عائلة "الرفاعي " اللبنانية اسم مفعم بالمكسرات
بيروت: كارولين عاكوم
خلال أكثر من 66 عاماً، استطاعت "مؤسّسة الرفاعي" أن تصبح علامة لبنانية فارقة في تجارة المكسّرات. سيرة حياة مهنية خاضت خلالها عائلة الرفاعي تحديات عدّة، لا سيّما في سنوات الحرب، لكنها نجحت في تجاوزها الى أن أصبحت تنتشر اليوم في معظم البلدان العربية، وعدد من الدول الأوروربية والأمريكية، من خلال 350 فرعاً.
ثلاثة أجيال من الجدّ موسى إلى الابن محمد، وصولاً اليوم الى الأحفاد الذين يتشاركون في الدفع بهذه المؤسّسة الى الأمام أكثر وأكثر، أسهمت مجتمعة في تكريس "محمصة الرفاعي" واحدةً من أبرز المؤسّسات التي ارتبط اسمها واسم منتجاتها بلبنان و"الجلسة اللبنانية".
عائلة الرفاعي ...
تعود أسرة الرفاعي، وهي من العائلات اللبنانية والعربية، بجذورها الى القبائل العربية التي أسهمت في الفتوحات في مصر وبلاد الشام والعراق، والمغرب العربي والأندلس. وهي رغم أنّ جذورها تعود الى العراق، فإنها تنتشر اليوم في سوريا والأردن وفلسطين ومصر والعراق والسعودية، ودول المغرب العربي، وفي بعض الدول غير العربية مثل تركيا. وفي لبنان لا يقتصر وجودها على منطفة محددة، بل تنتشر في بيروت وبعلبك والبقاع وعكار وطرابلس وصور، حيث يتحدّر أصحاب "محمصة الرفاعي".
وتعدّ الأسرة الرفاعية من الأسر التي تعود بنسبها إلى آل البيت النبوي الشريف، لا سيّما إلى جدّ الأسرة القطب أحمد الرفاعي الكبير الذي توفي عام 578 للهـجرة في بغداد.
موسى من عامل في مؤسسة كبيرة إلى صاحب محل صغير
المصادفة وحدها هي التي قادت موسى الرفاعي، ليعمل عاملاً عادياً في "محمصة الحماصني" إحدى كبرى المؤسسات التي تبيع المكسّرات في بيروت، في عام 1948. وبعد أقل من عام اختار ابن الخامسة عشرة أن يؤسّس محلاً صغيراً لا تزيد مساحته على 15 متراً مربعاً في منطقة المزرعة في بيروت، موظفاً ما يملك من المال، للانطلاق بتجارته الخاصة بمساعدة اخوته. وبعد زواجه كانت زوجته هي الداعم الأول والأساسي له في رحلته المهنية، اذ كانت تعمد يومياً الى "تحميص" الفستق يدوياً في البيت وترسله الى المحل لبيعه.
كان الحاج موسى الرفاعي يولي مؤسّسته اهتماماً بالغاً، بدءاً بالتفاصيل الصغيرة وشراء حبة الفستق وأنواع المكسّرات على اختلاف أنواعها، مروراً بتحميصها، وصولاً الى طريقة تقديمها إلى الزبون.
سنة بعد سنة بدأت "محمصة الرفاعي" تثبت نفسها في السوق، وتتوسّع من خلال زيادة انتاجها والأصناف التي تبيعها.
وبعدما كانت المكسّرات تباع في لفائف وأكياس ورقية، عمد موسى الى تطوير غلافات التعبئة ايضاً وبدأ تقديمها بأكياس مصنوعة من النايلون.
وبدءاً من عام 1960 بدأت مكسّرات الرفاعي تصدّر إلى دول إفريقيا وكندا، لتكون أول مؤسّسة في لبنان تبدأ بالتصدير الى هذه الدول.
وبعد مدة ليست بطويلة، انتقل محل الرفاعي الى منطقة كورنيش المزرعة، بمساحة 200 متر مربع الذي اصبح اليوم أحد أبرز معالم المنطقة، كما افتتح مصنعاً في بلدة صوفر الجبلية، بمساحة 200 متر مربع. وفي عام 1965 افتتح معملاً في صور.
وفي عام 1971 بدأ أبناء موسى يدخلون معه في العمل، ولا سيّما أكبرهم محمد الذي اختار أن يحمل شعلة والده، وينقلها الى أولاده.
إصرار على الاستمرار والتطور رغم الحرب
لم تتمكن الحرب اللبنانية التي بدأت في عام 1975، من اضعاف عائلة الرفاعي، رغم الخسائر التي مُنيت بها مؤسّستهم، بل قاومت كل الأوضاع الأمنية الصعبة، رغم أنها كانت تعدّ في منطقة "خط تماس". وفي عام 1971 كان محمد، الابن البكر لموسى، قد بدأ ينخرط في العمل في موازاة متابعته لدراسة ادارة الأعمال في الجامعة الأمريكية في بيروت. لكن الحرب وانغماسه في العمل منعاه من اكمال دراسته.
في المقابل، كان لوجوده، كونه عنصراً شاباً، دور مهمّ في اضافة لمسة عصرية وتكنولوجية على تطوير المؤسّسة وتحديث آلياتها، وقد عمد الى توظيف كل رأس المال الذي لم يكن يتعدى حينها المئة ألف ليرة لبنانية (نحو 70 دولاراً)، في شراء آلة خاصة لتعبئة المكسّرات في أكياس، وتوزيعها في السوق. كما عرض البضاعة في رفوف، بعدما كانت توضع في ما يشبه الخزائن المقفلة، وهي المرحلة التي شكّلت منعطفاً مهماً في مسيرة مؤسّسة الرفاعي. وبعد ذلك اصبح التركيز أكثر فأكثر على التصدير، ولا سيما نحو اسواق العراق والسعودية وليبيا.
وفي نهاية السبعينات أصبح لمؤسسة الرفاعي ثلاثة فروع في بيروت، وبدأ التوسع نحو أمريكا، وتحديداً كندا والبرازيل. لكن كان للحرب تأثيرها المباشر في العائلة التي خسرت المعمل في منطقة صوفر في جبل لبنان عام 1984، واحترق محل منطقة الحمرا اثر تعرضه للقصف في عام 1986.
وخلال الحرب التي انعكست تراجعاً في السوق المحلي، كان التوجّه بين عامي 1975 و1990 نحو الأسواق الخارجية، للتعويض قدر الامكان عن الخسائر، وهو الأمر الذي انعكس ايجاباً على اسم الشركة وانتشارها في الخارج.
بعد الحرب ... الانطلاقة الثانية نحو الانتشار عالمياً
كما كل المؤسسات اللبنانية بذلت عائلة الرفاعي، بعد عودة السلم الى لبنان، في بداية عام 1990 جهوداً مضاعفة للانطلاق من جديد. ولم تكن المهمة سهلة بالنسبة الى محمد الرفاعي الذي بدأ يتسلّم المهام رسمياً شيئاً فشيئاً عن والده، فيما بقي الى حدّ ما شقيقه وشقيقتاه بعيدين عن تجارة العائلة.
المهمة الأولى في هذه المرحلة كانت توسيع انتشار المؤسسة في لبنان والخارج. وفي عام 1995 كانت من أولى الشركات التي اعتمدت سياسة الـ "franchise" في الشرق الأوسط وإفريقيا، بحيث بدأ اسم الرفاعي ينتشر من خلال محالّ تحمل الاسم، بعدما كان الأمر بقتصر على بيع المنتجات من المكسّرات وبعض أصناف الحلويات اضافة الى البن، أو القهوة.
وفي عام 1996 أنشئ معمل في الكويت لتغطية منطقة الخليج، بطاقة إنتاجية أصبحت تبلغ اليوم 5 آلاف طن في السنة. كما عقدت المؤسّسة في العام نفسه، شراكة مع مجموعة الحميضي (وكلاء بيرغر كينغ ومفروشات IKEA في الكويت) لتأسيس "الرفاعي انترناشيونال"، وقد أنتجت هذه الشراكة 310 متاجر بيع بالتجزئة في المنطقة، معظمها في السعودية والإمارات والأردن وعُمان ومصر.
وبعد نحو عشر سنوات، وتحديداً في عام 2005 افتتحت المؤسسة مصنعاً للإنتاج والبيع في السويد، وبلغت حينها فروع محلات "الرفاعي" 170 منتشرة في عدد من الدول. أمّا اليوم، فإن محلاتها أصبحت تنتشر في مختلف المناطق اللبنانية من خلال 65 فرعاً، اضافة الى أربعة مصانع، احدها لصناعة البنّ والأخرى متخصّصة في المكسّرات على أنواعها، وبعض أنواع الحلويات كالفاكهة المجففة، اضافة الى الشوكولا. وخارج لبنان وصل عدد محلات "الرفاعي" الى 350 فرعاً تنتشر في عدد كبير من الدول العربية والأجنبية.
وبعدما كانت تفتصر محلات الرفاعي على الشرق الأوسط وإفريقيا، باتت اليوم تتوسّع أكثر باتجاه أوروربا وأمريكا، وكان آخرها في قبرص وكندا وأرمينيا وباراغوي.
وبعد أشهر قليلة من المتوقّع أن تندمج مصانع الرفاعي الأربعة، في مصنع واحد، كان قد افتتح في شهر ايلول / سبتمبر الماضي في منطقة حالات بجبيل، في جبل لبنان الشمالي. ويتميّز هذا المصنع الذي يؤمّن 375 فرصة عمل وبلغت تكلفته 25 مليون دولار أمريكي، بتقنياته العالية التي ستسهم في رفع مستوى الخدمات والانتاج.
