كيف تراجعت خصوبة الرجال؟ وهل من سبيل لاستعادتها؟
تراجع متوسط عدد الحيوانات المنوية عند الرجال بأكثر من 50% في آخر 40 - 50 سنة بحسب آخر الدراسات المنشورة في هذا المجال، بل إنّ مُعدّل الانخفاض في أعدادها آخذ في الازدياد، ما يُهدِّد خصوبة الرجال، ويُظنّ أنَّ ذلك بسبب بعض العوامل البيئية، مثل استخدام المبيدات الحشرية في المحاصيل الزراعية، أو أنماط المعيشة المستجدة، مثل الإكثار من تناول الأطعمة غير الصحية أو التدخين، والذي بسببه ثبت تراجُع جودة الحيوانات المنوية، وتكسُّر المادة الوراثية لها مع حصار البيئة ونمط المعيشة، ما ألقى بظلاله على تدنّي الخصوبة، وتراجُع مُعدَّلات الإنجاب في العديد من البلدان.
العوامل البيئية وراء تدهور خصوبة الرجال
قد تُؤثِّر العوامل البيئية في خصوبتك طوال الوقت دون أن تدري عنها شيئًا، كما أنَّه من الصعب الهروب من سطوتها، خاصةً مع وجودها في كل ما يُحِيط بك تقريبًا، كما يتضح فيما يلي:
1- مبيدات الآفات
تُستخدَم مُبيدات الآفات في التخلص من الحشرات التي قد تنقل الأمراض، وكذلك لتعزيز الزراعة وإنتاج المحاصيل، لكن ربطت كثيرٌ من الدراسات بين استخدام هذه المبيدات ومؤشرات السائل المنوي؛ إذ تراجع إنتاج الحيوانات المنوية بشِدّة لدى العاملين في صناعة مُبيدات الآفات.
ويُعدّ ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان "DDT" من أكثر مبيدات الآفات شيوعًا، الذي قد يُسبِّب مشكلات لخصوبة الرجال بحجبه لمُستقبِلات الأندروجين، كما ارتبط المُركَّب نفسه بمشكلات الخصوبة، مثل:
- نقص التستوستيرون.
- قلة نسبة الحيوانات المنوية القادرة على الحركة.
- تراجُع وزن الخصية والحويصلة المنوية.
كذلك التعرُّض للفوسفات العضوي، الذي هو من أنواع مُبيدات الآفات، يضر خصوبة الرجال؛ إذ يُقلِّل أعداد الحيوانات المنوية، وحركتها، كما يزيد تكسر المادة الوراثية للحيوانات المنوية.
2- المُركَّبات البلاستيكية
تحتوي المُركَّبات البلاستيكية على عناصر تحول بين الهرمونات وارتباطها بمُستقبِلاتها في الجسم لأداء وظيفتها، وهذه المركبات التي تقطع الطريق على الهرمونات موجودة في الشامبو ومعجون الأسنان، والملابس والصابون، والسجاد ومزيل العرق، وغيرها.
كذلك تتواجد هذه المُركّبات في الهواء والماء المُلوَّثين، ويُظنّ أنَّها تضر خصوبة الرجل من جهة تأثيرها على مُستقبِلات:
- الأندروجين "هرمونات الذكورة".
- الاستروجين.
- هرمونات الغدة الدرقية.
كما قد تُؤثِّر في إنتاج الهرمونات ابتداءً، وذلك قد يضر خصوبة الرجال بلا شك، خاصةً أنَّ التستوستيرون يقود عملية إنتاج الحيوانات المنوية.
الفثالات
تُدمج إسترات الفثالات في المنتجات البلاستيكية لزيادة مرونتها وشفافيتها، وقدرتها على التحمُّل، وهذه المُركَّبات موجودة في كل شيءٍ في بيئتنا من المواد اللاصقة، والأرضيات، وأغطية الجدران، إلى العطور، ومستحضرات التجميل، ومنتجات العناية الشخصية، كما قد تُوجَد في بعض مصادر المياه والطعام.
وقد تراجعت حدّة التعرّض للفثالات مع تقييد المصانع بإرشادات استخدام بدائل له، لكن مع ذلك فإنّ تأثيره على خصوبة الرجال غير مفهوم بعد، فيُظنُّ أنَّه يُقلِّل إنتاج التستوستيرون، ويُقلِّل حركة الحيوانات المنوية، كما قد تظهر مُركَّباته في السائل المنوي.
ثنائي الفينول أ
يتواجد ثنائي الفينول أ كذلك في المنتجات البلاستيكية، وقد أظهرت الدراسات المختبرية ارتباطه بمُستقبِلات الأستروجين، ما يخلق نشاطًا ضعيفًا لهرمون الأستروجين في الجسم.
وقد أظهرت دراساتٌ أُجريت على الفئران تأثير ذلك المُركَّب في تقليل أعداد الحيوانات المنوية، والحد من حركتها، وتكسير المادة الوراثية لها، أمَّا في الإنسان فقد أثبتت دراسةٌ واحدة ذلك الارتباط، بينما لم تُؤكِّد باقي الدراسات العلاقة بينه وبين حالة الحيوانات المنوية.
اقرأ أيضًا:قلة السائل المنوي.. أهم الأسباب وطرق العلاج
3- المعادن الثقيلة
قد تُسبِّب المعادن الثقيلة تسمُّمًا في الجسم، بما يُؤثِّر في النظام الهرموني، ووظائف الخصية، وإنتاج الحيوانات المنوية، ومن أهم المعادن التي قد تُسبِّب مشكلات للرجل الكادميوم والرصاص، والزئبق والزرنيخ.
الكادميوم طلق في البيئة، يخرج إثر عمليات التصنيع، مثل تصنيع البطاريات وصهر المعادن، وربّما يُوجَد في دخان التبغ أيضًا، وهو يُؤثِّر مباشرةً في خلايا لايديغ المسؤولة عن إنتاج هرمون التستوستيرون، كما يُقلِّل أعداد الحيوانات المنوية، ويزيد تكسُّر المادة الوراثية.
والرصاص خطر يُهدِّد الخصوبة، فحتى في مستوياته المنخفضة لدى العاملين في صهر المعادن، كان قادرًا على تقليل أعداد وحركة الحيوانات المنوية، بل إتلاف خلايا لايديغ.
أمَّا الزئبق، فيتعرَّض له الرجل من خلال المأكولات البحرية، لكنّه قد يأتي أيضًا من البطاريات، وتركيبات الأسنان، ومصابيح الفلورسنت، وارتبطت زيادة مستوياته بتراجُع جودة الحيوانات المنوية.
ولم يبق إلّا الزرنيخ في هذه المعادن الثقيلة -اسمًا ومعنى على خصوبة الرجل- فهو يُؤثِّر في الخصية مباشرةً بالإجهاد التأكسدي، ما يُضعِف جودة الحيوانات المنوية ويُقلِّل إنتاج التستوستيرون.
4- الإشعاع والأجهزة الإلكترونية
ليس الإشعاع المُستخدَم في التشخيصات الطبية أو الأعمال النووية فقط هو المُضعِف للخصوبة؛ إذ إنَّ خطر التعرض للإشعاع الكهرومغناطيسي مُتزايد مع تزايُد استخدام التكنولوجيا.
مثلاً تبعث أجهزة الهاتف المحمول 800 - 2,200 ميغاهرتز من الإشعاع الكهرومغناطيسي، وهذا قد يُؤدِّي إلى ارتفاع درجة الحرارة سريعًا وتلف المادة الوراثية، كما ثبت أنَّ التعرّض بكثرة للهواتف المحمولة مُرتبط بتراجُع جودة الحيوانات المنوية.
أمَّا أجهزة اللاب توب، فتبعث 300 هرتز - 10 ميغا هرتز من الإشعاع الكهرومغناطيسي، مع انبعاث إشارات لا سلكية "واي فاي" تُقدَّر بـ 2.4 غيغاهرتز!
وقد ثبت ارتباط اللاب توب المُتصل بالإنترنت عبر الإشارات اللاسلكية بتراجُع حركة الحيوانات المنوية وتكسُّر المادة الوراثية لها.
أنماط المعيشة المُؤثِّرة في خصوبة الرجال
كذلك نمط المعيشة الذي تغيَّر كثيرًا في السنوات الأخيرة، قد يضر خصوبة الرجل من حيث لا يدري، وفيما يلي أهم ما يُؤثِّر منها في خصوبة الرجل:
1- التغذية والسمنة
مع تدهور الأنظمة الغذائية في الآونة الأخيرة، تصاعدت مُعدَّلات الإصابة بالسمنة، وكُلّما زاد مُحِيط الخصر والسمنة، قلّ عدد الحيوانات المنوية، ولا تُوجَد علاقة إحصائية تُوضِّح أثر السمنة في حركة الحيوانات المنوية أو أشكالها أو المادة الوراثية لها.
2- الكافيين
تأثير الكافيين على الخصوبة محل جدال، فقد ربطت بعض الأدلة بينه وبين تراجُع حجم السائل المنوي وأعداد الحيوانات المنوية، بينما أشارت دراسات أخرى إلى عدم وجود علاقة كبيرة بين الكافيين وجودة السائل المنوي، ومِنْ ثَمّ فليس هناك قول شاف فيه.
3- التدخين
التدخين مُنذِر بقلة السائل المنوي وضعف حركة الحيوانات المنوية وقلة أعدادها، وهي أحد أشهر العوامل وراء انحدار خصوبة الرجال في الآونة الأخيرة.
4- المنشطات البنائية
يستخدمها الرياضيون لبناء العضلات، لكنَّها تُضعِف إنتاج هرمونات الذكورة داخل الجسم، ما يُقلِّل إنتاج الحيوانات المنوية، والذي قد يصل إلى قلة أعدادها أو حتى انعدامها.
طرق الوقاية من ضعف الخصوبة عند الرجال
بدايةً من الصعب تفادي معظم العوامل البيئية، خاصةً مع تغلغلها في شؤون المعاش كافة تقريبًا، لكن قد تُساعِد بعض النصائح في تعزيز إنتاج الحيوانات المنوية والحفاظ عليها، مثل:
- عدم ارتداء ملابس داخلية ضيقة؛ لأنَّ ارتفاع حرارة كيس الصفن يُؤثِّر في إنتاج الحيوانات المنوية.
- الحصول على مضادات الأكسدة، مثل الزنك وفيتامين هـ، وفيتامين سي و السيلينيوم، والإنزيم المساعد Q10، إمّا من مصادرها الغذائية أو المكملات؛ إذ تُساعِد في حماية المادة الوراثية للحيوانات المنوية.
- تجنُّب المُنشِّطات البنائية للرياضيين.
- الاعتماد على أنظمة غذائية صحية، مثل حمية البحر الأبيض المتوسط، أو الأنظمة الغذائية التي لا تُسبِّب السمنة.
- التوقُّف عن التدخين.