"للعقم سبب خفي".. ما هو تكسُّر المادة الوراثية للحيوان المنوي؟
جوهر الحيوان المنوي مادة وراثية، من دونها لن تكون لحركته تجاه البويضة أي قيمة؛ إذ هذه المادة الوراثية هي الداخلة في تشكيل الجنين لاحقًا، ولسوء الحظِّ قد يُعانِي بعض الرجال تكسّر المادة الوراثية للحيوان المنوي، ما يجعل الإنجاب مُتعذِّرًا حتى مع سلامة نتائج تحليل السائل المنوي، فكيف يمكن تشخيص هذه المشكلة واستعادة الخصوبة؟
أهمية الصحة الجينية للحيوانات المنوية
تحمل الحيوانات المنوية المادة الوراثية من الأب؛ استعدادًا لاتحادها مع المادة الوراثية للبويضة في إطار تكوين إنسانٍ جديدٍ، بل إنَّ ذلك هو الهدف الرئيس من وصول الحيوان المنوي إلى البويضة.
يحتوي رأس الحيوان المنوي على الكروموسومات "جزيئات الحمض النووي أو المادة الوراثية"، ملفوفة بإحكام داخل النواة.
وتكمن أهمية عنق وذيل الحيوان المنوي في إيصال هذه الحمولة من المادة الوراثية بأكفأ طريقةٍ ممكنة؛ إذ تحمل المادة الوراثية كل التعليمات اللازمة لتوجيه نمو الجنين، ومِنْ ثَمَّ فاستقرار بنية المادة الوراثية من العوامل المهمة في حِفظ خصوبة الرجل.
فأيُّ تلفٍ يطرأ على المادة الوراثية للحيوان المنوي، يتداخل مع قدرته على:
- تخصيب البويضة أولًا.
- نمو الجنين ثانيًا.
ماذا يعني تكسُّر المادة الوراثية للحيوان المنوي؟
لا بُدَّ من فهم ماهية المادة الوراثية أولًا؛ لمعرفة معنى تكسُّرها، فالمادة الوراثية - أو الحمض النووي "DNA" - مُرتَّبة في هيكل حلزوني طويل يُشبِه الدرج "السلم" أو ما يُعرَف باسم الحِلزُّ المزدوج "Double helix".
وتتألَّف درجات ذلك السلم من أزواج من مواد كيميائية تُعرَف باسم "النيوكليوتيدات".
يُشِير تكسُّر المادة الوراثية للحيوان المنوي إلى تغيُّر أو حذف القواعد "النيكليوتيدات"، أو حدوث كسر أو انفصال في أحد شريطي الحمض النووي، أو كليهما داخل الحيوان المنوي.
قد يحدث هذا التلف عبر مواطن مختلفة من دورة حياة الحيوان المنوي، فقد ينشأ قبل القذف خلال تخزين الحيوانات المنوية في البربخ، أو حتى بعد القذف.
أسباب تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي
تتكسَّر المادة الوراثية للحيوان المنوي بسبب مُركَّبات الأكسجين التفاعلية "Reactive Oxygen Species" داخل خلايا الحيوانات المنوية؛ إذ تُنتَج هذه المُركَّبات طبيعيًّا بوساطة الميتوكوندريا "مصنع الطاقة الخلوي".
ومعلومٌ أنَّ الحيوانات المنوية تحتاج قدرًا هائلًا من الطاقة، فمع إنتاج الطاقة، تُنتَج أيضًا مُركَّبات الأكسجين التفاعلية مُتِلفةً المادة الوراثية، وهذا التلف الناجم عنها يُعرَف بالإجهاد التأكسدي.
لكن هذا ليس السبب الوحيد؛ إذ في الجسم مضادات أكسدة تُواجِه مُركَّبات الأكسجين التفاعلية هذه باستمرار؛ لذا لنُلقِي نظرة على الأسباب الأخرى وراء تكسُّر المادة الوراثية للحيوان المنوي:
- دوالي الخصية.
- عوامل بيئية، مثل: التلوُّث الهوائي، والتدخين.
