إسطنبول.. مزيج الثقافة والفن المثالي في كل شيء
إذا أردتَ أن تجمع في بلد واحد كل ما تريده من أحلام صعبة التحقق، بدءًا من المعالم الأثرية القديمة، والجمال الطبيعي المتفرد، وتمازج كثير من جوانب وشخصيات الجمال في وجهات متقاربة، فإن تركيا ستكون اختيارك المثالي لكل ذلك دون جدال.
وإذا تحدثنا عن تركيا، سنذكر بالطبع إسطنبول، إنه ذلك المرفأ ذو التاريخ العملاق، تلك المدينة التي ستجعلك تتذوق جمال تركيا، وتشمه، وتبصره، ستختبره بكل حواسك في تجربة لا تُنسى.
خذ نفسًا عميقًا، استرخِ قبل أن تنطلق في جولتك الثقافية والفنية بين أهم الوجهات داخل المدينة، التي تلتقي فيها قارتان، قدمك الأولى ستكون في أوروبا والأخرى في آسيا.. ابتسم أنت في إسطنبول.
حين تسير في شوارع إسطنبول، ستكتشف أنك وسط عنوان مثالي يجمع كل الثروات التاريخية والتفاصيل المعمارية المذهلة، سترى بعينيك كيف أن مهرجانات باشكنت وبيوغلو تحيي بشكل أخاذ إرث إسطنبول الباهر. 2000 حدث و6000 فنان من أعماق تركيا يقدمون لك تراثها وجبة دسمة حلوة المذاق.. تمامًا كمطبخهم الشهير بروعته وسحر مكوناته.
مركز أتاتورك الثقافي.. نورك ينير العالم!
بعض الخطوات تنقلك إلى مركز أتاتورك الثقافي، الذي أعيد بناؤه ولكن بما لا يخل بأهم ملامح تصميمه الأصلي، لقد بات الآن قادرًا على توفير مساحة أكبر للزوار وسكان المدينة، على حد سواء، للاستمتاع بإرث فنون وثقافة إسطنبول، ومع هندسة معمارية تمزج التراث بالحداثة بشكل متفرد.
ستكون أمام دار أوبرا مذهلة تتسع لـ 2040 مقعدًا، مجهزة بأفخم التكنولوجيات المتطورة، وقاعة مسرح تتسع لـ 781 مقعدًا، وقاعة متعددة الأغراض. أنت أمام مركز ثقافي يلبي جميع الاحتياجات الفنية لمختلف الأعراق، والأعمار، والمشارِب.
عيناك لن تكفا عن التقاط الجمال بأشكاله وألوانه، حين تقعان على أعمال معمار سنان، أشهر مهندس عثماني في التاريخ، الذي بنى في إسطنبول روائع لا تزال شاهدة على ما تم الوصول إليه في تلك العهود من عبقرية البناء وجمال الزخارف.
أنت على وشك أن ترى تلك القبة المذهلة لمسجد مهرماه سلطان، ستكتشف أن القباب آية معمارية أخرى من أعمال هذا المهندس الباهر الذي عاش بين عامي 1490 – 1588 ميلادية، ولكن في مسجد سليمان القانوني.. ذلك الصرح الكبير والمُطعّم بكل نفيس، الذي كتب كلمة النهاية لمعمار سنان بين جنباته.
"نورك ينير العالم".. تلك هي الكلمات التي ستلمحها في أبنية كثيرة تعبر عن الإرث القابع في جنبات إسطنبول، تلك هي كلمات جلال الدين الرومي، الذي تحوي تركيا بشكل عام كثيرًا من الآثار الخاصة به، ولكن له في إسطنبول مكانة ثقافية فريدة يمكنك أن تستنبطها من زيارة بسيطة للمدينة.
كلمات الرومي يمكنها أن تلخص لك ما يحمله واحد من أهم معالم إسطنبول، برج جالاتا، الذي استطاع لعدة قرون أن يحافظ على كونه أطول مبنى في المدينة. لقد وفر على مدار قرون رؤية بانورامية باهرة للمدينة من أعلى، لذلك استحق هذا المعلم أن يتم إدراجه في قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو في عام 2013.
متحف إسطنبول للسينما.. يا له من سحر!
ما رأيك في أن تقدم لك أفلام السينما التركية بكل أنماطها في متحف أنيق يليق بالمكان الذي تزوره، وبالأناس الذين قرروا أن يتمتعوا بأيامهم في هذه التحفة؟! هذا ما يوفره لك متحف إسطنبول للسينما، الذي خضع لترميم شامل في 2019 وبات تحفة حقيقية تمزج التكنولوجيا الحديثة بالقيم الثقافية الفريدة لإسطنبول.
ميناء جالاتا بورت إسطنبول.. النظام الباهر
والآن لنتجه إلى وجهة المطاعم الفاخرة لتناول إحدى الأكلات التركية في أحد المطاعم الفارهة، وهناك ستجد كيف أن النظام الباهر لخدمة السفن السياحية وعملية الملاحة بشكل عام لا يقل فنًّا عما رأيته في الشوارع من كل شيء يحمل إرث المدينة التاريخية العريقة.
محطة مترو الأنفاق مصممة خصيصًا لتريكَ كل الروعة في هذه البقعة الساحرة، وبشكل مجاني تمامًا، إن السياحة البحرية في إسطنبول مع أنشطة الميناء والوافدين من السياح، كل ذلك حول ميناء المدينة التاريخي إلى ميناء رحلات بحرية فارهة على مستوى عالمي، وحول المدينة أيضًا إلى وجهة سياحية خلابة أكثر مما كانت عليه إسطنبول بالأساس، ووفر خيارات رائعة للنقل وبيئة صحية وآمنة ثقافيًّا تجعلك تتنفس عبق التاريخ بسلاسة، تمامًا كما تُعدُّ تلك البقعة متنفَّس المدينة كلها من ناحية الطقس.
وعلى هامش الاهتمام بجالاتا بورت إسطنبول، فإنه جرى توفير كل شيء لازم لهواة التسوق وتناول الطعام والاستمتاع بالفنون في المحيط، كما يجري ترميم كثير من المباني التراثية المتاخمة للميناء لإضافة مزيد من السحر الذي لا تعرف إسطنبول كيف تنهيه!
مسجد آيا صوفيا.. التمازج الكامل
إلى نقطة أخرى تمثل التقاء للثقافة البشرية المشتركة، إنه مبنى آيا صوفيا الباهر الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس، سترى فيه عيناك بوضوح روعة القبة الشاهقة، والأعمدة الرخامية الملونة.
لقد شُيد مبنى "آيا صوفيا" بواسطة الإمبراطور البيزنطي جستنيان محل الأكروبوليس في الإمبراطورية الرومانية الشرقية. كلما ابتعدت عن المدينة أكثر، ستكتشف أن أفق إسطنبول الممتد لا يمكن رؤيته دون قبة آيا صوفيا الباهرة.
التمازج يكتمل حين يقدم لك هذا الصرح الجذاب في نصبه، فسيفساء رومانية شرقية رائعة مطعمة بكلمات عثمانية ذات خط فريد ينتمي لإرث إسطنبول، فتدرك أن هنا يمكن أن يلتقي كل شيء، كل ضد، في وعاء مشترك يستوعب الثقافات جميعًا.
هذه البقعة التي بني عليها المسجد في السنوات الأخيرة هي واحدة من أقدم المزارات المقدسة في العالم، ولذلك فقد أدرج آيا صوفيا في قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1985.
ميدان سباق الخيل.. الرياضة لها إرث في إسطنبول
حتى الرياضة لها إرث في إسطنبول، ستراه حين تقتحم ميدان سباق الخيل المشيد في عهد الإمبراطور الروماني سيبتيموس سيفيروس.
ميدان سباق الخيل كان لوقت طويل مركز الأنشطة الترفيهية للمدينة القديمة في إسطنبول. وإلى جانب قيمته الترفيهية فقد كان يمثل عبر التاريخ ملتقى شاسعًا لأهالي المدينة، قبل أن يحول العثمانيون تلك الساحة إلى إرث بالغ الأهمية جمعوا فيه تراث حضارات كثيرة صبت في تلك البقعة. ففي أواخر القرن الرابع جلبت مسلة من مصر على سبيل المثال، يمكنك أن تراها منتصبة في المحور المركزي للساحة، إضافة إلى النافورة التي قدمها القيصر فيلهلم الثاني في عام 1895 إلى الإمبراطورية العثمانية.
ستسير حتى تُرهَق قدماك، ستكتشف أن التاريخ يستطيع أن يُرهقك مشيًا، بقدر ما يرهقك تتبع معالمه عبر السنين، ولكنك ستتأكد في تلك المدينة، أن هناك ما يستوعب هذا كله.. إنه ما يطلق عليه "الإرث" و"العراقة".. إنها إسطنبول.