"عندما يكون الاستيقاظ مميتًا".. ماذا تعرف عن الأرق العائلي القاتل؟
عجزٌ عن النوم، وأرق يتسلَّل في ظلمة الليل رويدًا رويدًا، ويتضاعف ذلك الأرق بمرور الشهور ولا يتراجع قيد أنملة، تزامنًا مع تراكم بروتينات غير طبيعية في الدماغ، تدفعه نحو الخرف، ثُمَّ الغيبوبة، ثُمَّ الوفاة. يبتدئ الأرق العائلي القاتل بخللٍ جيني يتسبَّب في أرق يزداد سوءًا بمرور الوقت، وقد لا تظهر الأعراض إلَّا مع بلوغ 20 - 70 عامًا من العمر، فما هو هذا الأرق المميت؟ وكيف يمكن تشخيصه وعلاجه؟
ما هي أنواع الأرق القاتل؟
بدايةً ثمّة نوعان من الأرق القاتل؛ هما الأرق العائلي القاتل والأرق القاتل المُتقطِّع، ويُفرَّق بين النوعين بمدى وجود صلة لهما بطفرةٍ جينية موروثة أم لا، وتفصيلهما فيما يلي:
الأرق العائلي القاتل
هو الصورة الموروثة من الأرق القاتل، ما يعني انتقال طفراتٍ جينية مُعيَّنة مُرتبطة بهذا الاضطراب من جيلٍ إلى آخر، وهذه الطفرات تُؤدِّي إلى إنتاج بروتينات غير طبيعية الشكل تضر الدماغ.
ويُعدّ الأرق العائلي القاتل غير شائع، بل هو نادر؛ إذ لم تُوجَد الطفرات الجينية المُسبِّبة له إلَّا في 70 عائلة فقط حول العالم، حسب ما ذكره موقع "Sleepdoctor".
الأرق القاتل المتقطع
أمَّا هذا النوع من الأرق فيحدث عندما تتحوَّل بروتينات البريون تلقائيًا إلى بروتينات ذات أشكالٍ غير طبيعية، وهنا لا يُوجَد خلل جيني، أو تاريخ عائلي سابق بالأرق القاتل، ومع ذلك فإنَّ نتائجه هي نفس نتائج الأرق العائلي القاتل، وكذلك الأعراض.
يُعدّ الأرق القاتل المُتقطِّع أندر من الأرق العائلي القاتل، فقد أوردت الدراسات 25 حالة منشورة فقط بالأرق القاتل المُتقطِّع.
ما هو الأرق العائلي القاتل؟
اضطرابٌ جيني نادر يُصِيب الدماغ والجهاز العصبي المركزي، بما يُسبِّب الأرق وفقدان الذاكرة "الخرف" وارتعاش العضلات، حسب "Clevelandclinic".
وهذا الاضطراب تنكُّسي في طبيعته بمعنى أنَّ الأعراض تتفاقم مع مرور الوقت، كما أنَّ هذه الأعراض تُهدِّد الحياة ولا يُوجَد علاج جذري لها حتى الآن.
اقرأ أيضًا:ما هي أفضل أوضاع النوم للحفاظ على صحة العمود الفقري؟
ما هي مراحل الأرق العائلي القاتل؟
يمر الأرق العائلي القاتل بأربعة مراحل:
المرحلة الأولى
تُعرف هذه المرحلة من خلال الأرق المُتزايد على مدار أشهر، والذي قد يُسبِّب اضطرابات نفسية، مثل الفوبيا وجنون العظمة "البارانويا" ونوبات الهلع، كما قد يُورِد المرضى خلال هذه المرحلة أحلامًا واعية "سيأتي معناها لاحقًا"، وتستمر هذه المرحلة 3 - 6 أشهر.
المرحلة الثانية
تتفاقم الأعراض النفسية وكذلك الأرق في الخمسة أشهر التالية، وقد يُعانِي المرضى هلوسات، كما قد يزداد نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي، ما يُؤدِّي إلى خللٍ في عمل الجهاز العصبي اللا إرادي.
المرحلة الثالثة
هي مرحلة قصيرة تستغرق 3 أشهر، وبها أرق كُلِّي واختلال تام في دورة النوم واليقظة.
المرحلة الرابعة
هي المرحلة النهائية من المرض، وقد تستمر 6 أشهر أو أكثر، وفيها تتدهور القدرات المعرفية سريعًا، ويُصابُ المريض بالخرف، كما يفقد القدرة على الحركة أو النطق الإرادي، ويعقب ذلك غيبوبة، ثُمَّ الوفاة.
كيف يُؤثِّر الأرق العائلي القاتل على الجسم؟
يستهدف الأرق العائلي القاتل الدماغ والجهاز العصبي المركزي، وذلك نتيجة تكوين بروتينات غير طبيعية بفعل طفراتٍ جينية في جزء الدماغ المُتحكِّم في النوم "المهاد".
ويُعدّ الأرق من الأعراض الشديدة التي يُسبِّبها هذا المرض بما يُؤثِّر في قدرة الجسم على أداء مهامه اليومية، كما تتفاقم هذه الأعراض وتزداد سوءًا بمرور الوقت وصولاً إلى التدهور المعرفي والخرف، ثُمّ الغيبوبة والوفاة.
أعراض الأرق العائلي القاتل
تبدأ أعراض الأرق العائلي القاتل في الظهور بين 20 - 70 عامًا من العمر، ويبلغ متوسط العمر الذي قد تظهر معه الأعراض 40 عامًا، وتتضمَّن الأعراض ما يلي:
1- الأرق
الأرق هو صعوبة الدخول في النوم، أو تعذُّر البقاء نائمًا خلال الليل، وما يُميِّز الأرق العائلي القاتل هو تزايُد الأرق بمرور الوقت وتفاقمه.
2- الأحلام الواعية
بينما ينام المريض فترةً قصيرةً فقط، قد يمر بأحلامٍ واعية وهي الأحلام التي يُدرِك فيها أنَّه يحلم وهو نائم، لا الحلم المُعتاد الذي ينخرط فيه الإنسان ولا يُدرِك أنَّه نائم إلَّا بعد انتهاء الحلم واستيقاظه من النوم.
3- أحلام اليقظة
نتيجة عدم النوم بما فيه الكفاية، قد يمر مريض الأرق العائلي القاتل خلال الفترة القصيرة التي ينامها بحالةٍ شبيهة بالحلم بينما هو ما زال مُستيقظًا في الواقع، وذلك بشكلٍ مفاجئ.
4- قلة النوم العميق
مرحلة النوم العميق هي المرحلة الضرورية لاستعادة نشاط الجسم، بما يُمكِّنه من أداء مهامه على مدار اليوم، ومع تزايُد الأرق، تقل فترة هذه المرحلة أو تتوقَّف تمامًا.
5- قلة وقت النوم وزيادة النوم النهاري
ينخفض الوقت الكُلِّي الذي ينامه المريض مع تقدُّم المرض بمرور الوقت، وهذا النقص في النوم تصحبه زيادة في وقت النوم بالنهار في محاولة لتعويض المفقود.
6- تغيُّرات نفسية
قد يُعانِي مرضى الأرق العائلي القاتل بعض التقلبات المزاجية، مثل:
- الاكتئاب.
- الهلوسة.
- نوبات الهلع.
- جنون العظمة.
كذلك قد يُعانِي بعضهم فقدان الذاكرة قصيرة الأمد وصعوبة التركيز، وارتعاش العضلات.
اقرأ أيضًا:كيف تقيس التوتر لديك؟ وما مستوياته الطبيعية؟
7- اضطراب الجهاز العصبي اللا إرادي
وهذا قد يقع في المرحلة الثانية من المرض، وربَّما تصحبه بعض الأعراض بخلاف الأرق، مثل:
- فرط التعرُّق.
- نوبات من التنفُّس السريع.
- ارتفاع درجة حرارة الجسم.
- زيادة مُعدَّل ضربات القلب.
- ارتفاع ضغط الدم.
- خلل الوظيفة الجنسية "الضعف أو العجز".
- الإمساك.
