حتى لا تُصاب بـ"متلازمة باريس".. أفضل خطة سفر للاستمتاع بـ"مدينة النور"
"القمامة تُحيط بالمعالم السياحية، الفئران تستعمر منطقة برج إيفل وتجري حولنا في المطاعم والمقاهي، الباعة الجائلون يفترشون الأراضي، الزحام خانق، واللصوص يسرقون الكُحل من العين".
هكذا يرى بعض السياح العاصمة الفرنسية، باريس، أفضل وجهة سياحية في العالم وأكثرها زيارة، وفق عدّة مؤشرات، أبرزها "Time Out" و"Euromonitor"، بنحو 25 مليون زائر سنويًا، يتجوّلون بين برج إيفل ومتحف اللوفر، المتحف الأكثر زيارة في العالم، وكاتدرائية نوتردام العريقة وقوس النصر وشارع الشانزليزيه المعبَّق بروائح العطور، وحديقة لوكسمبورج، لاكتشاف مدينة الأنوار والأحلام، المعروفة بطابعها الرومانسي، وتاريخها المشرق في الموضة والفن والثقافة، ومقاهيها ذات الطراز الأوروبي القديم.
لكن الكثير من السياح تصيبهم خيبة الأمل، ويعجزون عن الاستمتاع برحلتهم، وتتملَّكهم الشكوك فيما سمعوه عن المدينة الأهم سياحيًّا في العالم، لإصابتهم بما يُعرف بـ"متلازمة باريس".
ما هي متلازمة باريس؟
اضطراب نفسي عابر يُصيب زائري باريس للمرة الأولى، بسقف توقعات مرتفع حول التجربة التي سيعيشونها، حين يكتشفون أن الواقع مختلف -تمامًا- عن توقعاتهم التي استقوها من حكايات الآخرين عنها، ومن الأفلام والمسلسلات التي تجري أحداثها هناك، وكذلك الصور المتوَّجة بخلفيات برج إيفل، أشهر مزار سياحي في العالم، وأنوار شارع الشانزليزيه.
وأطلق الطبيب النفسي الفرنسي ذو الأصول اليابانية "هيرواكي أوتا"، على تلك الحالة "متلازمة باريس" للمرة الأولى، حين لاحظ عدّة أعراض على السياح اليابانيين في فرنسا، أبرزها الهلوسة والقيء وزيادة ضربات القلب والشعور بالاضطهاد والدوّار، مصحوبة بـ"خيبة الأمل" الشديدة من الحال التي رأوا عليها باريس، بعدما أعدّوا أنفسهم للانبهار وعيشِ مغامرة استثنائية.
اقرأ أيضًا: في باريس.. أين يذهب السائح الزائر لأول مرة؟
تتجلّى "متلازمة باريس" على السياح في ميلِهم للانعزال وعدم مغادرة الفندق، والاستغراق في أنشطة كالقراءة ومشاهدة التلفزيون، لتجنّب السير في الشوارع.
ويفسّر موقع "أكاديميا"، للأبحاث العلمية "متلازمة باريس"، بسوء التواصل بين سكان المدينة والزوار، إذ إن الفرنسيين، في الغالب، لا يجيدون اللغات الأخرى، بينما السياح لا يجيدون الفرنسية، ويؤدي "الاضطراب اللغوي" لشعور الشخص الغريب بأنه غير مرحَّب به، فضلاً على رغبة السياح في خوض كلِّ التجارب الشهيرة عن باريس، وإعداد خطة سفر مكتظة بالرحلات والجولات والزيارات والمعالم السياحية، ما يصيبهم بإرهاق حاد يُفسد عليهم متعتهم.
ويرى البعض أن الصورة الملائكية التي تبدو عليها باريس في الإعلام، تخدع السياح؛ فبعدما اعتادوا أن يروها مدينة مهذّبة، خالية من الجرائم، تتمتع بمعمار فريد وموسيقيين هواة رائعين ومواصلات مبهجة تحتضن مشاهد رومانسية للأزواج والمحبّين، وشوارع نظيفة ولامعة يُشاع أنها معبَّقة طبيعيًّا بروائح "شانيل"، يفاجئون بوجهٍ آخر للمدينة المزدحمة والصاخبة.