ويهدف المشروع الجديد، وفق ما يعرّف عنه رئيس مجلس الادارة محمد الرفاعي، إلى توسعة نشاط الشركة القائمة حالياً في بيروت، لزيادة الطاقة الإنتاجية، تلبية لاحتياجات السوق المحلية والإقليمية والعالمية، وزيادة أصناف المنتجات.
وأكّد أن "التوسعة تأتي في إطار خطة لتعزيز انتشار الشركة على الصعيد العالمي، وهو يندرج في إطار مشروعات مستقبلية عدّة ستقوم الشركة بتنفيذها والعمل عليها، وذلك بفضل التجربة والخبرة المميّزتين اللتين اكتسبهما والفريق العامل معه، في مسيرتهم الطويلة في السوق اللبنانية والخليجية، بالإضافة الى الأسواق الأوروبية، خاصة في السويد وإسكندينافيا".
الحبّة أجنبية والصناعة لبنانية
المفارقة في منتوجات الرفاعي التي ارتبط اسمها بالمكسّرات على أنواعها، أنّ كل منتوجاتها مستوردة من الخارج، أما التصنيع فمحليّ تماماً، وذلك من خلال "ابتكار" أصناف جديدة تعتمد في معظمها بشكل اساسي على المكسّرات، بحيث وصل عددها الى أكثر من 900 صنف، كان آخرها زبدة الفول السوداني.
وما يميّز منتوجات "الرفاعي" التي باتت تنتشر في كل العالم، هي النوعية بالدرجة الأولى، بحيث أصبح لعائلة الرفاعي خبرة طويلة في هذا المجال، مكّنتهم من بناء علاقات مع التجار في بلدان المصدر، وبالتالي معرفة أهمّ الشركات التي تُعنى بهذا المجال، وبعض هذه المؤسسات لا تزال هي نفسها التي يستوردون منها منذ أكثر من 60 عاماً.
وتستورد مؤسسة الرفاعي الفستق الحلبي من ايران وتركيا، والفول السوداني من الصين، والكاجو من البرازيل والهند، والبندق من تركيا، والبذر من الصين وأفغانستان، والـ «مكداميا» من استراليا وهاواي، واللوز من الولايات المتحدة وأوروبا. والبنّ من كولومبيا والبرازيل وكينيا.
وتشكل السكاكر ما بين 15 إلى 20 في المئة من نسبة انتاج المؤسسة، بينما تحتل القهوة نسبة 15 في المئة. وتستحوذ المكسّرات على نحو 65 إلى 70 في المئة من الانتاج. وتصدر 70 في المئة من انتاجها الذي يبلغ في لبنان نحو 15 ألف طن الى الخارج، بينما يبلغ حجم أعمالها 200 مليون دولار.
التسويق والإعلان صورة المؤسسة "الشابة" إلى العالم
اضافة الى تاريخ المؤسسة الذي ارتبط اسمها بالمكسرات، فإن صورة "محمصة الرفاعي" التي كانت قد احتلت المرتبة الثالثة من الصناعات المحلية العام الماضي، باتت تشكل جزءاً مهماً من انتشارها محلياً وعربياً وعالمياً. وممّا لا شك فيه أنّ روح الشباب اليوم التي تنبض في المؤسّسة من خلال الجيل الثالث للعائلة، أبناء محمد، موسى وميسون وإبراهيم ويوسف، بدأت تظهر من خلال المشاريع الجديدة، اضافة الى التسويق والاعلانات التي تتميّز بها "الرفاعي"، وتترافق مع كل مناسبة، وترتبط بشكل أساسي بـ"الجلسة اللبنانية". كما أنّها تعدّ "الهدية اللبنانية" الأهمّ، التي قد يكرّم بها أي شخص ضيفه. مع العلم، أنّ الاعلانات اللافتة التي تسوّق لـ "الرفاعي" تصنّع في معظمها "داخلياً، أي يتشارك في أفكارها القيّمون على المؤسسة ولا سيّما جيل الشباب.
وهنا يقول موسى المدير الاداري في المؤسسة، الذي بدأ رحلته المهنية باكراً، كجده ووالده، في سنّ الخامسة عشرة، إنّ انخراطه في تجاره العائلة لم يكن خياراً بقدر ما كان واقعاً وجد نفسه فيه، كأي ابن عائلة لها تاريخ طويل في مجال محدّد. لكّنه في الوقت عينه يؤكد حبّه لعمله الذي كبر ويكبر معه وييذل جهده - كما إخوته - ليحقق فيه المزيد من النجاح والتقدّم، لا سيّما أن التركيز اليوم هو في التوجّه بشكل أكبر نحو أمريكا وأوروبا، بعدما أثبتت "الرفاعي" وجودها في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا "لاعباً أساسياً" في عالم المكسّرات.