مريهان الباز لـ «الرجل»: تعرضت للتنمر والرفض.. ووالدي علمني الصمود والمواجهة
تجذبك روحها العفوية فقط بالتواصل معها، هي ليست ممثلة ولا فاشنيستا، ولا تنتمي لعالم الفن، اختارت أن تكسر الصورة النمطية للمرأة وتذهب إلى عالم آخر مختلف تمامًا عن السائد، لقد اقتحمت عالم صيانة السيارات، لتكون أول امرأة سعودية تعمل في مهنة ميكانيك السيارات (مكيانيسيان)، وتثبت ذاتها في مهنة طالما ارتبطت بالرجال، دون أن تفقد شيئًا من سحرها وأنوثتها.
تعترف بأن اختيارها لم يكن بلا تحديات، فقد تعرضت للتنمر والرفض، لكن والدها وقف معها ودفعها للمواجهة والصمود، فهو معلمها في المهنة، ومثلها الأعلى في الحياة، كان دائمًا إلى جانبها في أثناء دراستها وعند دخولها معترك الحياة العملية، ووصولها إلى فريق رالي السيارات.
مسيرة ليست طويلة لكنها متميزة، خَطتها السعودية مريهان الباز، لتكون بمنزلة نموذج للفتاة السعودية الطموح، التي حملت على عاتقها مسؤولية رسالة فتح المزيد من أبواب العمل أمام المرأة. كان لمجلة "الرجل" معها هذا الحوار الشفاف والثري، الذي امتلأ بالجرأة والوضوح في مشاركة ما وصلت إليه.
طفولتي سعيدة
تقول عن نفسها "أنا شابة سعودية طموحة، فخورة بنفسها، وتؤمن بعدم وجود أي حدود تُعيق قدرتها على تحقيق الإنجازات"، وتشرح لمجلة الرجل أنها نشأت ضمن أسرة مكونة من 7 أفراد إخوتها وأخواتها، أما والدتها فتصفها بأنها "سيدة أعمال ناجحة" وتضيف "بالرغم من انفصال والدي ووالدتي لم أشعر بهذه المشكلة أو أنها أثرت عليّ، بالعكس كانوا داعمين لي ولجميع إخوتي، وحرصوا على أن يكون طريقنا سواء من حيث التعليم أو التعلم من خبرات الحياة مميزًا، وكانت طفولتي سعيدة جدًا ولله الحمد".
أبي علمني المهنة
تعد والدها أهم شخصية في حياتها، تقول إنه علمها ما لم تكن تتوقع يومًا أن تتعلمه، فبالرغم من أن دراستها لا علاقة لها بمجال الميكانيك، فإنها استطاعت من خلال تشجيعه المستمر أن تكتسب كل خبراته. وتضيف "كان المرشد والمعلم والمشجع مكّني وأثقلني ووقف معي أمام كل الصعوبات، لم أكن أتوقع دعمه أو أنه سيأتي يومًا ويعلمني الميكانيكا خصوصًا أنها صعبة جدًا للأنثى، ولكني أحببت المهنة حقًا وشجعني ومارستها وأصبحت أول فتاة سعودية ميكانيكية".
اعتمدت على نفسي
"والدي كان شديدًا لكنه بالتأكيد هو مثلي الأعلى". وتضيف "الباز": "وبالرغم من الدلال الذي كنّا نحظى به كان يفكر في مصلحتنا وكيف يمكننا الاستقلالية بالمستقبل، فلم تقف طموحاته بحصولنا على شهادة علمية، بل سعى بكل الطرق لتنمية مهاراتنا الحياتية"، وتوضح أنه لم يمانع عندما قررت والدتها أن تكمل دراستها في الخارج، تقول "كان هدفه أن تصقل الغربة من شخصيتي، وحدد لي مبلغًا معينًا بالرغم من قدرته المادية كي أعتمد على نفسي، واضطررت حينها للعمل بعد الجامعة في أحد المطاعم كي أستطيع أن ألبي احتياجاتي".
وترى أن الرجل الطموح والإيجابي هو الرجل المثالي، خصوصًا إذا كان يعمل لنفسه وينفق على من حوله.
وعن قدوتها وملهمها على المستوى المهني تؤكد الباز أن "الملهم والقائد والمشجع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فهو من قال «اعمل بإتقان، وأتقن في رسم المملكة العربية السعودية لوحة جميلة وعادلة»". مؤكدة أنها تسير على هذا الخط.
لم أدرس الميكانيك
ليس لدراسة مريهان الباز علاقة تذكر بمجال عملها في ميكانيك السيارات، فقد اختارت في البداية الهندسة المعمارية، لكنها لم تكمل، وتضيف "بعدها توجهت لتخصص الإعلام ودرست بكالوريوس إعلام، ثم حصلت على تخصص آخر وأخذت بكالوريوس علم نفس". وتلفت إلى أنه لو عاد بها الزمن إلى الوراء، لكانت اختارت تخصص ميكانيك السيارات، وتعلق مضيفة "دراستي أفادتني فقط أن أفهم شخصيات كثير من الزبائن الذين أقابلهم".
اعتماد متبادل
ترى الباز أنه لا يمكن للرجل أو المرأة، الاستغناء عن الطرف الآخر، فكلاهما مكمل لبعض، وإلا لما خلقت حواء من أجل أن تكون مع آدم، ولكل منهما دور في حياة الآخر، بحسب تعبيرها.
وعن الانطباع السائد بأن بعض الرجال يتعمدون محاربة المرأة الناجحة، تقول "هناك بعض الرجال حاربوا المرأة، ولكن أعتقد أن تربيتهم الخاطئة أثرت عليهم، ولكن ليس هذا السائد، وأعتقد أنه مثلما هناك من يحارب هناك من يساند، والسائد اليوم المساندة".
وعن قدرة المرأة على إدارة الرجل في مواقع العمل، ترى الباز أنه إن كانت تتصف المرأة بصفات القيادة تستطيع، فالشخصية برأيها هي التي تتحكم في الإدارة، وتضيف "النساء أكثر حزمًا وذلك لأننا جديون بالعمل أكثر، ونهتم بتفاصيل قد لا يلتفت لها الرجل، وهذا الكلام ليس تحيزًا بل واقع من تجربة".
عن رأيها بالرجل المغرور والنرجسي تقول "أحب الرجل المغرور والنرجسي فقط لأن أقلب عليه الطاولة، وأثبت له أنه لا شيء وغروره على نفسه، والشخصية الضعيفة أشفق عليها لأنه نشأ في بيئة سببت ضعفًا لشخصيته".
وردًّا على سؤال إن كان هناك تخصصات لا يمكن للمرأة اقتحامها تقول "طالما لدي قدرات أستطيع العمل بأي مجال، لكن هناك أعمالاً تنافي الفطرة كالملاكمة مثلاً، فبالرغم من أن هناك ملاكمات لكني شخصيًّا أعدها منافية للفطرة سواء بالمظهر أو بسبب ما تتعرض له من ضرب وكذلك العكس هناك أعمال تنافي الفطرة للرجل".
لدي ثلاثة أسباب
وعن اقتحامها مجال إصلاح السيارات كأول سعودية تكسر احتكار الرجال للمهنة تعلق الباز بالقول "حتى العمل بالمطبخ اقتحمه الرجال ولم نفكر حينها، كيف دخلوا على مهنة كانت حكرًا على النساء، عني شخصيًّا وبالرغم من سعادتي باللقب كأول سعودية تدخل مجال الميكانيكا كعمل، وقد أحببته لثلاثة أسباب أولاً والدي الذي علمني وأيضًا كنت أعيش حالة عاطفية مع شاب كان ينظر لي نظرة إعجاب، كلما يراني أمارس الميكانيكا مع والدي، وقد يكون هو سبب تحول رغبتي بممارستها واستمراري فيها وأيضًا أهم نقطة هو رغبتي بالنجاح، فلقد وجدت نفسي لا إراديًّا أخوض المجال".
وتتابع: "منحت الفتاة السعودية فرصة لتؤكد أنها قادرة مهما كان العمل أن تنجح فلا حكر لأي عمل بأن يكون خاصًا للرجال أو خاصًا للنساء ولكن هناك تحقيق طموح مهما كان المجال".
مشاركتي في المارشالز
حب الباز للسيارات دفعها للتقديم للمارشالز، وبالرغم من أنها فكرة تطوعية لكن عندما وصلت إلى المعلومات كان وقت التسجيل انتهى، تضيف "ولكن إصراري هو سبب مشاركتي، فلقد حاولت بشتى الطرق إقحام نفسي بالرغم من قول المسؤولين حينها إنه لا يمكن خصوصًا أن الموضوع يحتاج إلى تدريب. في هذا الوقت شاهدني شخص ونقل إصراري بالمشاركة للأميرة الدكتورة عهد آل سعود رئيسة نادي المارشالز السعودي، التي وجهت مشكورة بمشاركتي في الفورمولا وعرضوا علي فكرة أن أكون ضمن فريق الكرين، خصوصًا أنه لا يمكن لأي ميكانيكي بالحياة يمتلك خبرة لا يستطيع قيادته، وتوظفت متطوعة ضمن ثلاث فتيات فقط في المجموعة وكنا أول ثلاث فتيات شاركن بهذا الدور الذي اقتصر على التدخل السريع في حال وقوع أي حادث في الحلبة. وفجأة اكتشفنا ومن خلال الإعلام وتسليط الضوء على أننا كنّا أول نساء في العالم نشارك في هذا المجال، وهنا كانت نقطة تحول في حياتي".
وعن المشاركة بأول رالي ملاحي صحراوي للسيارات مخصص للسيدات تقول "شاركت تشجيعًا للفتيات أكثر من نيتي للفوز، ولقد مارست خلال الرالي مهام الميكانيكا فلقد توقفت أكثر من مرة في أثناء السباق، وساعدت فتيات لتغيير كفرات السيارات، وكانت تجربة جميلة لي".
خطئي بعشرة…
تُجمل العقبات التي واجهتها الباز بـ"عدم تقبل الآخرين دخولي للمجال"، وتضيف "لكن والدي دفعني للصمود والمواجهة، وتعرضت لتنمر وانتقادات، ولكن هذا ما جعل الأمر لي تحديًا، فالميكانيكي الرجل مسموح له أن يخطئ، بينما أنا سيؤخذ خطئي بعشرة، وسأخسر سمعتي لذا أنا حريصة جدًا على إتقان عملي".
وتتابع "بصراحة بمرحلة معينة فشلت فشلاً ذريعًا على كل الأصعدة، سواء بعملي أو انفصالي عن زوجي أو حتى مع عائلتي، لكن هذا الفشل دفعني لأقف من جديد ونجحت".
عقبات أخرى تنوه لها الباز "عدم وجود مراكز أو معاهد للميكانيكا للنساء، وقد بحثت كثيرًا وطالبت بإعداد دورات، لكن للأسف ما زال هذا الجانب وتعليمه مفقودًا للمرأة، وعلى سبيل المثال بحثت بجهد لأجد من يعلمني كهرباء السيارات، لكن للأسف لم أجد داخل السعودية ولم ألجأ للخارج لصعوبة الغربة، فلقد عشت بلبنان فترة 8 سنوات في أثناء دراستي، والحقيقة أن الغربة كربة ولن أكررها".
وعما إذا تمكنت من بناء علاقات صداقة ترتكز على العمل تقول "هناك صداقة في مجال العمل وهناك صداقات شخصية ولدي أصدقاء رجال أثق بهم ويساعدوني كثيرًا، منهم لؤي السليماني وبندر العمري ولهم فضل كبير على تعليمي بعد والدي".