المدينة المزدحمة، وقد تم إعادة تصميم هذه الحديقة بالكامل خلال الاحتفال بمئويتها عام 2018، ما أدى إلى تحسين المناظر الطبيعية فيها بشكل كبير مع تشغيل نوافيرها الأصلية، وإضافة العديد من المساحات النباتية الكثيفة، لتتكامل مع أشجار زيت النخيل الأفريقية الكبيرة، فيما تم إنشاء ملاعب رياضية، مع تنظيم دروس في التربية البيئية، وعلم النبات، وأحدث تقنيات البستنة.
وبشكل عام فإن حديقة الجامعة العربية تعد مثالية للألعاب والمشي، وتوفر مجموعة مختارة من المقاهي الصغيرة، فيما تمنحك الفرصة للاستمتاع ببعض المباني الرائعة على أطرافها ككاتدرائية القلب المقدس، مع تصاميم الآرت ديكو المبدعة، والأبراج التي تقدم مشهدًا بانوراميًا رائعًا لطبيعة المدينة وأجوائها.
موروكو مول
يقع موروكو مول على الحدود الخارجية لمنطقة الكورنيش، بجوار شاطئ عين الذئاب، ويعد من أكبر وأفخم مراكز التسوق في المغرب، وصممه المهندس المعماري الإيطالي "دافيد بادوا"، على مساحة 250 ألف متر مربع، منها 70 ألف متر مربع مخصصة للمحلات التجارية، موزعة على ثلاثة طوابق، أما باقي المساحة فتضم حدائق كبيرة، ومناطق ترفيهية، ومقاهي، ومطاعم، وغيرها من المرافق والخدمات، التي تجعل من المركز المكان المثالي للتسوق من بين أكثر من 350 متجرًا للعلامات الفاخرة، بالإضافة إلى المنتجات التقليدية المغربية.
كما تضم هذه المساحة الرائعة، سينما وحوض أسماك كبيرا يكمل الإثارة بسمكة قرش صغيرة، ومنتزه ترفيهي صغير، بالإضافة إلى نافورة موسيقية تعد ضمن الأكبر في العالم، تضم أكثر من 100 طائرة ملونة تتحرك على إيقاع الموسيقى، وكذلك مساحة داخلية للتزلج على الجليد، وحوض سباحة داخلي، ومساحة للمعارض، مع فرصة ممتعة للتذوق والإحساس بطعم الدار البيضاء الحديثة.
برج الساعة
برج الساعة هو أحد رموز مدينة الدار البيضاء، وهو يقع في ساحة الأمم المتحدة، التي تعد مدخلاً للجزء الجنوبي من المدينة، وقد بُنى البرج الأصلي في مطلع القرن العشرين، ومع حلول عام 1948 اضطرت السلطات البلدية إلى هدمه بسبب حالته السيئة وانهيار أجزاء منه، حتى تقرر إعادة بناء ذلك الرمز مرة أخرى مع تكرار تصميمه الأصلي، من حيث الشكل والارتفاع الذي يبلغ نحو 20 مترًا، فيما تحتل كل جانب من جوانبه ساعة، وقد افتُتح البرج عام 1993، أي بعد نحو 45 عامًا. ومنذ ذلك اليوم عاد ليتخذ مكانته كمعلم مهم من معالم المدينة، يحرص على زيارته أهل كازابلانكا وضيوفها.
إنها بعض المعالم التي تعطي لمحة بسيطة حول الأماكن المذهلة التي يمكن لزائر الدار البيضاء الاستمتاع بها، بينما لا يزال عليه أن يكتشف الكثير في تلك البقعة الفريدة من العالم، التي خلّدت اسمها وتركت بصمتها الواضحة على خريطة السياحة العالمية لعقود من الزمن.