خطط السعودية الطموح لفتح آفاق استثمارية كبرى بقطاع الفضاء
على خلفية الإشادة التي أثنت فيها رائدة فضاء ناسا، آنا فيشر، على تطور السعودية في مجال الفضاء على هامش زيارتها الثانية للمملكة في ظل ما لاحظته من تغييرات كبرى منذ زيارتها الأولى عام 2012، نستعرض في هذا التقرير أبرز النقاط التي تخطط من خلالها المملكة لفتح آفاق اقتصادية أوسع وأكبر بخصوص الاستثمار في الفضاء خلال السنوات المقبلة.
اقتصاد الفضاء هو مفهوم بدأ يظهر مؤخرًا، وقد ابتكرته المملكة كنوع من أنواع الاستثمار المستقبلي الذي تود أن يكون لها السبق في طرق بابه، وها هي قد بدأت بالفعل في اتخاذ أولى الخطوات الجادة على هذا الطريق بعد إرسالها رائدي فضاء سعوديين إلى محطة الفضاء الدولية خلال الأشهر الماضية.
رؤى المملكة للاستفادة من اقتصاد الفضاء
وتلك الخطوة، بحسب محللين مختصين، هي مجرد بداية لمشروع كبير تخطط من خلاله المملكة إلى تعظيم الاستفادة من اقتصاد الفضاء في المستقبل، لاسيما أن هذا التوجه يتقاطع في كثير من تفاصيله مع رؤى المملكة نحو الاستدامة والتكنولوجيا.
وكخطوة أخرى في نفس الاتجاه، قامت المملكة بإطلاق "المجلس الأعلى للفضاء" برئاسة ولي العهد، سمو الأمير محمد بن سلمان، إلى جانب إصدار قرار بتعديل اسم "هيئة الاتصالات" ليصير "هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية"، في إشارة واضحة للتحول الذي تسعى إليه المملكة على هذا الصعيد.
اقرأ أيضا: رائد الفضاء علي القرني: الرحلة غيرت نظرتي للحياة واقشعر جسدي في تلك اللحظة
وسبق أن صرح وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي بأن التركيز منصبّ في الوقت الحالي على التجهيز لبعض الخطوات التي ستسهل الاستثمار في صناعة سوق الفضاء وتحفيز البحوث المرتبطة بهذا المجال إلى جانب اتخاذ خطوات متتابعة نحو تنظيم هذا الاستثمار وضبط حوكمته.
قيادة الفضاء الجديد
والمتابع لمستجدات الأوضاع سوف يلحظ أن المملكة وضعت نفسها الآن ضمن قائمة الدول التي أخذت على عاتقها المبادرة لقيادة الفضاء الجديد والسعي لفتح آفاق استثمارية كبيرة بتلك الصناعة.
وصار يقترن اسم المملكة بقيادة ما يعرف بـ "الفضاء الجديد" وتبني النشاطات الناشئة المرتبطة بهذا المجال، وهو ما تعول عليه في ظل ما تقوم به من جهود تنظيمية تستحدث من خلالها التراخيص، والإجراءات والتنظيمات بالتعاون مع المنظمات والكيانات المحلية والدولية المعنية بشؤون الفضاء.
وكانت الهيئة السعودية للفضاء قد أطلقت في سبتمبر 2022 برنامجًا مستحدثًا بهذا المجال أطلقت عليه "برنامج المملكة لرواد الفضاء" لتأهيل بعض الكوادر الوطنية التي يمكنها القيام برحلات إلى الفضاء قصيرة وطويلة المدى، فضلاً عن إخراج جيل جديد من السعوديين القادرين على المشاركة في التجارب والبحوث العلمية والمهام المستقبلية المتعددة المرتبطة بمجال الفضاء.
ولن يقتصر الدور المفترض أن يقوم به هذا البرنامج على تلك الأهداف فحسب، بل تسعى المملكة من خلاله أيضًا إلى استغلال شتى الفرص الواعدة التي يقدمها مجال الفضاء بما يعود بالنفع على البشرية جمعاء في الكثير من القطاعات التي من أبرزها الاستدامة، الصحة وتقنيات الفضاء المتطورة.
وكانت الخطوة المهمة التي صعد خلالها رائدا الفضاء السعوديان، ريانة برناوي وعلى القرني، إلى الفضاء على متن مركبة "دراغون كرو" التابعة لشركة سبيس إكس في شهر مايو الماضي واحدة من الخطوات الفارقة على صعيد الجهود التي تقوم بها المملكة للتجهيز للمرحلة المقبلة من خططها التي تعنى بفتح آفاق أوسع في قطاع الفضاء، سواء كأبحاث أو كاستثمار.
الاستثمار السعودي في الفضاء بلغة الأرقام
وبالانتقال للحديث عن هذا التوجه بلغة الأرقام، فإنه وبحسب ما سبق أن صرح به وزير الاتصالات السعودي، عبد الله السواحة، فإن اقتصاد الفضاء يقدر إجمالاً بتريليونات الدولارات على مستوى العالم، وهو رقم ضخم وكبير للغاية، بالنظر إلى حجم التعاملات الحاصلة دوليًّا بهذا الخصوص.
وتطمح السعودية من خلال دراساتها الأولية في هذا القطاع إلى مواكبة المستجدات واستكشاف الفرص الواعدة التي يمكن البناء عليها بما يتماشى مع النهج الذي تتبعه المملكة في إطلاق مشاريع وبرامج تتسق مع إمكاناتها المادية والبشرية رغبة منها في إيجاد سوق متخصصة بعالم الفضاء.
اقرأ أيضا: في سابقة نوعية.. إطلاق كتاب جديد للشيخ محمد بن راشد من الفضاء
وبالاتساق مع التقرير الذي سبق أن كشف من خلاله "ستانلي مورغان" أن حجم اقتصاد الفضاء عالميا من المتوقع أن يصل ل 1.1 تريليون دولار في 2040 وأن يصل ل 2.7 تريليون دولار بحلول 2050، فإن المملكة تواصل تسريع وتيرة الجهود التي تبذلها لمواكبة تلك الطفرة الاقتصادية الآخذة في الازدياد وحجز مساحة كبيرة لنفسها على خريطة الاستثمار في قطاع الفضاء مستقبلا.
خطط السعودية بمجال الاستكشاف والبحوث
وضمن هذا الإطار سبق أن وقعت السعودية بعض الاتفاقات المهمة ومنها اتفاقية "أرتميس" مع وكالة ناسا، التي كان الهدف من ورائها هو الانضمام إلى "التحالف الدولي" في مجال الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات وغيرها من الكويكبات للأغراض السلمية كجزء من مشاريعها الفضائية التي تسعى لتعزيز الابتكار وفتح آفاق بحثية برؤى تخطيط جديدة.
وتأكيدًا على مدى الاهتمام الحكومي بالاستثمار في هذا القطاع، تحدث وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عن قيمة ترؤس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمجلس الأعلى الفضاء، بما يعكس الرسالة التي تود أن تنشرها المملكة نظرًا لما تمثله صناعة سوق الفضاء من أهمية استراتيجية، قد يكون لها دورها الإيجابي في تعزيز قوة الاقتصاد وتحفيز الابتكار وإلهام الأجيال المستقبلية.
اقرأ أيضًا:رائد الفضاء علي القرني لـ «الرجل»: واجهت تحديات لم يمر بها البشر
أما عن الدور الفعلي الذي يقوم به المجلس الأعلى للفضاء في المملكة فهو موزع على ثلاثة خطوط عريضة تتمثل في: اعتماد السياسات والأفكار الخاصة بقطاع الفضاء، وتقديم الموافقات اللازمة على الخطط التي يتم إقرارها سنويا والعمل على تحقيق التوافق بما يخدم مختلف القطاعات الوطنية.
وتجدر الإشارة إلى أن الهدف من إنشاء المجلس الأعلى للفضاء في الأساس كان لخدمة التحولات التي تجريها المملكة على الصعيدين الصناعي والاقتصادي ضمن رؤيتها لاستشراف المستقبل ومحاولة الاستفادة من بعض الفرص الواعدة في قطاعات لم يتم التطرق لها من قبل ومنها الفضاء.
ومن الجدير ذكره أيضًا أن المملكة سبق لها أن أطلقت 16 قمرًا صناعيًّا سعوديًّا إلى الفضاء خلال الفترة ببن عامي 2000 و2019، وذلك ضمن خططها التي تهدف لوضع المملكة في مكانها الطبيعي على خريطة العلوم والاقتصاد العالمية، وبدء جني ثمار ما بذلته من جهود على مدار سنوات.
وضمن الخطط التي تعتمدها المملكة الآن هو عمل وكالة الفضاء السعودية على استقطاب 20 شركة عاملة في مجالات سياحة الفضاء، والاستكشاف، واتصالات الأقمار الصناعية، لتدريبهم وتعزيز مهاراتهم وإكسابهم خبرات تسويقية تفيدهم في أعمالهم، وذلك بالتعاون مع شركة Techstars الاستثمارية.