حل الأزياء المستدامة بعيد المنال
تواجه صناعة الأزياء بعض مشكلات الاستدامة الرئيسة. فقد صار المستهلكون يدركون التأثير المناخي السيئ للملابس، خاصة الأزياء السريعة، ورخيصة الثمن.
ورغم أن العلامات التجارية تجري تغييرات نحو الأفضل، لكن ما زالت معظم العناصر تُنتج باستخدام مواد تركيبية غير قابلة للتحلل الحيوي وتنتهي في مكب النفايات.
كما فشلت كثير من الاستراتيجيات الجديدة للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، مثل استخدام المواد الحيوية، وإعادة التدوير، ومن هنا برزت أهمية الموضة المستدامة.
ما هي الموضة المستدامة؟
الموضة المستدامة، أو الموضة البيئية، هي مصطلح جرى تداوله في الآونة الأخيرة، بهدف إيجاد طريقة بديلة لتصنيع أو اقتناء الملابس ولكن بأسلوب صديق للبيئة.
تقوم الفكرة على وضع معايير جديدة للتصنيع، تهتم بنوع الأقمشة المستخدمة، وتفادي الأقمشة الاصطناعية، مثل البوليستر والرايون والنايلون، التي تُصنع من المواد البتروكيماوية.
وتُسمى هذه الصناعة بصناعة الأزياء السريعة، وهي لا تضر فقط البيئة، بل يحدث فيها استغلال كبير للأيدي العاملة.
كيف تضر الملابس البيئة؟
وفقًا لمؤسسة إلين مارك أرثر (مؤسسة خيرية بالمملكة المتحدة)، يحدث في كل ثانية نقل حمولة شاحنة من الملابس الجاهزة إلى مكب النفايات، أو الحرق.
ووجد تقرير صادر عن "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" أن حوالي 93 مليار متر مكعب من المياه (تكفي لتلبية احتياجات خمسة ملايين شخص) تُستخدم في صناعة الأزياء سنويًّا، وحوالي نصف مليون طن من الألياف الدقيقة، ما يعادل ثلاثة ملايين برميل من النفط، يجري إلقاؤها في المحيط كل عام.
اقرأ أيضًا:أفضل ماركات الملابس المستدامة التي ستشعرك بالرضا عند ارتدائها
وفي الوقت نفسه، تقوم مصانع الملابس بالبلدان النامية بإلقاء كثير من المواد الكيميائية الضارة مثل الأصباغ ومواد التبييض في المجاري المائية.
وقال تقرير صدر عام 2021 عن ائتلاف من المجموعات الخضراء بصناعة الأزياء العالمية إن ثمة تطويرًا لـ"إدمان خطير" للألياف الاصطناعية المصنوعة من الوقود الأحفوري، من أجل تزويد المتسوقين بكميات متزايدة وسريعة من الملابس.
ماذا تفعل ماركات الملابس الكبرى تجاه تحقيق الاستدامة؟
قدمت كبرى الشركات المصنعة تعهدات ومبادرات للحد من انبعاثات الكربون.
على سبيل المثال، تعهدت شركة Nike بتخفيض انبعاثات الكربون في المرافق المملوكة لها، والمدارة بنسبة 65%، وإعادة تدوير أو التبرع بعشرة أضعاف كمية نفايات ما بعد الاستهلاك، وزيادة استخدام المواد المفضلة بيئيًّا إلى 50% في عام 2025.
وتعمل Adidas على زيادة استدامتها، واستخدام المواد المعاد تدويرها مثل البوليستر المعاد تدويره فقط، اعتبارًا من عام 2024، وذلك لتقليل تأثيره على البيئة، كما تعمل على تقليل استهلاك المياه في الإنتاج.
الغسيل الأخضر
رغم اتجاه بعض الشركات لإصدار تعهدات بالاتجاه إلى الموضة المستدامة، التي تهدف للحفاظ على البيئة فإنّ منظمة السلام الأخضر (Greenpeace) تقول إن العديد من مبادرات الاستدامة هذه غير كافية، أو أنها محاولة "للغسيل الأخضر".
ويعني هذا أن بعض الشركات تحتفل بمبادراتها الأخلاقية والبيئية في الإعلان والعلاقات العامة لإرضاء المستهلكين وتحويل الانتباه عن الأنشطة المشكوك فيها.
على سبيل المثال، تعرض أسبوع إعادة التدوير العالمي لشركة H&M، (كان هدفهم فيه جمع ألف طن من الملابس المستعملة وإعادة تدويرها) لانتقادات شديدة، باعتباره "وهمًا" لماهية الاستدامة الحقيقية، إذ يمكن استخدام 1% فقط من الملابس التي جرى جمعها كألياف معاد تدويرها.
قالت فيولا ووغلموت، (ناشطة في مجال الاستهلاك بمنظمة السلام الأخضر بألمانيا): "بدلاً من تقديم الأمل لعملائها الشباب من خلال اتخاذ إجراءات جريئة وشفافة لتغيير نظام الموضة السريعة في كثير من الأحيان، تقوم العلامات التجارية للأزياء بتسويق مبادرات استدامة غير كافية، أو تلجأ إلى الغسيل الأخضر، مع ادعاءات بملابس معاد تدويرها، أو قابلة لإعادة التدوير".
أهمية الاستدامة في صناعة الأزياء
في الماضي، كان القرار الواعي الوحيد الذي يتخذه البعض عند اختيار الملابس، هو أن تكون أنيقة وعصرية ومعبرة عن المناسبة، من دون التفكير في كمية المياه اللازمة لصنع قميص قطني (2700 لتر)، أو لإنتاج زوج واحد من الجينز (9,982 لترًا).
اليوم تتغير وتتطور العقليات مع زيادة وعي المستهلكين وقادة الصناعة، إذ أصبح المستهلكون يديرون ظهورهم بشكل متزايد لشركات الأزياء، التي لا تلتزم بحماية الكوكب.
لذا فإن الشركات التي لم تستيقظ بعد بشأن هذه المسألة ستخسر أيضًا أعمالها.
هل يمكن أن تكون الموضة مستدامة؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لأنه بالرغم من معرفة الشركات العالمية بأهمية الموضة المستدامة في ظل انتشار الوعي لدى المستهلك، فإنّهم يواصلون محاولاتهم بإيجاد طرق ملتوية، عبر نشر حملات مزيفة، وإقناع المستهلك والحكومات باتجاههم نحو إنتاج ملابس، بطرق تحافظ على البيئة.
أمام هذا الواقع، يأمل الكثيرون أن يتحقق ذلك على المدى البعيد، لتقليل الدمار البيئي، الذي يحدث بسبب تلك الصناعة، التي تشكل أهمية كبرى في حياة كل فرد، ولا يمكن الاستغناء عنها.