"عندما يقرأ الناس أفكارك".. ماذا تعرف عن البث الفكري؟
يشعر بعض الناس بأنَّ أفكارهم مسموعة مِمّن حولهم، وأنَّها صارت ككتابٍ مفتوح أمام الناس يطّلع عليه من يشاء، ما يجعلهم مضطربين في الأماكن العامة، وربّما يميلون إلى العزلة وتجنُّب الاختلاط بالمجتمع، وهذه الحالة تُعرَف بالبث الفكري، التي تُعدّ شكلاً من أشكال الوهم، فما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
ما هو البث الفكري؟
نوع من الوهم يُهيمن على العقل، إذ يعتقد الإنسان أنَّ أفكاره تُبث بصوتٍ عالٍ بما يسمح للآخرين سماعها، كما يظنُّ بعض هؤلاء أنَّ أفكارهم تُبث بوساطة التلفزيون، أو الراديو، أو الإنترنت، وفي بعض الأحيان يتجنّبون استخدام هذه الوسائط.
أمثلة على البث الفكري
المثال الواضح والأكثر شيوعًا على البث الفكري هو عندما تُجرِي محادثة مع شخصٍ ما، ثُمّ يقول شيئًا - ربمّا قد خطر على بالك للتو - يجعلك تُفكِّر قائلاً: "هل قرأ أفكاري للتو؟"، وفيما يلي أمثلة افتراضية لتجلية الأمر:
- رجل في المنزل يُفكِّر في الوجبة التي سيعدُّها للعشاء، وهو يعتقد أنَّ جيرانه يمكنهم سماع هذه الأفكار ويعرفون بالضبط ما يُخطِّط لتحضيره على العشاء، على الرغم من عدم حديثه عنها بصوتٍ مسموع مع أحد.
- وسط الصمت المُخيِّم على مكتبة عامة، يُركِّز أحد الطُلّاب على المذاكرة للامتحان القادم، وهو يظنُّ أنَّ الجالسين على الطاولات القريبة منه، يُمكِنهم سماع أفكاره بينما هو يقرأ من خلال كرّاسته أو دفتره في نفسه "دون صوت"، ما يُؤثِّر على تركيزه ويزيد قلقه.
تُظهِر هذه الأمثلة أنَّ البث الفكري قد يحدث في أي موقف، ما قد يُنشِئ إحساسًا بالذعر والقلق لدى المُصاب به.
أسباب البث الفكري
تُوجَد بعض الأسباب وراء ظنّ المرء بأنّ الآخرين يسمعون أفكاره، فعادةً ما يكون البث الفكري أحد أعراض اضطرابٍ ذهاني، مثل الفصام، أو اضطراب ثنائي القطب على التفصيل الآتي:
1. الفصام
الفصام هو اضطراب في الدماغ يُؤثِّر في أفكار الشخص ومشاعره وسلوكياته، فتصوُّر المُصاب بالفصام عن الواقع غير حقيقي، بل يجد المُنفصِم صعوبة في التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي.
ويتميَّز الفصام بالأوهام أو المُعتقدات الخاطئة الثابتة، ويُعدّ البث الفكري أحد هذه الأوهام، فيظنُّ المُصابُون بالبث الفكري أنَّ أفكارهم تُبث للجمهور من قِبل قوى خارجة عن سيطرتهم!
ويؤدي ذلك الإحساس بعدم القدرة على التحكم في الأفكار إلى الدخول في حلقة مُدمِّرة من الارتباك والتعاسة، بل قد يُفضِي بهم ذلك إلى نوبات عنيفة؛ لصعوبة التمييز بين ما هو أصيل في كلام من حوله عمّا يظنُّونه بثًا لأفكاره.
2. اضطراب ثنائي القطب
مرض نفسي يتقلّب فيه الإنسان بين نوبات الهوس والاكتئاب، إذ يُعانِي ذلك المُصاب بثنائي القطب من مجموعة من التقلّبات المزاجية، ويُمكِن أن تكون الأوهام جزءًا من الهوس أو الاكتئاب الشديد في اضطراب ثنائي القطب.
والبث الفكري أحد الأوهام؛ لأنّ الوهم بإيجاز هو الاعتقاد بحقيقة شيء ما رغم وجود الدليل على عكس ذلك الاعتقاد، ومِنْ ثَمَّ فقد يكون البث الفكري أحد أعراض اضطراب ثنائي القطب.
أعراض البث الفكري
يتميَّز البث الفكري في المقام الأول بشعور لا يتزعزع بأنَّ من حولك من الأشخاص يُمكِنهم سماع أفكارك العميقة، وفي معظم الحالات، يبدو على المُصابين بالبث الفكري ضيقًا مستمرًا؛ لاعتقادهم بأنَّ أفكارهم منشورة على العلن على غير إرادتهم.
وقد تُعانِي الحالات الشديدة من البث الفكري أعراضًا تتجاوز ذلك، مثل:
- أنماط الكلام غير المُنظَّمة، مثل التحدّث بشكل غير متماسك، أو الرد على الأسئلة بإجابات لا علاقة لها بها، أو قول أشياء غير منطقية، أو تغيير الموضوعات بصورة مُتكرِّرة.
- عدم القدرة على التفكير بعقلانية.
- اتهام الآخرين بسرقة الأفكار.
- اختلاق الأفكار بصورة لا إرادية.
- سماع أصوات هامسة.
وعادةً ما يتزامن البث الفكري مع القلق، وبعض المشكلات الأخرى، مثل:
- سرعة الانفعال.
- التعب والإرهاق.
- صعوبة التركيز.
- تدنّي احترام الذات.
وذكر موقع "verywellmind" أنَّ بعض المُصابين بالبث الفكري يُحاوِلون إيصال أفكارهم، أو إرسال مطالبات توارد خواطر إلى أشخاصٍ آخرين بعقولهم! وعندما لا يحصلون على رد، قد يُؤدِّي ذلك إلى إحباطهم، وربّما شعورهم بالغضب والحزن.
كذلك يميل المُصابون بالبث الفكري إلى الانسحاب من المجتمع، خوفًا من نبذهم من قِبل مَن حولهم، ومِنْ ثَمَّ فقد يعزلون أنفسهم لمنع الآخرين من سماع أفكارهم - حسب ظنِّهم -.
اقرأ أيضًا: كيف تؤثر لغتك الأم على طريقة تفكيرك؟
ما الذي قد يترتّب على البث الفكري؟
قد يُنهِك البث الفكري الأشخاص المُصابِين به، وقد ينحدر بهم البث الفكري إلى مشكلاتٍ أوسع إلى جانب أعراضه، مثل:
- تجنُّب التفاعلات الاجتماعية؛ خشيةً من سماع الناس لأفكارهم.
- تقليل وتيرة التواصل مع الآخرين؛ بسبب ظنّهم سماع أفكارهم.
- الانزعاج والقلق.
- عدم القدرة على الظهور بشكل صحيح في الأماكن العامة.
- عدم الارتياح والشك في الآخرين.
علاج البث الفكري
يحتاج البث الفكري إلى مزيجٍ من العلاج النفسي والأدوية كي يتعافى منه الإنسان، وهذه السبل هي المُثبَت فعاليتها في علاج البث الفكري، حسب "verywellmind":
1. الأدوية
الأدوية المضادة للذهان هي العلاج الأساسي للبث الفكري، وقد تشمل:
- الجيل الثاني من الأدوية المضادة للذهان غير النمطية، مثل كلوزابين.
- مضادات الذهان القديمة، مثل هالوبيريدول.
تُساعِد هذه الأدوية في التغلّب على المشكلات النفسية المُسبِّبة للبث الفكري، مثل الفصام، كما تُسهِم هذه الأدوية في وقف أو تقليل شِدّة وتكرار أعراض البث الفكري.
2. العلاج النفسي
قد يكون البث الفكري مُنهِكًا للإنسان في أسوأ الحالات، بما قد يتعارض مع أداء الأنشطة اليومية المُعتادة، ويُساعد العلاج النفسي في فهم المُصابِ بالبث الفكري لأعراضه؛ كي يكون أقدر على اختبارها واقعيًا، واليقين بأنّها غير حقيقية، إضافةً إلى التعامل مع التوتر، والانخراط في عادات صحية تُعِينه على تجاوز أعراض البث الفكري بنجاح.
كيفية التعامل مع البث الفكري
قد يكون من الصعب التعايش مع البث الفكري، خاصةً إذا تسبَّب في مضاعفات أخرى إلى جانب المرض النفسي المُسبِّب له ابتداءً.
وغالبًا ما يتردَّد المُصابُون بالبث الفكري في الإفصاح عمَّا يُعانُون منه؛ لذا إن كُنتَ تعيش مع شخصٍ تظهر عليه أعراض البث الفكري، فحاوِل إجراء محادثة مفتوحة معه، وإعلامه بأنّك تتفهّم مشكلته وأنك موجود من أجله، ويُفضَّل أن تنصحه أيضًا بطلب المساعدة الطبية.