الوقاية من متلازمة باريس
يبدأ الاستعداد للمتعة الكاملة خلال زيارة باريس، بإعداد خطة ملاءمة للمدينة ومدة الإقامة بها، وتوفير ميزانية لا تقلّ عن 250 يورو يوميًّا، للاستمتاع بكلِّ التفاصيل التي تشاهدها على تطبيقي "إنستغرام" و"سناب شات" والأفلام الفرنسية القديمة.
تنطلق خطة السفر بتجنب الخروج مباشرةً بعد الوصول إلى الفندق، والحصول على قسطٍ من الراحة، قبل الانطلاق مساءً إلى تمشية على ضفاف نهر السين، وتناول أحد العصائر الطازجة مع العشاء بأحد المقاهي الباريسية التقليدية، المطلّة على الشارع مباشرةً كـ"Café de la Rotonde"، أحد رموز حي "مونبارناس"، المبني مطلع القرن العشرين.
ويشتهر كموقع أنيق يستضيف الفنانين وأبرزهم "بابلو بيكاسو" و"موديلياني" و"دييغو ريفيرا" و"فيديريكو كانتو"، فضلاً على تقديمه أطعمة من المطبخ الفرنسي الكلاسيكي، ستشعر أنك جزء من التاريخ الفرنسي العريق، وتقضي ليلة كالفنانين الذين صنعوا أسطورة باريس كعاصمة للفن والثقافة، وعليك بعد ذلك أن الخلود إلى النوم مبكرًا.
وإليكم، عددًا من الأماكن السياحية التي تجب زيارتها في الأيام الأولى لتعزيز الاستمتاع بالسياحة في باريس، والشعور بأنها كانت الاختيار الصحيح:
1. ديزني لاند باريس
بالتأكيد، جذبت نظرك تلك المباني الأسطورية في "ديزني لاند" حول العالم، وأمامك الآن فرصة لتكون جزءًا منها.
تمنحك زيارة ديزني لاند في اليوم الأول من رحلتك إلى باريس، دفعة قوية للاكتشاف في الأيام التالية، بعد خوض العديد من المُغامرات وتجربة الألعاب التي تفتح شهيتك، وتجعلك متشوِّقًا لاستئناف الرحلة، والتعرف على المزيد من المعالم.
وحتى لا تحتار في اختيار أفضل الألعاب، يرشّح موقع "Trip" المختصّ بجمع الآراء حول أفضل الوجهات السياحية وتجارب السفر، لعبة "Adventure Land"، حيث تنضم إلى قراصنة الكاريبي وتزامل الكابتن "جاك سبارو" في البحث عن كنز مخفي، وهي أكثر ألعاب "ديزني" شعبية.
تحلّ في المركز الثاني لعبة "أرض الخيال"، التي تلقّب بـ"أسعد رحلة بحرية على الإطلاق"، ثم "ديسكفري لاند" التي تحيلك إلى كائن فضائي يغزو إمبراطورية شريرة، ثم "Frontierland" المرعبة.
وأخيرًا، إذا كنت من محبي الولايات المتحدة، فهناك لعبة "الشارع الرئيس" التي تصحبك في رحلة إلى أحد شوارعها الرئيسة بالقرن التاسع عشر داخل سيارة قديمة، أو عربة تجرها الخيول لتشاهد تمثال الحرية، ومدينة نيويورك قديمًا.
اقرأ أيضًا: أفضل الأماكن السياحية في باريس.. إليك طريقة السفر وأفضل أوقات زيارتها
2. الحي اللاتيني و"مونمارتر"
إذا كنت تبحث عن باريس، التي شاهدتها في الأفلام الكلاسيكية، فابدأ رحلتك من الحي اللاتيني، وكأنك في رحلة إلى قلب التاريخ الفرنسي، بدءًا من شوارعه العتيقة، مرورًا بالكنوز الأثرية التي يحتويها، وحتى المكتبات والنوافير القديمة وقصر "البانثيون"، الذي اعتُبر وقت إنشائه إنجازًا معماريًّا.
وإذا كنت من محبي المتاحف، فهناك متحف لوكسمبرغ، أول متحف مفتوح لعرض اللوحات الفنية في أوروبا، وحدائق لوكسمبرغ، يمكنك التنزّه بين بساتينها وأشجارها كما أنها تضم الكثير من التماثيل المدهشة.
يضم الحي اللاتيني، أيضًا، عددًا من المطاعم الفرنسية الأصيلة، يمكن أن تبحث عن وجبتك المفضلة من المطبخ الفرنسي، وإذا كنت من محبي المأكولات البحرية، فلا تفوّت تناول "بلح البحر" في باريس.
وقبل أن ترحل، ألقِ نظرة على كاتدرائية نوتردام التاريخية، وعلى بعد مسافة قصيرة منها، تقع كاتدرائية "سانت شابيل"، التي تضمّ واحدًا من أفضل عروض الزجاج الملوّن في العالم.
ومن الحي اللاتيني إلى حي "مونمارتر" التاريخي، أعلى أحياء باريس، حيث الأزقة الضيقة، واللوحات الرائعة التي يعرضها فنانو الشارع على الأرصفة العتيقة بساحة تارتر، التي كان أشهر روّادها "بيكاسو" و"فان جوخ".
ويتمتّع الحي بروحٍ مختلفة عما قد تشاهده في باريس.
وقبل المغادرة، لا تنسَ المرور بأبرز معالمه السياحية ككنيسة "الساكري كور" وصالة العروض الأشهر في العالم "مولان روج"، وكنيسة القلب المقدس التي تتحدّى قوانين الفيزياء.
اقرأ أيضًا: أفضل أماكن سياحية في باريس .. دليلك في "مدينة الحب"
3. القصور والمتاحف العريقة من "فرساي" إلى "اللوفر"
لا تفوتك زيارة القصور الفرنسية العريقة والمتاحف العامرة بالقطع الأثرية المأخوذة من ثقافات وحضارات عديدة حول العالم، وفي مقدمتها قصر "فرساي" الملكي الذي كان مقرًا للحكومة الفرنسية لأكثر من 100 عام، وقصر "جارنييه" المعروف باسم "أوبرا باريس"، والقصر الكبير "غراند"، الذي يعود تاريخ بنائه إلى قرن وربع القرن، ويتكوّن من عدة متاحف.
يُعد اللوفر من أهم المتاحف حول العالم، وبزيارته تزور عدة حضارات في مكان واحد، وبه لوحة "الموناليزا" الأشهر حول العالم، وهو تجربة فريدة لمحبي الفنون والتاريخ.
وحين تنتهي من جولتك، فكّر في متاحف "دورسيه" للوحات، و"بومبيدو" أكبر متحف للفن المعاصر في أوروبا، و"مونولينجوا" الشائق الذي يمنحك فكرة عن كل لغات العالم.
4. كيف تستمتع ببرج إيفل والشانزليزيه؟
كي تلتقط أفضل صورة مع برج إيفل، يجب أن تبتعد عنه، فالاقتراب منه سيفسد خلفية صورتك بالكثير من الباعة الجائلين، والمتسوّلين، والزحام الهائل.
اختر الكباري والشوارع والساحات المحيطة به كساحة "تروكاديرو"، ليظهر كاملاً بهيئته الساحرة في صورتك، وعليك أن تزوره صباحًا لالتقاط الصور، وليلاً للاستمتاع بأنواره، لكن لا يُنصح بالبقاء طويلاً في المنطقة المحيطة به، كي لا تتعرض لسرقة تُفسد عليك رحلتك، أو تتأذّى من الزحام.
والأجمل من رؤية باريس من أعلى برج إيفل، رؤية برج إيفل وباريس بالكامل من أعلى برج "مونتبارناس"، أشهر ناطحات السحاب في فرنسا.
وفي المناطق القريبة منه، يمكنك خوض مغامرة غريبة قد تمر بها لمرة واحدة في حياتك بزيارة "الكتاكومب"، وهي مدينة أخرى تحت باريس، أنفاق تصطف على جانبيها عظامًا بشرية وجماجم ست ملايين مواطن من باريس، يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر.
وقرب الشانزليزيه، تقع منطقة "الكونكورد"، حيث اندلعت الثورة الفرنسية وإعدام الملك لويس السادس عشر وماري أنطوانيت، وشهدت على الكثير من أحداث التاريخ الفرنسي، الذي يمكن أن تعاينه وتتعرف عليه من خلالها.
أمّا الشانزليزيه وأضواؤه المثيرة فيمكن أن تزوره للتسوق، والتعرف عليه، وإلقاء نظرة على قوس النصر في نهايته، لكن الأفضل تأجيل تلك الجولة إلى آخر أيامك حتى لا تصاب بمتلازمة باريس من رؤية المتسوّلين على جنبات الشارع يستجدون السياح بطرق مؤلمة، والقمامة تغطي الطريق، والفئران تجري بين أرجل رواد المقاهي، وباعة "أبو فروة" يهربون من مطاردات الشرطة.