في ظل حرارة غير مسبوقة.. كيف تؤثر حرائق الغابات على حياة البشر؟
شهد العالم خلال الشهور الماضية ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة، إلى الحد الذي دفع هيئات الأرصاد الجوية الدولية إلى اعتبار يوليو الماضي الشهر الأكثر سخونة منذ عشرات السنين.
الأمر لم يقتصر على ذلك فحسب، بل صاحب تلك الموجات شديدة الحرارة، حدوث حرائق في الغابات بأعداد كبيرة من دول العالم، ما دفع عشرات الآلاف من السكان الذين كانوا يعيشون بالقرب من تلك الحرائق إلى مغادرة منازلهم، والبحث عن أماكن إقامة جديدة.
وتدمر تلك الحرائق النباتات والأشجار والمنازل وتنتشر بسرعة كبيرة، حيث تغير الرياح اتجاهها، لذا عُرفت قديمًا باسم "البراري"، أي التي يستحيل السّيطرة عليها عند وقوعها، حيث تسبب دمارًا كبيرًا للقرى التي تقع حولها، كما أنها تؤدي إلى وفاة المئات من الأشخاص واحتراق عشرات المنازل.
ماذا سيحدث لو احترقت أكبر غابات العالم؟
غابات الأمازون تعد أكبر غابات العالم، وتوصف بأنها "رئة الكوكب"، حيث تقع على مسافة تتخطى عشرة آلاف كيلومتر، وتتكون من غابات وأنهار، ويوجد بها 400 مليار شجرة، لذلك فإن غابات الأمازون مسؤولة عن ضخ بعض الأكسجين في كوكب الأرض.
وتحتوي غابات الأمازون على ملايين الأنواع من الكائنات الحية من النباتات والحيوانات، كما أنها تعد أقوى دعائم التنوع الحيوي في العالم، وهو أقوى الدروع التي تحمي الحياة على كوكب الأرض من الانهيار لأي سبب، فكلما ازدادت أعداد الأنواع الجديدة في بيئة ما، انتعشت الحياة، وأصبحت أكثر قوة ومثابرة مهما كانت التغيرات البيئية قاسية.
غابات الأمازون تعرضت لحرائق كبيرة، حيث تحول نهار مدينة ساوباولو البرازيلية إلى ليل بسبب الدخان الصادر من تلك الحرائق. وأعلنت وكالة "ناسا" الأمريكية أن حرائق غابات الأمازون كانت ضخمة لدرجة أنه تمت مشاهدتها من الفضاء.
حرائق غابات الأمازون ارتفعت بنسبة أكبر من 80% عن الفترة نفسها في العام الماضي، حيث وقع ما يقرب من 73 ألف حريق في الغابات.
وتشير الأبحاث والتحقيقات إلى أن حرائق غابات الأمازون حدثت بسبب اتحاد عنصرين الأول الجفاف الشديد، بسبب التغير المناخي، والثاني بسبب البشر الذي يعد السبب الرئيس بنسبة كبيرة في حدوث تلك الحرائق.
حرائق جزيرة هاواي ونجاة المنزل المعجزة
تسببت حرائق جزيرة "ماوي"، إحدى جزر هاواي الأمريكية، في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وهذا الحادث يشير إلى خطورة التغيرات المناخية.
المعروف أن جزيرة هاواي استوائية رطبة، ولكن حدثت الحرائق بسبب التغير المناخي وتسارعت وتيرة اشتعال الحرائق بسبب الرياح العاتية من إعصار "دورا".
الجزيرة فقدت مساحات كبيرة من المزارع، حيث تجاوزت الأعشاب المعرضة للحرائق، مساحات الأراضي البور، وأشارت بيانات وكالة مراقبة الجفاف الأمريكية أن ظروف الجفاف الشديدة في جزيرة ماوي ارتفعت إلى 16%.
ويسهم تغير طبيعة الأراضي بجزيرة هاواي في انتشار الحرائق، خاصة أن الأعشاب والشجيرات الغازية تصبح قابلة للاشتعال بشدة في موسم الجفاف. وأظهرت صور جوية التُقطت لبركان كومبري فييخا الحمم البركانية والصخور المنصهرة تحيط بالعديد من القرى والمنازل، وقد تحول لونها من الأحمر الدموي إلى اللون الأسود نتيجة أكسدة الصهارة بالتعرض للهواء.
وخلال حرائق الغابات لم يتعرض أحد هذه المنازل، الذي حاوطته الحمم البركانية من كل جانب لأي أضرار نظرًا لأنه مبني من مواد جديدة ضد الحرائق، وسماه السكان هناك "المنزل المعجزة".
اقرأ أيضًا:أرقام لا تُصدق..لماذا تندلع حرائق الغابات؟
حريق غابات لاهاينا الأكثر دموية
حريق غابات مدينة لاهاينا التاريخية هو ثاني أكثر الحرائق دموية في الولايات المتحدة منذ قرن، بعد حريق كامب فاير في كاليفورنيا، الذي أودي بحياة 85 شخصًا عام 2018.
وسيطرت السلطات في الولايات المتحدة على حرائق الغابات التي اجتاحت لاهاينا بنسبة 80%، ولا يزال آلاف الأشخاص مهجرين، بينما ظل نحو 11 ألف شخص دون كهرباء، بعدما وصلت الحرائق إلى الطرق السريعة، وانتشرت في الأحياء، ودمرت المنازل والشركات.
كيف يساهم الإنسان في اندلاع الحرائق؟
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع حرائق الغابات، منها الطبيعي وذلك عن طريق الرعد الذي يطلق شرارة تضرب فى الأشجار فيؤدي إلى اشتعالها، والثورات البركانية التي تكون قريبة من الغابات تؤدي إلى اشتعالها.
أما السبب الأساسي لحرائق الغابات يكون الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال الحريق المُتعمّد، أو السجائر الملقاة في الغابة، أو شرارة عن طريق سلك كهربائي مقطوع، والحطب المهجور بين النّباتات يساعد أيضًا في حرائق الغابات.
وكشفت دراسة حديثة أعدها علماء متخصصون عن تسبب الاحترار المناخي الذي يحدث بسبب النشاط البشري، فى زيادة حرائق الغابات الشديدة بنسبة 25 % في المتوسط مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
ودرس العلماء مجموعة من الحرائق حدثت بين عامي 2003 و 2020، حيث أجروا تحليلاً لتأثير معدلات الحرارة الأعلى، والجفاف الأشد على الحرائق سريعة الامتداد.
وأظهرت الدراسات أن تأثير التغيّر المناخي متباين خاصة في ظل الجفاف الجزئي.
أنواع حرائق الغابات
تتعدد أيضًا أنواع حرائق الغابات، فهي ليست مجرد اشتعالاً للنيران، بل إنها عدة أنواع من بينها:
حرائق التاج وهي تحرق الأشجار بطولها بالكامل إلى أعلى منطقة التاج وهي الأكثر خطورة.
الحرائق السطحية لحرق القمامة والفضلات السطحية وهي أسهل الحرائق وتسبب أقل ضرر للغابات.
الحرائق الأرضية وتحدث أسفل المواد الأرضية مثل الأوراق وهي حرائق بطيئة الحركة.
إعادة تشكيل النظام البيئي
حرائق الغابات تعد جزءًا من الطبيعة، وتلعب دورًا مهمًا في تشكيل النظام البيئي من خلال العمل على التجديد والتغيير، لكن التأثيرات المدمرة لحرائق الغابات تشمل:
حرائق الغابات تدمر المنازل، ومواطن الحياة البرية، وتلوث الهواء من خلال انبعاثات تضر بصحة الإنسان مثل غاز ثاني أكسيد الكربون.
تدمر حرائق الغابات مواطن الحيوانات، وتؤثر على العلاقات بين النباتات والحيوانات المتنوعة، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان النظم البيئية والتنوع البيولوجي.
حرائق الغابات تؤدي إلى إتلاف الأرض الصالحة للسكن والقابلة للتكيف مع أنواع معينة من النباتات والحيوانات.
تؤدي حرائق الغابات إلى انقراض بعض الحيوانات.
اقرأ أيضًا:تحذيرات من ارتفاع الحرارة بسبب ظاهرة "إل نينو".. ما القصة؟
هل تعلم أن هناك فوائد لحرائق الغابات؟
على الرغم من الأضرار الهائلة التي تتسبب فيها حرائق الغابات فإنّها في الوقت نفسه تساعد على التخلص من الأشجار الكثيفة التي تحجب الضوء عن النباتات والأشجار ولا تعطيها الفرصة للنمو والانتشار.
كما أن تلك الحرائق تقضي على العديد من الحشرات المتطفلة التى تعيش داخل جذوع الأشجار، لذلك يتعمد بعض الأشخاص إشعال الحرائق لهذا السبب.
أشهر حرائق الغابات تاريخيًّا
في التاريخ هناك حرائق غابات تسببت في كوارث كبيرة، لذا لا يمكن نسيانها أو تجاهلها، ومن بينها:
الحريق الكبير في كندا عام 1919
في عام 1919 حدث حريق كبير دمر 5 ملايين فدان، حيث اندلع في شمال مدينة أدمنتون الكندية، وساهمت أكوام الخشب المنتشرة بالمنطقة في زيادة انتشار الحريق، وراح ضحيته مئات الأشخاص.
