أحرق مليوني دولار لتدفئة ابنته! من هو بابلو إسكوبار "ملك الكوكايين" الأشهر؟
وصل الحال بـ"بابلو إسكوبار" أن كان مسؤولاً عن 80% من الكوكايين الذي كان يدخل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن شدة ثراه، يُقال إنه أحرق مليوني دولار لتدفئة ابنته عندما شَعُرَت بالبرد، أضف إلى ذلك أنه يُعَد أشهر تاجر مخدرات، بل من أشهر الشخصيات في التاريخ. إذ وصلت ثروته إلى 30 مليار دولار وصنّفته مجلة "Forbes" وقتها من ضمن أغنى 10 رجال على وجه المعمورة.
بداية إجرامية
وُلدِ "بابلو إميليو إسكوبار جافيرا"، أو "ملك الكوكايين" مثلما كانوا يُلقبونه، في مدينة ريونجرو بكولومبيا عام 1949. كان الولد الثالث من بين 7 أطفال، أُمه كانت مدرسة ووالده كان مزارعًا بسيطًا، وبشكل عام لم يكن حال العائلة ميسورًا، ومع ذلك كان "إسكوبار" الطفل يطمح في أن يكون رئيس كولومبيا في يومٍ من الأيام.
منذ الصغر وحياة "ملك الكوكايين" تمتاز بالتقلبات، ولعل هذا السبب هو ما دفعه إلى حياة الإجرام في سنٍ مبكرة؛ إذ يُقال إنه كان يسرق شواهد القبور ويبيع الشهادات المزيفة، ثم انتقل بعد ذلك إلى سرقة السيارات ومنها إلى أعمال التهريب.
بحلول السبعينيات، الذي كان عقدًا فارقًا بالنسبة لـ"إسكوبار"، أصبحت كولومبيا مورّدًا رئيسًا لمخدر الماريجوانا "الحشيش" في العالم، أضف إلى ذلك أن موقعها الجغرافي وحدودها مع بيرو وبوليفيا أهّلاها لتجارة الكوكايين أيضًا.
في تلك البيئة صنع "إسكوبار" لنفسه مكانًا وما ساعده على ذلك أن أحد أشهر تجار المخدرات وقتها، وهو "فابيو ريستريبو" من مدينة ميديلين، قد قُتِل. اتُهِم "ملك الكوكايين" بأنه من أمر بتنفيذ عملية القتل، وبغض النظر عما إذا كان هذا صحيحًا أم لا، فـ"إسكوبار" استغل الموقف وسرعان ما أحكم سيطرته على المنطقة، بل فعل شيئًا غير مسبوق في التاريخ!
فضة أم رصاص؟
أسس "بابلو إسكوبار" عصابة ميديلين Medellin cartel، وبأوامر منه، تم استيراد كميات هائلة من عجينة الكوكايين الموجودة ببوليفيا وبيرو، ثم معالجتها وبيعها للولايات المتحدة. في تلك الفترة، وبالرغم من حياة الإجرام التي سيقبل عليها، أراد "إسكوبار" أن يُكَون عائلة فتزوج فتاة تُسمى "ماريا فيكتوريا هيناو" تَصغُره بـ 11 عامًا وأنجب منها طفلين.
ومع ازدياد شهرة تاجر المخدرات، وضعته إدارة الأمن الكولومبي "DAS" تحت المراقبة، ونصبت له كمينًا حتى تُلقي القبض عليه، وبالفعل في أثناء عودته من رحلةٍ لتهريب المخدرات في الإكوادور اعتقلته مُتلبسًا؛ حيث وجدته يُخفي 39 كيلوغرامًا من الكوكايين في إطارات شاحنته!