أسباب الأرق العائلي القاتل
يُعدّ الأرق العائلي القاتل من الأمراض الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وينشأ ذلك المرض من خلال:
1- عيوب جينية
تتكوَّن بروتينات البريون غير الطبيعية بسبب طفرات جينية في جين "PRNP" الذي يُشفر لبروتين البريون، ما يُؤدِّي إلى الأرق العائلي القاتل.
2- مرض بريون
يُعدّ الأرق العائلي القاتل من أمراض بريون، والبريون هو بروتين غير معلوم الوظيفة، لكن قد ينشأ بأشكالٍ غير طبيعية كما في حالة الأرق العائلي القاتل، وتتراكم هذه البروتينات في بعض مناطق الدماغ على مدار السنوات، ثُمَّ تبدأ الأعراض في الظهور فجأة بعد أن تضعف وظائف المخ بشدة.
3- إصابة بعض مناطق الدماغ
تتأثَّر بعض مناطق الدماغ بفعل الأرق العائلي القاتل، مثل المهاد، ويُظنّ أنَّ إصابتها تُعرقِل دورة النوم واليقظة، ما يمنع دخول الإنسان في مرحلة النوم العميق، ومِنْ ثَمَّ يستحيل أن يجد المرء راحته في النوم وإن طال.
ما سبب الوفاة بين المصابين بالأرق العائلي القاتل؟
ذكر "Clevelandclinic" أنَّ سبب الوفاة بين المُصابين بالأرق العائلي القاتل هو تلف المخ والجهاز العصبي؛ بسبب تراكم بروتينات البريون في المهاد.
تشخيص الأرق العائلي القاتل
يُمكِن تشخيص الأرق العائلي القاتل عبر بعض الاختبارات، مثل:
- تخطيط النوم: أحد اختبارات النوم المعنية برصد أنماط النوم غير الطبيعية.
- رسم المخ: لاختبار مدى النشاط الكهربائي في الدماغ.
- اختبارات جينية: للتوصُّل إلى الجين المسؤول عن أعراض الأرق العائلي القاتل.
- التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني: وذلك باستخدام الفلوروديوكسي غلوكوز؛ إذ يُظهِر ذلك الاختبار قلة امتصاص الغلوكوز في الدماغ، والذي قد يكون علامة مبكرة على الأرق العائلي القاتل أو اضطرابات أخرى.
- الاختبارات التصويرية: مثل التصوير المقطعي المحوسب وأشعة الرنين المغناطيسي، لكنّها بهدف استبعاد المشكلات الأخرى التي قد تُسبِّب نفس الأعراض، ولتضييق دائرة التشخيص، ومع تقدُّم المرض، تُظهِر أشعة الرنين المغناطيسي انكماشًا في حجم بعض مناطق الدماغ.
هل يمكن علاج الأرق العائلي القاتل؟
نظرًا لأنَّ منشأ الخلل طفرات جينية، فإنَّ العلاج الجذري عسير إلى درجة الاستحالة، ومِنْ ثَمّ تهدف الخطط العلاجية إلى تخفيف أعراض الأرق العائلي القاتل قدر المُستطاع، وذلك من خلال:
- تناول الأدوية المُنشِّطة للنوم العميق، مثل غاما هيدروكسي بيوتيرات والفينوثيازين.
- علاج التشنُّج العضلي باستخدام كلونازيبام.
- مكملات الميلاتونين التي تُساعِد على النوم؛ إذ تنخفض مستوياته عند المُصابِين بالأرق القاتل.
- مكملات الفيتامينات، مثل فيتامين ب 12، ب 6، حمض الفوليك، والحديد، لكنّها قد تكون أفيد في حالات الأرق المتقطع القاتل.
- التوقف عن تناول الأدوية التي تزيد الأعراض سوءًا أو تقليل جرعتها.
ما زالت تُجرَى الدراسات لبحث خيارات علاجية جديدة لمرضى الأرق العائلي القاتل، وقد كشفت دراسةٌ عن أنَّ المضاد الحيوي "دوكسيسيكلين" أظهر نجاحًا ملحوظًا في إطالة عُمر المُصابين بالأرق العائلي القاتل.