من قال إن الأبطال الخارقيين هم فقط في مجالات الرسوم المتحركة هناك من يؤمن بالسلام وتحقيق العدالة ولا يتنازل عن أي مبدأ على الإطلاق هو بافيل دروف الذي تحدى أكبر دولة في العالم روسيا، وهذا التحدي خلق أكبر منصة تواصل في عالم الإنترنت تليغرام، إذ يستخدمه العديد من الأشخاص الآن في تواصل مشفر وآمن، دون القلق بشأن اعتراض رسائلهم.
تليغرام يحمل وراءه قصة كفاح حقيقة ستتغير وجهة نظرك باستخدام التطبيق بعد معرفتها، فهي قصة مليئة بالعديد من التحديات.
كيف نجح بافيل دوروف في تحقيق ثروته -التي تقدر حاليًّا بـ15 مليار دولار تقريبًا-؟ وكيف نجح في الوقوف بوجه الجميع والثبات على أفكاره؟
تاريخ كبير من النجاح
وُلد بافل دوروف في لينينغراد، لكن لم يكن هذا المكان الذي قضى طفولته به، إذ عاش أغلب طفولته في تورين بإيطاليا حيث عمل والده. تخرج دوروف في 2006 في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية من قسم فقه اللغة.
ألّف والده العديد من الأوراق الأكاديمية، إذ عمل أستاذًا في العلوم اللغوية. في عام 1992، تولى رئاسة قسم فقه اللغة الكلاسيكي للكلية اللغوية في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية. لجده كذلك مسيرة واسعة من النضال نتيجة لمشاركته في الحرب العالمية الثانية، إذ حصل على العديد من الأوسمة لمشاركته في الحرب.
منذ صغره أظهر بافيل عداءه للسلطة في جميع المؤسسات. مثلاً، في أثناء وجوده بالمدرسة استخدم مهاراته البرمجية ليخترق شبكة الكمبيوتر، وتغيير شاشة الترحيب بوضع جملة "يجب أن يموت" إلى جانب صورة المعلم الأقل تفضيلاً بالنسبة له.
حاولت المدرسة قطع الوصول إلى الشبكة، لكنه في كل مرة تمكن من اختراق كلمة المرور الجديدة.
تأثر بافيل كثيرًا بأخيه الأكبر نيكولاي، إذ كان الأخير عبقريًّا حقًّا في الكمبيوتر، وفي قصة بافيل سيكون لأخيه دور كبير في مستقبله، لذا كثيرًا ما يتحدث بافيل عنه مشيرًا إلى أنّه نموذج يمكن الاحتفاء به حقًّا.
شركة VK الفيسبوك الروسي
في عام 2006 قرر بافيل دوروف البدء في تأسيس شركته VKontakte كمنصة تواصل اجتماعي شبيهة بفيسبوك لكن داخل روسيا. عُرفت الشركة لاحقًا باسم VK، وسرعان ما حققت نجاحًا باهرًا داخل روسيا، بل بلغت قيمة الشركة 3 مليارات دولار في الوقت الذي كان دوروف يعمل مع شقيقه على الانتهاء من موقع الشركة الإلكتروني.
لكن لم يكن الأمر سهلاً بالتأكيد، إذ في عام 2011، تلقت الشركة مطالبات من الحكومة بحذف صفحات لسياسيين معارضين بعد انتخابات مجلس الدوما، لكن قوبل هذا الطلب بالرفض القاطع، لإيمان دوروف بخصوصية البيانات.
في 2014 كانت نهاية علاقة دوروف مع الشركة، إذ أعلن دوروف علنًا عن رفضه لمسألة تسليم البيانات الشخصية لبعض المتظاهرين الأوكرانيين إلى وكالات الأمن الروسية. بالطبع لم يعجب ذلك أحد داخل النظام في روسيا، وتم فصل دوروف من منصبه في الشركة.
أدرك دوروف أنّه لم يعد بالإمكان البقاء داخل روسيا، وأنّه لا بد له من مغادرة البلاد للأبد دون أي نية للعودة، فهو قد عرف بأنّه لا توجد فرصة لإنشاء عمل تجاري ناجح عبر الإنترنت داخل روسيا، إذ ستكون هناك دائمًا رقابة صارمة.
التليغرام: الطريق إلى الحرية
في أثناء التضييق على بافيل، احتاج إلى التواصل مع أخيه بطريقة مشفرة، بحيث لا تتعرض رسائلهما إلى المضايقة، لا سيّما أنّ قرارات دوروف دائمًا ما كانت مصدر غضب للحكومة الروسية. لذا، طوّر الاثنان طريقة تساعدهما على التواصل معًا بحرية دون أي قيود.
عندما خرج بافيل من روسيا، قرر الاثنان استكمال العمل على الفكرة، وتطوير تطبيق خاص بالتواصل يمكن الاعتماد عليه للتواصل المشفر الذي لا يمكن التعرض له أبدًا.
بالفعل حقق التيليغرام شهرة واسعة، واستمرت تحديات بافيل مع الحكومة الروسية التي أرادت حجب التطبيق في 2018، بعد استمرار رفض بافيل لدعمهم وتقديم معلومات عن حسابات لأشخاص من المعارضة.
في 2017 قرر بافيل نقل عمليات تيليغرام إلى دبي بدلاً من برلين. أشار بافيل في مقابلته مع بلومبرج بنهاية العام ذاته، إلى أنّ قرار الانتقال إلى دبي أتاح له طرقًا أفضل يمكنه من خلالها استخدام أمواله لصالح المجتمع، نتيجة عدم وجود ضريبة دخل شخصية في المدينة.
وحصل على الجنسية الإماراتية التي تعتبر أقوى جواز سفر في العالم، وفي أغسطس 2021، حصل أيضًا على الجنسية الفرنسية بحسب ما أقره موقع الحكومة الفرنسية.
ما هي أهم دروس الأعمال التي يمكن تعلمها من بافيل دوروف؟
تشمل تجربة بافيل دوروف على العديد من الدروس المفيدة لأصحاب الأعمال، التي تساعدهم على إدارة أعمالهم بطريقة ناجحة. من أهم هذه الدروس:
1. التمسك بقيم العمل
"لسنا على استعداد للتنازل عن قيمنا من أجل زيادة حصتنا في السوق".
ينافس تيليغرام عمالقة التكنلوجيا وشركات لها وجود منذ سنوات عديدة، وشركات تحصل على دعم مستمر. لكن برغم ذلك يثق الكثير من المستخدمين في التيليغرام، ويرونه التطبيق الأفضل ضمن تطبيقات التواصل الاجتماعي، والأكثر أمانًا من ناحية التواصل.
يعود السبب في ذلك إلى تمسك بافيل دوروف بخصوصية المستخدمين، وعدم تقبله خرق هذا الأمر لأي سبب، حتى إذا كان سيسبب له ضررًا مثلما حدث مع VK. عندما يرى المستخدمون أنّك تتمسك بقيمك حقًّا، لا سيّما تلك التي ترتبط بهم بصورة مباشرة، يزيد اقتناعهم بمنتجك وبضرورة استخدامه، وهو ما يؤكد على أهمية التمسك بالقيم في جميع الأحوال.
2. إنجاز الأعمال سريعًا
كثيرًا ما يقرر أصحاب الأعمال الانتظار لفترات طويلة حتى إطلاق منتجاتهم. يعود السبب في ذلك إلى حاجتهم إلى بناء منتج متكامل. يظن البعض أنّ هذا هو المسار المطلوب، إذ لا بد من التأني وأخذ الوقت الكافي قبل إنجاز العمل.
بالتأكيد لا خلاف على قيمة التأني، لكن الأهم من ذلك أنّه في عالم الأعمال اليوم لا بد من الإنجاز سريعاً واختبار الأفكار في البداية. بدلاً من تطوير منتج متكامل، الأفضل تطوير منتج بحد أدنى من المميزات (MVP) لاختبار الفكرة والتأكد من وجود احتياج لها، والأهم من ذلك أخذ خطوة نحو النزول إلى أرض الواقع.
3. الجودة هي الأهم
من أهم المبادئ التي اعتمدها بافيل في إدارته لفريق VK، هي كون الفريق متكون من أشخاص محدودين، لكنّهم يملكون موهبة وحماس كبير. يرى بافيل أنّ هذا أهم من امتلاك أعداد كبيرة من الموظفين، لكنّهم غير قادرين على إنجاز الأعمال.
بالطبع يتعلق الأمر هنا بالاختيار الصحيح للأشخاص، والقدرة على إدارتهم بالطريقة السليمة، التي تحفّزهم لإخراج طاقاتهم الكاملة، لكن هذا سيحدث عندما يكون لديهم ما يقدمونه فعلاً. لذا، لا بد من التركيز دائمًا على الجودة قبل أي شيء آخر.
ختامًا، تمتلئ رحلة بافيل بالتحديات، لكنّه سيظل أحد أهم روّاد الأعمال في العصر الحالي، ولا زالت رحلة التيليغرام مليئة بالفرص والنمو المتوقع والمحتمل.
المصادر: