نجاحك في فشل الآخرين؟!
محمد النغيمش*
يروى عن رئيس الوزراء الماليزي محمد مهاتير أنه كان ذات يوم ضيف شرف، عام 1974، في حفل الأنشطة الختامية لمدارس «كوبانج باسو» في ماليزيا، وذلك قبل أن يصبح وزيراً للتعليم في السنة التالية، ثم رئيساً للوزراء في مطلع الثمانينات.
وقام مهاتير في ذلك الحفل بطرح فكرة عمل مسابقة للمدرسين، وليست للطلاب، وهي توزيع بالونات على كل مدرس، ثم طلب أن يأخذ كل مدرس بالونة وينفخها، ومن ثم يربطها في رجله. وبالفعل قام كل مدرس بنفخ البالونة وربطها في رجله.
جمع مهاتير جميع المدرسين في ساحة مستديرة ومحدودة، وقال لهم: لدي مجموعة من الجوائز وسأبدأ من الآن بحساب دقيقة واحدة فقط، وبعد دقيقة سيأخذ كل مدرس مازال محتفظاً ببالونته جائزة!
بدأ الوقت وهجم الجميع بعضهم على بعض، كل منهم يريد تفجير بالونة الآخر، حتى انتهى الوقت. ثم وقف مهاتير بينهم مستغرباً، وقال: أنا لم أطلب من أحد تفجير بالونة الآخر. ولو أن كل شخص وقف من دون اتخاذ قرار سلبي ضد الآخر، لنال الجميع الجوائز، ولكن التفكير السلبي يطغى عليكم جميعا. كل منا يفكر في النجاح على حساب الآخرين. مع أن النجاح متاح للجميع، ولكن مع الأسف البعض يتجه نحو تدمير الآخر وهدمه لكي يحقق النجاح.
وصلتني هذه القصة عبر رسائل الهاتف. ورغم أنني لم أجد مصدرا موثوقا لها خلال بحثي باللغة العربية والإنجليزية إلا أنني لم أستطع مقاومة نشر مغزاها العميق. لاسيما وأن تمرين البالونات نقدمه أصلا في الدورات التدريبية كتمرين عملي يظهر للمشاركين بجلاء عدة أمور منها العجلة التي فطرنا عليها خصوصا حينما يتعلق الأمر بعدونا في مضمار النجاح. وكم من صاحب مشروع صغير أو طالب علم أو موظف كسول ظن واهما أن صعود سلم النجاح لا يأتي إلا "بتكسير مجاديف" الآخرين ثم تدور عليه الدوائر ويكتشف حقيقة "كما تدين تدان".
ونتعلم من هذا التمرين أيضا، الذي يمكن أن نطبقه على أطفالنا أو زملاءنا بالعمل، أن الفهم مسألة مهمة قبل الشروع بالتطبيق فَلَو أن أحدا تأكد عبر سؤال مباشر لربما كشف حيلة البالونة. وكم من بالونة في الحياة لا تستحق أصلا عناء البحث عنها لو أننا تدبرنا أمرها جيدا والعكس صحيح.
وَمِمَّا يشار إليه أيضا أن تلك البالونات أظهرت حب الإنسان لذاته. وهذا الحب إن لم نحسن استثماره بالسير على هُدَى قيم راسخة تنطلق منها أهدافنا لاعترانا شيء من جشع أو ظلم أو أنانية أو رغبة دفينة بالانتقام وربما التشهير والسبب حب الذات بغض النظر عن ما يسببه ذلك من ضرر للآخرين.
والمتأمل لنجاحات البشر على مر التاريخ لا يجد تلازما بالضرورة بين نجاحاتهم وبين تدمير الآخرين، فكم من فرد أو دولة أو شركة ناجحة أشعلت جذوة الحماسة في آخرين فولدت المنافسة في الأداء والمنتجات والخدمات وخلق بيئات أفضل في هذا العالم. وبالفعل إن نجاحك لا يستوجب أن تسعى لفشل غيرك. وكما قال عز وجل "عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ".