كوكو شانيل.. العبقرية التي غيرت صيحات الموضة في العالم
كثير من العلامات التجارية التي اكتسبت شهرة عالمية ذائعة الصيت، لكن القليل جدًا هو من نجح في الحفاظ على مكانته في السوق لأجيال متعاقبة، عبر تطوير منتجاتها بصفة مستمرة بما يواكب الحداثة العصرية، ومن ثم كسب ثقة الزبائن.
وتعد شانيل، الشركة الفرنسية العاملة في مجال تصميم الأزياء الراقية والإكسسوارات ومستحضرات التجميل والعطور، هي إحدى العلامات التجارية التي استطاعت، عبر أكثر من قرن من الزمان، أن ترسخ مكانتها بوصفها واحدة من الكيانات العملاقة في مجال الأزياء عالميًّا.
كوكو شانيل تضع أول لبنة في صرح النجاح
تأسست "شانيل" على أيدي كوكو شانيل مصممة الأزياء في عام 1910، وتعود ملكية الشركة الآن إلى الشقيقين آلان فرتهايمر، وجيرارد فرتهايمر أحفاد بيير فرتهايمر، الذي كان شريك كوكو شانيل الأصلي منذ عام 1924.
تمتعت كوكو شانيل بعبقرية فذة في التصاميم الجديدة حيث أشعلت فتيل ثورة في صناعة الأزياء عن طريق العودة إلى الأساسيات التي تضمن الأناقة، وتحافظ على الطبقية والأصالة في عهدها بدءًا من العام 1909، واستمرت في ذلك حتى وفاتها في 10 من يناير من العام 1971.
بداية متواضعة
استهلت كوكو شانيل، في عام 1909، مشوارها الصعب والطويل في عالم الموضة بحياكة القبعات في الطابق الأرضي من بناية "لبالسان " في العاصمة الفرنسية باريس لتضع اللبنة الأولى في الصرح الذي أضحى في وقت لاحق واحدًا من أكبر شركات الموضة في العالم.
ثم تمكنت كوكو شانيل، آنذاك وبمعاونة أرشربوي كابل، عضو في جماعة رجال بالسان، من الحصول على مقر لها في شارع كاميون بباريس في عام 1910، حيث أمدها كابل بالأموال، ناهيك عن أن منزله كان مخصصًا لعلاج الرجال والنساء، ما أعطى الفرصة لكوكو شانيل لبيع منتجاتها من قبعات الزينة للنساء في منزله والتعارف عليهم.
ولاحقًا وتحديدًا في العام 1913، أضافت شانيل ملابس المرأة الرياضية إلى متجرها الجديد في بياريتز ودوفيل. ومالت تصاميم شانيل إلى التحلي بالبساطة بدلاً من التعقيد.
الحرب العالمية الأولى
كان للحرب العالمية الأولى بالطبع تأثير على الأزياء، حيث كانت النساء تعمل في المصانع وكن يحتجن لملابس تساعدهن على تحمل ظروف العمل. ولعل هذا هو ما دفع كوكو إلى تدشين متجر آخر في شارع كامبون أمام فندق ريتز باريس.
وفي هذا المتجر، باعت كوكو بليزرات مصنوعة من الكتان، والسترات الصوفية الطويلة، حيث لم تنس بعد وضعها المالي الهش في السنوات الأولى من حياتها المهنية، والتي كانت تشتري خلالها الملابس المصنوعة من خام الجيرسي لانخفاض تكلفته.
عطور شانيل
شهد العام 1921 ترويج أول عطر يحمل اسم "شانيل رقم خمسة". ثم أسست شانيل "عطور شانيل" في العام 1924 بشراكة بيير فرتهايمر لإنتاج وبيع العطور ومنتجات التجميل.
حيث قدم تيوفيل بدر (مؤسس متجر جاليري لافاييت الفرنسي) كوكو لـ فرتهايمر. واحتفظ فرتهايمر بنسبة 70 % من أرباح عطور شانيل، في حين احتفظ بدر بنسبة 20 %، وكوكو بنسبة 10 %.
وفيما حققت أزياء وعطور شانيل نجاحًا كبيرًا، كانت العلاقات التجارية بين بيير وكوكو آخذة في التوتر، حيث أعربت عن استيائها من الشراكة مع بيير فرتهايمر. وقالت إنها تستحق أكثر من 10 % من الأرباح، إذ إنه استغل مواهبها لتحقيق مكاسب شخصية. لكن فرتهايمر ذكّر كوكو أنه هو من يمول مشروعاتها.
فوضت كوكو رينيه دي شامبرن محاميًا لإعادة التفاوض مع فرتهايمر لرفع نسبتها من أرباح العلامة التجارية الخاصة بالعطور، ولكنه فشل في إقناعه.
رحيل "كوكو شانيل" وتطورات الشركة
في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الثانية في العام 1939، تقاعدت كوكو شانيل وانتقلت إلى فندق ريتز في باريس مع عشيقها الجديد الضابط النازي هانز جونتر فون دينكلاج .
وبسقوط فرنسا في العام 1940، هرب فرتهايمر وعائلته إلى الولايات المتحدة، وحاولت كوكو السيطرة على عطور شانيل.
وآنذاك شاع أن كوكو كانت على علاقة طيبة مع الألمان، وقال شارل محرر سيرة شانيل بأن المخابرات الألمانية أوفدتها لزيارة ونستون تشرشل وذلك كجزء من مهمة سلام سرية وبعد تحرير فرنسا اعتقلت كوكو شانيل على الفور ووجهت إليها تهمة التعاون مع الألمان، لكن تشرشل آبى أن تمكث شانيل ولو ليوم واحد وراء القضبان، وتدخل نيابة عنها وطلب إطلاق سراحها، لتتمكن من السفر إلى سويسرا.
عودة شانيل
عادت شانيل إلى باريس في عام 1953 لتجد مصمم الأزياء كريستيان ديور أصبح يسيطر على سوق الأزياء الراقية. أعادت كوكو التعاون مع بيير لتقديم المشورة التجارية والمالية. في اللقاء، حصلت على حقوق كاملة لجميع المنتجات وختمها مع اسم "شانيل". وكانت ثمرة إعادة التعاون هي أن أصبحت شانيل أعلى علامة في الأزياء مرة أخرى.
ثم قضت كوكو شانيل نحبها في 10 من يناير من العام 1971 عن عمر ناهز 87 عامًا. وكانت لا تزال تصمم وتعمل حتى وفاتها، إذ إنها صممت الزي الرسمي للمضيفات الجويات العاملات في شركة طيران أوليمبيك (1966-1969)، حيث كانت شركة طيران أوليمبيك إحدى أفخم الناقلات الجوية التي يملكها قطب الشحن اليوناني أرسطو أوناسيس.
لقد برعت "شانيل" في كل مجالات الموضة تقريبًا، بدءًا من منتجات أزياء وملابس جاهزة إلي عطور ومستحضرات تجميل وخطوط العناية بالبشرة، وأخيرًا خطوط إنتاج النظارات الشمسية والطبية، ولكن من المؤكد أن تلك ليست آخر مجالات عمل للشركة، إذ إن الأخيرة دائما في ابتكار وتجديد مستمرين يواكبان العصر الحديث.