- العلاج الإشعاعي أو الكيميائي.
- الأمراض الالتهابية الحادة والمزمنة، خاصةً إذا تكرَّرت في نوبات.
- مرض السكري.
- زيادة الوزن.
- خلل جيني.
اقرأ أيضًا: هل تؤدي دوالي الخصية إلى انعدام الحيوانات المنوية؟
هل لتكسُّر المادة الوراثية أعراض؟
لا تُوجَد أعراضٌ مُحدَّدة لتكسُّر المادة الوراثية للحيوان المنوي، لكن تُجرَى الاختبارات التشخيصية مع معاناة الرجل صعوبةً في الإنجاب، ومن خلالها قد يرصد الطبيب تكسر المادة الوراثية.
مؤشر تكسر المادة الوراثية "DFI"
يعني ذلك المؤشر نسبة الحيوانات المنوية ذات المادة الوراثية المُتكسرة في عيِّنة من السائل المنوي، وكُلَّما زادت هذه النسبة، دلَّ ذلك على ارتفاع نسبة الحيوانات المنوية المُصابة بتكسُّر المادة الوراثية.
يُعدُّ مؤشر تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي الأكثر من 30 - 50% مرتفعًا، وقد يُضعِف خصوبة الرجل، وقد يُواجِه بعض الرجال ضعفًا في الخصوبة مع نسبٍ تتراوح بين 15 - 30% فقط، خاصةً إذا كانت نتائج تحليل السائل المنوي غير طبيعية أيضًا "نقص عدد الحيوانات المنوية أو ضعف حركتها مثلًا".
ويُمكِن معرفة قيمة ذلك المؤشر لدى الرجل من خلال تحليل تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي.
هل يُؤثِّر تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي في الخصوبة؟
بدايةً، الإنجاب ممكن حتى مع نسب مرتفعة لتكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي.
ففي الدراسات التي رصدت مُعدَّلات حملٍ أقل، أو احتياج وقتٍ أطول للحمل، أو زيادة مُعدَّلات الإجهاض؛ حدث حملٌ كامل، على الرغم من ارتفاع مؤشر تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي لدى هؤلاء الرجال.
ومع ذلك، فقد أثبتت دراساتٌ، حسب موقع "givelegacy"، أنَّ الرجال ذوي المُعدَّلات المُرتفعة لتكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي، أكثر عُرضةً للعُقم.
وأظهرت إحدى هذه الدراسات في سياق تقييم رجالٍ مُصابِين بالعقم "غير قادرين على الإنجاب رغم المحاولة لمدة سنة أو أكثر"، لديهم مُعدَّلات مرتفعة بمُعدَّل الضعف في تكسر المادة الوراثية، مقارنةً مع الرجال أصحاب الخصوبة السليمة "27.6% للعقيم في مقابل 13.3% للسليم".
طرق تشخيص تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي
لا يُشخَّص تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي ضمن تحليل السائل المنوي المُعتاد؛ إذ يعتمد تشخيص مثل هذا الاضطراب على التقنيات الآتية:
- اختبار تشتُّت كروماتين الحيوانات المنوية "SCD": تُحلّ الحيوانات المنوية كيميائيًا، ثُمَّ تُفحَص بوساطة مِجهر عالي القوة؛ لرصد الهالات المُشكَّلة من حلقات المادة الوراثية السليمة "الحيوان المنوي ذو المادة الوراثية التالفة لن يُنتِج هالة".
- الفحص الكهربائي الهلامي للخلية المفردة "SCGE" أو اختبار المذنب: يُفكَّك الغشاء الخلوي حول الحيوان المنوي، وتُشكِّل المادة الوراثية المُتكسِّرة ذيلًا شبيهًا بذلك على المذنب، وحسب حجمه يكون قدر التلف الذي لحق بالمادة الوراثية.
- فحص بنية كروماتين الحيوانات المنوية "SCSA": تُصبَغ خلايا الحيوانات المنوية وتُوضَع في مسار شعاع الليزر؛ إذ يتسبَّب في انبعاث ضوء فلوري بلونٍ مُعيَّنٍ من الصبغة، فالأخضر يُشِير إلى سلامة المادة الوراثية، أمَّا الأصفر أو الأحمر فيدلان على تلف متوسط أو شديد للمادة الوراثية.
اقرأ أيضًا: ما علاج تشوه الحيوانات المنوية عند الرجل؟
مَنْ بحاجةٍ إلى الاختبارات التشخيصية؟
يحتاج الرجال الذين يُواجِهون مشكلات الخصوبة وصعوبة الإنجاب إلى هذه الاختبارات، خاصةً في حالة:
- العقم غير معلوم السبب.
- التشخيص بعامل العقم عند الذكور لسببٍ مجهول.
- تكرُّر الإجهاض لدى الزوجة.
- ضعف جودة الأجِنَّة خلال التلقيح الاصطناعي.
- تجاوز 40 عامًا من العمر.
- الرجال الذين لديهم عادات سلبية تُؤثِّر في الحيوانات المنوية، مثل: التدخين.
هل يؤثر تكسر المادة الوراثية في تحليل السائل المنوي؟
دلَّت الأبحاث على أنَّ الرجال الذين لديهم مستويات مرتفعة من تكسر المادة الوراثية في الحيوانات المنوية، لديهم أيضًا نتائج غير طبيعية لتحليل السائل المنوي، مثل:
- تشوّه الحيوانات المنوية.
- ضعف حركة الحيوانات المنوية.
وذلك مقارنةً مع الرجال الذين لديهم نتيجة طبيعية أو معقولة لتحليل السائل المنوي؛ إذ كانت المادة الوراثية في حالٍ أفضل عندهم.
استراتيجيات علاج تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي
تنخفض فرص الإنجاب حتى مع التلقيح الصناعي والحقن المجهري مع تكسُّر المادة الوراثية للحيوان المنوي، وتُساعِد الاستراتيجيات الآتية على تعزيز الحيوانات المنوية:
1- تعديل نمط المعيشة
تتسبَّب بعض العوامل الخارجية في تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي، مثل:
- التدخين.
- الإشعاع.
- الحرارة.
- المُلوِّثات الهوائية.
كما تزداد فرص تكسر المادة الوراثية مع تقدُّم الرجل في العمر، أو زيادة وزنه، أو معاناته من مرض السكري؛ لذا فإنَّ تعديل نمط المعيشة هو الخطوة الأولى في تفادي تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي، وذلك من خلال:
- التوقف عن التدخين.
- ممارسة التمارين الرياضية.
- الحفاظ على الوزن.
- ارتداء ملابس داخلية واسعة مريحة.
- تجنُّب درجات الحرارة المرتفعة كجلسات الساونا.
2- السيطرة على العدوى
قد تُسبِّب عدوى الجهاز التناسلي لدى الرجال تكسُّر المادة الوراثية للحيوان المنوي؛ لذا ينبغي زيارة الطبيب حال الإصابة بعدوى، وتلقِّي العلاج المناسب، الذي قد يستغرق 2 - 12 أسبوعًا حتى تقل مستويات مُركَّبات الأكسجين التفاعلية.
اقرأ أيضًا: تعرف على حركة الحيوانات المنوية ودورة حياتها
3- مضادات الأكسدة
الإجهاد التأكسدي من أسباب صعوبة الإنجاب لدى الرجال، خاصةً أنَّه يُؤدِّي إلى تكسر المادة الوراثية للحيوان المنوي؛ لذا ينصح بعض الأطباء بالحصول على مضادات الأكسدة؛ للحفاظ على المادة الوراثية ومنع تلفها، وذلك مثل:
- فيتامين ج.
- فيتامين هـ.
- الزنك.
- السيلنيوم.
4- إصلاح دوالي الخصية
تزداد مُعدَّلات تكسر المادة الوراثية حال المعاناة من دوالي الخصية؛ لذا ينبغي استشارة الطبيب وعلاجها في أقرب وقت.