شات جي بي تي.. هل يُوفِّر نفس الدقة البشرية في تشخيص الأمراض؟
بمجرد الشعور بأي تعب، نلجأ على الفور إلى الأطباء المتخصصين من أجل الحصول على الدواء اللازم، وعلاج هذا المرض على الفور. ومع تغلغل تقنيات الذكاء الاصطناعي في حياتنا، خاصةً مع إطلاق "شات جي بي تي"، ربَّما خطَرَ على بالِك سؤاله بشأن مرضٍ ألمّ بك، أو دواءٍ ترغب في تناوله، وهو سيُجِيبك بالتأكيد ويُزوِّدك بكثيرٍ من المعلومات، لكن هل هذه المعلومات كافية للبناء عليها فيما يتعلَّق بصحتك؟ هل تحمل هذه المعلومات الدقة الكافية للتشخيص ثُمّ العلاج دون الخبرة الطبية البشرية؟ دعنا نزِن ذلك في السطور الآتية.
متى يكون شات جي بي تي مفيدًا لصحتك؟
يُعدّ "شات جي بي تي" مفيدًا في الحصول على معلومات عامة عن الأمراض، الأدوية، وغيرها ممّا يتعلَّق بالمجال الطبِّي، أو صحتك.
فمثلًا إن أردتَ معرفة المزيد عن نزلات البرد من خلال سؤال "شات جي بي تي"، فإنّ الإجابة التي يُزوِّدك بها تشمل الأعراض، الأسباب، عوامل الخطر، والعلاج، وهي معلومات شاملة عن المرض كما هو واضح.
كذلك، إن رغبت في سؤاله عن دواءٍ بعينه، كدواعي استعماله، أو آثاره الجانبية، فإجابته تكون وافية غالبًا.
ويُعدّ "شات جي بي تي" أداة معلوماتية أكثر منه أداة تشخيصية، فهذه هي دائرة استخدامه فيما يتعلَّق بصحتك، توفير المعلومات اللازمة، تلخيص المعلومات الطبية التي تحتاج إليها. أمَّا التشخيص النهائي، فلا بديل فيه عن زيارة الطبيب.
نصائح قبل استشارة شات جي بي تي
بالتأكيد "شات جي بي تي" مفيد في بعض المواقف والسياقات، لكن تمهّل قبل أن تسأله بشأن مرضك، أو المشكلة الطبية التي تُعانِيها؛ إذ يُفضِّل الخبراء اتِّباع النصائح الآتية قبل توجيه السؤال إليه؛ لضمان أفضل توجيه له، والحصول على أدق نتيجة:
1- كُن دقيقًا ولا تبخل بالتفاصيل
ينبغي أن يكون سؤالك مشتملًا على تفاصيل، فلا تُخبره مثلًا بأنك تُعانِي السُّعال فقط، لكن أضِف إلى ذلك مُدّة السُّعال، نوعه هل هو جاف أم مصحوب ببلغم، وكذلك أي أعراضٍ أخرى مصاحبة له، فهذا أدقّ؛ كي يُوفِّر "شات جي بي تي" أقرب إجابة صحيحة لك.
يُحبَّذ كذلك أن تُزوِّد "شات جي بي تي" ببعض المعلومات عن الصحة العامة، أو الأمراض السابقة التي عانيتها، مثل: الربو، أو مرض الانسداد الرئوي المزمن، أو غيرها.
2- تجنّب المعلومات الشخصية
يسعك إضافة ما شئت من معلومات عن حالتك الصحية، لكن ينبغي أن تكون حذرًا من تزويد روبوتات المحادثة كثيرًا عن معلوماتك الشخصية، مثل:
- تاريخ ميلادك.
- مجموعة الأدوية التي تتناولها.
فهذه المعلومات تصل إلى الشركات المالكة لروبوتات المحادثة، مثل "شات جي بي تي"؛ ليفعلوا ما يريدون بهذه المعلومات، ويُمكِن للمستخدِمين تفادي ذلك بتغيير صيغة السؤال، كأن تسأل "شات جي بي تي" مثلًا:
"لديّ صديق يبلغ من العمر 60 عامًا، يُعانِي سعالًا جافًا مزمنًا منذ 3 أشهر، فما تشخيصه، وما الاختبارات التي يحتاج إليها؟".
اقرأ أيضًا:كيف يمكن اكتشاف مرض السكر دون تحليل؟
3- ابحث بنفسِك
ينبغي البحث بنفسك عن أي معلومةٍ طبية تحصل عليها؛ للتأكُّد من موثوقيتها، يستوي في ذلك المعلومات المحصول عليها من روبوتات الدردشة، أو الإنسان.
ويُنصَح كذلك بالاعتماد على المصادر الموثوقة، كالمصادر الحكومية والتعليمية، فهي أدقّ في المعلومات، ومُحدّثة باستمرار.
وإذا استشرت "شات جي بي تي" في حالتك الصحية، فتابِع مع طبيبك، ولا تتوقَّف عند هذا الحد، فالمشورة الطبية البشرية أدقّ بكل تأكيد.