حريق الجمعة السوداء بأستراليا
حدث الحريق في 13 يناير عام 1939 في فيكتوريا وانتشر بسبب الجفاف، والرياح الشديدة، وتسبب فى احتراق 5 ملايين فدان، وأُطلق على هذا اليوم "الجمعة السوداء" الذي راح ضحيته 71 شخصًا، ودُمرت بلدات بأكملها، وتسبب الحريق في ضعف خصوبة الأرض بشكل كبير للغاية.
حرائق مانيتوبا كندا
فى عام 1989 تعرضت مقاطعة البراري الكندية لحريق هائل، ودُمر 8 ملايين فدان، وكان عبارة عن أكثر من 1000 حريق منفصل، وكان سبب هذه الحرائق الجفاف الشديد والسلوك البشري، وتم إخلاء آلاف المنازل من سكانها.
حرائق تايبي سيبيريا
فى عام 2003 اندلع حرائق تايبي سيبيريا التي تسببت فى تدمير 47 مليون شجرة، حيث إن الانبعاثات التي انطلقت بفعل هذه الحرائق عادلت الكمية التي وعد الاتحاد الأوروبي بتخفيضها بموجب بروتوكول كيوتو.
اقرأ أيضًا:«القاتل المعلوم».. أضرار لا تعرفها للديزل على الإنسان والبيئة
كيف يواجه العالم حرائق الغابات؟
في إطار توجه العالم الآن إلى مواجهة التغيرات المناخية، والحد من الانبعاثات، كان من الضروري البحث عن وسائل مختلفة لوقف أو تقليل حرائق الغابات ومن بينها:
وقف حرق الأعشاب الضارة والشجيرات الجافة.
عدم إشعال النار في أثناء التخييم في المساحات الخضراء.
عدم رمي المخلّفات أو المواد القابلة للاشتعال فى الغابات.
وقف رمي أعقاب السجائر من نافذة السيارة أثناء القيادة فى الغابات.
عدم استخدام الألعاب النارية في أطراف الغابات.
التخلص من الأعشاب الضارة والنباتات الزائدة في حدائق المنازل.
هل يمكن إعادة تأهيل الغابات المحترقة؟
يمكن استخدام عدة طرق لإعادة تأهيل الغابات بعد الحرائق وذلك على النحو التالي:
زراعة أشجار تتحمل الأحوال الجوية القاسية، وتتأقلم بسرعة مع الظروف المحيطة.
تطبيق ممارسات زراعية مستدامة، وتشجيع استخدام طرق الحصاد الصديقة للبيئة.
الحفاظ على التربة المحروقة لأهميتها في تنشيط واستمرار تأثير العناصر البيولوجية التي يمكن استغلالها في التوفير الحيواني.
يجب مراقبة ومتابعة الغابات المحروقة والتحقق من عملية النمو الجديد وسطح الأرض بشكل مستمر.
علماء مناخ عن حرائق الغابات: القادم سيكون أسوأ
توصل علماء مناخ إلى أن الظواهر المناخية ما هي إلا مجرد بداية للمزيد من التغيرات المناخية الحادة، وغير المسبوقة التي سوف يتعرض لها كوكب الأرض فى المستقبل.
وقالوا إن الموجات الحارة التي ضربت العالم خلال العام الحالي ستصبح أمرًا مألوفًا خلال السنوات القادمة، والقادم سيكون أسوأ، وأشار العلماء إلى أن تلك التغيّرات المناخية تستلزم من جميع الدول تبني سياسات صديقة للبيئة لتجنب المزيد من تدهور المناخ.
وقال علماء المناخ إن انبعاثات الكربون المنتشرة بسبب حرائق الغابات تسببت في أزمة مناخية حادة تنذر بعواقب مدمرة، وأضافوا أن الارتفاع الحالي غير المسبوق في درجات حرارة الكوكب يتماشى مع التحذيرات التي أطلقوها منذ عقود مضت، التي نتج عنها عودة ظاهرة النينو مرة أخرى العام الحالي.
من جانبه قال البروفسور "بييرز فورستر" من جامعة ليدز البريطانية، إن شهر يوليو الماضي كان أكثر الشهور ارتفاعًا في درجات الحرارة في تاريخ البشرية، مشيرًا إلى أن مثل تلك المستويات من درجات الحرارة سوف تكون هي المعتادة خلال السنوات المقبلة.
بينما قال البروفسور "كريشنا أشوتاراو" من معهد الهند للتكنولوجيا إن عواقب تغير المناخ على هذا النحو أسوأ بكثير من توقعات العلماء ما يثير الكثير من المخاوف.
من جانبه قال البروفسور "كرستوفر كاسو" من جامعة تولوز الفرنسية، إن الموجات الحارة وحرائق الغابات التي ضربت العالم مؤخرًا كسرت جميع الأرقام القياسية في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا.