لماذا لا يُنصَح بزواج الأقارب؟
يتحسس الكثيرون، لا سيمًا في بلداننا العربية، من زواج الأقارب والذي عندما يُذكر فعادةً ما يُقصد به الزواج من أبناء العم/ ة أو أبناء الخال/ ة. فنحن دائمًا ما نسمع أن هذا النوع من الزواج يورّث عديدًا من الأمراض المؤذية لأطفالنا.
ورُغم أننا نشهد حالات زواج سليمة من هذا النوع تناهض التخوف المطروح، وحتى أن أشهر الشخصيات في التاريخ -مثل أينشتاين الذي تزوج من ابنة خالته إلسا- تشهد على ذلك، فإن هذا الأمر لا ينفك عن إثارة حفيظتنا، وقد يُنغص الحياة بأكملها على محبوبين لا لشيء سوى لأنهما يتشاركان الدماء نفسها، فما حقيقة أن زواج الأقارب يورّث الأمراض؟
ماذا يُقصَد بزواج الأقارب؟
كي لا تختلط علينا المفاهيم، فمن المهم ابتداءً أن نعرف أن "زواج الأقارب- Consanguineous marriage" هو نوعٌ من الزواج يتشارك فيه القريبان/ الزوجان الدماء، ويختلف استقبال المجتمع له ودرجة الترحاب به حسب العادات والتقاليد، فبينما لا يرى البعض مشكلة في زواج البنات من أبناء أعمامهن أو أخوالهن الأولين، بل ويحثونهم على الزواج من أقاربهم أساسًا، يرفض عددٌ ليس بقليل من أولياء الأمر ذلك، ولا يقبلون إلا بابن العم أو الخال الثاني.
والفرق بين ابن العم الأول First Cousin وابن العم الثاني Second Cousin، أن الأول يتشارك جدًا مشتركًا مباشرًا مع الفتاة، في حين أن الثاني يُشاركها في والد أو والدة الجد، أو ما يُعرَف بالجد الأكبر Great grandfather.
اقرأ أيضًا:كيف تعرف أن علاقتك بزوجتك سامة أو مرضية؟
لماذا يُصرّ البعض على زواج الأقارب؟
قبل أن نأتي إلى ذكر الجانب الصحي من مسألة الزواج بالأقارب، وعما إذا كان شيئًا صحيًا -من الناحية العلمية- أم لا، دعونا أولًا نُلقِ نظرة على الأسباب التي تدفع البعض إلى التمسك بهذه العادة.
في العائلات التي يلعب الجانبان الاجتماعي والاقتصادي دورًا حاسمًا في تشكيل نمط حياة أفرادها، فإننا قد نرى الزواج من الأقارب شيئًا متجذّرًا يمتد لأجيال لا نقوى على حصرها. إذ يضمن الزواج بالأقارب مميزات عدة من ضمنها الحفاظ على ثروة العائلة، وإرثهم الثقافي والعرقي، فضلاً عن أن معرفة الزوجين المُسبقة ببعضهما يختصر الطريق ويوفّر عناءً يتسبب في فضِّ الكثير من العلاقات. هذا لا يعني أن زواج الأقارب يضمن حياةً مستقرة طوال الوقت، ولكنه -كما أشرنا- يوفّر العناء.
من ذلك مثلاً أن زواج الأقارب -على الأغلب- لا يُحمّل الزوجين عبء تربية الأولاد وتنشئتهم على قيم سليمة، أو على الأقل قيم يرضاها الطرفان، فعلى عكس زواج الشخصين المختلفين في القيم والمفاهيم، كثيرًا ما يكون أبناء العائلة الواحدة مُتأسين بنفس الأفكار أو بأفكار متقاربة، ما يُسهل عليهم تنشئة الأطفال على نفس القيم.
مشكلة زواج الأقارب
يعيش نحو مليار شخص حول العالم في بيئات يشيع فيها الزواج بين الأقارب. من ضمن هذا التعداد المهول، يتزوج شخص من كل 3 أشخاص بقريبٍ من الدرجة الثانية أو بقريبٍ من درجة أكبر. هذا الأمر يُضاعِف احتمالية إصابة الأطفال الناتجين عن زواج الأقارب بالأمراض الوراثية مُقارنة بغيرهم من الأطفال الذين ينتسبون لأبوين لا تجمعهم صلة قرابة.
من الناحية الجينية، فإن الزواج من قريبٍ بالدرجة الرابعة يعني أن نسبة مشاركة الجينات بين الزوجين هي 0.20% فقط تقريبًا، وهذا رقمٌ ضئيل إذا ما قورن بنسبة الـ 12.5% التي تظهر عند زواج الأقارب من الدرجة الأولى، ولهذا لا عجب من وجود دول تحظر هذا النوع الأخير من الزواج، ففي الولايات المتحدة مثلاً حُظِر الزواج بقريبٍ من الدرجة الأولى في 24 ولاية.
غير أن ارتفاع نسبة التشابه في جينات الأبوين يعني زيادة فرص إصابة النسل بالأمراض الوراثية، من المهم أن تعرف أن كثيرًا من هذه الأمراض لا تحتاج أن يكون كلا الأبوين مصابًا بالمرض حتى ينتقل إلى نسلهم، وأنيميا البحر المتوسط "الثلاسيميا" والتليف الكيسي Cystic fibrosis قد يكونان أبرز مثالين على ذلك.
فإذا تناولنا -مثلاً- مرض التليف الكيسي، والذي يُعَد اضطرابًا وراثيًا يضر بالرئتين، ويحدث بسبب خللٍ في جين CFTR، فيكفي أن يكون أحد الأبوين حاملاً له حتى ينتقل إلى الأبناء، وفي هذه الحالة يكون الطفل حاملاً Carrier للمرض وليس مُصابًا به، أما إذا كان الأبوان حاملين لجين الـ CFTR المعطوب، فهذا يعني أن الطفل قد يُصاب بالمرض "أي يحمل كلا الجينين المعطوبين" بنسبة 25%، ولهذا تُجرى الآن فحوصات طبية للمقبلين على الزواج.
ولكن بشكلٍ عام، وبحسب العلماء، فإن نسبة إصابة نسل أزواج الأقارب من الدرجة الأولى بالأمراض الوراثية هي 4-7% فقط، وهذه ليست نسبة كبيرة مقارنة بنسبة إصابة نسل أزواج الأقارب الذين لا تربطهم صلة قرابة قوية -ولكنهم يظلون أقارب- والتي تتراوح من 3-4%. إذن، كما تُشير هذه الدراسة التي أُجريت بمدينة الملك عبد العزيز الطبية والمنشورة بمجلة الجمعية السعودية للطب الوراثي، فإن فرص إصابة نسل غير الأقارب بالأمراض الوراثية تقل عن فرص إصابة الأطفال المنتسبين لزوجين تجمعهما صلة قرابة.
خلاصةً، يمكننا القول إن الزواج من الأقارب ليس نهاية العالم. صحيحٌ أن نسبة إصابة النسل الناتج عنه أزيد من نسبة إصابة النسل المتمخّض من زواج غير الأقارب، ولكنها تظل زيادة طفيفة مثلما رأينا. نقلق فقط إذا استمر نسل الأقارب في التزاوج لأن هذا ببساطة سيزيد من فُرص توريث الحمض النووي المعطوب، ومن ثم زيادة فُرص الإصابة بالأمراض الوراثية.