لماذا لا ينبغي الاعتماد التام على مشورة شات جي بي تي الطبية؟
كما ذكرنا سلفًا، فإنّ "شات جي بي تي" يُوفِّر معلومات، تلخيصًا للمعلومات الطبية بأسلوبٍ سلس بعيدًا عن تعقيد المصطلحات الطبية مثلًا، لكن مع ذلك لا يُمكِن الاعتماد التام عليه في التشخيص النهائي، أو المشورة الكُلِّية، وإنَّما هو مُساعِد أو مُوجِّه في أحسن الأحوال، وذلك للأسباب الآتية:
1- معرفة محدودة
"شات جي بي تي" ليس عالِمًا بكل شيء، فإنّ معلوماته محدودة إلى سبتمبر 2021، أمَّا بعد ذلك، فليس لديه معلومات تفصيلية حوله، وإن كان مالكو "شات جي بي تي" سيُحدِّثونه بالتأكيد.
أيضًا، لا يدخل "شات جي بي تي" إلى محركات البحث، أو الشبكة العنكبوتية مباشرةً، فهو مُدرَّب على استخدام قدرٍ هائل من البيانات النصِّية من مصادر مُتنوِّعة، بما في ذلك الكتب، المواقع الإلكترونية، وغيرها، فهو يجمع النصوص لك، لكن لا يَعلمها.
2- معلومات خاطئة
اطرح أي سؤالٍ، وسيُجِيبك "شات جي بي تي" غالبًا، لكن ما مدى صحة الإجابة؟
حسب دراسة لمجلة "بلوس" للصحة الرقمية "PLoS Digital Health"، فإنّ "شات جي بي تي" قد أجرى اختبارات USMLE "امتحان الترخيص الطبي الأمريكي" بدقة لا تقل عن 50%، ورغم تجاوزه 60% في بعض النواحي، فما زال احتمال الخطأ واردًا عليه.
أيضًا، قد تكون ردود "شات جي بي تي" مُستنِدة إلى معلومات لم يُتحقَّق منها، أو قد تكون قديمة، أو حتى غير صحيحة، وفي المجال الطبِّي، فإنّ المعلومة غير الدقيقة قد تُكلِّف حياة إنسان.
ونظرًا لعدم قدرة "شات جي بي تي" على البحث المُستقِّل، أو التحقُّق من المواد، فهو لا يُميِّز بين الحقيقة والوهم، وقد وضعت المجلات الطبية، مثل مجلة الجمعية الطبية الأمريكية "JAMA"، لوائح صارمة تجعل كتابة الدراسات العلمية لا يستطيعها إلا البشر؛ ولذا ينبغي التحقُّق باستمرار من صحة ردود "شات جي بي تي" على أسئلتك الطبية.
اقرأ أيضًا:كيف تؤثر لغتك الأم على طريقة تفكيرك؟
3- غياب الفحص الجسدي
لا يعتمد التشخيص الطبي على الأعراض التي يسردها المريض أو الظاهرة عليه فقط، بل يحصل الطبيب على معلومات أدقّ عن حالة المريض عبر الفحص الجسدي، وأحيانًا يكون الفحص الجسدي بجانب التقنيات التشخيصية الحديثة.
بالتأكيد قد انتبهَت إلى النقطة التي أُريد، فـ "شات جي بي تي" لا يفحصك. هو فقط يُجِيب بناءً على الأعراض التي سردتها عليه، وتحقيقًا لسلامة المريض، فإنّ غياب الفحص الجسدي، أو الخطأ فيه، قد يضرّه بكل تأكيد، ومِنْ ثَمَّ فتشخيص "شات جي بي تي" قد يكون مُخطئًا أحيانًا.
4- طبيعة شات جي بي تي
ما "شات جي بي تي" إلَّا نموذج لغة ذكاء اصطناعي، يعمل عن طريق حفظ النص وتعميمه، لا من خلال فحص المريض أو دراسة حالته، فهذه هي طبيعته حتى الآن، وإن كانت استجاباته متطابقة مع المعايير البشرية من حيث اللغة والقواعد، وأحيانًا منطق التشخيص ذاته، لكنّه غير كافٍ لتأكيد حالة المريض.
هل يستبدل شات جي بي تي الأطباء؟
ستظلّ الحاجة إلى الأطباء البشريين؛ لتقييم حالة المريض، والتشخيص النهائي له، وعادةً ما ينصح "شات جي بي تي" عند سؤاله بالتحدُّث إلى طبيبك عندما تطلب مشورة طبية.
قد تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنظيم مواعيد الطبيب، وإعانة المرضى على تلقِّي العلاج، والحفاظ على معلوماتهم الصحية، لكن لا يسعها أن تحل محل خبرة الطبيب، ومشاركته الوجدانية للمريض.
وفي الختام، لا ينبغي الاعتماد على أداة ذكاءٍ اصطناعي في تشخيص أو علاج مرضك، سواء كان جسديًا أو نفسيًا، وإن أمدّتك ببعض المعلومات التي تحتاج إليها، فذلك لا يُغنِي عن رأي الطبيب.