وبرشوةٍ دفعها للقاضي، استطاع "إسكوبار" أن يفلت من السجن، وفي عام 1976، أي بعد حادثة اعتقاله بعامٍ واحد فقط، عُثِرَ على عميلي إدارة الأمن الكولومبي اللذين ألقيا القبض عليه مقتولين. منذ تلك الحادثة و"إسكوبار" يتعامل مع السلطات بمنهجٍ يُطلق عليه بالإسبانية "plata o plomo"، الذي يعني "فضة أم رصاص" في إشارة للسلطات إلى أن أمامهم خيارين: إما قبول الرشوة أو القتل.
ضياع حلم الطفولة
لاحظ "بابلو إسكوبار" أن الطلب على الكوكايين قد ازداد في الولايات المتحدة، فأنشأ شبكات توزيع إضافية في أماكن مختلفة، وبحلول العقد الثامن، كانت ثروته تُقدّر بـ 30 مليار دولار، حتى أنه اشترى طائرةً خاصة لا لشيء سوى لنقل أمواله من مكان لآخر، ووفقًا لأخيه، فإن الفئران كانت تأكل سنويًا 2 مليار دولار من أموال "بابلو" لأنه لم يستطع نقلها، أو التحكم بها كيفما يشاء.
في تلك الفترة كان "إسكوبار" يسيطر على 80% من الكوكايين المُهرَّب إلى أمريكا، إذ كان يورّد أكثر من 15 طنًا في اليوم الواحد فقط، ما ضمن له مكسبًا أسبوعيًّا قدره 420 مليون دولار.
وبعد أن حُيزت له جميع الأموال التي لم يكن ليحلم بها يومًا، بدأ "إسكوبار" بملاحقة حلم الطفولة بأن يصبح رئيسًا. في البداية عمل على إصلاح المناطق العشوائية والمحلية في بلده؛ فشيّد الطُرق، وأدخل الكهرباء، وبنى ملاعب كرة قدم وحلبات للتزلج، وغيرها، حتى أن الشعب شبهه بـ"روبين هود"، والبعض قال إنه فعل معهم ما لم تفعله الحكومة.
دخل "ملك الكوكايين" المعترك السياسي وترشح لمجلس النواب الكولومبي، بل فاز بمقعدٍ، ولكن وزير العدل وقتها، "رودريغو لارا"، حرمه من المنصب بعدما تحرى عنه ووجد أن ثروته مُكتسبة بطرق غير شرعية. تمر أشهر قليلة، ويتم اغتيال وزير العدل الكولومبي مثلما اغتيل عميلا إدارة الأمن.
اقرأ أيضًا:"يرتاده 3 ملايين زائر سنويًا".. التاريخ المُظلم لجبل راشمور
غضب إسكوبار العارم
غضب "إسكوبار" بشدة عندما تيقن من ضياع حلم الرئاسة، فأصبح يقتل الجميع بدءًا من السياسيين والصحافيين، وحتى المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل. ومع استمرار ضغط الولايات المتحدة على الحكومة الكولومبية لتسليمه، صب "إسكوبار" جام غضبه على الساسة، وأمر بعدم تسليم المجرمين والعفو عن أباطرة تلك التجارة العَفِنة مقابل أن يتخلى هو عن نشاطه.
ويبدو أن "إسكوبار" لم يحصل على مراده، إذ نشر الرعب والفوضى في البلاد مُتسببًا في مقتل 3 مرشحين رئاسيين، ومدعٍ عام، وعشرات القضاة، وأكثر من 1000 شرطي، إضافة إلى اتهامه بتفجير طائرة كولومبية كان عليها أحد خصومه السياسيين.
ففي نوفمبر 1989، زرع "إسكوبار" قنبلة بتلك الطائرة -المدنية- بغية قتل المرشح الرئاسي سيزار جافيريا "الذي أصبح رئيسًا للبلاد لاحقًا"، والذي لحُسن حظه فوَّت الطائرة التي انفجرت وقُتِل من عليها من أشخاص وصل عددهم إلى 107 أشخاص. تمر 9 أيام على تلك الحادثة المؤسفة، ويُقتَل 50 ويُصَاب 2200 آخرين نتيجة انفجار شاحنة خارج مبنى إدارة الأمن، وهذا ما قلب موازين الرأي العام ضد "إسكوبار" وعصابته.
السجن الفاخر لملك الكوكايين
مع وصول "سيزار جافيريا" للحكم، كان "إسكوبار" يعلم أن نهايته قد دنت، وهذا ما حدث، حيث واجه "إسكوبار" في التسعينيات تُهمًا عديدة وضغطًا خانقًا من إدارة "سيزار" اضطُرَّ بسببهما أن يتفاوض على تسليمه، بشرط أن يحظى بعقوبة مُخففة وسجن فاخر، ولحُسن حظه فإن القانون الكولومبي وقتها حال دون تسليمه للولايات المتحدة.
قوبلت شروط "إسكوبار" بالموافقة، "وسُجِنَ" فعلًا في سجنٍ بناه بنفسه وانتقى رجالاً من موظفيه ليحرسوه. كان السجن فخمًا لدرجة أنه عُرِف بـ "فُندق إسكوبار- Hotel Escobar"، وهو كان كذلك حقًا؛ إذ احتوى على جاكوزي، وكازينو، وملهى ليلي، وملعب كرة قدم وغيرها من وسائل وأدوات الرفاهية.
ولأن ذلك "الفندق" لم يكن سجنًا بالمعايير المتعارف عليها، قررت الحكومة في عام 1992 أن تنقل "بابلو إسكوبار" إلى مُنشأة أكثر صرامة، ولكن في أثناء الترحيل، يتمكن "ملك الكوكايين" من الهرب لتلاحقه السلطات بمساعدة إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية "DEA"، لتُسفِر هذه الملاحقة، والتي استمرت بحسب أغلب المصادر مدة 16 شهرًا، في النهاية عن مقتل أشهر تاجر مخدرات في التاريخ أخيرًا.
انتهت حياة "إسكوبار" في نفس أحياء نفس المدينة التي صنعته، ميديلين، وذلك عندما قبضت السلطات عليه ليحدث تبادل إطلاق للنيران مع عصابته، وبينما يحاول تاجر المخدرات الهرب مرة أخرى، تُرديه الشرطة قتيلاً هو وحارسه الشخصي.
أشهر محطتين في حياة إسكوبار
أحرق مليوني دولار لتدفئة ابنته: إذ يُقال إن عائلة "إسكوبار" كانت تقطن سفوح جبال مدينة ميديلين، ولشدة البرودة، انخفضت درجة حرارة ابنته "مانويلا" بشكل ملحوظ، فسرعان ما أحرق 2 مليون دولار لتدفئتها.
صورة البيت الأبيض: التُقطت صورة أيقونية لـ"إسكوبار" يظهر فيها وولده "خوان" أمام البيت الأبيض نفسه، ويتساءل الجميع: كيف استطاع تاجر كوكايين بهذه السمعة أن يقف أمام المقر الرسمي الأشهر في الولايات المتحدة، إن لم يكن في العالم؟
مبدئيًا، التقطت زوجة "إسكوبار" تلك الصورة، وذلك في الفترة التي كان يحاول فيها "ملك الكوكايين" أن يصنع لنفسه مكانةً سياسية ضخمة ويُقنن أوضاعه في كولومبيا، وبالتحديد قبل عام من فوزه بالمقعد البرلماني. ويُقال إن "إسكوبار" سافر إلى أمريكا بجوازِ سفرٍ دبلوماسي، أو على الأقل زوَّر واحدًا عن طريق علاقاته. وعلى ما يبدو أيضًا أنه لم يُعتَقل لأن الحرب على الكوكايين لم تكن قد بلغت ذروتها في أمريكا التي لم تُرِد أن تضيع مجهوداتها في شيء أدركت خطورته لاحقًا.